بعد سنوات من بقائه حبيس الأدراج، أعادت وزارة الصحة الجزائرية عرض مشروع قانون الصحة، ليعود معه الجدل الذي كان سببًا في تجميده وتأجيل النظر فيه والمصادقة عليه من نواب البرلمان في المرات السابقة، كونه لم يلب مطالب الهيئات التي تمثل القطاع، ولما تضمنه أيضًا من مراجعات تمس العديد من المسائل الحساسة على رأسها “الإجهاض”.
تقنين الإجهاض محل جدال
لإن لم يتضمن مشروع قانون الصحة الجديد المعروض على أنظار لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل بمجلس الشعب الجزائري، ما يجيز صراحة الإجهاض، فقد تضمن بعض البنود الغامضة التي من شأنها، بحسب العديد من الخبراء الجزائريين في هذا القطاع، فتح الباب أمام الإجهاض في بلادهم.
وينص مشروع هذا القانون المثير للجدل على السماح للأم باللجوء إلى الإجهاض ووقف الحمل عندما يُظهر التشخيص الطبي أن الجنين مصاب بمرض أو تشوه خلقي لا يسمح له بالنمو الطبيعي، أو في حال كانت صحة الأم في خطر بسبب الحمل، وهو مشروع حسب لجنة الصحة بالبرلمان الجزائري لا يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي فيما يتعلق بحياة الأم لكن سيتم تقنينه حتى لا يتم استغلاله للمتاجرة من بعض الأطراف التي تجهض بطريقة غير شرعية.
يجيز قانون الصحة – الساري العمل به حاليًّا بالجزائر – عمليات الإجهاض، غير أنه يقيدها في شرط واحد
وجاء في المادة 81 في مشروع القانون الجديد “عندما يثبت بصفة أكيدة عن طريق تشخيص ما قبل الولادة أن المضغة أو الجنين يعاني مرضًا خطيرًا أو تشوهًا لا يسمح له بالنمو العادي، يجب على الطبيب المتخصص والأطباء المتخصصين في هذا المجال، وبالاتفاق مع الطبيب المعالج إعلام الزوجين بذلك، واتخاذ قرار طبي عاجل، بما تسمح الظروف، غير أنه إذا كانت حياة الأم في خطر يقرر إسقاط الطفل”.
ويجيز قانون الصحة – الساري العمل به حاليًّا بالجزائر والصادر عام 1985 والمعدل في عام 2008 – عمليات الإجهاض، غير أنه يقيدها في شرط واحد هو إن كان الجنين يشكل خطرًا على الأم قد يؤدي إلى وفاتها، غير أن مجالات إجازة عمليات الإجهاض توسعت بمشروع الصحة الجديد إلى مقتضيات أخرى، مما أثار تحفظات المعارضة السياسية والشارع الجزائري، لارتباط المسألة بمحظورات الشريعة الإسلامية.
نواب المعارضة يطالبون بتقييد بعض المواد
رغم أن وزير الصحة الجزائري مختار حسبلاوي قد أكد أن إعداد هذه المادة التي تجيز الإجهاض سبقه التقيد بموقف الشرع، ونال موافقة القطاعات الأخرى المعنية منها وزارة الشؤون الدينية، فإن نواب المعارضة في البرلمان الجزائري أصروا على ضرورة أن يكون نص المادة مطابقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وإشراك رجال الدين والأخذ برأيهم حتى يكون النص مطابقًا للشريعة.
البرلمان الجزائري
وطالب نواب المعارضة المنتمين للأحزاب الإسلامية بضرورة تقييد المواد 79 و80 و81 من مشروع قانون الصحة الجديد، والتي تتعلق في معظمها بصحة الأم والجنين، مشترطين ضرورة أن يتماشى ذلك مع تعاليم الشريعة الإسلامية، باستشارة رجال الدين وعلماء الأمة على حد وصفهم، ويرى نواب المعارضة أن توسيع مجالات الإجهاض في القانون الجزائري إلى حالات إضافية يفتح المجال لأي امرأة تريد التخلص من جنينها، خاصة مع تنامي ظاهرة الإنجاب خارج الأطر الشرعية، ومن المنتظر أن يعرض مشروع قانون الصحة بالجديد بالجزائر للمناقشة ثم المصادقة عليه بالبرلمان الأحد المقبل.
رجال الدين لهم رأي أيضًا
مباشرة إثر عودة الحديث عن مشروع قانون الصحة المجمّد منذ سنوات، سارع إمام المسجد الكبير وشيخ “الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن والذكر” وعضو المجلس العلمي في الجزائر الشيخ علي عية، إلى توجيه رسالة للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل التي تناقش نص المشروع، وورد فيها أنه بعد نفخ الروح في الجنين بعد الشهر الـ4 لا يجوز إسقاطه أبدًا عند أكثرية العلماء بأي حال من الأحوال، أما إذا كان سببًا في موتها فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه، حذرًا من موتها، لأن حياتها ألزم عند الضرورة القصوى، وهذا بتقرير طبيبين أو أكثر أن بقاءه يضرها وأن عليها خطرًا بالموت.
