ترجمة وتحرير: نون بوست
يتمثل الهدف الحالي في الترفيع في أسعار النفط الخام، ليصل إلى قيمة تفوق 70 دولارا للبرميل الواحد بحلول نهاية هذه السنة، مع العلم أن هذا ما تمليه أوامر الرياض؛ مارشال الأوبك. في واقع الأمر، تتأرجح أسعار النفط منذ حوالي سنة ونصف في حدود الخمسين دولار. ولكن هذه القيمة مختلفة تماما عما وصلت إليه أسعار النفط في السنوات الماضية. في التاريخ الحديث، بلغت أعلى أسعار النفط حوالي 100 دولار للبرميل الواحد في مرحلة أولى. وفي مرحلة موالية، وتحديدا بعد سنوات معدودة من أزمة “فقاعة الدوت-كوم” في منتصف العقد الماضي، وفي خضم الأزمة المالية العالمية في الطريق نحو الوضع الحالي، بلغت أسعار النفط حدود 150 دولار للبرميل الواحد. علاوة على ذلك، تضاعفت هذه القيمة أكثر من مرة واحدة، بغض النظر عن وجود القوى الصناعية الكبرى في حالة انكماش شديد.
في المقابل، كان الأمر الذي ظل على المحك خلال هذه المرحلة، بقاء الأوبك على قيد الحياة. ويتمثل هدف هذه المنظمة في الحفاظ على أسعار النفط في حدود قيمة مناسبة وملائمة تتوافق مع مصالح قطب الطاقة، أي المملكة العربية السعودية وأوامرها باعتبارها المنتج الرئيسي للنفط في العالم. بناء على ذلك، حددت الرياض قيمة لأسعار النفط “لا يمكن مناقشتها”، لتبلغ بحلول سنة 2018 حوالي 70 دولارا للبرميل الواحد. عموما، يبدو هذا التحدي قابلا للتنفيذ في المستقبل القريب، بالاستناد إلى العقود المستقبلية التي بصدد إبرامها في سوق الطاقة خلال هذه الأسابيع وقبل شهرين من نهاية سنة 2017.
من جانب آخر، لا تعد مؤسسة أوبك عبثية أو هينة البتة. وبعد سنتين ماليتين كانت خلالهما قيمة النفط في حدود 35 دولار للبرميل الواحد، شهدت خزائن شركاء أوبك أضرارا جسيمة. ويضاف إلى هذا العامل، جملة التوترات الجيوستراتيجية العالمية على غرار الصراع النووي في كوريا الشمالية، بالتزامن مع الصراعات الإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، خاصة بين المملكة العربية السعودية وإيران. فضلا عما سبق ذكره، شهد العالم جملة من الصراعات ذات الطابع الخاص، على غرار التغييرات في المؤسسة السعودية في إطار تعزيز سلطة وقيادة محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.
أشخاص يتجولون داخل سوق في الرياض
قوة الوريث الوهابي
قاد محمد بن سلمان في الفترة الأخيرة حملة تطهير في صلب المؤسسة الملكية في الرياض، مما أدى إلى اعتقال أحد عشر أميرا من أحفاد آل سعود، وتحديدا من نسل الملك السابق للسعودية، عبد الله بن عبد العزيز. ويضاف إلى هذه المجموعة أربعة وزراء مباشرين، وعشرات المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين. ومن أبرز الوجوه التي شملها أمر الاعتقال في المملكة العربية السعودية، الوليد بن طلال، أحد مالكي الثروات الهائلة في العالم. وقد وجهت لجميع هؤلاء الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال السعوديين، تهم بالفساد. عمليا، ترتبط جميع هذه الأسماء بصناعة النفط، في حين تعرف ببذخها وثرائها السخي.
في الأثناء، لا يعد بن سلمان، ولي العهد المفضل فقط، بل أيضا الابن الذي منحه الملك كل السلطة من أجل قيادة جملة من التغييرات والتحولات الجذرية في البلاد، على جميع المستويات. وقد شملت هذه التغييرات المجال الاقتصادي، فضلا عن المجال السياسي والأمني. من جانب آخر، يتفق جميع المراقبين السياسيين حول أن “ارتقاء محمد بن سلمان، الذي أطلقوا عليه اسم “الرجل القوي فعلا” في سلم النظام في الرياض، يعد عاملا مؤثرا في سمات وخصائص شخصية الأمير، خاصة في الحرب بين الإخوة في البلاد من أجل الظفر بالسلطة. لكن لا يقتصر هذا التأثير على هذا الجانب، بل يطال أيضا المنافسات القبلية، والنزاعات السياسية، والصراعات الدينية، والتنافس الاقتصادي بشكل خاص”.
