طالت حملة الاعتقالات غير المسبوقة التي تشنها السلطات السعودية منذ ليلة الأحد الماضي، رجل الأعمال السعودي الإثيوبي، “محمد حسين العمودي”، الذي يعد أغنى رجل في إثيوبيا على الإطلاق. ولذلك ثار جدلٌ كثيف في وسائل الإعلام المختلفة إذ وصفته صحف عالمية بأنه “أكبر ممول لسد النهضة الإثيوبي”.
استثمارات العمودي الضخمة في إثيوبيا
العمودي الذي وُلد في إثيوبيا عام 1946م من أم إثيوبية وأب حضرمي ومن ثم هاجر مع شقيقه “موريست” إلى السعودية عام 1965 وأصبح حينها مواطناً سعودياً. بدأ مسيرته المهنية في مجال البناء والعقارات، ومن ثم اتجه إلى شراء مصافي النفط في السويد والمغرب. وتمتلك شركات العمودي مجموعة واسعة من الأعمال التجارية في مجالات البناء والطاقة والزراعة والتعدين والفنادق والرعاية الصحية والتصنيع وغيرها، وفي إثيوبيا يستثمر العمودي أو “الشيخ” كما يسميه الإثيوبيون نحو 200 مليون دولار في مزارع الأرز بمنطقة جامبيلا “جنوب غرب” العاصمة أديس أبابا، تتعدى مساحة مزارع العمودي مساحة 20 ألف ملعب لكرة القدم!، بالإضافة إلى أن شركته “هوريزون” حصلت على امتياز زراعة 20 ألف هكتار أخرى في منطقة “بني شنقول” التي يُشيّد فيها سد النهضة حسبما أوردت مجلة فوربس.
نتيجة لدوره في تحريك الاقتصاد الإثيوبي، كرمته جامعة أديس أبابا بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة خلال القمة العربية التاسعة عشرة للمنتدى الاقتصادي عام 2011
كما يستثمر العمودي في إنتاج الذهب، حيث تدير شركته Midroc منجم الذهم التجاري الوحيد في إثيوبيا، فضلاً عن أنه قام بإنشاء أكبر مصانع الإسمنت في البلاد عام 2011، وتُدار معظم أعمال العمودي عبر شركتين، كورال بتروليوم القابضة Corral Petroleum Holdings، والأخرى تنفيذية وهي Midroc التي سبق ذكرها. وفي 2009، حصلت شركة سعودي ستار، التي يملكها العمودي، على عقد الانتفاع بـ10 آلاف هكتار في قامبيلا لخمسين سنة، وبعد ذلك أُضيف إليها 4000 هكتار، لتصبح مشاريع العمودي الأكثر ربحاً للحكومة الإثيوبية التي تعرض 2.5 مليون هكتار للمستثمرين الأجانب، على الرغم من انتفاع العمودي بالأرض بسعر 9.42 دولار سنوياً للهكتار الواحد.
ويمتلك محمد حسين العمودي كذلك، فندق شيراتون أديس أبابا الذي يعتبر من أرقى الفنادق في القارة الأفريقية، كما أنه يحوز على نسبة 70% من قيمة شركة النفط الإثيوبية الوطنية، إضافة إلى 5 شركات نفط أخرى بحسب موقع أويل جاز بوست، بجانب امتلاكه مصنع توسا(Tossa) للحديد والصلب في إقليم أمهرا، والذي يعد مصنع الحديد الأول في إثيوبيا وينتج 1.3 مليون طن سنويا.
تبرعه لسد النهضة
يُعد رجل الأعمال العمودي من الداعمين لسد النهضة الإثيوبي منذ عهد رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي، ففي أيلول/سبتمبر 2011، أعلن رسميًا تعهده بدفع 1.5 مليار بِر، نحو (88 مليون دولار) لصالح سد النهضة، وعلّق قائلاً : إن السد أُطلق رسمياً في أبريل/ نيسان 2011، على النيل الأزرق، وستصل قدرته التوليدية إلى 5250 ميغا واط “تمت زيادتها لاحقاً”، وهي 3 أضعاف إنتاج إثيوبيا من الكهرباء. واصفاً السد بأنه “مشروع بنيوي وطني”. ونتيجة لدوره في تحريك الاقتصاد الإثيوبي والتنمية المستدامة من خلال شركاته التي وظّفت عشرات الآلاف من المواطنين، كرمته جامعة أديس أبابا بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة خلال القمة العربية التاسعة عشرة للمنتدى الاقتصادي عام 2011م.
