كشفت وكالة “رويترز” النقاب عن معلومات جديدة بشأن كواليس استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والتي أعلنها قبل 3 أيام من السعودية، وذلك بعد سجال وصل حد التراشق بين بيروت والرياض بشأن فحوى الاستقالة ودوافعها.
التقرير الذي نشرته الوكالة ليلة أمس يشير إلى أن الحريري أجبر على الاستقالة تحت ضغط من السلطات السعودية، بل تجاوز الأمر إلى وضعه تحت الإقامة الجبرية بعد تجريده من حراسته الشخصية ومنع التواصل بينه وبين أهله وذويه، وهو ما يرجح شكوك مؤسسة الرئاسة اللبنانية بأن ما يحدث داخل الرياض شيء غامض يحتاج إلى تفسير.
ردود فعل متباينة أثارتها معلومات احتجاز الحريري داخل المملكة، ورغم نفي الرياض على لسان وزير خارجيتها لمثل هذه الاتهامات، فإن التفاصيل التي نشرتها “رويترز” ربما تقطع الشك باليقين في هذه المسألة، لتفرض العديد من التساؤلات عن السيناريوهات المتوقعة للخروج من هذا المأزق، وهل يقبل لبنان بمكوناته السياسية المختلفة هذا الوضع؟ وما الأوراق التي يمكن استخدامها للتعامل مع هذه التطورات الجديدة؟
تفاصيل الاحتجاز
نقلت الوكالة البريطانية عن مصادر لها داخل المملكة بعض المظاهر التي رافقت مراسم استقبال الحريري وما تلاها من أحداث أخرى، لتؤكد أن الأمر لم يكن مجرد استدعاء للقاء العاهل السعودي قدر ما هو خطة لاحتجازه ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
البداية تعود إلى الاتصال الذي تلقاه الحريري مساء الخميس 2 من نوفمبر الحاليّ للقاء الملك السعودي، ولكون الرجل يحمل الجنسية السعودية فمن السهل أن يسافر دون أي إجراءات وفي أي وقت، لكنه وعقب وصول الاتصال أبلغ مسؤوليه أنه سوف يعود يوم الإثنين لاستئناف مناقشاتهم، فيما قال لفريق إعلامه إنه سيلتقي بهم آخر الأسبوع في شرم الشيخ حيث كان من المقرر أن يلتقي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش المؤتمر العالمي للشباب الذي عقد في الفترة من 2 – 10 من نوفمبر.
استقل الحريري طائرته متوجهًا إلى الرياض صباح اليوم التالي للاتصال، الجمعة 3 من نوفمبر، وحين وصوله فوجئ بمشهد غير ما اعتاد عليه، فلا أمراء ولا مسؤولين حكوميين في استقباله وهو رئيس وزراء دولة شقيقة، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تم مصادرة هاتفه الجوال وهواتف طاقم حراسته الخاصة، واُقتيد إلى أحد الفنادق بعد أن جرد من معظم أفراد تأمينه.
وفي صباح اليوم التالي – السبت – تلقى الحريري اتصالاً من مسؤول سعودي يطلب منه الذهاب لحضور اجتماع مع ولي العهد محمد بن سلمان، إلا أنه ظل ينتظر 4 ساعات كاملة قبل أن يلتقيه، ثم بعد ذلك توجه لإلقاء خطاب الاستقالة عبر التليفزيون كما نقلته شاشة العربية، حسبما نقلت “رويترز” عن مصدر لبناني مقرب من الحريري والذي تابع: “منذ لحظة وصوله، السعوديون لم يُبدوا تجاه الرجل أي احترام”.
الحريري خلال خطاب استقالته قال إنه يخشى التعرض للاغتيال، متهمًا طهران وحزب الله بإثارة الفتنة، وتوعد “بقطع يد إيران” في لغة قال أحد المصادر إنها ليست لغة الحريري الاعتيادية، وإن الخطاب قد أُملى عليه من جانب السلطات السعودية، ليخرج الرجل بعدها للقاء الملك سلمان لتتناقل شاشات التلفاز تلك الصور والمقاطع لترد بها على المشككين في فحوى الاستقالة وبعدها يتم مرافقته خلال زيارة خاطفة لأبو ظبي للقاء الأمير محمد بن زايد الحليف الإقليمي الرئيسي لولي العهد السعودي ليعود بعدها إلى الرياض دون أنباء عن عودته لبلاده مرة أخرى.