يختفي وراء ظل الرجل القوي في المملكة العربية السعودية، قيادة السعودية للحرب في اليمن، الأمر الذي دفع الرياض إلى زيادة نفقاتها العسكرية. وقد هددت هذه الخطوة مخزوناتها المالية. علاوة على ذلك، يقف شخص ولي العهد السعودي وراء الأزمة الحادة مع قطر بالتحالف مع باقي ممالك الخليج العربي. وبلغت الأزمات التي قادها بن سلمان أشدها في ظل تتحمل إيران، المنافس الجيوستراتيجي في المنطقة التي قطعت السعودية علاقاتها معه منذ سنة 2016، مسؤولية الهجوم باستعمال صاروخ متوسط المدى، الذي تم اعتراضه بالقرب من العاصمة السعودية، الرياض.
يرغب نظام بكين في أن تكون له أفضلية في الوصول إلى الاستثمارات السعودية في مجال البنية التحتية
في شأن ذي صلة، يستفيد بن سلمان إلى درجة كبيرة من دعم البيت الأبيض، الذي أطلق بدوره عنان أزمة نووية مع طهران، والذي يرغب أيضا في الحد من نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر اضطرابا بين جميع مناطق العالم. ولكن الأهم، يعد ولي العهد السعودي الرجل القوي الذي حث على إصدار قرار رسمي يقضي بوضع حد “لدورة النفط الرخيص”، كما أنه تكفل بتصميم مشاريع بنية تحتية تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، ناهيك عن أن بن سلمان يعتبر الداعم للإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحديث الاقتصاد في البلاد. وعلى وجه التحديد، يعد بن سلمان الراعي الرسمي للتحالف الثلاثي، الذي تسعى المملكة العربية السعودية إلى توقيعه مع الصين وروسيا، وذلك بموافقة أولية وفعلية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف التاريخي للعائلة المالكة السعودية.
الصين تدخل إلى الساحة السعودية
عززت الصين العلاقات التجارية مع الرياض لضمان التزود بالنفط السعودي، كما تتطلع إلى الاستفادة من الاستثمارات في البنية التحتية وعملية خصخصة خمسة بالمائة من شركة أرامكو، التي يخطط لها ولي العهد.
تعززت العلاقات بين الرياض وموسكو وبكين خلال الأسابيع الأخيرة. ويوحي النشاط الدبلوماسي السعودي المسعور، بتعزيز جملة من المصالح السعودية في بقية الأسواق الناشئة، وتحديدا في آسيا، واليابان. في حقيقة الأمر، يحاول النشاط السعودي ترسيخ توازن جديد للقوى في العالم، ويتجه إلى أن يصبح أقل عرضة للغرب وأكثر ميلا للجانب الشرقي. ومن المتوقع أن تميل قاعدة الزبائن السعودية نحو الشرق، بفضل تبني شعار قوة النفط. وفي مرحلة معينة، ستصبح الطاقة بمثابة السلاح القوي للنشاطات السياسية السعودية في الخارج.
في الوقت الحالي، لم تظهر الصين أي اهتماما بجذب صناعة الهيدروكربونات السعودية إلى محور تأثيرها. في المقابل، يرغب نظام بكين في أن تكون له أفضلية في الوصول إلى الاستثمارات السعودية في مجال البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، ترغب بكين في أن يكون لها حق الرفض فيما يتعلق ببيع حصتها التي تقدر بخمسة بالمائة من شركة أرامكو النفطية. نتيجة لذلك، تبدو الصين على استعداد لإنهاء عملية شراء نفط أوبك، العملية التي اعتمدت ضدها الصين حق النقض، حتى تتمكن في نهاية المطاف إلى استخدام عملتها الرسمية اليوان عوض الدولار في معاملات البيع الثنائية للغاز والنفط.
