تبدأ الكاتبة الصحفية حدة حزام مديرة نشر جريدة الفجر الجزائرية هذا الإثنين إضرابًا عن الطعام، احتجاجًا على حرمان مؤسستها من الإشهار الحكومي لعدة أشهر، مما تتسبب في عدم دفع أجور الصحفيين وتقليص الصفحات المطبوعة.
وتحتكر الوكالة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار المملوكة للدولة الإعلان الحكومي بقانون وضعه الوزير الأول الحالي أحمد أويحيى مطلع الألفية الثالثة، حيث تُلزم المؤسسات العمومية بالمرور على هذه الوكالة التي تُوزع الإشهار على الصحف ومختلف وسائل الإعلام وفق منطق تغيب عنه في غالب الأحيان المعايير المهنية المتعارف عليها عالميًا في عمليات الرعاية والإشهار، ويتم الاحتكام فيه لمنطق الولاء وعدم معارضة السلطة.
معركة
تقول حدة حزام صاحبة عمود “أساطير” في إشعار بالإضراب نشرته على صفحتها الشخصية على “فيسبوك”: “خطوتي ليست مواجهة، ولا هي لعبة لي ذراع، ومع من، مع السلطة بترساناتها وقوتها وإمكانياتها، وأعرف مسبقًا أنها معركة خاسرة منذ البداية، لأن هناك من قرر تنظيف الساحة الإعلامية من كل الأصوات النشاز، ومن قرر معاقبتي شخصيًا، لا أدري لكوني امرأة استضعفوني، لكن في الإعلام هناك المواقف وهناك الأقلام بغض النظر عن الجنس”.
بحسب حدة حزام، فإن منع الإشهار عن صحيفتها في الفترة الأخيرة يرجع إلى تدخلها في برنامج حواري على قناة فرنسا 24 تحدثت فيه عمن يحكم في الجزائر وعن الضغوطات التي مورست على الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون
وحدة حزام التي أسست صحيفة الفجر عام 2000 بعد تجربة نحو 10 سنوات قضتها في صحيفة المساء الحكومية، تعد تقريبًا المرأة الوحيدة التي ترأس مؤسسة إعلامية في الجزائر.
وليست المرة الأولى التي تتعرض صحيفة الفجر لهذا التضييق الذي يُربط دائما بمواقف حدة حزام التي لا تخفي عدم رضاها عن الطريقة التي تسيّر بها البلاد في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكنها تحرص – حسب من اشتغلوا معها – على الفصل بين مواقفها الشخصية وخط الصحيفة الذي يلتزم باحترام القواعد المهنية للممارسة الإعلامية.
وأضافت حزام “منذ 3 أشهر يومًا بيوم، والفجر محرومة من الإشهار العمومي، لأن الإشهار الخاص على قلته جبان مثل رأس المال، وأول سؤال يطرح علينا: كيف علاقتكم مع السلطة؟ وقد سبق للفجر أن حرمت من الإعلان العمومي الذي كان شحيحًا معنا منذ إنشاء الفجر لأننا لا ننتمي لأي جهة، ولم نتودد لأي طرف في السلطة، تعرضنا لعقوبة فاقت السنتين بسبب مقال ضد الوزير الأول وقتها سنة 2004، لكننا لم نتأثر لأن القطاع الخاص لم يكن عرضة للمساومة والتخويف، بسبب تصريحات على قناة أجنبية، حيث تقرر بعدها مباشرة معاقبة الجريدة وكل طاقمها الذي لا يتحمل مواقف المديرة، والتي كانت دائمًا مواقف شخصية مستقلة ولا تخرج عما يسمح به الدستور والقوانين الجزائرية”.
وبحسب حدة حزام، فإن منع الإشهار عن صحيفتها في الفترة الأخيرة يرجع إلى تدخلها في برنامج حواري على قناة فرنسا 24 تحدثت فيه عمن يحكم في الجزائر وعن الضغوطات التي مورست على الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون.
صحفيون لا يتلقون أجورهم
تكشف حدة حزام أنها طرقت جميع الأبواب من أجل ألا تخرج هذه القضية إلى العلن، وتحل المشكلة في مهدها بغية دفع رواتب الموظفين على الأقل.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر تضامنًا مع قضية صحيفة الفجر ومديرتها حدة حزام، ودعا ناشطون السلطة إلى إنقاذ هذه المؤسسة الإعلامية من الغلق.
وتقول مديرة الفجر في إشعار الإضراب الذي حررته: “رغم محاولاتنا الاتصال بالعديد من الأطراف لإيجاد مخرج للأزمة، ورغم الوساطات ومراسلة كل من رئيس الجمهورية والوزير الأول، لم نجد أي حل، ويبدو أن موقف من اتخذ القرار يريد للصحيفة أن تختفي، فبرمج موتًا بطيئًا لها، ولأننا نفتقر للإمكانيات المادية تعذر علينا دفع رواتب الصحفيين، واضطررت للمرة الثانية للاستدانة لدفع الرواتب، لأن أسرًا كثيرة بأطفالها لا دخل لها غير راتبها من الفجر”.