حين وصوله فوجئ بمشهد غير ما اعتاد عليه، فلا أمراء ولا مسؤولين حكوميين في استقباله وهو رئيس وزراء دولة شقيقة
ورغم ما أثير على لسان البعض بشأن تورط الحريري في قضايا فساد من خلال شركته “سعودي أوجيه” وبعض مشروعاته داخل المملكة وأن هذا هو الدافع وراء وضعه تحت الإقامة الجبرية، لم يصدر حتى الآن ما يعزز هذه الفرضية، وهو ما رفع من بورصة التكهنات التي تشير إلى أن هناك شيئًا غامضًا في الموقف السعودي يصل بحسب توصيف البعض إلى اتخاذ رئيس الوزراء اللبناني كـ”رهينة” للضغط بها من أجل تحقيق أهداف أخرى.
لم تكن الوكالة البريطانية وحدها من أزاحت الستار عن تفاصيل احتجاز الحريري في السعودية، فها هو الكاتب المعروف روبرت فيسك يلمح إلى بعض ملامح هذا المخطط، في مقاله المنشور في صحيفة “الإندبندنت”، حيث قال: “رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري لم يكن يتوقع شخصيًا استقالته بهذا الشكل”.
فيسك أوضح أن الحريري كان قد خطط لعقد عدة لقاءات في بيروت مع مسؤولين محليين ودوليين حين عودته لبلاده بعد تلبيته دعوة العاهل السعودي مساء الخميس 2 من نوفمبر، مضيفًا “هذه الأمور لن تكون بالطبع على قائمة أولويات سياسي يرغب في إعلان استقالته خلال أيام، بل ويخطط لها”.
تطابقت التفاصيل التي أوردها فيسك في مقاله مع ما ذكرته “رويترز” بصورة كبيرة خاصة فيما يتعلق بمشهد وصول الحريري إلى مطار الملك خالد بالرياض، حيث علق يقول: كان أول ما شاهده هو عدد كبير من رجال الشرطة يحيطون بالطائرة، وعندما صعدوا على متنها كان أول ما فعلوه مصادرة هاتفة النقال وجميع أجهزة الاتصال التي بحوزة حرسه ومرافقيه”، مؤكدًا “وهكذا تم إسكات الحريري”.
وهو نفس ما أشار إليه الكاتب الصحفي الأمريكي الشهير ديفيد إغناتيوس الذي قال إن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري “قيد الإقامة الجبرية” في منزله بالعاصمة السعودية الرياض، فيما يبدو أنه جزء من حملة اعتقالات في السعودية، مشيرًا إلى أن الاستقالة تأتي في إطار حملة ضغط سعودية على إيران وحليفها اللبناني حزب الله.
ما الدافع؟
غموض زيارة الحريري الأخيرة تكشفت ملامحه منذ الاتصال الذي جاءه ليلة الخميس 2 من نوفمبر، إذ إنه كان في الرياض قبل هذا الاتصال بأيام قليلة، حيث التقى عدد من مسؤولي المخابرات وبعض رجال الدولة السعودية على رأسهم وزير الشؤون الخليجية ثامر السبهان والذي التقط معه عدة صور نشرها على حسابه الشخصي علي تويتر.
عاد الحريري من زيارته تلك لبيروت وهو يشعر بالارتياح، خاصة بعد الحديث عن إعادة النظر في قرار السعودية قطع المعونة العسكرية المقدمة للجيش اللبناني، ومن ثم لم يكن يتصور رئيس الوزراء اللبناني أن كل هذا سيحدث في هذا الوقت القصير، فما الذي حدث في زيارته تلك قاده إلى هذا المصير؟
بحسب المصادر التي نقلت عنها “رويترز” فإن كواليس اللقاء الذي جمع الحريري ومسؤولي المخابرات السعودية والسبهان أثار حفيظة السعوديين بشكل كبير، خاصة بعد تصريحاته بشأن كيفية التعاطي مع حزب الله كونه قوة على أرض الواقع لا يستهان بها، ومن ثم لا بد من إعادة النظر في آليات التعامل معها لا سيما بعدما باتت محورًا أساسيًا في تشكيل الخريطة السياسية للبنان، ويبدو أن هذا الرأي لم يرق للحليف السعودي.