مشاريع البنية التحتية السعودية تتوقع زيادة الاستثمارات الأجنبية، من قيمة 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى حدود 5.7 بالمائة، مما يعني تخصيص نحو 12 مليون دولار سنويا لتمويل هذه الاستثمارات إلى غاية سنة 2030
تساهم هذه المناورات بشكل كبير في زيادة الطلبات الحالية، بقيمة الثلث تقريبا، للطاقة التي يستهلكها الاقتصاد الثاني عالميا والمستورد الأول للنفط في العالم، الذي لم يكف عن النمو بشكل مطرد خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وعلى المدى البعيد، تملي الحسابات الجيوسياسية في بكين على نظامها التعامل والتعايش مع الإعلانات على النوايا التي ستحدد سياسات باقي القوى في المستقبل.
في المقام الأول، تسعى الصين إلى أن تضمن للرياض أن “أي زيادة في إنتاجها، ستلقى ترحيبا في السوق الصينية “المفعمة بالحيوية” لاستهلاك الطاقة”. في الوقت نفسه، يجب أن تتأكد الصين من أن تكون المملكة العربية السعودية الدولة التي تملك أكبر احتياطي نفط، بموافقة من فنزويلا. ومن خلال هذه المناورة، ستتمكن المملكة العربية السعودية، على المدى المتوسط، من كسب 200 مليار دولار، المبلغ الذي سيسمح بتغطية العجز المتوقع في الميزانية السعودية منذ انهيار أسعار النفط الخام في بداية سنة 2015.
ثانيا، تفرض تكتيكات صينية ثانية زيادة عدد الاستثمارات المتبادلة في مختلف القطاعات، إلى جانب سلسلة الاتفاقيات الثنائية المعلن عنها في الفترة الممتدة بين الربيع والصيف الماضيين. ومن القطاعات المتوقع أن تشملها الاستثمارات المستقبلية، قطاع الطاقة، والبناء، والتجارة من أجل إعادة بناء طريق الحرير، المشروع المروج له من بكين، والهادف إلى تحفيز تدفقات السلع ورأس المال بين الغرب والشرق وبين الشمال والجنوب.
باتت المملكة العربية السعودية تضخ نفقات عسكرية عالية للغاية تفوق جميع ممالك الخليج، وذلك بسبب الغارات الجوية والأرضية التي تقودها في اليمن
في هذا الصدد، يهدف مشروع بكين الأخير إلى دفع برامج تحديث البنية التحتية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن مشاريع البنية التحتية السعودية تتوقع زيادة الاستثمارات الأجنبية، من قيمة 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى حدود 5.7 بالمائة، مما يعني تخصيص نحو 12 مليون دولار سنويا لتمويل هذه الاستثمارات إلى غاية سنة 2030. ولهذا السبب (أي من أجل تمويل هذه الاستثمارات)، خصصت بكين والرياض صندوق استثمار مشترك، يضم مبلغا أوليا تقدر قيمته بحوالي 20 مليون دولار.
ثالثا، يجب أن تقدم عروض محددة من الشركات الصينية بتروتشاينا وسينوبك، بقيمة (أقل أو تساوي) ملياري دولار، أي ما يعادل قيمة خصخصة خمسة بالمائة من شركة أرامكو. في الوقت ذاته، يجب أن يستثمر الصندوق السيادي السعودي، الذي يعتزم ولي العهد تزويده بقيمة ملياري دولار، في أسهم الشركات الصينية. أخيرا، يقتضي التحالف الإستراتيجي بين الأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، الذي أعيد انتخابه حديثا ورئيس الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان، شي جين بينغ، مع الرياض، تزويد المملكة الصحراوية بالمعدات العسكرية.
باتت المملكة العربية السعودية تضخ نفقات عسكرية عالية للغاية تفوق جميع ممالك الخليج، وذلك بسبب الغارات الجوية والأرضية التي تقودها في اليمن. وتقدر هذه النفقات العسكرية بحوالي 197.600 مليون دولار سنويا منذ سنة 2012، أي ما يعادل 12 بالمائة من إجمالي النفقات العسكرية العالمية. من جانب آخر، يساهم تزويد الصين للرياض بالسلاح في تأجيج المنافسة بين بكين وواشنطن، التي وقعت مؤخرا اتفاقا عسكريا مع الرياض بقيمة 110.000 مليون دولار.
