يسموّنه يوم العُزَّاب في الصين أو يوم التسوق الأكبر في الصين، إلا أنه تحول بعد انتهاء يوم أمس إلى أكبر يوم تسوق في العالم كله، ونافس في نسبة المبيعات والأرباح وعدد الطلبات أشهر أيام التسوق العالمية مثل “يوم الجمعة الأسود” (Black Friday) أو يوم “عيد الشكر الغربي” (Thanksgiving)، ليتفوق يوم العُزَّاب ويكون المنافس الأشرس لأيام التسوق خلال العام، إلا أنه يكشف لنا حقائق جديدة عن التسوق الإلكتروني، وبالأخص عن ثقافة الصينيين في الشراء، شركة “علي بابا” تخبرك بالجديد.
قبل أن نخبرك بما ترويه شركة “علي بابا” بخصوص النتائج التي استنتجتها عن التسوق الإلكتروني بشكل عام وتغيير ثقافة الشراء بالنسبة للصينيين، دعنا نخبرك قليلًا عن شركة “علي بابا” المنافس الأول لشركة أمازون، وإحدى أكبر شركات التكنولوجيا في العالم غير الأمريكية الجنسية.
هي الشركة التي تُقدر قيمتها حاليًّا بنحو 400 مليار دولار، يبلغ عدد مستخدميها الفاعلين 466 مليون مستخدم بحلول الربع الثاني من عام 2017، شهدت الشركة زيادة في النمو بنسبة 57% في نفس العام مقارنة بعام 2016، وتخطت بالفعل مكانة منافسها الأقوى “أمازون” في سوق التجارة الإلكترونية، حيث تتميز الشركة بنسبة نمو متضاعفة باستمرار، مما يشير إلى مستقبل تكنولوجي مشرق للتجارة الإلكترونية في الصين.
تتنشر مراكز الشركة في أكثر من 70 مدينة، إلا أنها تدر أربحاها الأساسية من نشاطها على شبكة الإنترنت من خلال الدفع عن طريق الإنترنت وتجارة الجملة والتجزئة الإلكترونية، إضافة إلى خلقها سوقًا عامًا يُسهل التجارة بين الشركات والأفراد والتُجار.
هي الشركة التي تُقدر قيمتها حاليًّا بنحو 400 مليار دولار، ويبلغ عدد مستخدميها الفاعلين 466 مليون مستخدم بحلول الربع الثاني من عام 2017
يوم العُزَّاب.. يوم التسوق الأكبر
يأتي يوم حظ شركة “علي بابا” الأكبر بـ”يوم العُزَّاب” (Singles’ day) في الصين، فهو يوم لا يُحتفل به بالعشاق مثل عيد الحب، ولا يكون عيدًا خاصًا بالأمهات أو الآباء، بل خُصص فقط للاحتفال بكل أعزب في ذلك اليوم، إلا أن اليوم تحول في الصين إلى يوم التسوق الأكبر، وتحول بالنسبة لشركة “علي بابا” إلى أكثر يوم مضغوط في السنة بالنسبة للموظفين والعاملين بها.
24 ساعة كاملة من العمل لخدمة ملايين من الطلبات عبر موقع “علي بابا” للتسوق الإلكتروني الرسمي، تُقدم فيه الشركة خصومات ضخمة على مختلف الأنواع من المنتجات من مختلف العلامات التجارية، يصطف فيه المستخدمون واحدًا تلو الآخر أمام أجهزتهم الإلكترونية سواء الحواسيب أم الهواتف النقالة بعد منتصف الليل بدقيقة واحدة، ليبدأوا في التنافس على الشراء بأسرع وقت ممكن قبل نفاد الكمية مع وجود هذا العدد الضخم من الزبائن الموجودين على الموقع في نفس اللحظة في خضم كل هذه الخصومات التي تُعد الأضخم في تاريخ السنة التجارية.
مبيعات “علي بابا” في 2017
قام عدد من المشاهير من مختلف البلاد بالسفر إلى “شنغهاي” تلبية لدعوة الرئيس التنفيذي لشركة “علي بابا” جاك ما، للاحتفال بالعد التنازلي لأكبر يوم تسوق في الصين، قبل أن يتحول إلى أكبر يوم تسوق في العالم، كانت منهم الممثلة نيكول كيدمان ولاعبة التنس الشهيرة ماريا شارابوفا، بالإضافة إلى مجموعة من أشهر المغنيين الصينين للاحتفال بالعد التنازلي لبداية اليوم الذي شهد أرقامًا مفاجئة من المبيعات المتزايدة بشكل جنوني.
