يعتبر أفلاطون من أبرز الفلاسفة الذين تركوا إرثًا كبيرًا في تاريخ الفلسفة، كما يُعد أفلاطون أول من نظَّر في مفهوم الجميل أو الجمال، الجميل عنده هو في النظر وفي السمع وفي الترحيب، الجميل مجموعة من الكلمات والموسيقى الجميلة، كما يربط أفلاطون الجمال بالأخلاق، ومع كل هذا فقد عرفنا مفهوم الجميل الذي بقي مرتبطًا بأفلاطون على مر العصور، ومن هذا المنظور، فما الجميل؟ ومن أبرز الفلاسفة الذين اهتموا به؟
إن معظم الباحثين والدارسين في الوقت الراهن يعتبرون أن أهم ما جاء به أفلاطون هو عالم الماهيات أو ما يسمى بـ”عالم المثل” والمدينة الفاضلة والجمهورية وإنتاجه للمفاهيم في الورشة السياسية.
الجميل كان لا بد من ظهوره آجلًا أم عاجلًا، لأنه الذي يجعل الفنان يبدع ويعيش تحت وقع الإبداع، الجميل انعكاس لما يوجد في الطبيعة، فقد اعتبر أفلاطون أن الجميل موجود بذاته في “عالم المثل”، إن الموسيقى في نظر أفلاطون لم تكن من أجل اللذة بل كانت كي تقوم بتطهير النفس والتسامي بها من العالم المادي المملوء بالشرور، تعتبر فلسفة أفلاطون أن الفن ما هو إلا أداة لنقل الحقيقة كاملة غير منقوصة وتوجيه الناس إلى الخير.
الهوس في فكر الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (427 ق.م – 347 ق.م) هو شيء مهم في فكرة الجميل أيضًا، وفي هذا الصدد يقول أفلاطون جملة جميلة: “أعظم النعم تأتينا نحن البشر من الهوس، فالشعراء مثلًا يأتيهم الوحي من ربات الشِعر لأن الشِعر هو شِعر الملهمين وليس شِعر المتعقلين”.
يعد الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” (1724-1804) من أبرز الفلاسفة الذين اهتموا بالجمال أو الجميل، وقد اعتبر كانط علم الجمال هو مجال خاص للخبرة الإنسانية
الفلسفة الأفلاطونية جميلة لما تحمله في ثناياها من إبداع، نجد إبداع أفلاطون في السياسة ناهيك عن ظهور مفهوم الجميل، ويقصد بهذا الأخير الدافع الملهم للفنان الحقيقي، الفن يؤكد عليه أفلاطون إذ اعتبر أنه هو الذي يحرر الإنسان من همجية الحياة، حيث إن فلسفة الفنون عملت جاهدة للوقوف بالمرصاد أمام وحشية الإنسان، لقد تميز أفلاطون بنظرية المحاكاة وهذه الأخيرة تؤكد على العلاقة بين الفن والتجربة الإنسانية خارج الفن، ونظرية المحاكاة مبنية على الانسجام، الرسام يرسم الطبيعة أي يحاكيها على الورق ولهذا فأفلاطون كان لا يحب الرسم لأنه مبني على التأويل.
لقد كان أفلاطون محطةً حاسمة في تاريخ الفلسفة، بإخراجه لمفهوم الجميل الذي ترك إرثًا لا يضاهى ولا يداس في فلسفة الجمال بصفة عامة، الجميل ليس مفهومًا بديهيًا بل إنه كسر مداميك القبْح، أفلاطون معجزة لن تتكرر أبدًا في تاريخ الفلسفة، مع أفلاطون برز مفهوم جديد وهو المحاكاة البسيطة ويقول أفلاطون في خضم هذا الموضوع “يستطيع الشاعر أو المصور أن يخلق كل النباتات والحيوانات ونفسه أيضًا والأرض والسماء والآلهة والأجرام السماوية، كيف يتم ذلك؟ يتم ذلك لأن كل ما يحتاج إليه الفنان هو أن يأخذ مرآة ويديرها في جميع الاتجاهات”.
يجعل أفلاطون من الحب دافعًا للفنان المبدع، ويقول أفلاطون قولة جميلة “إن الحب يهدف إلى بلوغ الجمال، إذ ليس القبح أبدًا غاية الجمال”.
يُعد الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” (1724-1804) من أبرز الفلاسفة الذين اهتموا بالجمال أو الجميل، وقد اعتبر كانط أن علم الجمال مجال خاص للخبرة الإنسانية، وقد اقترح نظرية الذوق، فالذوق لا تتحكم فيه المفاهيم العقلية، إن الذوق ليس حكمًا معرفيًا بل إنه حكم جمالي، يقول كانط “الجميل هو وجدان محايد حر منزه عن كل غرض”.
الفن مثله مثل الدين هو لحظة تنصهر في الفلسفة، فالجمال تم الاهتمام به منذ القدم، حيث كان أول من نظر فيه أفلاطون ثم كانط وختامًا بهيغل
لقد جعل كانط لعلم الجمال مجالًا مستقلًا عن مجال المعرفة النظرية، حيث انتقل كانط انتقالًا كرونولوجيًا رهيبًا بالجمال، وتم الانتقال من مرحلة الميتافيزيقا التي كان البحث فيها عن الجمال الفني والطبيعي، إلى المرحلة النقدية أي مرحلة البحث عن إمكانية إدراك الإنسان وحكمه على الجميل.
بداية مع فيلسوف الماهيات أفلاطون مرورًا بالفيلسوف النقدي كانط وختامًا بهيغل، وهذا الأخير هو فيلسوف جمع الأخضر واليابس من المواضيع، فقد اعتبر هيغل أن الجميل الذي نبدعه بوعي منا هو أعلى أشكال المطلق، فالفن في نظر هيغل هو تجسيد حسي للفكرة وهو جزء من العقل المطلق، الفن هو تعبير حسي عن العقل الكوني، وقد قسم هيغل الفن إلى قسمين:
– الفن الكلاسيكي: يبلغ ذروته في النحت.
– الفن الرومانسي: يتجسد في التشكيل والموسيقى والشعر.
انطلاقًا من هؤلاء الفلاسفة نستشف أن الفن مثله مثل الدين هو لحظة تنصهر في الفلسفة، فالجميل تم الاهتمام به منذ القدم، حيث كان أول من نظر فيه أفلاطون ثم كانط وختامًا بهيغل.
إن الجميل Le Beau هو مفهوم يجب علينا السباحة في سبْر أغواره لمعرفة مرتكزاته إذ يقوم على مفهوم الذوق والإدراك الحسي والمحاكاة، كل هذه المفاهيم تشكل لنا خيطًا ناظمًا لمعرفة ماهية الجميل، إن كل هؤلاء الفلاسفة أعطوا لهذا المفهوم حقه واهتموا به أتم الاهتمام، هذا المفهوم الذي يحمل في طياته أشياء عديدة ظهرت بعد تراكمات فكرية.