تمكنت الشركة الروسية من زيادة القدرة التصديرية في السوق الهندية وزيادة محطات البنزين في البلاد إلى أكثر من 3.500 محطة فضلا عن إعادة هيكلة الديون الهائلة للشركات الهندية عن طريق “أسلحتهم” المالية
العلاقات الروسية الآسيوية
من الواضح أن الطرف الذي برز في صلب نظام البترودولار الذي أقامه الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، ريتشارد نيكسون والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في سنة 1973، ليس فقط الصين، بل أيضا روسيا التي شاركت في هذا التحول. خلال زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى موسكو، اقترحت روسيا على الملك السعودي شراء نظام دفاع جوي صاروخي روسي من طراز إس-400، فضلا عن سلسلة من مذكرات التفاهم، أي اتفاقيات تعاون صناعي عسكري بقيمة 3 آلاف مليون دولار. فضلا عن ذلك، عرضت موسكو اتفاقيات تنص على نقل التكنولوجيا من شركة سيبور الروسية لبناء مصنع للبتروكيماويات في المملكة العربية السعودية، وكذلك من شركة غازبروم وأرامكو لزيادة القدرة الاستخراجية لشركتي النفط على حد سواء.
في الأثناء، تجري محادثات للحد من إنتاج النفط بمقدار 1.8 برميل يوميا، بغية رفع الأسعار دون إلحاق الضرر بالمبيعات السعودية باتجاه آسيا، وبطبيعة الحال، لجعل شركة روسنفت، التي تتبادل أسهما مع الشركات الصينية متعددة الجنسيات، شريكا إستراتيجيا لشركة النفط الحكومية السعودية. في السياق ذاته، يقوم محمد بن سلمان بتحرّكات مماثلة في الهند وذلك بصفة منعزلة، وذلك تحديدا مع مجموعة إيسار الهندية للنفط، سواء من خلال شركة روسنفت الروسية أو شركة سينوبك الصينية.
من جهتها، تمكنت الشركة الروسية من زيادة القدرة التصديرية في السوق الهندية وزيادة محطات البنزين في البلاد إلى أكثر من 3.500 محطة فضلا عن إعادة هيكلة الديون الهائلة للشركات الهندية عن طريق “أسلحتهم” المالية. من جانب آخر، ضمت قائمة الاتفاقيات الأخيرة دولا آسيوية مثل تايوان، وكوريا الجنوبية وكذلك اليابان، جنبا إلى جنب مع مجموعة أخرى من البلدان النفطية تشمل بتروناس وصولا إلى بيرتامينا.
صورة جدارية لملك المملكة العربية السعودية، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
الثورة السعودية الصامتة
قدم محمد بن سلمان لمحة عن نواياه الحقيقية إثر إعلانه عن مشروع رؤية السعودية 2030. وتعد هذه الخطة بمثابة نوع من العقد الاجتماعي الذي يهدف إلى تغيير وجه ومصير أمّة تأسست منذ سنة 1932، بموجب قانون شرعي بين آل سعود ورجال الدين الوهابيين، الذين لا يتفقون فيما بينهم حول بعض ذرائع التحديث. ويبدو أن هدف بن سلمان، على مستوى النظام الاقتصادي، واضح تمام الوضوح، حيث يرغب في إنهاء الاعتماد الكامل على النفط ووضع حد “لديكتاتورية” الهيدروكربونات أي المحروقات، التي كان لها الفضل الاقتصادي الأكبر على هذه الدولة البترولية.
في السنة الأخيرة، وبعد فترة استقرار نسبي دامت ثلاث سنوات، انخفض سعر برميل النفط الخام بنسبة 60 بالمائة، مما ساهم في توليد عجز مالي بنسبة 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، شبيه تقريبا بتأثير الإنفاق العسكري في اليمن. عموما، تساهم عائدات النفط بنسبة 90 بالمائة من ميزانية البلاد، كلها تقريبا بفضل مبيعاتها في الخارج، في حين تمثل أكثر من نصف ناتجها المحلي الخام.
من هذا المنطلق، يكمن هدف بن سلمان الرئيسي في إحكام سيطرته على الأمن والموارد المالية للبلاد
على ما يبدو أن ولي العهد السعودي قد شرع بالفعل في تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها. ومن بين الإجراءات الأخرى التي اتخذها بن سلمان، خفض الدعم المخصص على البنزين والكهرباء والمياه، فضلا عن فرض ضرائب على القيمة المضافة للسلع الفاخرة والمشروبات السكرية، التي من المتوقع أن تعزز خزائن الدولة بنحو 100 ألف مليون دولار، اعتبارا من سنة 2020، وفقا لحساباته. وفي هذا الصدد، صرح بن سلمان أنه “سيمارس ضغوطا ضريبية على أغنى الطبقات في البلاد”. وتعد تصريحاته بمثابة رسالة وفاق وصلح للشعب السعودي في ظل تزايد المعارضة الاجتماعية الداخلية تجاه شخصه وقراراته، وخاصة، من قبل الوهابيين الذين يعارضون أي مؤشر للحداثة والتحديث في البلاد.
