العقوبات.. سيف عباس المسلط على غزة رغم المصالحة

f160121ys104

لا يزال الشارع الفلسطيني وخاصة سكان قطاع غزة المحاصرين، يترقبون أولى خطوات الرئيس محمود عباس لدعم المصالحة الداخلية التي تحققت أخيرًا بعد 10 سنوات من الانقسام، وتكللت باتفاق جرى توقيعه برعاية مصرية في 12 من أكتوبر/ تشرين الأوّل. 

شهران تقريبًا على إعلان حركة “حماس” حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في قطاع غزة، وكانت الخطوة الأولى لتحقيق التقدم الحاصل بملف المصالحة، لكن حتى اللحظة لم تترجم وعود الرئيس عباس وقادة حركة فتح برفع العقوبات عن غزة، الأمر الذي أربك المشهد الفلسطيني الداخلي وجعل المصالحة تقف في منطقة الخطر. 

وأعلنت حركة حماس في 17 من سبتمبر/أيلول الماضي، حلّ اللجنة الإدارية التي شكّلتها في 23 من مارس/ آذار 2017، كبديل عن حكومة التوافق، مستجيبة بذلك إلى مطالب عضو اللجنة المركزية في حركة فتح ومسؤولها لملف المصالحة عزام الأحمد. 

فيما نص اتّفاق المصالحة الذي جرى توقيعه في 12 من أكتوبر/تشرين الأوّل، على “الانتهاء من إجراءات تمكين حكومة الوفاق من ممارسة مهامها في شكل كامل، والقيام بمسؤوليّاتها في إدارة القطاع كما الضفة الغربية في حدّ أقصى هو 1 من ديسمبر/كانون الأوّل 2017″، وهو ما يعني إنهاء كل مظاهر حكم حركة حماس المستمرّ منذ عام 2006 على غزة ومعابرها ووزاراتها. 

حذر نايف الرجوب القيادي البارز في حركة حماس، بالضفة الغربية المحتلة، من عبث جهات مسؤولة داخل حركة فتح، لإفساد أجواء المصالحة والاتفاقات الأخيرة التي تمت في العاصمة المصرية القاهرة

خطوات مقلقة 

حسن يوسف القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أكد أن المصالحة الفلسطينية تحتاج إلى خطوات بناء ثقة على أرض الواقع لدعمها وتمكينها. 

وقال يوسف: “قطعنا شوطًا مهمًا وإيجابيًا من خلال لقاءات المصالحة الأخيرة، ولكن ذلك يحتاج إلى خطوات أكثر من الرئيس عباس، لدعم التوجه نحو الوحدة وإشعار المواطن بالتغيير نحو الأفضل”، مضيفًا: “عباس مطالب الآن بخطوات عملية على الأرض تتمثل في رفع كل الخطوات التصعيدية والعقابية التي اتخذها ضد قطاع غزة خلال الشهور الأخيرة”، موضحًا أن الظروف إيجابية لتلك الخطوة والجميع ينتظر. 

وأشار يوسف إلى أن الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة يجب أن تتغير للأفضل، وذلك يتم من خلال رفع العقوبات كافة عن القطاع، ووقف كل الاعتقالات السياسية التي تتم بمدن الضفة من أجهزة الأمن الفلسطينية. 

كما حذر نايف الرجوب القيادي البارز في حركة حماس، بالضفة الغربية المحتلة، من عبث جهات مسؤولة داخل حركة فتح، لإفساد أجواء المصالحة والاتفاقات الأخيرة التي تمت في العاصمة المصرية القاهرة. 

وأكد الرجوب، أن الضفة الغربية حتى اللحظة لم تعش أي من أجواء المصالحة والوفاق، خاصة بعد مرور أيام على إعلان حركة حماس حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لحكم قطاع غزة في شهر مارس/آذار الماضي. 

وأضاف: “رغم ما جرى بالقاهرة والخطوة المهمة والكبيرة التي قدمتها حركة حماس، فإن حركة فتح حتى اللحظة لم تقدم أي خطوة، ولا تزال حملات الاعتقال والملاحقة على الخلفية السياسية لأبناء وعناصر ومؤيدي حركة حماس تسير وبوتيرة عالية”. 

تمنى الرجوب ألا يكون ملف المصالحة مع حركة حماس ورقة ضغط يتخذها الرئيس عباس على الجانب “الإسرائيلي” أو بعض الدول الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن هذا الملف الوطني المهم لا يقبل المساومة ويجب أن ينجز بخطوات عملية، لأن مفاتيحه بيد الرئيس عباس وحده

وأوضح القيادي في حركة حماس أن الرئيس عباس حتى اللحظة لم يصدر أي قرار بتوفير أجواء إيجابية لإتمام باقي ملفات المصالحة أو حتى إصدار قرار بوقف الملاحقات الأمنية لعناصر حركة حماس بالضفة أو حتى الإفراج عن المعتقلين على الخلفية السياسية داخل سجون السلطة الفلسطينية بالضفة. 

