ترجمة وتحرير: نون بوست
وردت مذكرة للرئيس ترامب مفادها أن “إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة تجاه إيران التي أعلنت عنها منذ ثلاثة أسابيع باتت على المحك. ومن المرجح أن يتقرر مصيرها في الأشهر القليلة المقبلة على الحدود السورية العراقية. في حال كنت جادا في التصدي للعدوان الإيراني، فعليك أن تتحرك على وجه السرعة لتمنع إيران من محاولة الهيمنة على ساحة المعركة”.
“لكن، إذا لم تقم بذلك ووقفت متفرجا لتسمح للحرس الثوري الإيراني بتأكيد سيطرته السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة انطلاقا من باكستان مرورا بالعراق ووصولا إلى تركيا، وتمكينه من إقامة جسر بري يمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، ستصبح إستراتيجيتكم الإيرانية من التحركات التي ولدت ميتة، وسرعان ما ستختفي في غياهب النسيان خلال بضعة أشهر قصيرة من الكشف عنها”.
في الحقيقة، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان ترامب يدرك حقيقة ما هو على المحك بالنسبة للولايات المتحدة في شرق سوريا أو مدى سرعة تتابع الأحداث على أرض الواقع هناك. في الوقت الراهن، تعمل جميع الأطراف على القضاء على تنظيم الدولة بسرعة في معاقله الأخيرة المتبقية في محافظة دير الزور السورية، التي تقع على طول الحدود العراقية. فضلا عن ذلك، أبدى الحرس الثوري الإسلامي، جنبا إلى جنب مع النظام السوري، والقوات الجوية الروسية، والميليشيات الشيعية المتعددة الموالية لإيران (بما في ذلك حزب الله اللبناني)، عزمهم على السيطرة على كامل المنطقة التي خرج منها تنظيم الدولة.
بغض النظر عن الخلافات الأمريكية الروسية، يعمل كلا الائتلافين على تأمين منطقة مهمة في سوريا
عقب السيطرة على هذه المناطق، ستتمكن الجمهورية الإسلامية من تحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل في تأمين ممر بري يمتد عبر العراق وسوريا ولبنان، في حين سيتكفل وكلاء إيران في بغداد ودمشق وبيروت بتأمينه. علاوة على ذلك، ستتمكن إيران من إظهار قوتها في جميع أنحاء سوريا الكبرى بشكل خطير، الأمر الذي سيزيد، على المدى الطويل، من قدرتها على تهديد حلفاء الولايات المتحدة الإستراتيجيين في” إسرائيل”والأردن والعديد من الحلفاء الآخرين.
من جانب آخر، تتمثل العقبة الأخيرة أمام تحقيق طموحات الهيمنة الإيرانية في التحالف المدعوم من قبل الولايات المتحدة الذي يتكون من الأكراد والعرب السوريين، والمعروف باسم قوات سوريا الديمقراطية. وبمساندة من قبل القوات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة الأمريكية البرية، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد تنظيم الدولة من مدينة الرقة، التي كانت في السابق تمثل عاصمة دولة خلافة التنظيم. واستمرت هذه القوات في مهاجمة معاقل التنظيم المتبقية على الضفة الشرقية لنهر الفرات بمقاطعة دير الزور، على مقربة من المحور الإيراني السوري الروسي الذي يقاتل، في الوقت الراهن، عناصر التنظيم على الجانب الغربي للنهر.
بغض النظر عن الخلافات الأمريكية الروسية، يعمل كلا الائتلافين على تأمين منطقة مهمة في سوريا، في حين أخذ كليهما يتقدمان نحو الحدود السورية العراقية، حيث يوجد الموقع العسكري الأخير لتنظيم الدولة في مدينة البوكمال ذات الأهمية الإستراتيجية. ففي الواقع، تضم المدينة طريق عبور ونقطة تفتيش تربط سوريا والعراق. ويبقى السؤال الذي لا يزال مطروحا وفي انتظار إجابة عنه: هل يهدف الدعم العسكري الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية فقط إلى هزيمة تنظيم الدولة، أم أنه أصبح الآن يسترشد بالمبتغى الأكبر للإستراتيجية الجديدة للرئيس التي تتمحور حول مواجهة قوة إيران المتنامية في المنطقة؟
من هذا المنطلق، إذا كان الدعم العسكري الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية يهدف فقط إلى هزيمة تنظيم الدولة، ستنسحب القوات الأمريكية إثر القضاء على التنظيم ونجاحها في مهمتها، من الأراضي السورية. وبالتالي، ستتخلى عن قوات سوريا الديمقراطية لتتركها في مواجهة مع المحور الإيراني السوري الروسي بمفردها، علما وأن ذاك بالتحديد ما تعول عليه إيران وحلفاؤها. ففي الحقيقة، تدرك طهران جيدا فضلا عن موسكو ودمشق، أن إدارة ترامب، وعلى الرغم من تبنيها خطاب التهديد والوعيد، لا تملك القدرة على خوض مواجهة عسكرية موسعة في سوريا.
المشروع الكردي المدعوم من قبل الولايات المتحدة في العراق على حافة الدمار والانهيار
بالفعل، أشارت إيران، بالإضافة إلى نظام الأسد وروسيا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها بمجرد هزيمة تنظيم الدولة. بناء على ذلك، يجب على قوات سوريا الديمقراطية أن تعقد صفقة مع نظام الأسد وداعميه بدلا من الانتظار لمواجهتهم بمفردها بعد أن تتخلى الولايات المتحدة عنها في ساحة المعركة.
