ترجمة وتحرير نون بوست
كان هشام يستمتع بالطقس الشتوي المعتدل خلال جولته الأخيرة في الحي الدبلوماسي بالرياض عندما أوقفته الشرطة فجأة.
سألوه وهم يشيرون إلى قميصه المكتوب عليه كلمة “فلسطين” بستة خطوط مختلفة: “لماذا ترتدي هذا؟ هذه إشارة سياسية”، وحذره الضباط: “نحن مؤيدون لفلسطين، لكن لا تفعل ذلك”.
وقال هشام، وهو موظف حكومي: “كان عليَّ أن أهدئهم بالقول: حسنًا، سأغادر، لا داعي للقلق، لن أرتديه، وفكرت: هذا ليس المكان المناسب لمثل هذه القمصان”.
مثل العديد من السعوديين؛ يشعر هشام بالتضامن العميق مع الضحايا الفلسطينيين للهجوم الإسرائيلي الذي استمر خمسة أشهر على غزة، وهو السبب وراء اختياره للقميص، لكن رد الشرطة يسلط الضوء على القلق الصادر عن القيادة السعودية، التي كانت تقترب قبل الحرب من التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
والآن يشعر قادة السعودية بالقلق إزاء التهديد الذي يفرضه الصراع المطول في غزة على فرصها في استئناف هذه العملية، فضلًا عن خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتماسك المملكة.
دعا المسؤولون السعوديون مرارًا وتكرارًا إلى وقف الحرب وقادوا الدول العربية إلى اتهام “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب في غزة؛ حيث يخشون أن تؤدي الصور الوحشية التي تظهر من المنطقة الممزقة إلى تطرف سكانهم الشباب.
وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان عقد في مقر الأمم المتحدة في جنيف، في شباط/فبراير الماضي، إن “أي حوار مؤسسي حول حقوق الإنسان لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد إذا كان يتجاهل الوضع المأساوي في فلسطين، عن أي حقوق نتحدث وغزة تحت الرماد؟ كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى صامتًا وأهل غزة مشردون ويعانون من أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان؟”.
مع ذلك؛ حتى مع انتشار الغضب العام في جميع أنحاء المملكة، فإن الولايات المتحدة تدفع بإمكانية تطبيع السعودية للعلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” كحافز رئيسي لدفع الدولة اليهودية نحو تسوية أوسع لإنهاء صراعها الذي طال أمده مع الفلسطينيين.
ولطالما اعتُبِرت السعودية هي الجائزة الكبرى لـ “إسرائيل”، وباعتبارها أكبر اقتصاد في العالم العربي وموطن الحرمين الشريفين في الإسلام، فإن قرار المملكة بتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية سيكون له آثار بعيدة المدى.
وفي الأشهر التي سبقت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي أدى إلى اندلاع الحرب، كانت السعودية تتجه نحو صفقة كانت ستستبدل بمعاهدة دفاع أمريكية جديدة واتفاق مع واشنطن لنقل التكنولوجيا النووية مقابل اتفاق تطبيع.
وكان من المقرر أن يسافر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الرياض في تشرين الأول/أكتوبر للتوصل إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني، لكن هذه الخطط انقلبت رأسًا على عقب عندما شنت حماس هجومها، وقال شخص مطلع على المحادثات: “كان لدينا بالفعل الخطوط العريضة” لاتفاق مع السلطة الفلسطينية.
ولم يستبعد السعوديون التطبيع من على الطاولة، لكن المحادثات لا يمكن تصورها بينما يحتدم القتال، وقد اتخذت الرياض “خطوات لا رجعة فيها” نحو إقامة الدولة الفلسطينية كشرط مسبق لأي اتفاق، كما حذروا الولايات المتحدة من المبالغة في احتمال التوصل إلى اتفاق، مما يؤكد حساسية القضية بالنسبة للرياض وسط حرب غزة.
