فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية، يوم 26 مارس/آذار 2024، عقوبات على أفراد وكيانات يدعمون نظام الأسد، من خلال عمليات تجارة وتصدير المواد المخدرة من سوريا، وإجراء التحويلات المالية غير المشروعة من شركات الصرافة والحوالات المالية.
وأكد وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براين أي، أن نظام الأسد يواصل استخدام مجموعة متنوعة من المخططات بغية التهرب من العقوبات في إطار حملته القمعية (طويلة الأمد) ضد مواطنيه، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات غير المشروعة، واستغلال صرف العملات، والاستفادة من الأعمال التجارية التي تبدو مشروعة.
وطالت العقوبات الأمريكية عددًا من الشخصيات والكيانات التي قدمت دعمًا ماليًا وماديًا لنظام الأسد، هم: طاهر الكيالي وشركته “نبتونوس”، ومحمود عبد الإله الدج مالك شركتي “الطير الحر” و”فري بيرد” للسياحة والسفر، وتوفيق محمد سعيد علاء، يعمل صرافًا سوريًا في لبنان، ومحمد علي المنلا رئيس المعاملات الخارجية في بنك سورية المركزي، إضافة إلى شركات مايا للصرافة، الفاضل للصرافة، الأدهم للصرافة.
“تبتونوس” و”الكيالي” في تصدير الكبتاغون
يملك طاهر الكيالي شركة نبتونوس (Neptunus) المتخصصة في الاستثمار ضمن قطاع الخدمات البحرية وتموين السفن، وشراء وبيع وصيانة المعدات البحرية، في محافظة اللاذقية على ساحل المتوسط، لكنه حول شركته إلى تصدير الكبتاغون والحشيش لصالح نظام الأسد.
واستخدم الكيالي شركته لشراء سفينة الشحن نوكا (Noka) التي كانت تحمل أكثر من 100 مليون دولار أمريكي، من الكبتاغون والحشيش، عندما اعترضت طريقها السلطات اليونانية عام 2018، في أثناء طريقها من ميناء اللاذقية إلى شرق ليبيا، حسب وزارة الخزانة الأمريكية.
وفي سياق آخر، كشفت السلطات الإيطالية في فبراير/شباط 2023، خلال تحقيقات استمرت نحو عام ونصف عن المسؤول الرئيسي عن شحنة كبتاغون (تزن 14 طنًا) تخطت قيمتها المليار يورو، كانت قد صادرتها السلطات الإيطالية قبالة ميناء ساليرنو بمقاطعة نابولي على سواحل البحر المتوسط، في يوليو/تموز 2020.
وكان يعيش الكيالي قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، في إيطاليا مع عائلته، قبل أن يعود إلى اللاذقية خلال عام 2015، على خلفية إدانته بتهمة قيادة عصابة تهرب السيارات الفخمة المسروقة من ميناء روتردام، إلى أن أسس في أغسطس/آب عام 2017 شركة نبتونوس في سوريا، وشركات تجارية وهمية أخرى بهدف تجاوز العقوبات على نظام الأسد.
الدج وشركتا السياحة والسفر
أدرج محمود عبد الإله الدج في قانون العقوبات مع الكيالي على خلفية دوره البارز في تيسير تجارة الكتباغون والحشيش، في سفينة نوكا التي صادرتها السلطات اليونانية.
ويعمل الدج وكيلًا لشركة الطيران السورية أجنحة الشام في ليبيا (متهمة بتهريب المخدرات والبشر) من خلال شركة الطير الحر للسياحة والسفر، التي استخدمها في تلقي بضائع مرتبطة بشحنات الكبتاغون، ما دفعه إلى تسجيل شركة إضافية فري بيرد (FreeBird) للسياحة والسفر، على خلفية إدانته وشركته الطير الحر في تهريب المخدرات والبشر إلى ليبيا.
ويرأس الدج (يتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لإقامته) مجلس إدارة شركات الطير الحر للسياحة والسفر، وفري بيرد للسياحة والسفر، وشركة الدج للصناعات التحويلية، إضافة إلى مطعم ومنتزه نسمة شام في العاصمة السورية دمشق.
وأعلن جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في ليبيا عن ضبط شحنة مخدرات، قادمة من سوريا في 12 مارس/آذار، تحتوي على 16.5 مليون قرص كبتاغون موضوعة في ثلاث حاويات، كانت متجهة إلى السودان، وأكدت تقارير صحفية، أن تجارة الكبتاغون بين نظام الأسد والمناطق التي يسيطر عليها اللواء خليفة حفتر في ليبيا، نشطت خلال السنوات الماضية، تزامنًا مع افتتاح شركة الطير للتجارة الدولية والشحن.