تلقى الحريري اتصالاً من مسؤول سعودي يطلب منه الذهاب لحضور اجتماع مع ولي العهد، محمد بن سلمان، إلا أنه ظل ينتظر 4 ساعات كاملة قبل أن يلتقيه، ثم بعد ذلك توجه لإلقاء خطاب الاستقالة عبر التليفزيون
المصدر المقرب من الحريري والذي كان على علم بتفاصيل ما حدث خلال هذا اللقاء قال: “ما حصل خلال تلك اللقاءات – أعتقد – أن الحريري أبدى موقفه بشأن كيفية التعامل مع حزب الله في لبنان وأن المواجهة مع حزب الله سوف تزعزع استقرار البلاد، وأعتقد بأنهم لم يعجبهم ما سمعوا”، مشيرًا إلى ما قاله رئيس الوزراء اللبناني للسبهان: “موضوع حزب الله ليس موضوعًا محليًا، لا تحملونا مسؤولية شيء يتخطاني ويتخطى لبنان”.
ومن ثم فقد توصلت السعودية عقب هذا اللقاء إلى أن رئيس الوزراء – وهو حليف للمملكة – كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي لأنه لم يكن مستعدًا لمواجهة جماعة حزب الله التي نجحت في توسيع نفوذها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة على حساب الرياض سواء في العراق أو سوريا أو اليمن.
البعض الآخر يرى أن السعودية أرادت أن تلعب بورقة الحريري للضغط على بيروت ومن ورائها طهران فيما يتعلق بالملف اليمني على وجه الخصوص، خاصة بعد الخسائر التي تتكبدها المملكة وقواتها التحالفية طيلة السنوات الأخيرة، وما كان الصاروخ الذي سقط على مطار الملك خالد بالرياض بعد ساعات من استقالة الحريري سوى ذريعة اتخذتها المملكة للتصعيد ضد طهران على حساب لبنان.
الأمر لم يتوقف عند إجبار رئيس وزراء لبنان على الاستقالة بعد وضعه تحت الإقامة الجبرية فحسب، بل تشير المصادر إلى أن الرياض سعت إلى التدخل في إعادة تشكيل خريطة تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري وذلك من خلال العمل على تغيير قياداته الداخلية، فمن تراه المملكة مناسبًا لرئاسة التيار وقادرًا على تحقيق ما فشل فيه سعد الحريري؟
الرياض لن تقدر على إبقاء الحريري قيد الإقامة الجبرية لفترة طويلة، ومضطرة للإفراج عنه، لكن المشكلةفي نوعية القيود التي ستحاول فرضها عليه
من يخلف الحريري؟
تشير المصادر إلى أن السعودية تسعى إلى فرض شقيق الحريري الأكبر بهاء الحريري، لخلافة رئيس الوزراء المستقيل على رئاسة تيار المستقبل، حيث أجرى السفير السعودي في بيروت وليد اليعقوبي اتصالات بأفراد من العائلة الكبرى للرئيس رفيق الحريري، شملت زوجته السيدة نازك والنائبة بهية الحريري وولدها أحمد، وأبلغهم رسالة عاجلة مفادها أن القرار اتخذ بتولية بهاء الزعامة، وعليهم الحضور إلى السعودية لمبايعته، إلى جانب سعد الذي وافق على الأمر مقابل إطلاق سراحه، على أن ينتقل للعيش في أوروبا ويعتزل العمل السياسي، وفق ما نقلته “الأخبار” اللبنانية.
بهاء الابن البكر لرفيق الحريري، والمقيم بالسعودية، عُرف كثيرًا بمهاجمته سياسة أخيه سعد، التي انتهجها الأخير منذ أن سُلّم السلطة خلفًا لوالده الذي اغتيل عام 2005، فانشغل بهاء الذي سُحب بساط السلطة من تحت رجليه على مدار السنوات الماضية، بالاهتمام بأعماله الخاصة وشركاته المتعددة في بلدان مختلفة، بينها السعودية والأردن والإمارات.
