لم تنقل وسائل الإعلام خلال فترة تولي خالد مشعل أنباء موثوقة تُظهر طبيعة العلاقات بين الطرفين، غير أن الفتور في تواصل الطرفين وتراجع وتيرة الزيارات الحمساوية إلى طهران بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، أوضحا أن العلاقات لا تسير على ما يرام بين طهران وحماس.
لقد بدا واضحًا بعد تولي مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي رئاسة مصر أن حماس رأت في ذلك فرصة لتنويع حلفائها، بل وصولها لدرجة الاستدارة لإيران والاتجاه نحو مصر بثقلها الدبلوماسي شبه الكامل، لكن حدوث انقلاب 3 من يوليو/تموز في مصر، وبقاء النظام السوري قائمًا على أصوله، وفشل حماس في إحداث تقارب تحالفي مع الدول الخليجية، خاصة مع السعودية التي زارت القيادة القديمة سفارتها في الدوحة أكثر من مرة، وغيرها عوامل على الأرجح أخذت بحماس نحو التراجع عن مسار الاستدارة لإيران.
كيف لا! والقيادي في حماس سامي أبو زهري الذي زار إيران ضمن وفد حماس، صرح في 22 من أكتوبر/تشرين الأول بأن الخلافات مع إيران باتت من الماضي، بما يُشير مما لا شك فيه إلى أن العلاقات بين الطرفين كان تمر بحالة من التوتر والخلافات منذ انطلاق الثورة السورية وحتى التاريخ القريب.
ولم يكد يمضي عام على تولي يحيي السنوار ـ الشخصية الأمنية والعسكرية ـ لقيادة حماس، حتى بدأت زهور ربيع التقارب الإيراني ـ الحمساوي تتفتح، مشيرة إلى دخول العلاقات بين الطرفين إلى فصلٍ جديدٍ يتسم بالتوجه الحمساوي الفسيح نحو إيران التي على ما يبدو تشكل للحركة الصدر الرحب، في ظل الخناق الإقليمي والدولي الذي يحيط بها.
تقارب حماس من إيران ينذر باحتمال مواجهة حماس تحديات عدة تتجسد بشكل أساسي على صعيد الضغط العربي الحكومي والشعبي في اتجاه ضرورة تخفيف علاقاتها مع إيران
وتعكس زيارة وفد من حماس إلى طهران في 4 من أغسطس/آب برئاسة عزت الرشق وعضوية صالح العاروري وآخرين، ومن ثم زيارة وفد جديد بقيادة صالح العاروري في 20 من أكتوبر/تشرين الأول من العام الحاليّ، مدى حرص حماس على تذويب الجليد مع الدولة التي تصفها صحيفة “الرسالة” المقربة لحماس بالداعم العسكري الوحيد للحركة.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن العوامل أدناه هي التي تؤدي دورًا في التقارب الملموس للطرفين:
1ـ سيطرة العقلية الأمنية والعسكرية على قيادة الحركة
ترى القيادة العسكرية لحماس، لا سيما رئيس المكتب السياسي والقائد العسكري والأمني في غزة يحيي السنوار، إلى جانب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، أن إيران الداعم الأكبر لكتائب القسام، وللإبقاء على قدرات القسام وتطويرها لا بد من الإبقاء على خط التواصل مع إيران في ظل المعمعة العاصفة التي تمر بها المنطقة، بعد ظهور عدة توجهات لدى دول عربية نحو التطبيع مع “إسرائيل”، في ضوء ما أُطلق عليه “صفقة القرن”.
وتُذكرني هذه الاستراتيجية بالاستراتيجية التي اتبعتها دمشق مطلع التسعينيات وبعد مؤتمر مدريد للسلام، حيث وجدت دمشق أن طهران تمثل لها ظهير داعم وقوي في ظل توجه منظمة التحرير الفلسطينية نحو إجراء عملية سلام تُطفئ شعلتها في المنطقة، وبالتالي تجعل الولايات المتحدة و”إسرائيل” أكثر سيطرة.
2ـ اتضاح محاور الساحتين الإقليمية والدولية
ربما يأتي هذا العامل في إطار تكميلي للعامل المذكور أعلاه، إذ بدأت الساحة الدولية تتجه صوب رجوح كفة الميزان لصالح تعدد القطبية بعض الشيء، بعد ظهور الدور الملموس لروسيا على الصعيد السياسي، والدور الملموس للصين على الصعيد الاقتصادي، والدور الملموس لبعض دول الاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا، بعد رفضهم سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة.
بتطبيق حماس سياسة متوازنة بين تقاربها مع إيران وإبقائها على علاقاتها الدبلوماسية الجيدة مع دول عربية، كقطر والأردن والجزائر ومصر وغيرها، بعيدًا عن اتباع السياسات القطبية، قد يجعلها قادرة على مواجهة هذه التحديات
ويبدو أن إيران تحظى بعلاقات جيدة مع هذه الدول المذكورة، وهو ما يجعل حماس تجد ملاذًا لها في التقارب من إيران الداعمة لها، والتي تحظى بعلاقات دولية محورية تواجه إلى حد ما القطب الأمريكي الإسرائيلي.
وعلى الأرجح ترى حماس في ذلك التقارب خيارًا استراتيجيًا بعد خوضها مفاوضات المصالحة، لحاجتها إلى قوة ترتكز عليها في استمرارية الدعم العسكري الذي تسعى من خلاله إلى مواجهة ما تخبئه لها مفاوضات المصالحة التي تُرجمت على أنها تأتي في إطار “صفقة القرن”.
3ـ الأزمة الخليجية
لقد أحدثت الأزمة الخليجية تساقطًا لآثارها بشكل واضح، من خلال توجيه الدول المقاطعة لقطر – الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية – اتهامات إلى قطر باحتضان جماعات إرهابية، مشيرين إلى حماس بالتلميح تارة وبالتصريح تارة أخرى، وهذا ما يكاد يشكل عاملًا أساسيًا في دفع حماس نحو إيران لتخفيف الحرج عن قطر، في حال اضطرت للطلب منها إغلاق مكتبها أو تخفيف نشاطاتها في الدوحة.
في الختام، تقارب حماس من إيران ينذر باحتمال مواجهة حماس تحديات عدة تتجسد بشكل أساسي على صعيد الضغط العربي الحكومي والشعبي في اتجاه ضرورة تخفيف علاقاتها مع إيران، لما تلعبه – أي إيران – من دور في نشر الفتنة الطائفية، لكن بتطبيق حماس سياسة متوازنة بين تقاربها مع إيران وإبقائها على علاقاتها الدبلوماسية الجيدة مع دول عربية، كقطر والأردن والجزائر ومصر وغيرها، بعيدًا عن اتباع السياسات القطبية، قد يجعلها قادرة على مواجهة هذه التحديات.