مرة أخرى تقف روسيا في موقف اتهام، فبعد الاتهامات التي طالتها من الولايات المتحدة الأمريكية بتدخلها لصالح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية نوفمبر الماضي، والاتهامات الفرنسية والألمانية وأيضًا البريطانية لها نتيجة محاولاتها المتكررة للتأثير على نتائج الانتخابات في هذه البلدان الأوروبية، جاءها الاتهام هذه المرة من إسبانيا بالتدخل في سياساتها الداخلية من خلال التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية.
اتهامات لروسيا
اتهم مسؤولون إسبان روسيا بالتدخل في استفتاء إقليم كتالونيا الإسباني الشهر الماضي في مسعى لزعزعة استقرار البلاد، تزامن ذلك مع إقرار حكومة بلادهم بوجود مؤشرات قوية تدل على تدخل قراصنة إنترنت من روسيا في الأزمة، وكانت مدريد أعربت الجمعة الماضي عن قلقها حيال أنشطة روسيا على مواقع التوصل الاجتماعي فيما يتعلق بكتالونيا، عقب تقارير وصور اعتبرتها مضللة تمت مشاركتها بشكل واسع عبر الإنترنت، مما أجج الخلاف الناتج عن الاستفتاء على الاستقلال الذي جرى في الأول من أكتوبر، بحسب تقارير إعلامية.
وسبق أن اتُهمت روسيا بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها دونالد ترامب، وعلى الحملة التي سبقت التصويت لصالح بريكست في بريطانيا، وعلى الانتخابات الفرنسية والألمانية أيضًا، ومن المتوقع أن يعمل وزراء الاتحاد الأوروبي على زيادة مواردهم لمواجهة حملات التضليل الروسية، ويعتقد حلف شمال الأطلسي أن موسكو ضالعة في استراتيجية حرب معلومات وتضليل غامضة ومتعمدة في محاولة لشق صف الغرب وكسر وحدته، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم في 2014.
وزيرة الدفاع الإسبانية: “من الواضح أن كثير من الرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي المحيطة بأزمة كتالونيا كانت صادرة من الأراضي الروسية”
وتطرقت إسبانيا أمس الإثنين، خلال اجتماع لوزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى مسألة “المعلومات المضللة” المسؤولة عنها روسيا في تعاطيها مع الأزمة المتعلقة باستقلال كتالونيا، وقال وزير الشؤون الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس – خلال هذا الاجتماع – إن بلاده قد تأكدت من صحة وجود تدخلات روسية، وأكد الوزير الإسباني أن بلاده رصدت حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي نصفها في روسيا ونحو 30% في فنزويلا، وقال إنها أُنشئت لتضخيم منافع القضية الانفصالية من خلال إعادة نشر رسائل وتدوينات.
من جهتها قالت وزيرة الدفاع الإسبانية ماريا دولوريس دي كوسبيدال إنه من الواضح أن كثير من الرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي المحيطة بأزمة كتالونيا كانت صادرة من الأراضي الروسية، رغم أنه لا يزال من الضروري التثبت من ارتباطها بالكرملين، وقالت دي كوسبيدال: “من المهم أن نعرف أن هناك كيانات محددة قد تكون عامة أو خاصة تحاول التدخل في السياسات الوطنية، والتأثير وخلق أوضاع غير مستقرة في أوروبا”، وأضافت “تقع على عاتقنا مسؤولية إعلانها ليعرف بها الرأي العام ولنحاربها”.
تركيز على دعم “الانفصال”
إلى جانب ذلك، اتهمت وسائل إعلام إسبانية منصات تدعمها موسكو – على غرار “روسيا اليوم” و”سبوتنيك” اللتين تملكان خدمات باللغة الإسبانية – بالقيام بدور مقوض للاستقرار في الأزمة الكتالونية، وأكدت تقارير إعلامية أن معظم الرسائل الداعمة لانفصال كتالونيا على وسائل التواصل الاجتماعي جاءت من روسيا.