بإيجاز، ساهمت الأحداث الأخيرة التي دارت عبر الحدود في كردستان العراق في تعزيز قوة الحجة الإيرانية المذكورة آنفا. فبغض النظر عن مزايا النزاع بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان في أعقاب استفتاء الاستقلال الذي جاء في توقيت سيء، يتمثل التصور الشامل للمشهد في الصفعة التي تلقتها الولايات المتحدة عندما تم إهانة أحد شركائها الموثوق فيهم من قبل الجيش العراقي الذي يعمل بشكل وثيق مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وقادة الحرس الثوري الإيراني.
بعد مرور عدة أيام، ومع مواصلة واشنطن مشاهدة الوضع من الخارج، سيكون المشروع الكردي المدعوم من قبل الولايات المتحدة في العراق على حافة الدمار والانهيار. وتجدر الإشارة إلى أنه في غضون 100 ساعة، يجب على الرئيس ترامب إصدار بيان للعالم يقر فيه بأن العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لوقف التهديد المتزايد للعدوان الإقليمي الإيراني يعد في الوقت الراهن في قلب الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وعلى أي حال، إذا قرر ترامب أنه يجب أن يحبط إستراتيجية الهيمنة الإيرانية في شرق سوريا، فلا يزال قادرا على فعل ذلك.
بدعم من القوات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية تتميز بقدرة قتالية عالية. ويعتبر عشرات الآلاف من المقاتلين العرب السنة من العناصر المهمة في صفوفها. ومن هذا المنطلق، يتعلق الأمر بقدرات التحالف الأمريكي، وليس القوات الموالية لإيران، في اتخاذ القرار بشأن انتزاع مدينة البوكمال والحدود السورية العراقية من أيدي تنظيم الدولة.
من دون وضع خطة فعالة على أرض الواقع للتصدي للهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا، لن يكون لدى ترامب إستراتيجية جادة لمواجهة التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن أن تؤكد لقوات سوريا الديمقراطية أنها ستبقى في سوريا حتى بعد هزيمة تنظيم الدولة بهدف مساعدتها في السيطرة على جملة من الأراضي بالغة الأهمية التي قامت بتحريرها، فضلا عن مواجهة التهديدات من قبل النظام السوري وأنصاره. وفي الأثناء، ينبغي أن يكون هدف الولايات المتحدة كسب أكبر قدر ممكن من النفوذ مع التطلع إلى عقد مفاوضات في نهاية المطاف بشأن مستقبل سوريا.
في حال كانت قوات سوريا الديمقراطية قادرة على السيطرة على البوكمال، ستصبح المناطق التي يمتلكها الائتلاف الأمريكي كبيرة ولا ينبغي أن يهدرها هباء. ومن بين تلك المناطق، مساحات واسعة من الأراضي في شمال وشرق سوريا. يضاف إلى ذلك العديد من مشاريع البنى التحتية ذات أهمية كبيرة في البلاد، حيث تعتبر أساسية في صلب مستقبلها الاقتصادي، بما في ذلك أكبر حقول الغاز والنفط في سوريا التي توجد في دير الزور، ناهيك عن بعض من أكبر سدودها ومحطات الطاقة الكهرومائية.
أخيرا، تملك الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا والخليج العربي بين يديهم المفتاح الذي سيسمح بضخ عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات الدولية التي ستحتاجها سوريا للتعافي من الدمار الذي لحق بها جراء الحرب الأهلية، والذي يتمثل في مشروع قانون الذي سيؤطر هذه المساعدات، علما وأنه لا يمكن لروسيا ولا إيران التدخل فيه.
من خلال توظيف هذه الأوراق الرابحة، ستتمتع واشنطن، فضلا عن حلفائها، على الأقل بالقدرة على المطالبة بأن تأخذ أي تسوية سياسية في سوريا المصالح الأمريكية بعين الاعتبار. ويحيل ذلك إلى وضع خطة تهدف إلى تنحية الأسد من السلطة، وضمان الحقوق السياسية والاجتماعية الأساسية للأقليات السورية، ولا سيما الأكراد. وربما الأهم من ذلك، منع إيران ووكلائها الشيعة من تركيز قوات عسكرية دائمة في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يشعل فتيل حرب إسرائيلية إيرانية في المستقبل. باختصار، يجب أن لا يكون هناك جسر بري للحرس الثوري الإيراني يُمكنه من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
عموما، لن تكون أي من هذه الخطوات سهلة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث ينطوي ذلك على تحمل مخاطر وتكاليف أكبر. ولكن سيكون الأمر متسقا تماما مع إستراتيجية جديدة يتم الإعلان عنها بجرأة للعالم، تفيد بأن أيام الولايات المتحدة على اعتبارها طرفا متفرجا أمام العدوان الإقليمي المتنامي لإيران قد انتهت. بالتالي، يحتاج شخص ما إلى إخبار الرئيس ترامب عاجلا وليس آجلا: “سيدي، لا يمكنك إعلان الحرب على الحرس الثوري الإيراني خلال شهر تشرين الأول / أكتوبر، حتى تسارع بالتراجع عن هذا الأمر خلال شهر تشرين الثاني / نوفمبر، وتتخلى عن المنطقة التي تمتد من باكستان مرورا بالعراق وصولا إلى تركيا لصالح الحرس الثوري الإيراني”.
“علاوة على ذلك، سيدي، من دون وضع خطة فعالة على أرض الواقع للتصدي للهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا، لن يكون لديك إستراتيجية جادة لمواجهة التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية. في الوقت ذاته، ستكون السياسة الجديدة المتشددة تجاه إيران التي أعلنت عنها الشهر الماضي مجرد هراء، وستكون بمثابة نمر من ورق. وعندما يتعلق الأمر بالرجال المتشددين الذين يقودون الحرس الثوري الإيراني، لن يكون التعامل معهم هينا بالنسبة للولايات المتحدة والشرق الأوسط والعالم بأسره”.
المصدر: فورين بوليسي