وبحسب ما تردد من معلومات فإن أفراد عائلة الحريري المقيمين حاليًّا في بيروت يجرون التشاور فيما بينهم للبت في المقترح السعودي، وفي الوقت ذاته هناك اتصالات مكثفة مع بعض دول المنطقة على رأسها مصر والأردن والمغرب بالإضافة إلى شخصيات فرنسية وأمريكية للضغط على الرياض للإفراج عن رئيس الوزراء المحتجز لديها.
وفي المقابل أكد تيار المستقبل في بيان له أنه يقف خلف الحريري كزعيم له، فيما قال نهاد المشنوق وزير الداخلية وأحد مساعدي الحريري أيضًا “نحن لسنا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، في لبنان الأمور تحصل بالانتخابات وليس المبايعات (مثل السعودية)”.
بهاء الحريري شقيق رئيس وزراء لبنان المستقيل
بيروت ترفض
منذ إعلان الحريري استقالته من منصبه وفق البيان الذي تلاه من الرياض وتشعر مؤسسة الرئاسة اللبنانية أن هناك شيئًا غامضًا في حاجة إلى تفسير، فالكلمات التي تضمنها خطاب الاستقالة – كما أشارت المصادر – ليست كلمات الحريري المعتاد عليها، وهو ما أثار الشك والريبة لدى السلطات اللبنانية.
مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية علق في بيان رسمي على ما يحدث بأن “رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أبلغ مراجع رسمية محلية وخارجية أن الغموض المستمر منذ أسبوع والذي يكتنف وضع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري منذ إعلانه استقالته، يجعل كل ما صدر ويمكن أن يصدر عنه من مواقف أو خطوات أو ما ينسب إليه لا يعكس الحقيقة، بل هو نتيجة الوضع الغامض والملتبس الذي يعيشه الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية، وبالتالي لا يمكن الاعتداد به”.
أجرى السفير السعودي في بيروت وليد اليعقوبي، اتصالات بأفراد من العائلة الكبرى للرئيس رفيق الحريري، شملت زوجته السيدة نازك والنائبة بهية الحريري وولدها أحمد، وأبلغهم رسالة عاجلة مفادها أن القرار اتخذ بتولية بهاء الزعامة
عون في تصريحات له أيضًا أكد أن لبنان لا يقبل بأن يكون رئيس وزرائه في وضع يتناقض مع الاتفاقات الدولية، كما عقد اجتماعًا مع نبيه بري في القصر الجمهوري انتهى إلى التوافق على اعتبار الاستقالة غير تامة إلى حين عودة الحريري لبيروت، وتم الاتفاق على تأخير البت في الإجراءات الدستورية إلى أطول فترة ممكنة، وإفساح المجال أمام الاتصالات الهادفة إلى “تحرير رئيس وزراء لبناني قيد الاعتقال في بلد خارجي”
بحسب مصدر رسمي.
أما جبران باسيل وزير الخارجية اللبنانية، فدعا إلى توحيد اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم من أجل استعادة رئيس حكومة بلاده، مشيرًا أن الوضع الاستثنائي الحالي يتطلب تضافر الجهود كافة.
نحنا بحاجةلكل الطاقات اللبنانية ومنها الرياضية، عم تركضوا ب #beirutmarathon اللي صار السنة سباق اللبنانيين من اجل استعادة لبنان ورئيس حكومته
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) November 12, 2017
انا فخور بالشباب اللبناني يلي اثبتوا انن بكل الظروف شعب واحد وقلب واحد مجتمعين عم يركضوا صوب نفس الهدف يلي هو السلام #beirutmarathon
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) November 12, 2017
بينما وجه رئيس لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان اللبناني النائب سيمون أبي رميا رسالة للبنانيين قال فيها “نعيش اليوم حالة استثنائية، والحياة مستمرة في لبنان، وكل إنسان يقوم بنشاطاته ومهماته كالمعتاد، ولكن يجب ألا ننسى ظروف وجود رئيس حكومتنا الشيخ سعد الحريري في المملكة العربية السعودية، وهنا أوجه رسالة إليه لأقول له صحيح أن هناك خلافات في لبنان وتناقضات واختلافات في المواقف السياسية، ولكن عندما تصبح كرامتنا مهددة، فإن الشعب اللبناني يكون كله موحدًا، وتاليًا نقول له إنه رئيس حكومتنا ورئيس سلطتنا التنفيذية، ولن نقبل بأن يستمر مسلسل الذل، وجميعنا يدًا واحدة معك بمن تمثل، ووحدتنا مستمرة وإرادتنا الوطنية، ولن نركع عندما يتعلق الأمر بحفظ كرامتنا، ونحن معك وناطرينك”.