في الحقيقة، لعل هذا السبب يمثل الدافع الرئيسي الذي جعل بن سلمان يقيل الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني السعودي، إلى جانب إعفاء وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه عن مهامه. في المقابل، عين بن سلمان الأمير خالد بن عياف وزيرا للحرس الوطني السعودي خلفا للأمير متعب، كما عين محمد التويجري وزيرا للاقتصاد والتخطيط خلفا لعادل الفقيه. ومن المعلوم أن التويجري قد لعب دورا حاسما ونشطا في السياسة الاقتصادية والمالية في صلب جدول أعمال مشروع رؤية سنة 2030. من هذا المنطلق، يكمن هدف بن سلمان الرئيسي في إحكام سيطرته على الأمن والموارد المالية للبلاد.
الأوراق الأخرى في قلب لعبة الأوبك
على ما يبدو أن المملكة العربية السعودية ليست العامل المحفز الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وإنما هناك على الأقل خمسة مصادر أخرى للتوتر.
العراق
يواجه العراق أشدّ مخاطر إمدادات النفط على المدى القصير. فمن الواضح أن الإمكانيات المفاجئة لآبار النفط في كركوك، قد تتسبب بالفعل في تقلب أسعار النفط الخام. وتشير أحدث التقديرات إلى أن حقل باي حسن النفطي وحقل آفانا للنفط قد تكون لديهما قدرة عالية على استخراج النفط، التي لا تقل عن 275 برميلا يوميا. وفي الوقت الراهن، يعتقد سوق النفط أن بلوغ هذا النسق لن يكون إلا بصفة مؤقتة.
في انتظار تمتع شركات النفط الكبرى بجملة من الاستثمارات التكنولوجية، في إطار مساعيها لبلوغ سقف معين من إمدادات النفط، أكدت بعض الأطراف التجارية أن هذه الشركات متقدمة جدا ويمكن أن تفترض مدّ السوق بحوالي 400 ألف برميل يوميا من هذه الحقول. وفي الأثناء، يمثل العراق أهم عامل إنتاجي قصير الأجل في قطاع الطاقة، نظرا لأن حقوله الجنوبية أيضا تقترب شيئا فشيئا من بلوغ إمكانياتها الإنتاجية بنسبة 600 ألف برميل يوميا.
إيران
تعتبر إيران موضع تساؤل كبير في إطار التحاليل التي تعنى بدراسة سوق الطاقة العالمي. ففي الواقع، تعيش إيران في ظل وضع هش للغاية. في الوقت ذاته، بات خطر فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، إثر تدهور العلاقات، وفقا لما اعترفت به حكومة ترامب، احتمالا واردا أكثر من ذي قبل. علاوة على ذلك، يواجه البيت الأبيض جملة من الصعوبات فيما يتعلق بالتحركات تجاه إيران في ظل إصرار طهران على مواصلة خططها، مع أو من دون مساعدة من قبل حلفائها الدوليين. ولعل أكثر ما يشغل البيت الأبيض إمكانية حظر صادرات النفط الخام.
من جهته، أكد وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن واشنطن ستعرقل أي صفقة تجارية بين الشركات الأوروبية وإيران. في هذا الشأن، تقدر شركة غولدمان ساكس أنه في أسوأ سيناريو جيوسياسي، ستكون المئات من براميل النفط الخام يوميا، عرضة لخطر المشاركة في عروض السوق. بناء على ذلك، قد تصل العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني إلى مليون برميل على الأقل يوميا، مثلما حدث في السنوات السابقة لتوقيع الاتفاق النووي بين حكومة طهران وإدارة أوباما. عموما، ليس هناك أي دليل على أن البيت الأبيض سينفذ تهديده ضد إيران، على الأقل، خلال الأيام المتبقية من السنة الحالية.