شركات للصرافة والحوالات المالية
أدرجت وزارة الخزانة محمد علي المنلا، رئيس إدارة العمليات الخارجية والاتصالات داخل مديرية العمليات المصرفية في بنك سورية المركزي، عقب تعاونه مع أليكسي ماكاروف، نائب رئيس بنك الشركات المالية الروسي (RFC Bank)، في تحويلات العملات الأجنبية الإضافية ومخططات التهرب من العقوبات، لصالح البنك السوري، بالتعاون مع شركة مايا للصرافة.
ووافقت شركة مايا للصرافة (Maya Exchange)، منتصف عام 2023، على مساعدة ماكاروف، الروسي، والمنلا السوري، في تسديد مدفوعات إلى مستفيد أردني، مع إخفاء المشاركة الروسية في المعاملات.
وبناءً عليه، أدرجت شركة مايا للصرافة، على قانون العقوبات الأمريكية، وهي شركة مرخصة من مصرف سورية المركزي، وتعمل في مجال بيع وشراء العملات الأجنبية، واستقبال وإرسال كل الحوالات المالية التجارية والشخصية، وتنشط في محافظات دمشق حمص طرطوس، وشبكة مراسلين في موسكو وأربيل وعمان.
أضيفت شركة مايا للصرافة إلى جانب شركتي الفاضل للصرافة (Al Fadel Co)، والأدهم للصرافة ADHAM) EXCHANGE) وهما شركتان مدرجتان سابقًا في قانون العقوبات، وذكرا مؤخرًا لاستمرار نشاطهما في المعاملات غير المشروعة وتحويل العملات الأجنبية بهدف التهرب من العقوبات لصالح حكومة نظام الأسد.
وأدرجت شركة الفاضل للحوالات المالية في قانون العقوبات الأمريكية في مايو/أيار 2023، بعد تسهيلها عمليات تحويل مالية تقدر بملايين الدولارات منذ عام 2021، لصالح حسابات في مصرف سوريا المركزي المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، فضلًا عن تسهيلات مالية لعدد من المسؤولين في ميليشيا حزب الله اللبناني.
وتأسست شركة الفاضل في أبريل/نيسان 2015، ويملكها ثلاثة أشقاء هم: فاضل بلوي ومطيع بلوي ومحمد بلوي، وكانوا الوحيدين المخولين بالعمل نيابة عن حزب الله من مصرف سورية المركزي المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية.
كما أدرجت ضمن عقوبات شركة الأدهم للصرافة، بعدما سهلت عمليات تحويل بملايين الدولارات منذ عام 2021، لحسابات في مصرف سوريا المركزي، حيث حولت أموالًا إلى الخارج لصالح مصرف سورية المركزي بشكل منتظم منذ أواخر العام 2022.
وتأسست شركة الأدهم للصرافة في أغسطس/آب 2008، وتتخصص في شراء وبيع أوراق النقد الأجنبي والعملات المودعة في حساباتها المفتوحة لدى المصارف المحلية، وتجري الأعمال التي ترتبط بالحوالات والصرافة المالية.
وفي السياق، شملت العقوبات توفيق محمد سعيد علاء، صراف عملات سورية ويملك شركة القانون للصرافة (مقرها لبنان) عمل على إجراء تحويل عملات مشفرة نيابة عن شركة القاطرجي (شركة سورية خاضعة للعقوبات)، فضلًا عن تحويلات العملات المشفرة لمسؤولين مدرجين على لائحة العقوبات في ميليشيا حزب الله اللبناني، وبينهم محمد جعفر قصير ومحمد قاسم البزال، وسعيد الجمل وشبكته.
كما طالت العقوبات شركة (STG Logistic) الروسية، ذات المسؤولية المحدودة، بعدما أدت مبيعات للمشترين في الخارج، وأعادت بإيرادات بقيمة عشرات ملايين الدولارات لصالح حكومة نظام الأسد، كما شملت العقوبات شركة (Grains Middle East Trading DWC-LLC)، التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة، وسويسرا، مقرًا لها، ولعبت دور وسيط لشركة STG في العديد من شحنات السلع السورية.
وكانت شركة STG الروسية قد وقعت عقدًا مع حكومة نظام الأسد مدته 50 عامًا، خلال عام 2018، بهدف منحها حقوقًا في 70% من إيرادات مبيعات المناجم السورية لا سيما بالقرب من مدينة تدمر شرقي محافظة حمص وسط البلاد.
مضمون العقوبات على نظام الأسد
تواصل وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على رجال أعمال شاركوا في الأنشطة التجارية غير المشروعة، وشركات تجارية وسياحية وصرافة تعمل ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم حكومة الأخير لتجاوز قانون العقوبات الأمريكية والأوروبية.