وهو نفس ما شدد عليه العميد متقاعد شامل روكز الذي ركز على أن رئيس الحكومة سعد الحريري يمثل كرامة لبنان وما يحصل اليوم “غير مقبول“، مشيرًا خلال مشاركته في سباق ماراثون بيروت بنسخته الـ15، إلى أن الأزمة تدفع باتجاه التضامن الوطني بين اللبنانيين، ونقول للخارج “اتركونا بحالنا منعرف ندبر حالنا”.
دبلوماسية أم صدام؟
تتباين المواقف السياسية في الداخل اللبناني الآن بشأن آلية التعاطي مع الوضع الراهن، بين من يرى ضرورة التصعيد من أجل تحرير رئيس حكومتهم المحتجز حتى وإن نفت الرياض ذلك، ومن يرجح توظيف الدبلوماسية لتجنب الدخول في صدام قد يربك الحسابات كافة ويشعل فتيل الحرب في المنطقة وهو ما تريده الرياض مدعومة بواشنطن وتل أبيب بحسب البعض.
بعض الأصوات التي تعاملت مع الحدث كونه امتهانًا للكرامة اللبنانية دعت إلى المعاملة بالمثل وتوقيف أفراد البعثة الدبلوماسية السعودية في بيروت وهو ما قوبل برفض مجتمعي كبير خاصة أن بالمملكة آلاف من اللبنانيين ما بين دبلوماسيين وعاملين ومقيمين، بينما حث فريق آخر على عدم الاستدراج إلى فخ الحرب مع السعودية عبر وسائل الاستفزاز التي تقوم بها ضد لبنان في الآونة الأخيرة، بدءًا بقطع المعونة العسكرية عن الجيش مرورًا بالتدخل في الشأن الداخلي اللبناني وفرض الرؤية السعودية بالقوة وصولاً إلى إجبار رئيس الحكومة على الاستقالة تحت التهديد ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
توصلت السعودية عقب هذا اللقاء إلى أن رئيس الوزراء – وهو حليف للمملكة – كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي لأنه لم يكن مستعدًا لمواجهة جماعة حزب الله التي نجحت في توسيع نفوذها الإقليمي خلال السنوات الأخيرة
بعض المصادر القريبة من دوائر صنع القرار في بيروت ترى أن الرياض “لن تقدر على إبقاء الحريري قيد الإقامة الجبرية لفترة طويلة، ومضطرة للإفراج عنه، لكن المشكلة في نوعية القيود التي ستحاول فرضها عليه”، حيث أبدت خشيتها من أن تكون الرياض قد قررت تشكيل قوة خاصة بها داخل تيار المستقبل، وهو ما تظهر مؤشراته في تواصل سعودي مباشر مع سياسيين وإعلاميين ونشطاء في التيار، الأمر الذي لم تنفه مصادر بيت الوسط التي عملت على محاولة لجم البعض عن إطلاق مواقف تصعيدية.
تلك المصادر طالبت الرياض بإثبات حسن نواياها بشأن الاتهامات الموجهة لها باحتجاز الحريري وهي الاتهامات التي نفتها الخارجية السعودية مرارًا، وذلك من خلال السماح له بالسفر إلى أي دولة أخرى خارج المملكة وليس شرطًا أن يعود للبنان، أما غير ذلك فستجد المملكة نفسها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي وهو ما قد يعرضها للمساءلة الأممية حال تصعيد بيروت القضية على منصات المحاكم الدولية.
وهكذا تواصل مسرحية صراع النفوذ السعودي الإيراني عروضها فوق خشبة المسرح اللبناني في واحدة من أكثر فصولها تراجيديا، إذ إن الأمر يتعلق بشخص بحجم رئيس وزراء لبنان، وهو ما يعطيها زخمًا سياسيًا وإعلاميًا غير مسبوق، مما يجعل كل الخيارات مفتوحة أمام الجميع، إن استمر الوضع على ما هو عليه.