يعاني سكان مخيم الركبان الواقع في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية أوضاعًا معيشية صعبة منذ عدة سنوات، وسط حصار مطبق يفرضه النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون على المخيم.
ويقدر عدد سكان المخيم بنحو 8 آلاف شخص، أجبرتهم الحرب على مغادرة مدنهم هربًا من شبح القتل والاعتقال على يد عناصر قوات النظام السوري من جهة وتنظيم “داعش” من جهة أخرى.
بالقرب من المخيم تقع قاعدة التنف الأمريكية التي تضم مقاتلين سوريين منضوين تحت لواء جيش سوريا الحرة. وقد استثمرت منظمة فريق الطوارئ السوري SETF (منظمة أمريكية يقوم عليها سوريون من أصول أمريكية تهدف لمساندة الشعب السوري) ثغرة في قانون أمريكي يسمح بالاستفادة من الفراغ في وسائل النقل الأمريكية العامة (طائرات الشحن العسكرية في هذه الحالة)، لتدشين عملية أطلقت عليها اسم “الواحة السورية” انطلقت في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، وجُلبت من خلالها مساعدات قدمتها منظمتان أمريكيتان بتعاون كبير ومباشر من الجيش الأمريكي.
أحوال معيشية قاسية
أعرب النازحون السوريين داخل مخيم الركبان عن استيائهم من الأحوال المعيشية المتدنية التي وصل إليها الحال خلال الفترة الأخيرة. فقد وصل الحال بسكان المخيم إلى الحصول على بعض أصناف الخضراوات التالفة بعدما منعت حواجز النظام السوري والميليشيات التابعة لإيران الموجودة على الطرقات المؤدية للمخيم جميع السيارات المحملة بالخضراوات من التوجه إليهم.
وبحسب مصادر متقاطعة من داخل مخيم الركبان فإن النازحين ما زالوا متمسكين برفض الدعوات التي يطلقها النظام السوري لتفكيك المخيم.
وبدأت منظمتان أمريكيتان العمل مؤخرًا على عدد من المشروعات في المخيم، توّجت بزيارة أجراها الدكتور هيثم البزم رئيس منظمة “غلوبال جستس”، رفقة معاذ مصطفى المدير التنفيذي لفريق الطوارئ السوري SETF، إلى مخيم وقاعدة التنف.
مشروعات لكسر الحصار
منذ بدء التعاون بين المنظمتين، افتتحت عدة مشروعات في المخيم بدعم منهما، ما أسهم في إنعاش الحياة الاقتصادية داخل المخيم.
الدكتور هيثم البزم رئيس منظمة غلوبال جستس الأمريكية، وهو طبيب سوري مهاجر إلى الولايات المتحدة ويعد واحدًا من أبرز داعمي اللوبي السوري الأمريكي، لا سيما في الجهود التي قادت إلى قانون قيصر، يقول في حديث لـ”نون بوست”: “من خلال الزيارة التي قمتُ بها إلى مخيم الركبان، بمساعدة الجيش الأمريكي، وبتنسيق منظمة فريق الطوارئ السوري SETF استطعنا تقديم دعم طبي لسكان المخيم، ومعاينة الحالات الصحية الموجودة في المنطقة المهملة من كل المنظمات والهيئات الإغاثية، وكان أكثر ما صببتُ عليه جهدي هو الاهتمام بصحة آلاف الأطفال الذين ولدوا وعاشوا في هذه العزلة بعيدًا عن التعليم والرعاية الطبية”.
وأضاف البزم “قررنا تقديم الدعم لعملية (الواحة السورية) التي أعلنت عنها منظمة SETF لكسر حصار مخيم الركبان في سياق دعمنا لهذه المنظمة التي انفردت بهذا العمل الشجاع، وتمكنت من اختراق حصار مطبق ليس فقط على مستوى المواد الغذائية وإنما على الحياة العامة للسكان المدنيين بكل أشكالها”.
- حالة سيئة في مخيم الركبان
وختم البزم حديثه بالقول: “لا أفهم كيف يمكن لبقية المنظمات الطبية السورية والدولية البقاء مكتوفي الأيدي وترك النازحين في مخيم الركبان يعيشون بهذه الطريقة؟ ونحن نناشد الجميع التعاون معنا من أجل المزيد من رفع المستوى الصحي لكل سكان الركبان من مختلف الأعمار”.
الواحة السورية
بدورها قالت ميساء قباني مديرة مشروعات منظمة غلوبال جستس، ونائب رئيس المنظمة: “قرار غلوبال جستس بدعم فريق الطوارئ السوري SETF في العديد من المجالات، ومن بينها كسر حصار مخيم الركبان وتمويل جوانب من عملية (الواحة السورية) كان قرارًا نابعًا من رؤيتنا ودراستنا الدقيقة لأوضاع السكان في هذا المكان (الركبان) الذي أهملته الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية كافة، ولسنوات عديدة، حتى أصبح كأنه مكانٌ خارج الخريطة، علمًا بأنه تم التواصل من قبل مع دول جوار معنية بمخيم الركبان، لتقديم التسهيلات لكن هذه الجهود لم تثمر حتى ذلك الحين”.
وأضافت قباني في حديثها لموقع “نون بوست”: “اخترنا تقديم الدعم لتعليم الأطفال، والعملية التربوية لا تقل أهمية عن بقية نواحي الاحتياجات الإنسانية، إن لم تكن في مقدّمتها، ومن هنا كان كسرنا للحصار التعليمي، بتمويل وطباعة آلاف الكتب المدرسية، وبناء المدارس المجانية في منطقة الخفية، وكذلك التكفّل بمرتّبات المعلمات والمعلمين شهريًا، وقد قاربت ميزانية هذا التعاون بين غلوبال جستس و SETF على 200 ألف دولار خلال الشهور القليلة الماضية فقط في مجال التعليم وكسر حصار مخيم الركبان، بالتوازي مع مشروعات غلوبال جستس التنموية والزراعية في الشمال السوري وفي منطقة رأس العين ومشروع الطاقة الخضراء جنوب تركيا”.
