خلال عام من حرب السودان، تحوّلت ميليشيا الدعم السريع إلى مرادف موضوعي للبطش والتنكيل، فما أن تقترب عناصرها من منطقة إِلَّا ويسارع أهلها إلى حزم حقائبهم والتوجه إلى مناطق نفوذ الجيش، بحثًا عن الأمان.
لا يعني ذلك خلو صحيفة الجيش من التجاوزات، لكن ما تقترفه الميليشيا من فظائع كان محل إدانات دولية وأممية، حيث يعتقد أن ممارساتها ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وآخر ما خرج للعلن في هذا السياق، صور الآلاف من أهالي قرى ولاية الجزيرة (وسطيِّ السودان) يغادرون منازلهم في نهارات رمضان الحارة، على هيئة أرتال بشرية، تفر فرار الحمر المستنفرة من قساورة الدعم السريع الذين يلقبون أنفسهم بـ(الأشاوس).
الأسطر التالية تتضمن دليلًا مختصرًا من 7 بنود، لا تخلو من الظرف، لمن يريد خروجًا آمنًا من مناطق سيطرة الميليشيا التي تنصب نقاط تفتيش تترصد فيها المسافرين، ما يجعلهم مشاريع معتقلين محتملين بتهم الانتماء إلى الجيش أو إلى نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
1. تحلّى بالبرود
إن لم تكن ثلجي المشاعر، فلا تتحرك من مكانك، فالطريق محروسة برجالات الدعم السريع الذين يعدّونك متهمًا بالخيانة العظمى، حتى يثبت العكس.
كل ملتحٍ هو قيادي في تنظيم المعزول البشير، وكل شاب ممشوق القوام هو مشروع ضابط باستخبارات الجيش، وكل يافع هو أحد المستنفرين الذين استدعاهم الجيش بعد عجزه عن وقف نزف المدن والقرى منذ 15 أبريل/ نيسان العام الماضي.
بناءً عليه؛ ستتعرض لاستفزازات وتحرشات كثيرة، تشمل التحقيق والتفتيش لعشرات المرات، أحيانًا ضمن مسافات لا تتخطى الأمتار، وقد تسمع دعوات إلى تفتيش النساء بواسطة رجالات الدعم السريع، وقد يتعرض بعض معارفك للاعتقال، فإن لم تكن قادرًا على التعامل مع هكذا أوضاع، رجاءً ابقَ حيث أنت.
2. لا تخرج بلا هوية
خروجك دون هوية، أو بواسطة جواز السفر الذي لا يحدد طبيعة مهنتك، يعني عند عناصر الدعم السريع شيئًا واحدًا: أنك منتمٍ إلى الجيش وفي طريقك لإفشاء أسرار الميليشيا العسكرية، لذا احمل طي متاعك وبطاقتك القومية أو رقمك الوطني (يستحسن أن يكون نسخة أصلية)، هذا مع إشارة مهمة إلى بعض المخاطر التي قد تتهدد أصحاب مهن الصحافة والإعلام ومنسوبي أجهزة القضاء.
3. لا تكن مهندمًا
ارتداء أزياء أنيقة ومعتنى بها، قد يسرك ويتعدى لمن هم حولك من مسافرين، لكنه يضعك بشكلٍ قاطعٍ تحت مجهر الدعم السريع، فتتم رؤيتك على أنك فرد في الاستخبارات أو شخص ثري حقيق به أن يفتدي نفسه.
وعلَّ الرابط الوحيد بين الهندام والأناقة والاستخبارات، هو وجود قناعة بأن العسكريين يمعنون في الاعتناء بأزيائهم وتلميع أحذيتهم، وهو أمر بلا شك ينسحب إلى بقية حياتهم، لذا ومن تجارب معايشين لرحلة الهروب، تظاهر بالفقر ما استطعت، ارتد زيًّا بسيطًا، ويفضل ألا يكون لامس مكواة مؤخرًا، وبالطبع سيكون من الغباء أن تحدثني عن العطور والساعات الذكية.
4. لا تحمل مبالغ مالية كبيرة
صحيح أن ممّا يعدّه المسافر صنوًا للزاد، هو مال يكفيه شر سؤال الناس، لكن حمل مال كثير يجعلك محط تساؤل رجالات نقاط التفتيش.