ويؤكد مراقبون أن السلطات الروسية جعلت من الإعلام التقليدي والإلكتروني سلاحًا لضرب الدول الأوروبية وخلق إزعاج كبير لدول الاتحاد، فضلًا عن استغلال الأزمات التي تمر بها دول الاتحاد، وتستعمل روسيا قنواتها الإعلامية القوية ومواقعها الإلكترونية وتحليلات الأكاديميين والخبراء والكتاب الدائرين في الفلك الروسي، وحتى الحسابات المجهولة والموجهة على تويتر للتأثير في استفتاء كتالونيا.
في هذا الشأن اتهمت صحيفة “إل باييس” الإسبانية روسيا بتخصيص ماكينة إعلامية لنشر الدعايات المغلوطة وترويج الأكاذيب والأراجيف عن السياسة الداخلية للحكومة الإسبانية تجاه الأزمة في كتالونيا، وأكدت الصحيفة أن الروس وجدوا في كتالونيا فرصة أخرى لتعزيز نفوذهم الدولي وتعميق الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، من خلال مجموعة من المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية الموالية للاتحاد الروسي، والتي تقدم استنتاجات مغلوطة وتحليلات مغرضة هدفها زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الإيبيرية.
عضو بالبرلمان الأوروبي قال إنه يجب على إسبانيا أن تأخذ التهديد الروسي على محمل الجد
وتقول الجريدة إن المواقع الموالية لروسيا ترسم صورة قاتمة لما يجري وتشّبه الإجراءات التي تتخذها حكومة مدريد بما قام به فرانكو عام 1939، وبعض تلك المواقع وضعت صورته وهو يمتطي فرسه كخلفية لمواضيع تخص الأزمة في كتالونيا، مشيرة إلى أن روح الديكتاتورية لا تزال تجد امتدادًا في السياسة الداخلية الإسبانية في تعاطيها مع الاستفتاء.
ووفقًا لنفس الصحيفة فإن الشبكات الاجتماعية الروسية زادت من نشاطها بنسبة 2000% لصالح الاستفتاء الانفصالي في كتالونيا، وقال عضو بالبرلمان الأوروبي فيكتور بوستينارو إنه يجب على إسبانيا أن تأخذ التهديد الروسي على محمل الجد، وأضاف نائب رئيس المجموعة الاشتراكية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي إن كتالونيا هي حالة أخرى من التدخل الضار من جانب روسيا، مشددًا على أن بيانات الاستخبارات أكدت أن القراصنة الذين روجوا لبعض الحملات عبر الإنترنت لصالح الاستفتاء كانوا من روسيا.
نفي روسي
من جهتها نفت روسيا هذه الاتهامات، حيث قالت السفارة الروسية في مدريد الجمعة الماضية، إن تقارير بعض وسائل الإعلام الإسبانية عن دور مزعوم لروسيا في أزمة كتالونيا هي تشويه للحقيقة، ونقلت وكالة أنباء “تاس” الروسية عن بيان للسفارة القول: “نحن مندهشون الآن بشأن قيام وسائل إعلام إسبانية بتصعيد الهلع بشأن “يد روسيا” في كتالونيا، ولا تساعد القراء على رؤية الوضع الحقيقي والطرق الممكنة لحل المشاكل في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي”.
ونهاية الشهر ذاته أعلنت الحكومة المركزية الإسبانية عزل حكومة كتالونيا ومدراء الشرطة المحلية عن مناصبهم، وتعيين وزراء لها لتولي مهام حكومة الإقليم عقب حلها، في خطوة مضادة لإعلان الإقليم الانفصال من جانب واحد.
وقبل ذلك، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن منهج موسكو بشأن الوضع في إسبانيا لم يتغير، مشددة على أن الأحداث في كتالونيا هي شأن إسباني بحت، وأن موقف روسيا ينبع من إيمانها بأن الأحداث في المنطقة الإسبانية سيحكمها في النهاية القانون والدستور.
وكان برلمان إقليم كتالونيا قد صوت – في 27 من أكتوبر – لصالح الانفصال عن إسبانيا بناء على نتيجة استفتاء أُجري في الأول من نفس الشهر، ووصفت السلطات الإسبانية هذا الإعلان بـ”غير القانوني”، وعقب ذلك صوت مجلس الشيوخ الإسباني على طلب من مدريد لاستخدام المادة رقم 155 من الدستور الإسباني، وهي المادة التي لم تستخدم أبدًا من قبل وتسمح بتقييد الحكم الذاتي في كتالونيا.