قبل بضع سنوات فقط؛ بدا أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تم تهميشه في السعودية. لقد عزز النهج السعودي أولاً، الذي أعقب صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة في سنة 2016، الأصوات المؤثرة لدفع خطاب يشوه سمعة الفلسطينيين لعدم إظهارهم الامتنان الكافي للمساعدات المقدمة لهم، وزعمهم بإهدار فرص متعددة لتحقيق السلام.
ومع انتشار شعارات مثل “فلسطين ليست قضيتي” على وسائل التواصل الاجتماعي، كان هناك شعور متزايد بأن القضية لم تعد محددًا أساسيًا في الهوية السياسية للشباب في جميع أنحاء المنطقة.
قالت إلهام فخرو، الزميلة المشاركة في برنامج تشاتام هاوس للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تعكف على تأليف كتاب عن التطبيع، إن الهجوم على غزة قد غيّر هذه الديناميكية بشكل كبير.
كما قالت: “من الآمن أن نقول إن القضية الفلسطينية عادت إلى مركز الوعي الشعبي وأن دعم التطبيع مع إسرائيل في أدنى مستوياته على الإطلاق. إن هذا سوف يزيد من تعقيد قدرة السعودية على إقناع مواطنيها والعالم العربي والإسلامي الأوسع بالصفقة”.
مع ذلك؛ لا يزال العديد من السعوديين قلقين بشأن التعبير عن مشاعرهم الحقيقية بشأن الحرب في المملكة الاستبدادية، ويخشون أن يُنظر إلى التعبير عن أفكارهم على أنه معارضة للسياسة الرسمية.
لقد تم اعتقال عدة أشخاص في السعودية لحملهم الأعلام الفلسطينية، بما في ذلك في مدينة مكة المكرمة. ودعا الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام المسجد الحرام، الله أن ينصر الفلسطينيين وهو يؤم الصلاة في شهر رمضان المبارك، لكنه قال الشهر الماضي للتلفزيون الرسمي إن المسجد مكان للعبادة وليس لبث الشعارات. وقد ترك هذا الأمر البعض يتساءلون عما إذا كان مسموحًا بالمشاركة في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الخارج.
وقالت ريما، وهي أم سعودية لطفل، إنها “شعرت بالخوف الشديد” بعد مشاركتها في مظاهرة تضامنية في كاليفورنيا لدرجة أنها تأكدت من عدم ظهورها في أي صور.
وأضافت ريما: “ظللتُ أقول لأصدقائي السعوديين، لا تنشروا أي شيء” على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم ترغب، مثل الآخرين الذين تحدثوا إلى صحيفة فاينانشيال تايمز في هذا المقال، في استخدام اسمها الكامل.
وقال هشام، الموظف الحكومي، إنه يتفهم حساسية الاقتراب من السفارات الأجنبية التي أدت إلى إيقافه من قبل الشرطة، لكنه اندهش من التناقض مع الدول المجاورة التي زارها منذ بدء الحرب؛ فقد شاهد الأعلام والرموز الفلسطينية معروضة علنًا خلال زياراته إلى الإمارات ومصر وتركيا وسط موجة الدعم التي ارتفعت عبر العالمين العربي والإسلامي منذ الغزو.
وبالمقارنة؛ أفاد أحد زوار معرض جدة للكتاب في كانون الأول/ ديسمبر عن رؤية سلة مليئة بالأشياء المتعلقة بفلسطين عند المدخل والتي تمت مصادرتها من الحضور.
وقال هشام: “رأيت في دبي أن بعض المعارض الفنية تركز على فلسطين.إنها لفتة صغيرة، ومع ذلك يمكنك رؤية [معناها]”. إن مثل هذا العمل التضامني “لم يكن ممكنًا حتى هنا، وأنا حقًّا لا أفهم ذلك. إنه شيء صغير يمكنك القيام به، وسيقدره الناس”.
المصدر: فايننشال تايمز