لهيب نيران متصاعد من مصنع تكرير النفط في إيران
ليبيا
تعد ليبيا أحد شركاء منظمة الدول المصدرة للبترول في شمال أفريقيا المعفاة من أي اتفاق، إلى أن تتمكن من من استعادة نسقها المعهود على مستوى استخراج النفط، الذي تعطل بسبب ثورات الربيع العربي. فخلال السنة الماضية، التزمت ليبيا بالمبادئ التوجيهية المحددة من طرف السوق فيما يتعلق بقطاع الطاقة. إضافة إلى ذلك، تشهد ليبيا عودة تدريجية إلى الحياة الطبيعية، حيث ارتفعت نسبة إنتاجها للنفط من 300 ألف برميل من يوميا إلى ما يزيد عن 850 ألف برميل، في الوقت الحالي، في حين بلغت في غضون أسابيع حوالي مليون برميل.
في المقابل، قد يتسبب تداعي عمل بعض مصانعها وآبار النفط، التي تضررت جراء أعمال العنف في خضم الصراع الليبي في السنوات السابقة، في جعل مهمة طرابلس صعبة فيما يتعلق ببلوغ نسبة 1.25 مليون برميل يوميا، التي يحتاج لها السوق. علاوة على ذلك، تواجه ليبيا خطر زيادة أسعار النفط الخام، خاصة نتيجة تذبذب أرقام إنتاجها، فضلا عن الشكوك التي تحوم حول انعدام استقرارها السياسي وحساباتها الاستخراجية للنفط.
نيجيريا
تواجه نيجيريا وضعية مشابهة لوضعية ليبيا، حيث تعد أيضا أحد البلدان المعفاة من خفض الحصص التي تفرضها منظمة الدول المصدرة للبترول، الأوبك، وذلك بهدف رفع أسعار النفط الخام في ظل التوتر السياسي الشديد الذي له العديد من الآثار الجانبية الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من انخفاض وتيرة العنف في دلتا النيجر، عقب قرار وقف إطلاق النار الذي صدر في السنة الماضية، إلا أن مستويات إنتاج النفط الخام انخفضت إلى 1.2 مليون برميل يوميا في سنة 2016 و1.8 مليون برميل في الوقت الحالي. ومع استمرار انعدام السلام الاجتماعي، ستظل القدرة الاستخراجية النيجيرية للنفط محدودة. من جانب آخر، أعربت الجماعات المتمردة عن شعورها بالإحباط إزاء محادثات السلام التي تم البدء فيها مع الحكومة. وبالتالي، لا يمكن الجزم بانتعاش النفط الخام النيجيري وعودته إلى حالته الطبيعية.
شعار شركة النفط الحكومية الفنزويلية، شركة “بتروليوس دي فنزويلا”، جنبا إلى جنب مع لوحة جدارية للرئيس هوغو تشافيز.
فنزويلا
تعتبر فنزويلا أيضا موضع تساؤل من قبل العديد من المستثمرين فيما يتعلق بأسعار العقود المستقبلية للنفط، خاصة وأن البلاد تعيش بدورها اضطرابات اجتماعية حادة. في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أنتجت فنزويلا حوالي 1.89 مليون برميل نفط يوميا، وهي حصيلة بعيدة كل البعد عن 3.2 مليون برميل التي تم إنتاجها في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وأيضا بالمقارنة مع ما يقارب 2.4 مليون برميل في سنة 2015.
في ظل فقدان السيولة من خزائن البلاد، قامت شركة بترول فنزويلا المعروفة باسم “بتروليوس دي فنزويلا” الحكومية بشلّ مشاريعها الاستثمارية. فضلا عن ذلك، واجهت الشركة صعوبات حقيقية في الحفاظ على حصصها لاستخراج النفط في الوقت الحالي. ومما يزيد الأمر سوءا، أن التقارير الصادرة عن قطاع النفط تؤكد تدهور نوعية النفط الخام الفنزويلي. إلى جانب ذلك، لا يكاد النفط الخام الذي يتم استخراجه يكون خاليا من الشوائب التي لا تستجيب للمعايير الدولية المطلوبة. في الأثناء، قد تؤدي الديون المتنامية والباهظة لشركة النفط الفنزويلية إلى إفلاسها. تساهم كل هذه العوامل في التشكيك في القدرة الإنتاجية للنفط الخام في البلاد.
المصدر: بوبليكو