ويمتلك عناصر الدعم السريع قناعة راسخة بأن الأغنياء إنما اغتنوا لصلاتهم بالبشير، وعليه تجنّب المال الكثير، وإن كان لا بد لك من أن تحمل مالًا فوزّعه على المسافرين معك، وإن كان الأفضل لك أن تُخبئ أموالك في أحد التطبيقات البنكية، وما أكثرها، وعشْ مع غمار الناس.
5. احذر هاتفك
أخطر ما على المسافرين في رحلة خروجهم من مناطق الدعم السريع، هو هواتفهم النقالة، فأيّ فيديو أو رسالة مؤيدة للجيش وتذم الميليشيا، وإن كانت مرسلة من شخص آخر في مجموعة تواصل في تطبيقات المراسلة الفورية، ستكون سببًا في اعتقالك مباشرة.
أيّ جهة اتصال مبتدرة برتبة عسكرية، تجعلك جنرالًا كبيرًا في الجيش، وأيّ اهتمام سياسي وإن تمظهر في صورٍ أو تسجيلاتٍ لقادة المرحلة أو تعاطفٍ مع ضحايا الحرب أو رسائلٍ إخبارية وصولًا إلى الكتب بصيغة (بي. دي. إف)، سيجعلك قياديًّا في تنظيم معادٍ للديمقراطية التي تقول الميليشيا إنها تعمل على توطينها في التربة السودانية.
لذا، راجع هاتفك بدقة، واجعله خاليًا من كل مبعثٍ للشك، أو أعده سيرة مصنعه الأولى، ومن ثم لتجنُّب إثارة الشبهات، احشده مثلًا بكل ما يخص كرة القدم، لكن إن أردت نصيحتي لا تغادر بهاتفك الذكي من الأساس، واشتر مؤقتًا هاتفًا من طبقة الجيلَين الأول والثاني، وحين تصل وجهتك اشتر هاتفًا ذكيًا واعمل على استعادة ومزامنة كل ما تركته وراءك.
6. احذف التطبيقات البنكية
في النصيحة 5 منحناك التوجيه الأمثل بعدم اصطحاب هاتفك الذكي خلال رحلتك، لكن هبْ أنك تغافلت عن ذلك، فلا تنس مع حذف مواطن الشبهات أن تمحو تطبيقاتك البنكية، سواء كانت محشوة بالمال أم خالية منه.
قد تتعرض في حال جرى اعتقالك لأي سبب، إلى حملك على دفع ما في رصيدك مقابل شراء حريتك إن لم يكن حياتك، وإن كانت حساباتك صفرية أو شبه ذلك، فقد تُحمل على الاتصال بذويك لتغذيتها بالمال اللازم لنجاتك.
7. كُن قليل الكلام كثير الإيماء
عند نقاط التفتيش عليك أن تكون طيعًا كما الميت بين يدي غاسله، وبالطبع أنت في مثالنا الميت مجازًا ولا نريد بحال أن يتحول ذلك إلى حقيقة.
وبداهة، تستدعي حالة الطاعة الصوفية المشوبة بـ”الدروشة” أن يكون صاحبها قليل الكلام، كثير الإيماء، ما يعني أن تجيب على قدر التساؤل، ولا تترك مجالًا لمستجوبك أن يوّلد تساؤلات أخرى من إجاباتك.
وهنا، نأمرك ألّا تدخل في دردشات مع رجالات التفتيش، فهذا يجعل من أغنامك تحوم حول الوغى، وفي مناطق موبوءة بالحرب.
مع ذلك، في رحلة هروبك من الدعم السريع، ارسم وجهًا أبله، يعلوه شعرًا أشعث ولحية خفيفة متناثرة، وغلّف ذلك كله بملابس قديمة بجيوب يسكنها العنكبوت، واجعل رقمك الوطني بارزًا في جلستك، ولتكثر من المكالمات الوهمية من هاتفك النقال ماركة (3310) عند كل نقطة تفتيش، وفيها صب جام غضبك ولعناتك على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وإن أردت الإجادة فدعك من حيلة الهاتف ولتكن أخرس وأبكم على سواء.
ومن بعد، لربما تمرّ من نقاط التفتيش كلها دون تعقيدات تُذكر بالمرة، وقد تأخذ بكل نصائحنا، بل بالحذر من تلابيبه، ومع ذلك تسقط في اختبار غير متوقع، كأن تقابل جنديًّا غليظًا شديدًا مصابًا بكراهة ريال مدريد فيما وصلته بجلباب ناصع البياض، فما تظنه فاعل بك؟