لقد توقع البعض أن تتعدى المبيعات الـ20 مليار دولار، لم يكونوا مخطئين كثيرًا، إذ قُدرت مبيعات الشركة في هذا يوم بأكثر من 25 مليار دولار، حيث شهد موقع “علي باي” (Alipay)، موقع خدمة الدفع الذي تملكه شركة “علي بابا”، ما يقرب من 265 ألف عملية تجارية في لحظة ما من اليوم، وهو ضعف العدد الذي شهده الموقع بالنسبة لأعلى رقم وصل إليه من العمليات التجارية عام 2016.
ماذا يخبرنا “يوم العزاب” عما تغيّر في الصين؟
سيتم توصيل ما يقرب من مليون طرد من المنتجات حول مدن الصين بأكملها ما بين 11 من نوفمبر/تشرين الثاني و16 من نوفمبر/تشرين الثاني فقط، ولكن إذا نظرنا إلى “يوم العُزَّاب” من وجهة نظر أخرى، سنجد أنه لا يمنحنا معلومات لها علاقة بأرقام فقط، وإليك السبب.
منذ عدة عقود مضت، كان الشغل الشاغل للشعب الصيني صاحب الثقافة الشيوعية أن يتسوق من المتاجر الحكومية، ويشتري ما يحتاجه فقط ويكون وفيًا للعلامات التجارية الخاصة بالحكومة، حينها ستجد أن الجميع من السكان يرتدون نفس الطراز من الثياب ونفس الشكل من أنواع الفساتين والقمصان، حيث كان من حظ الصينيين أن ينالوا طرازًا جديدًا من الملابس مرة واحدة في السنة.
لقد قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب من قومياته المختلفة في خوض نضال ثوري طويل الأمد ضد الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية
لقد كان للصينيين خيارات محدودة جدًا للشراء طوال عقود طويلة من الزمن، لم يكن لديهم الحاجة للبحث ولم يدفعهم الفضول لتصفح مختلف العلامات التجارية ومختلف المحلات، ولم يكن لديهم رأي في اختيار طراز الملابس التي يرتدونها.
لقد قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب من قومياته المختلفة في خوض نضال ثوري طويل الأمد ضد الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية وحقق الانتصار في الثورة الديمقراطية الجديدة وأسس جمهورية الصين الشعبية – حكم الدكتاتورية الشعبية الديمقراطية، وظل الوضع كذلك لعقود طويلة، إلا أن ثقافة “علي بابا” التجارية غيّرت الكثير.
لقد تملك الفضول والرغبة في الاختلاف ولو قليلًا الصينيين، كما افتقدوا حس المساومة في الشراء، وافتقدوا فكرة أن يقدم لهم تاجر سعرًا بينما يُقدم الآخر سعرًا أقل لنفس المنتج، لم يكن لديهم تلك الرفاهية من الاختيار من بين خيارات عدة، إلا أن موقع “علي بابا” جاء ليُغير هذه الثقافة كليًا، حيث قام باختيار اليوم بعناية، وهو 11/11 ليكون الواحد رمزًا للعزوبية، ويقرر أن يحول اليوم منذ بضعة سنوات إلى أكثر الأيام تسوقًا في الصين.
قدمت الشركة خصومات وهمية، حتى وجد الناس أنفسهم يدخرون أموالهم للإنفاق في يوم العُزَّاب فحسب، وذلك من كل الأعمار، فهناك شريحة من مستخدمي الموقع من كبار السن أيضًا، فيشتري البعض ما يحتاجه لمدة 6 أشهر قادمة دفعة واحدة أو ينفق بعضهم أكثر من 500 دولار مرة واحدة في ذلك اليوم أيضًا.
لقد استطاعت شركة “علي بابا” تغيير الكثير، إذ طورت تكنولوجيا الشراء الإلكتروني لتناسب المستخدمين بشكل أكثر إغراءً للشراء، حيث قدمت خاصية عرض المنتجات بصورة افتراضية VR وكأن المستخدم يجربها على الواقع، كما تحدد الشركة ساعة خلال اليوم لعرض الأزياء والمنتجات على عارضات وعارضين، فيطلب المستخدمون المنتج بشكل مباشر في أثناء العرض.
قدمت الشركة خصومات وهمية، حتى وجد الناس أنفسهم يدخرون أموالهم للإنفاق في يوم العُزَّاب فحسب
لقد غيرت الشركة العديد من القيم الصينية التي تربوا عليها لعقود طويلة، حيث أصبح الكثير من المستخدمين تحت رحمة بطاقات ائتمانهم وتحت رحمة مبالغ كبيرة من الديون في دوامة من المادية سيطرت عليهم، ولكن بغض النظر عن ذلك كله، لقد أثبتت شركة “علي بابا” أن الصين لم تعد تابعة بعد الآن، فهي تقود العالم بالفعل في التجارة الإلكترونية وفي التفاعل مع المستخدم والمستهلك.