وذكر الرجوب أن كل ذلك يؤكد عدم وجود “نية صادقة” لدى عباس وحركة فتح لتنفيذ بنود اتفاق المصالحة واتخاذ خطوات إيجابية وملموسة على الأرض، للرد على قرار حركة حماس بحل اللجنة الإدارية، مشيرًا إلى أن أوضاع الضفة محتقنة للغاية. 

وتساءل القيادي في حركة حماس، متى سنشعر بالمصالحة بالضفة، موضحًا أن الأوضاع قد تتخذ منحنى خطيرًا آخر وسيكون لحماس كلام جديد بملف المصالحة في حال لم يستجيب الرئيس عباس، ويعلن رفع كل الخطوات العقابية التي اتخذها ضد قطاع غزة، والإفراج عن المعتقلين كافة على الخلفية السياسية وتهيئة أجواء إيجابية بالضفة وضمان حرية التعبير والرأي التي شهدت الفترة الأخيرة تعدي وتجاوز للقانون. 

وتمنى الرجوب ألا يكون ملف المصالحة مع حركة حماس ورقة ضغط يتخذها الرئيس عباس على الجانب “الإسرائيلي” أو بعض الدول الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن هذا الملف الوطني المهم لا يقبل المساومة ويجب أن ينجز بخطوات عملية لأن مفاتيحه بيد الرئيس عباس وحده. 

 

لماذا لم ترفع العقوبات؟ 

بدوره، تحدث جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عن الأسباب التي عرقلت رفع العقوبات عن قطاع غزة، والتي فرضت خلال الشهور الأخيرة. وأكد محيسن أن الملف كله مرتبط بعمل الحكومة بشكل رسمي على أرض الواقع وممارسة مهامها كافة المعتادة في قطاع غزة. 

وذكر القيادي الفتحاوي أن هناك بعض الأمور يجب على الحكومة إنجازها حتى يمكن القول إن الحكومة قد تسلمت رسميًا مهامها في القطاع، مشيرًا إلى أن قرار رفع العقوبات كاملةً عن القطاع سيتخذ قريبًا. 

ولفت محيسن إلى أن حركة فتح تدعم وتساند توجهات المصالحة الأخيرة ولن تكون عقبة أمامها، مشيرًا إلى أن التركيز على العقوبات خلال هذه الفترة وتكبير الأمر عبر وسائل الإعلام يخلق أجواءً سلبية قد تؤثر في اللقاءات المقبلة.  ووصف اللقاء المقبل والمقرر في القاهرة مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية بالمهم للغاية، مؤكدًا أن نتائجه ستحدد الخطوات المقبلة بملف المصالحة وقطاع غزة. 

عضو آخر في اللجنة المركزية لحركة فتح، انتقد عدم اتخاذ قرار رسمي من الرئيس عباس برفع كل العقوبات التي صدرت بحق سكان قطاع غزة، وقال القيادي الفتحاوي: “بقاء العقوبات على قطاع غزة، في ظل التقدم الحاصل بملف المصالحة، وبعد إعلان حركة حماس حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في القطاع، قد يعيدنا لمربع الانقسام الأول”. 

كان عمر شحادة ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير: “الرئيس عباس رفض الاستجابة لمطالب المتحدثين في الاجتماع بضرورة رفع الإجراءات عن قطاع غزة”

وأضاف القيادي الذي رفض الكشف عن اسمه: “في اعتقادي بقاء العقوبات على القطاع ليس منطقيًا ومخالفًا لما تم الاتفاق عليه في القاهرة، وبقائه لأيام مقبلة قد يتسبب في توتر الأجواء المحيطة بملف المصالحة، واللقاءات المقبلة المقررة في العاصمة المصرية القاهرة، الشهر المقبل”. 

وتوقع القيادي الفتحاوي أن يكون الرئيس عباس يتعرض لضغوطات داخلية وخارجية، لإبقاء العقوبات على قطاع غزة، لحين تمكين عمل الحكومة بشكل رسمي من سيطرتها على القطاع وانتشار القوات الأمنية التابعة للسلطة في المعابر والمؤسسات الحيوية. 

وذكر أن قيادات فتحاوية طالبت خلال اجتماع اللجنة المركزية الأخير برفع العقوبات عن القطاع، لكن حتى اللحظة لم نجد أي استجابة من الرئيس عباس، الأمر الذي يدخل القلق عن المرحلة المقبلة. 