وختمت قباني بالقول: “دعمنا متواصل وسوف يستمر بالتعاون مع شركائنا في منظمة فريق الطوارئ السوري، ونأمل أن يسهم فيه كل من يستطيع تقديم المساعدة لآلاف النساء والأطفال والمسنين في هذه المنطقة، سواء كان دعمًا عربيًا أو دوليًا أو محليًا، وها نحن الآن نقدّم الدعوة للجميع في شهر رمضان الكريم، للإسهام في مساعدة مخيم الركبان ودعم جهود منظمتينا هناك”.
وأعلنت غلوبال جستس عن تبني 6 مشروعات لسكان المخيم من بينها مشروع ثروة حيوانية وتربية أبقار يتمّ توزيع منتجاتها مجانًا على سكان المخيم. ومما تم إنجازه بناء مدرستين مخصصتين للأطفال، ومشروع زراعي يضمن الاكتفاء الذاتي للسكان من القمح والشعير والخضر، ومشروع دعم الطاقم التعليمي ماليًا.
عيادات طبية عن بعد
بالإضافة لذلك، جرى العمل على مشروع عيادات طبية (أونلاين) تتألف من 10 اختصاصات منها الداخلية والقلبية والنسائية والأطفال، ودعم صيدلية المخيم وتوزيع الدواء مجانًا على السكان، كذلك، تمكنت منظمة غلوبال جستس من طباعة و”تهريب” آلاف الكتب المدرسية إلى المخيم من تركيا إلى قاعدة التنف الأمريكية ليتم إيصالها إلى المخيم.
الكاتب والإعلامي إبراهيم الجبين، المستشار السياسي والإعلامي لمنظمة غلوبال جستس قال في حديث لموقع نون بوست: “انفراد منظمتي فريق الطوارئ السوري وغلوبال جستس بدعم كسر الحصار عن مخيم الركبان، كشف عن التقصير الكبير للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية والإنسانية بحق أكثر من 8000 مدني يعيشون في ظروف صعبة للغاية وسط البادية السورية، وقد سمعنا أخيرًا تصريحات لقادة مؤسسات المعارضة السورية عن نيتهم الاشتراك في تقديم العون للمخيم. هذه التصريحات صحيح أنها جاءت متأخرة، لكنها تُسمع الآن ونأمل أن تتحوّل إلى واقع تنفيذي قريبًا”.
مغامرة تهريب الكتب المدرسية
وأضاف الجبين: “كانت عملية طباعة وشحن الكتب المدرسية التي موّلتها غلوبال جستس إلى مخيم الركبان مغامرة كبيرة بحد ذاتها، والمفارقة أنها جرت عبر تهريب شحنات الكتب من خلال إحدى الدول التي تفرض الحصار على المخيم، وهي إيران، عبر عملية سرية وخطرة، لأن الأكراد في شمال العراق يمنعون نقل الكتب المدرسية المكتوبة باللغة العربية، ولا يمكن نقلها عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد وحزب العمال الكردستاني الإرهابي، لذلك لم يتبق سوى طريق بري يمر من إيران يلتف حول العراق ويصل إلى بغداد ثم إلى قاعدة عين الأسد الأمريكية ليجري نقل الكتب بعدها عبر الطائرات العسكرية الأمريكية إلى مخيم الركبان”.
وأوضح أن “الجهود الاستثنائية لمنظمة فريق الطوارئ السوري ومديرها معاذ مصطفى لم تتوقف على العمل الجاد والمحترف بالضغط والمناصرة في مراكز صناعة القرار في واشنطن وبين المشرعين والمؤسسات الأمريكية الكبرى، بل تجاوزت ذلك، وبالتوازي معه، إلى السعي للوصول إلى الحالات الإنسانية البعيدة، سواء في مخيم الركبان أم في الشمال السوري لمعالجة الحالات الطبية المزمنة ورعاية الأيتام، وهذه الجهود تتطلب الدعم والتعزيز، لذلك لم تتردد غلوبال جستس بتسليط الضوء على هذه الجهود إعلاميًا وكذلك المشاركة فيها ماديًا وسياسيًا”.
يشار إلى أن مئات الطلاب في هذا المخيم عادوا إلى المدارس بعد انقطاع منذ عدة سنوات عن التعليم وسط تحسن الوضع الاقتصادي داخل المخيم المحاصر.
شحنة مساعدات جديدة
قبل أيام، أعلنت منظمة فريق الطوارئ السوري SETF في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني ومنصاتها على السوشال ميديا، عن تسليم شحنة جديدة من المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان للنازحين داخليًا كجزء من “عملية الواحة السورية”، وتشمل المساعدة التي تم تسليمها مؤخرًا سلالًا غذائية للعائلات الأكثر احتياجًا في المخيم.
وفي 24 مارس/آذار الماضي، قامت المنظمة السورية للطوارئ بتسليم وتوزيع 9 حمولات على سكان المخيم تحتوي على سلال غذائية.
ستيفن راب السفير الأمريكي المتجول السابق لقضايا جرائم الحرب وعضو مجلس إدارة منظمة فريق الطوارئ السوري قال في البيان إن عملية “الواحة السورية هي عملية إنسانية كانت بمثابة شريان حياة مهم لآلاف المدنيين الأبرياء، ومن المهم أن يواصل الجميع دعم هذه العملية الإنسانية التي تساعد على ضمان حماية الوضع للقوات الأمريكية ومكافحة التطرف”.