تشير أرقام رسمية لوزارة التضامن الوطني بالجزائر، إلى أن أكثر من 10 آلاف طفل في الجزائر ولدوا بالسنوات الأخيرة من علاقات غير شرعية
من جهته قال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بو عبد الله غلام الله في تصريحات إعلامية “الوزارة لم تستشر المجلس الإسلامي الأعلى فيما يتعلق بنص المادة الجديدة الخاص بالإجهاض”، مشيرًا إلى أن هيئته ستعلق على المشروع فور الاطلاع عليه وعرضه على أصحاب الاختصاص، وينتقد رجال الدين والفقهاء في الجزائر عدم استشارة وزارة الصحة لهم بمسألة إباحتها الإجهاض، رغم أن المسألة مرتبطة بمقتضيات الشريعة الإسلامية.
وتشير أرقام رسمية لوزارة التضامن الوطني بالجزائر إلى أن أكثر من 10 آلاف طفل في الجزائر ولدوا بالسنوات الأخيرة من علاقات غير شرعية، فيما سجل المعهد الوطني للصحة بالجزائر 697 حالة وفاة في أثناء الولادة منذ بدء العام الحاليًّ 2017، منها 41 حالة وفاة بسبب الإجهاض (زواج شرعي)، بينما كشف تقرير آخر لمصالح الأمن الوطني بالبلاد وفاة 78 امرأة حاملًا بطريقة غير شرعية خضعن للإجهاض من مجموع 3 آلاف حالة إجهاض من نفس الفئة.
الهياكل المهنية تحتج
إلى جانب رجال الدين وبعض نواب البرلمان والأحزاب السياسية، أبدت بعض الهياكل المهنية في قطاع الصحة تحفظات بشأن مشروع القانون الخاص بالصحة، حيث قال رئيس نقابة ممارسي الصحة في الجزائر إلياس مرابط في تصريحات صحفية “وزارة الصحة مطالبة بإعادة النظر في قانون الصحة الجديد، وإشراك الشركاء الاجتماعيين في إثرائه بالنظر إلى كثرة الثغرات التي يتضمنها المشروع”.
وجاء قرار عرض مشروع القانون أمام لجنة الصحة بالبرلمان صادمًا للشركاء الاجتماعيين، الذين اعتبروا ذلك تجاهلًا لدورهم في منظومة الصحة الجزائرية التي لهم دراية كافية بسلبياتها ونقائصها، وهدد المعنيون في حال المصادقة على المشروع دون تعديل بالخروج في وقفات احتجاجية وشل المستشفيات.
من جهتها أشارت عمادة الأطباء في الجزائر إلى أن نص مشروع القانون الذي يتكون من 480 مادة يتضمن ثغرات كبيرة، ويساهم في تدهور الرعاية الصحية للمريض، ويعقد مهمة الأطباء والعاملين في القطاع الطبي بشكل عام، والذين يعانون أصلًا من عدة مشاكل تحول دون أدائهم لمهامهم بشكل جيد.
احتجاجات الهياكل المهنية في قطاع الصحة بالجزائر
وكان وزير الصحة الجزائري قد عرض مشروع القانون أمام أعضاء لجنة الصحة بالبرلمان، مؤكدًا أن القانون جاء لتنظيم القطاع أكثر، وللتكيف مع التطورات التي تعيشها الجزائر في هذا المجال، مشيرًا إلى أن وزارته وضعت نصب أعينها تحسين الخدمات الصحية المقدمة إلى المواطن، مع الحفاظ على مجانية العلاج التي تعتبر مبدأ تحرص عليه السلطات الجزائرية.
في غضون ذلك قرر الأطباء في الجزائر الدخول في إضراب مدة يومين بداية من اليوم الثلاثاء احتجاجًا على ما اعتبروه أوضاعًا مزرية يعيشونها في المستشفيات عبر كامل التراب الوطني، مشددين على أن الأطباء لديهم واجبات وعليهم ضغوط أكثر مما لهم حقوق.
تأجيل متكرر
شهد مشروع قانون الصحة – الذي من المنتظر أن يتم عرضه على أنظار البرلمان الأحد المقبل – تأجيلات متكررة، حيث كان من المبرمج عرضه منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قبل أن يتأجل إلى 7 من ديسمبر/كانون الأول الماضي ثم إلى 19 من نفس الشهر نفسه ليتأجل مرة أخرى إلى شهر يناير/كانون الثاني 2017 ليُأجل بعدها إلى الدورة البرلمانية الحاليّة.
وصادق مجلس الوزراء برئاسة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على المشروع أكتوبر/تشرين الأول 2016، ويقترح مشروع القانون أساسًا تعزيز الاستفادة من العلاج خاصة بالنسبة للأشخاص المعسورين، وإدخال بطاقة الصحة الإلكترونية والملف الإلكتروني للمريض من أجل تسهيل متابعته الطبية، ويقترح النص وضع برامج صحية خاصة بالنسبة لبعض الأمراض أو بعض فئات المرضى، وكذا قواعد تنظيم زرع الأعضاء والأنسجة والخلايا والمساعدة الطبية على الإنجاب ومنع الاستنساخ.