أعادت الحملة الانتخابية للاستحقاق المحلي القادم في الجزائر، مسألة اعتزال الشارع الجزائري للسياسة إلى الواجهة مجددًا، فهذه الحملة الانتخابية رغم قرب نهايتها اتسمت بالبرودة وعدم إيلائها أي اهتمام من الجزائريين، كأن الأمر لا يعنيهم وكأنها خارج أرضهم، فما الأسباب وراء عزوف الجزائريين عن الشأن السياسي في بلادهم؟
حملة انتخابية “فاترة”
كحال الحملة الانتخابية التي سبقتها في مايو الماضي، خيمت أجواء الفتور على اجتماعات ومقرات الأحزاب الجزائرية خلال الحملات الدعائية للانتخابات المحلية القادمة، حتى إن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية قد وصفت الأسبوع الأول من الحملة الدعائية للانتخابات المزمعة في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ بأنه “كان فاترًا”، ولا يبالي الشارع الجزائري خاصة فئة الشباب منهم بالمعلقات الإشهارية وصور وبرامج المترشحين للانتخابات القادمة التي ملأت الشوارع ولا يعيرونها أي اهتمام، رغم أن الأمر يتعلق بانتخاب أشخاص سيضطلعون بمسؤوليات محلية ترتبط بالمواطنين بشكل مباشر.
عجزت الأحزاب السياسية في الجزائر حتى التقليدية منها عن ملء القاعات التي تنظم فيها تجمعاتها الشعبية
وبدأت الحملة الدعائية للانتخابات المحلية في 29 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتجديد أعضاء 1541 مجلسًا بلديًا و48 مجلسًا ولائيًا لفترة 5 سنوات، وانتخابات نوفمبر هي السادسة من نوعها منذ إقرار التعددية الحزبية في دستور الجزائر سنة 1989 وسط توقعات بمحافظة الأحزاب التقليدية الرئيسية على غالبية المقاعد.
ويغيب الحديث عن الاستحقاق المنتظر في البعض من أحياء العاصمة الجزائرية والساحات العمومية، إذ يكاد ينحصر في محيط الأحزاب والقوائم المستقلة، وهو ما يؤكّد مخاوف المرشحين للانتخابات من عقاب شعبي متكرر للطبقة السياسية، خاصة بعد أن انتقل العزوف من صناديق الاقتراع ليشمل لوائح الترشح.
عزوف عن التفاعل مع السياسيين
وتجرى هذه الانتخابات بمشاركة 65 ألف مرشح يمثلون 51 حزبًا سياسيًا وعشرات القوائم التابعة لمستقلين، وحسب قانون الانتخابات تدوم هذه الحملة الدعائية لثلاثة أسابيع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من الاقتراع، وفاز حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بأغلب مجالس البلديات والولايات في آخر انتخابات جرت في 2012 (نحو ألف بلدية و43 مجلسًا ولائيًا)، وتبعه شريكه في الحكومة “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى.
وعجزت الأحزاب السياسية في الجزائر حتى التقليدية منها والتي يتشدق قياديوها في كل مرة بعدد المنخرطين لديهم على ملء القاعات التي تنظم فيها تجمعاتها الشعبية، مما جعلها تقتصر على إقامة بعض التجمعات التي توصف بالصغيرة وقليلة الانتشار.
السلطة الحاكمة في قفص الاتهام
وجه رئيس جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبد السلام أصابع الاتهام للسلطة بقوله إنها تقدم دعمًا غير مباشر للعزوف الشعبي عن الانتخابات من أجل إفراغ الساحة الانتخابية لصالح الأحزاب الموالية لها، بهدف الاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد في المجالس الشعبية على المستويين الوطني والمحلي.
ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر التي أجريت في مايو الماضي 38.25%، وهي أقل من تلك المسجلة في 2012 حيث بلغت 43.14%، في حين لم تتعد نسبة المشاركة في 2007 نسبة 35.65%.
حذرت رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في تصريحات سابقة، من تفاقم ظاهرة المقاطعة الشعبية للانتخابات المقبلة
وسبق أن قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد المجيد مناصرة: “العزوف الانتخابي أخذ أبعادًا خطيرة” بعدما انتقل من مقاطعة صناديق الاقتراع إلى مقاطعة لوائح الترشح بالنسبة للأحزاب والمستقلين، وهو ما يؤكّد الصعوبات التي وجدها قياديو الأحزاب في إقناع مناصريهم والمتعاطفين معهم وحتى المواطنين العاديين للترشح ضمن قوائمهم التي تتنافس في الانتخابات المحلية.
من جهتها، حذرت رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في تصريحات سابقة، من تفاقم ظاهرة المقاطعة الشعبية للانتخابات المقبلة، وتحدثت عن عزوف يفوق ما تم تسجيله في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، إذ قدرت أن تكون نسبة المقاطعة في الاستحقاق القادم نحو 80%، مؤكدة أن ذلك سيشكل صدمة قوية للسلطة وللطبقة السياسية وللمؤسسات الجديدة التي تكرس القطيعة بين الشعب والسلطة.
لا تغيير منتظر
مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، يردّد الساسة الجزائريون أنهم سيسلمون السلطة للشباب، إلا أن الواقع ما يلبث إلا ويثبت عكس ذلك، وتشير المعطيات إلى أن الوضع سيبقى على حاله وأن الأحزاب الحاكمة ستبقى في السلطة لفترة أخرى يجهل الجميع موعد نهايتها، ولا يرى الجزائريون أن مشاركتهم في الحياة السياسية سيكون له تأثير كبير.
ورغم أن المجتمع الجزائري مجتمع شاب، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن هذه الفئة تمثل أكثر من 70% من المجتمع، وعدد كبير من هؤلاء الشباب من خريجي الجامعات، فإنّ أغلبهم يعزف عن السياسة، ولا يثقون في رجالها سواء المعارضة أو السلطة، ويعدونهم السبب في أزمات عديدة تعيشها بلادهم حاليًّا.
لا أمل في التغيير في الجزائر
ويعدّ الواقع السياسي الحاليّ المتدهور والمتدني، مقارنة بالطموحات والآمال التي ينشدها الغالبية في سكن وعمل وترفيه، والمسيطر عليه من الوجوه التي تأبى أن تستقيل، عائقًا كبيرًا أمام الشباب خاصة والشارع الجزائري عامة في التطوع لخدمة البلد من بوابة السياسة، فالشباب الجزائري لا يجد في البرامج الانتخابية ما يتوافق مع تطلعاته وانشغالاته، خاصة مع عدم تحقيق الوعود في الانتخابات السابقة، مما أدى إلى انعدام ثقتهم في غالبية الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية”.