وأردفت قائلة “أرفض أن يقال على الإعلام مصدر رزق، لأن الصحافة هي مؤسسات توعية وخلق رأي عام أولًا، لكنها رغم ذلك مؤسسات اقتصادية يحكمها القانون التجاري وهي أيضًا مصدر رزق للكثير من العائلات، ومنصب عمل للكثير من الشباب الباحثين عن حياة كريمة أمام الأفق المسدود، والذي لم يعد من حديث فيه إلا عن قوارب الحرقة”.
الخوف من الأسوأ
تعترف حدة حزام أن الحالة المالية للصحيفة التي تديرها أصبحت عند الصفر، والاحتجاب الدائم صار على الأبواب بفعل هذه الضائقة المالية نتيجة غياب الإعلان الذي يبقى رئة أي مؤسسة إعلامية.
وأوضحت “الفجر اليوم مهددة بالغلق، بعد أن صارت عاجزة عن دفع رواتب الصحفيين، ولم يعد بإمكاني الاستدانة مرة أخرى لإعالتهم، وإني أعرّض اليوم حياتي إلى الخطر بالدخول في إضراب عن الطعام ابتداءً من الإثنين المقبل 13 من نوفمبر، لأنه لم يتبق أمامي أي أمل لحل أزمة افتعلتها السلطة بالتضييق على الفجر بسبب خطها الافتتاحي ومواقفي وكتاباتي الجريئة، لأنني لست مسنودة من أحد ولم أحسن التملق لأي طرف ولم أضع هذا المنبر لخدمة أي شخص، ثمّنا كل المواقف الايجابية وانتقدنا بمسؤولية كل الأخطاء للسلطة مثل المعارضة التي نرى أحيانًا أنها أسوأ من السلطة”.
وتابعت تقول “سأدخل في إضراب عن الطعام ليعرف الجميع التضييق على الأصوات الحرة والأقلام الحرة، وسينجحون في قتل الجريدة، لكنهم أبدًا لن ينجحوا في كسر قلمي وخنق صوتي، نحن في زمن الإعلام البديل، ورأيي سأقوله مهما كلفني الثمن”.
اعتبر محسن بلعباس رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” المعارض قرار حدة حزام بالدخول في إضراب عن الطعام للدفاع عن صحيفتها وأجور موظفيها درسًا لكل من يخافون من النضال السلمي
تضامن واسع
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر تضامنًا مع قضية صحيفة الفجر ومديرتها حدة حزام، ودعا ناشطون السلطة إلى إنقاذ هذه المؤسسة الإعلامية من الغلق. وتساءلت الكاتبة فضيلة الفاروق “ما الرسالة التي أرسلت إلينا كإعلاميين وكتاب ومثقفين من خلال سياسة تجويع حدة حزام وفريق جريدة الفجر”؟
وأضافت أن مضمون الرسالة هو “لا نريد حرية الرأي ولا ديمقراطية محترمة في الجزائر، ولا نريد وطنيين بقدر ما نريد طبقة من الناس الذين يخدمون مصالحهم الخاصة، ونحن مستمرون في احتقار نساء الجزائر منذ 62 إلى يومنا هذا، وكل جزائرية فحلة نكسروها بربي إن شاء الله، ما هي تهمة حدة حزام بالضبط لنتجنب الوقوع فيها نحن الذين لا نملك غير قلوبنا العاشقة للجزائر وأقلامنا المسالمة”؟
وقال محسن بلعباس رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” المعارض إن حزبه يتضامن مع الصحافة الحرة، وصحيفة الفجر منبر حر للتعبير والإعلام مهدد اليوم بالزوال. واعتبر بلعباس قرار حدة حزام بالدخول في إضراب عن الطعام للدفاع عن صحيفتها وأجور موظفيها درسًا لكل من يخافون من النضال السلمي.
الصحافة المكتوبة في خطر
قضية صحيفة الفجر ليست الوحيدة في الجزائر، فالبلاد عرفت في الفترة الأخيرة توقف 60 صحيفة عن الصدور، حسب ما صرح به وزير الاتصال جمال كعوان مؤخرًا، والذي يبدو أن مصالحه لا تملك حتى الآن وصفة لإنقاذ قطاع الصحافة المكتوبة الذي يعيش أحلك فتراته منذ التعددية الإعلامية بداية تسعينيات القرن الماضي.
وبرأي مراقبين فإن الفرج لن يكون قريبًا خاصة أن الانتخابات الرئاسية 2019 صارت على الأبواب، إضافة إلى أن نية الوزارة تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة قبل نهاية العام الحاليّ لن تصب على الأغلب في خانة تطويرها وتمكين رجال الإعلام من حقوقهم، إنما ستكون أداة جديدة ربما للتضييق ولجم الأصوات المعارضة التي تغرد خارج سرب السلطة، وفي تجربة سلطة ضبط السمعي البصري آيات لأولي الألباب، بحسب متابعين.