جمع التاريخ بين الأتراك والعرب منذ مئات السنين، وساعدت عوامل عديدة مثل الحدود الجغرافية المتلاصقة والدين المشترك وآلاف الكلمات المقتبسة والمستنسخة بين اللغة العربية والتركية على خلق خلفية اجتماعية وثقافية متشابهة بين الشعبين، وهذا رغم كل الأحداث والمعلومات التاريخية المغلوطة والتي شوهت هذه العلاقة بعد الحرب العالمية الأولى.
وفي ظل ثورات الربيع العربي وما نتج عنها من فوضى سياسية أثرت على استقرار الدول العربية، لجأ الكثير من العرب إلى العيش في تركيا لعوامل عديدة منها القرب الجغرافي والحرية الدينية وفرص الاستثمار والعمل، إذ تشهد العلاقات التركية العربية نموًا وتقاربًا بعد سنوات من الجفاف إن صح التعبير.
ومع هذه العودة في الانتشار الكبير للعرب في تركيا واندماجهم داخل مدنها وبين مواطنيها، نسأل في هذا التقرير عما إذا عكست الدراما التركية هذا الوجود العربي الكبير في أراضيها من خلال مسلسلاتها وأفلامها؟
سوق الدراما التركية
تعتبر الدراما التركية من أكثر أدوات الدولة التركية نجاحًا في تحقيق المنافع الاقتصادية وتعريف العالم بالثقافة التركية وتاريخها، لا سيما أن مواضيعها عبرت بشكل كبير عن المشاكل الاجتماعية التي يعيشها الشباب وعرضت أسلوب حياتهم بطريقة مثيرة للاهتمام من خلال الجمع بين مظاهر الإسلام والتدين، والانفتاح والجرأة في نفس الوقت.
بدأ قطاع الإنتاج الفني بالازدهار في تركيا عام 2008، وخلال هذه الـ10 سنوات لاقت الأفلام والمسلسلات التركية شعبية كبيرة في مناطق الشرق الأوسط والبلقان وأوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وآسيا الوسطى، وعلى الرغم من الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تمر بها تركيا، ما زالت تحتل المرتبة الثانية في الصادرات الفنية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُعرض الدراما التركية في أكثر من 142 دولة، وبلغت قيمتها 350 مليون دولار أمريكي لعام 2016.
على الرغم من الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تمر بها تركيا، ما زالت تحتل المرتبة الثانية في الصادرات الفنية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تُعرض الدراما التركية في أكثر من 142 دولة، وبلغت قيمتها 350 مليون دولار أمريكي لعام 2016
وفي هذا الخصوص قال وزير السياحة والثقافة نابي أفجي: “قبل 15 عامًا كنا ننتج 9 أفلام فقط سنويًا، وهذه السنة – يقصد 2016 – أخرجنا 139 فيلمًا”.
ومع ارتفاع نسب مشاهدة هذه المسلسلات والأفلام، ارتفعت أسعار الحلقات، فمنذ عدة سنوات كانت يدفع 500 دولار مقابل الحلقة الواحدة، أما اليوم فيصل سعر الحلقة إلى 50 ألف دولار، ولا يمكن حصر إيرادات وأرباح هذا المجال فقط في أسعار الحلقات، بل ساعدت أيضًا على تعزيز السياحة بشكل إيجابي، إضافة إلى تعاون وزارة الاقتصاد والغرفة التجارية والشركات الخاصة على تقديم الدعم الفني بشكل كبير لمؤسسات الإنتاج الفني لتظهر تركيا في السوق الدولية وتنافس غيرها، هذا بحسب صحيفة حرييت التركية.
نصيب العرب من المسلسلات والأفلام التركية
بسبب الجغرافيا والموقف السياسي للدولة التركية الحديثة من العرب وبالتحديد من القضية السورية التي أصبحت جزءًا من واقعها، يمكن السؤال هنا: هل ظهرت أيضًا هذه العلاقة في أعمالها الدرامية والسينمائية؟ لا سيما أن العالم يلاحظ تطور العلاقات التركية العربية على العديد من الأصعدة ومنها المجال الفني أيضًا، ففي العام الماضي شارك مجموعة من الممثلين العرب والأتراك في تصوير مسلسل باسم “البيت الكبير” ليكون هذا أول تعاون بين أكثر من 8 دول عربية مختلفة على قناة تركية، إضافة إلى عرض مسلسل “سقوط الخلافة” على إحدى القنوات التركية والتي قامت بدبلجته إلى العربية.
