لم تتنظر حركة النهضة التونسية كثيرًا، للردّ على الخطوات الساعية لإقصائها من المشهد السياسي التونسي وسحب البساط من تحتها من بعض الأحزاب التي تعاديها، حتى أعلن زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، عما أسماه “توافقًا سياسيًا جديدًا” في تونس، في إشارة إلى تكوين جبهة برلمانية جديدة تضم عدة أحزاب.
توافق سياسي جديد
إعلان الغنوشي قرب تشكّل هذا “التوافق السياسي الجديد” جاء بعد ساعات قليلة من الإعلان غير الرسمي بتشكيل جبهة برلمانية جديدة يبدو أنها موجهة أساسًا ضد حركته لعزلها وإقصائها من الساحة السياسية، وافتكاك مقاليد الحكم منها بعد تصدّرها للمشهد البرلماني في البلاد، ورغم أن الغنوشي لم يعلن ملامح هذا “التوافق السياسي الجديد”، فإن تقاريرًا إعلامية ومصادر مقرّبة من حركة النهضة تحدثت عن تكتل برلماني جديد يجمع بين نواب “حركة النهضة” و”حركة نداء تونس” و”الاتحاد الوطني الحر” الذي انسحب من مشاورات تشكيل الجبهة الأخرى.
من المتوقع أن تعيد التنسيقية الحزبية الثلاثية الجديدة بين النداء وللنهضة والاتحاد الوطني الحر تشكيل الحزام السياسي المفقود لحكومة الوحدة الوطنية
وكان 43 نائبًا ينتمون إلى كتل حركة مشروع تونس وآفاق تونس ونداء التونسيين بالخارج والكتلة الوطنية وحركة نداء تونس (رغم موقف الحزب الرافض لهذه الجبهة التي تهدده بمزيد من الانقسام وإضعاف كتلته النيابية)، وبعض المستقلين، أعلنوا قبل أيام تأسيس “جبهة برلمانية وسطية تقدمية” قالو إنها تهدف “للعمل على إعادة التوازن البرلماني بتوحيد المواقف والرؤى داخل البرلمان من أجل إضفاء نجاعة على العمل التشريعي والرقابي وكل ما يتعلق بالهيئات الدستورية ومسار استكمال بناء مؤسسات الجمهورية الثانية”.
كما تهدف أيضًا للعمل من أجل تحقيق الاستقرار السياسي بما يسمح بالإسراع في إصلاحات اقتصادية واجتماعية عاجلة تحقق انتظارات الشعب في التنمية والشغل، وضمان استمرارية حرب الدولة على الفساد ودعم مجهودات مؤسساتها لإنجاح هذه الحرب على أساس الشفافية والشمولية.
وسبق أن كشفت الناطقة الرسمية باسم الاتحاد الوطني الحر سميرة الشواش، أن لقاءات تجري هذه الأيام بين قيادات حزب الاتحاد الوطني الحر ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والمدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي)، بغية تكوين ما وصفتها بـ”تنسيقية حزبية ثلاثية حاكمة في تونس”.
ومن المتوقّع أن تعيد التنسيقية الحزبية الثّلاثية الجديدة بين النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر تشكيل الحزام السياسي المفقود لحكومة الوحدة الوطنية، وسيكون هذا التوافق الجديد – إن تمّ – فرصة لإعلان عودة الاتحاد الوطني الحر إلى دائرة الائتلاف الحاكم بعد مغادرته في مايو 2016 ورفض دخوله حكومة يوسف الشاهد الثانية، وتأسست حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد على قاعدة وثيقة قرطاج، في يوليو 2016، وشارك فيها ستة أحزاب: نداء تونس والنهضة وآفاق تونس والاتحاد الوطني الحر (انسحب) والمسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الجمهوري (انسحب).
حصن للنهضة
هذا التوافق السياسي الجديد الذي من المنتظر إعلانه في قادم الأيام بين حركة النهضة وحركة نداء تونس والاتحاد الوطني الحر بزعامة سليم الرياحي، تسعى من خلاله حركة النهضة إلى تحصين نفسها من محاولات إقصائها المتكررة من المشهد السياسي التونسي من بعض الأحزاب والمنظمات التي تكن لها العداء الأيديولوجي وتعمل على دحرها.