هل هو فعلاً الممول الأكبر لسد النهضة؟
بالعودة إلى تبرعه المباشر لإنشاء سد النهضة نجد أن مبلغ ال88 مليون دولار الذي قدمه العمودي ليس رقماً مؤثراً على إقامة مشروع ضخم مثل السد، أي أن عبارة “الممول الأكبر لسد النهضة” التي وصفته بها صحف ومواقع عربية لم تكن دقيقة بأي حال من الأحوال، فالرجل ليس سوى مشارك أو مساهم كغيره من المواطنين الإثيوبيين الذين حثتهم الحكومة على الاستثمار في السد والتبرع لصالحه، بعد أن نجحت مصر في استصدار قرار عام 2014 بوقف التمويل الدولي للمشروع باعتباره يؤثر على حصتها المائية.
قد توجه السلطات السعودية باستمرار عمل شركات العمودي كما كانت، أو ربما تستغلها من أجل الضغط على إثيوبيا سياسياً لإجبارها على اتخاذ مواقف مغايرة لحيادها من الأزمة الخليجية ورفضها الانضمام لمعسكر حصار قطر
صعوبات قد تواجه استمرار أعمال السد
لكنّ أعمال البنية التحتية في السد قد تشهد عوائق أخرى جراء توقيف العمودي، إذ إن الرجل يحتكر إنتاج الأسمنت في إثيوبيا عبر شركات المقاولات التي يعمل بعضها في سد النهضة لذا قد ترتبك مشروعات البنية التحتية رغم إعلان السلطات السعودية استمرار أنشطة شركات المتهمين وعدم شمولها في إجراءات تجميد الحسابات الشخصية.
وعلى ذكر الاتهامات التي وجهت للمعتقلين في السعودية، نشير إلى أن رجل الأعمال محمد حسين العمودي يواجه تهماً بالتورط في الفساد والحصول على اعتمادات بلغت قيمتها 4 مليارات دولار من صندوق الملك عبد الله للاستثمار الزراعي السعودي لأجل تمويل مشاريع زراعية للأرز في إثيوبيا، وبناء رصيف مينائي في إريتريا لتصدير هذا الأرز إلى السعودية. وأوضحت مصادر سعودية أن هذه المشاريع لم يتم الوفاء بإنجازها، ما دفع الدوائر العليا إلى إيقافه وفتح التحقيق معه في هذا الملف ومجموعة من الملفات الأخرى. حسبما ذكرت المصادر السعودية.
رد الفعل الإثيوبي على توقيف العمودي
حتى هذه اللحظة لم يصدر تعليق رسمي من إثيوبيا على توقيف رجل الأعمال محمد حسين العمودي، غير إن أن حكومة هايلي مريام ديسالين تترقب بشدة تطورات الموقف الذي قد يؤدي إلى حدوث أزمة دبلوماسية بين البلدين إذا طال الموضوع دون أن يتم الإفراج عنه، نسبة لأن الرجل يحمل الجنسية الإثيوبية وهو أكبر المستثمرين هناك.
السيناريوهات المتوقعة
إذا استمر توقيف العمودي لفترة طويلة ستتأثر شركاته وأعماله الخاصة في إثيوبيا وبالتالي يتأثر الاقتصاد الإثيوبي ككل، لأن استثمارات الرجل ضخمة كما ذكرنا سابقاً. ويعمل بها ما لا يقل عن 80 ألف مواطن بصورة مباشرة فضلاً عن أعداد أخرى تستفيد بصورة غير مباشرة من استثماراته.
وقد توجه السلطات السعودية باستمرار عمل شركات العمودي كما كانت، أو ربما تستغلها من أجل الضغط على إثيوبيا سياسياً لإجبارها على اتخاذ مواقف مغايرة لحيادها من الأزمة الخليجية ورفضها الانضمام لمعسكر حصار قطر، ورغم أن هذا الاحتمال بعيد لكنه يظل قائماً فالسعودية اليوم لم تعد هي السعودية السابقة التي كانت معروفة بهدوئها ورزانتها وما الأحداث الأخيرة إلا خير دليل.
في النهاية، لا اعتقد أن توقيف العمودي سيؤثر مباشرة على استمرار العمل في تشييد سد النهضة، لأنه ليس ممولاً رئيسياً كما أوضحنا، بخلاف أن الحملات الشعبية لبناء السد متواصلة، فقد أوضح تقرير حديث لمكتب تنسيق المشاركات الوطنية أنه تم جمع 417 مليون بِر من المستثمرين المحليين والأجانب في الربع الأول من السنة الميزانية الراهنة، وقال نائب المدير العام للمكتب تاجل قنوبه لوكالة الأنباء الإثيوبية، إنهم يعتزمون جمع 1.2 مليار بر من العائدات خلال هذا العام لصالح قيام المشروع الذي قطع شوطاً مقدراً يفوق نسبة 61% من الأعمال الكلية.