واستهدفت عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، رجال أعمال سوريين ميسرين لعمليات تجارة وتصدير الكبتاغون والحشيش من سوريا باستخدام شركاتهم التجارية والسياحية، وإجراءات التحويلات المالية التي نفذتها عددًا من شركات الصرافة، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582 الصادر أغسطس/آب 2011، (قانون ينص على حظر ممتلكات الحكومة السورية وحظر بعض الإجراءات فيما يتعلق بسوريا)، إضافةً إلى قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين 2019.
وبناءً على قانوني العقوبات حجز مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة على جميع ممتلكات ومصالح الأشخاص المدرجين على لوائح العقوبات والموجودة في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أمريكية.
كما أنها ستحظر عمل أي كيانات مملوكة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبشكل فردي أو إجمالي، بنسبة 50% أو أكثر من شخص واحد أو أكثر من الأشخاص المحظورين، ما لم يكن ذلك مسموحًا به بموجب ترخيص عام أو محدد صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، حسب بيان وزارة الخزانة.
دور العقوبات في التضييق على نظام الأسد
يستخدم نظام الأسد مجموعة من الشخصيات من رجال الأعمال والشركات التجارية السورية، كواجهة في عمليات تهريب المخدرات والحشيش من سوريا إلى البلدان العربية ودول أوروبا وإفريقيا، بينما نشطت شركات الصرافة والحوالات المالية السورية في إجراء تحويل العملات المالية بهدف الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
ويرى الباحث السياسي هشام سكيف، أن العقوبات الأمريكية تهدف إلى زيادة الضغط على مشغلي وممولي نشاط نظام الأسد، تزامنًا مع دعوته للقمة العربية، بهدف تحصيل المزيد من التنازلات.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “فاعلية العقوبات تحد من قدرة نظام الأسد وإيران على إنتاج الكبتاغون والحشيش، من خلال التضييق عليهم في أسواق التصدير الخارجية التي يعتمدون عليها في تمويل نشاطاتهم الإرهابية”.
وأضاف “عمليات تجارة المخدرات التي يمكن استمرارها من طرق مختلفة والتحويلات المالية التي تهدف تبييض وغسيل أموال حكومة نظام الأسد، تهدف إلى دفع ديون للحلفاء، وإتاوات ومبالغ تجنيد للميليشيات المحسوبة على إيران، فضلًا عن دورها في حماية الاقتصاد السوري المنهار”.
بينما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أن تجارة المخدرات مصدر دخل رئيسي لحكومة نظام الأسد، في ظل العقوبات الغربية عليها، ما يجعلها تبحث عن بدائل، وهذه البدائل تتمثل بإيجاد أشخاص أو مؤسسات خاصة تعمل لحساب نظام الأسد، ويعد شكل من أشكال الالتفاف على العقوبات.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “تهدف العقوبات الأمريكية إلى زيادة الضغط المالي على مؤسسات نظام الأسد، والحد من نشاط تصدير المواد المخدرة من سوريا”، وأضاف “حكومة نظام الأسد لديها خبرة في الالتفاف على العقوبات، كما حلفاؤها إيران وروسيا، ومهما اشتدت العقوبات تتمكن حكومة نظام الأسد من إيجاد بدائل والالتفاف عليها، من خلال شخصيات ونشاطات تعمل لصالحها”.
وأوضح أن شركات الصرافة الخاصة تعد أداة للالتفاف على العقوبات الغربية، لكن التقارير الاستخبارية الغربية تشير إلى نشاط تمويلي مرتبط بتصدير المخدرات، معتبرًا أن العقوبات الجديدة لن تؤثر على تجارة المخدرات (مصدر رئيسي للتمويل المالي) لأن نظام الأسد مستمر في البحث عن بدائل من خلال تجنيد شركات جديدة وأشخاص آخرين للقيام بالنشاط المالي نيابة عن مؤسسات نظام الأسد الرسمية.
وتابع أن تجربة العقوبات مع نظام الأسد لم تحقق النتائج المطلوبة، لأن نظام الأسد قادر على الالتفاف عليها، لكن المتأثر الرئيس هم السوريون، فالعقوبات على شركات الصرافة تؤثر على التحويلات المالية للسورين، ما يعني في النتيجة النهائية للعقوبات تأثر السوريين بشكل أكبر من نظام الأسد.
وتحظر لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية جميع العلاقات التجارية والمالية بين الولايات المتحدة وسوريا، مع استثناءات معينة لفئات معينة من المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والدواء، فضلًا عن استخدام النظام المالي الأمريكي من قبل البنوك والشركات الأجنبية لمعالجة المعاملات المتعلقة بسوريا.