وكان عمر شحادة ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال: “الرئيس عباس رفض الاستجابة لمطالب المتحدثين في الاجتماع بضرورة رفع الإجراءات عن قطاع غزة”.  وأضاف “الجبهة وأغلب المتحدثين في الاجتماع، أكدوا على الضرورة الملحة والقصوى لوقف الإجراءات المتخذة ضد غزة، ولكن ببالغ الأسف كان هناك عدم استجابة على هذا الطلب”. 

وتتمثل أهم الإجراءات العقابية على غزة فيما يلي: 

– خصم 30 -50% من رواتب موظفي غزة. 

– إحالة جميع موظفي سلطة الطاقة بغزة إلى التقاعد المبكر. 

– إحالة أكثر من 6 آلاف موظف حكومي في القطاع المدني (أغلبهم صحة وتعليم) إلى التقاعد المبكر.

– رفض دفع ثمن كميات الكهرباء الموردة إلى القطاع من “إسرائيل” والطلب رسميًا بتقليصها. 

– إحالة آلاف العسكريين للتقاعد المبكر. 

– تقليص التحويلات الطبية لمرضى غزة إلى الخارج. 

عقبات تهدد الاتفاق 

ورغم توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، هناك الكثير من الغموض لا يزال يحيط بأكثر ملفات المصالحة تعقيدًا ومن بينها المعابر والأمن في قطاع غزة، خاصة بعد الحديث أن ملف الحكومة تم تجاوزه، بموافقة حركة حماس على عدم المشاركة في الحكومة بصورة مباشرة، خوفًا من العقوبات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية، وستدعم شخصيات مقربة لها لتجاوز تلك العقبة. 

وبحسب مراقبين، فإن ملفي “إعادة السيطرة الأمنية على قطاع غزة والمعابر الحدودية”، بحاجة إلى آليات واضحة للتنفيذ على الأرض، وأن يكون هناك اتفاق جدي بذلك وتلتزم به حركتي فتح وحماس حتى لا يكون عقبة تعيدنا لنقطة الصفر مجددًا. 

ويرى جميل مزهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أن ما حققته فتح وحماس خلال الأيام الأخيرة، خطوة مهمة، ولكنها تحتاج إلى تنفيذ على أرض الواقع، حتى يشعر الفلسطينيون وخاصة سكان قطاع غزة بنتائج تلك اللقاءات، اللذين يترقبون بصبر ولهفة كبيرة للمصالحة والوحدة. 

وذكر مزهر، أنه رغم الحديث بإيجابية عن ملفات المصالحة كافة، هناك ملفات لا تزال غامضة، وتحتاج إلى قرارات بالتنفيذ حتى يشعر بها المواطنون، منها رفع كل العقوبات التي أصدرها الرئيس عباس ضد قطاع غزة وتشمل “الكهرباء والرواتب والتحويلات المرضية والبنكية”. 

كشفت مصادر مصرية رفيعة المستوى، أن أبرز عقبات المصالحة وهو ملف”الأمن”، سيتم التعامل معه بطريقة خاصة بتشكيل لجنة ثلاثية بمشاركة حركتي فتح وحماس وإشراف ورئاسة مصرية

ولفت إلى أن بقاء العقوبات لا مبرر له، خاصة بعد التقدم الكبير الذي طرأ على ملف المصالحة، مشددًا على أن توقيع المصالحة والتقاط الصور أمام وسائل الإعلام “لا يغني من جوع”، ونحن بحاجة الآن لتنفيذ فوري على الأرض، وإنقاذ غزة التي عانت 10 سنوات وكانت أكثر المتضررين من الانقسام الداخلي. 

وبحسب الاتفاق، من المقرر أن تعقد الفصائل الفلسطينية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لقاءً في القاهرة، لبحث تشكيل حكومة التوافق الوطني، فيما كشفت مصادر مصرية رفيعة المستوى، أن أبرز عقبات المصالحة وهو ملف”الأمن”، سيتم التعامل معه بطريقة خاصة بتشكيل لجنة ثلاثية بمشاركة حركتي فتح وحماس وإشراف ورئاسة مصرية لتولي تنفيذه ضمن خطة موضوعة ومتفق عليها. 

ورغم أجواء المصالحة الإيجابية، وتواصل مواقف الدعم لتوقيع حركتي فتح وحماس على اتفاق إنهاء الانقسام، وكان آخرهم ترحيب وزارة الخارجية التركية، التي قالت في بيانها الرسمي: “تركيا ستواصل دعم الأشقاء الفلسطينيين جميعهم، من أجل التقدم بنجاح في مسيرة المصالحة الوطنية التي نراها ضرورة من أجل سلام واستقرار المنطقة”، فإن حالة الترقب الممزوجة بقلق تسيطر على الفلسطينيين، وكأن لسانهم حالهم يقول بالمثل الشعبي” لما ييجي الصبي بنصلي على النبي”.