حذر الغنوشي من أن “أي مساس بالنهضة يمثل تهديدًا للمشروع الديموقراطي …”
وسبق أن اعتبر زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي الجبهة البرلمانية التي تم إعلانها مؤخرًا والتي تضم أحزاب مشروع تونس وآفاق تونس والكتلة الوطنية ومستقلين، أنها “تمثل استمرارًا لمنطق الإقصاء والاستئصال الذي يستهدف النهضة”.
إلى جانب ذلك، حذر الغنوشي من أن “أي مساس بالنهضة يمثل تهديدًا للمشروع الديموقراطي باعتبار أن النهضة الحامل الأساسي لهذا المشروع وهدفها الانتقال الديموقراطي وأن تكون تونس ديموقراطية مزدهرة”، واصفًا النهضة بـ “أحد أساسات الأمن القومي في تونس”.
وعن إمكانية التعامل مع هذه الجبهة قال الغنوشي: “نحن نعطي رأينا في الكيانات التي تملك مقومات البقاء والوجود، وقد شهدنا عدة جبهات وكيانات الضد التي لم تستمر، لأنه لا مبرر لوجودها”، وتابع “هذا مولود جديد ليس من الثابت أن له مقومات البقاء، وعندما يثبت أن له قابلية للحياة والاستمرار سنتعامل معه تعاملًا إيجابيًا”.
ليست المرة الأولى
الجبهة البرلمانية الجديدة التي أُعلنت بصفة غير رسمية الأسبوع الماضي، والتي تستثني حركة النهضة، ليست الجبهة الأولى التي تشكّلت لضرب حركة النهضة والحد من هيمنتها وافتكاك مقاليد حكم البلاد منها وتقليص نفوذها داخل مجلس نواب الشعب، خاصة أنها الكتلة الأكبر (69 نائبًا) والأكثر تماسكًا منذ انقسام كتلة نداء تونس وتراجع عدد مقاعدها في البرلمان.
وسبق أن أعلنت 10 أحزاب سياسية، مطلع شهر أبريل الماضي، تأسيس جبهة سياسية معارضة تحت اسم “جبهة الإنقاذ والتقدّم”، بهدف تحقيق التوازن المفقود في المشهد السياسي والحد من هيمنة حركة النهضة، بحسب تصريحات قيادات هذه الأحزاب، وضمت تلك الجبهة الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس وحركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحركة تونس المستقبل والحزب الاشتراكي وحزب الثوابت وحركة الشباب التونسي وحزب الوحدة الشعبية والحركة الوسطية الديمقراطية.
الاجتماع التأسيسي لجبهة الإنقاذ الثانية
ونصّ البند الثالث من البيان التأسيسي الذي يحدد عمل هذه الجبهة، على “العمل على إعادة التوازن السياسي وبناء القطب الديمقراطي التقدمي وضمان ديمومته باعتباره مشروع بديل للتداول السلمي على الحكم، مع التأكيد على عدم التحالف مع حركة النهضة وتفرعاتها وشركائها”، حيث أكد رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي، في كلمة له خلال اجتماع التأسيس، أن جبهة الإنقاذ والتقدم تحمل مشروعًا مجتمعيًا مختلفًا لما تحمله حركة النهضة.
وقبل ذلك، تحديدًا شهر يوليو سنة 2013، أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني في تونس تأسيس جبهة للإنقاذ الوطني، قصد عزل حركة النهضة وإنهاء تجربتها في الحكم، بعد أن تمّ تحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، ورغم تعدّد هذه الجبهات، كان مصير جميعها الفشل في تحقيق أهدافها، فقد بقيت حركة النهضة متماسكة، إذ لم يشهد حزبها أو كتلتها البرلمانية أي انقسام في صفوفها، كما بقيت تتصدر المشهد السياسي في البلاد.