مسلسل “7 شعراء جميلون” عرض شخصية مهندسة معمارية فلسطينية هربت من الحرب ولجأت إلى أحد بيوت الشعراء الأتراك الذين استضافوها واستمعوا إلى حكاية المعاناة الفلسطينية
أما عن الأعمال التي ناقشت أو تطرقت إلى الوجود العربي من الناحية السياسية، فنجد مسلسل “7 شعراء جميلون” الذي عرض شخصية مهندسة معمارية فلسطينية هربت من الحرب ولجأت إلى أحد بيوت الشعراء الأتراك الذين استضافوها واستمعوا إلى حكاية المعاناة الفلسطينية.
وفيلم “خط الحياة سوريا” الذي كانت تدور أحداثه حول قصة فتاة سورية تعيش في تركيا وتعمل كطبيبة وتبحث عن عائلتها التي فقدتها في الحرب، وتمثل مشاهد الفيلم قصص الحرب الكارثية.
أيضًا جدير بالذكر مسلسل “وادي الذئاب” والذي عرض في إحدى حلقاته قضية اللاجئين السوريين وتفاصيل رحليهم عبر البحار إلى أوروبا وقصص التلاعب بهم من عصابات المافيا، حيث ألقى الضوء على حجم الألم الذي يعيشه السوري في ظل هذه الصعوبات القاسية، كما ساهم هذا المسلسل في تعريف الشعب التركي وتذكيره بما يحدث في فلسطين من حروب وجرائم وتدمير بسبب الإسرائيليين.
وفي حديث لنون بوست مع دملة حقان طالبة سينما وتليفزيون في جامعة إسطنبول، قالت: “لا أتذكر أي مشاهد تخص العرب أو وجودهم أو علاقتهم في تركيا في السينما أو الدراما التركية، سوى مرتين، الأولى كانت في فيلم اسمه “جبل” وكان يتحدث عن قتال الجنود الأتراك لداعش على الحدود وظهر في الفيلم شخصيات على هيئة المقاتلين في داعش ويتكلمون اللغة العربية”، وتكمل: “المرة الثانية كانت في مسلسل السلطان عبد الحميد الثاني الذي صورت فيه عدة مشاهد تتحدث عن جلب النساء من مصر إلى الدولة العثمانية لإمتاع وتسلية السلاطين في ذاك الوقت”.
لماذا لا تعكس الدراما التركية صورة العربي بالشكل الكافي؟
في حوار خاص مع الصحفي الفلسطيني، عاصم جرادات يقول: “لم تعكس الدراما التركية وجود السوريين إلا في بعض المشاهد المعدودة أو الأدوار الثانوية من أعمالها، ولكن بشكل عام لا يوجد ظهور بارز للقضية السورية في الإنتاج الدرامي التركي”.
ويوضح جرادات السبب بأن الدراما التركية تتطرق في عادتها إلى المواضيع التاريخية التي تخص زمن الدولة العثمانية والمواضيع الاجتماعية التي تناقش المشاكل العصرية مثل الحب، مع العلم أن 80% من مواضيع الدراما التركية تتمحور حول قصص الحب، هذا بحسب الكاتب التركي مرت كلتور.
مشاركة العرب بالدراما التركية قد تظهر بشكل كبير وذلك بسبب وجود عدد كبير من الفنانين الأتراك، أما فيما يخص عرض القضايا العربية والعلاقات العربية التركية فيتوقع ظهورها في الأفلام السينمائية فيما بعد بشكل كبير أكثر من الأعمال الدرامية
كذلك أضاف جرادات أن السبب الثاني هو اعتماد الدراما التركية بشكل كبير على نسبة التقييم والمشاهدة، فالمسلسل الذي لا يحصل على نسبة مشاهدة عالية خلال 7 أسابيع يتم سحبه من شاشات العرض، وهذا بالاتفاق مع شركة الإنتاج والقناة، وهذا النظام يجعل الدراما التركية تحصر نفسها في القضايا التي تجذب الجمهور دون المخاطرة بنسب المشاهدة.
ولا يرى جرادات أن مشاركة للعرب بالدراما التركية قد تظهر بشكل كبير وذلك بسبب وجود عدد كبير من الفنانين الأتراك، أما فيما يخص عرض القضايا العربية والعلاقات العربية التركية فيتوقع ظهورها في الأفلام السينمائية فيما بعد بشكل كبير أكثر من الأعمال الدرامية.
وخلاصة، فلقد أثبتت الدراما التركية قوة تأثيرها على العالم، ويمكنها التحكم أيضًا بعواطف وإنسانية مواطنيها إذا أصبحت القضايا العربية مادة رئيسية في مواضيعها، كما أنها ستساعد في ذلك المجتمع التركي على تقبل الوجود السوري بالتحديد والعربي بشكل عام.