تلتئم في الـ7 من ديسمبر/كانون الأول المقبل اللجنة المشتركة الجزائرية -الفرنسية في باريس برئاسة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى ونظيره إدوارد فليب بهدف تطوير التعاون بين البلدين، وحينها يتكرر طرح تساؤل قديم جديد عن مدى جدية الطرف الفرنسي في بناء شراكة حقيقية ندية مبنية على تبادل المصالح مع الجزائر، وهو من يرفض حتى اليوم الاعتراف بجرائمه التي وصفها رئيسه أنها وحشية وحقيقية.
وقبل هذا الموعد احتضنت العاصمة الجزائر هذا الأسبوع أشغال الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية – الفرنسية والدورة الرابعة للجنة الاقتصادية المختلطة الجزائرية – الفرنسية.
مسلسل بيجو يرى النور
وتوج اجتماع دورة اللجنة الاقتصادية بالتوقيع على 3 اتفاقات منها اتفاق مساهمين بين مجمع “PMO قسنطينة” ومجمع “كوندور” ومؤسسة “Palpa pro” وشركة “بيجو” لصناعة السيارات بالجزائر، وهو المشروع الذي عرف تأخرًا كبيرًا وكاد أن يلغى نهائيًا.
ووفق هذا الاتفاق، ستقوم شركة بيجو سيتروين للإنتاج بالجزائر بصناعة سيارات من علامة بيجو في الجزائر ابتداءً من 2018 باستثمار يبلغ 100 مليون يورو، وقال مدير المجمع الفرنسي المكلف بإفريقيا والشرق الأوسط جان كريستوف كيمار: “مصنع بيجو الذي سيقام بوهران سيصنع أول سيارة في 2018 وستبلغ طاقته الإجمالية 75 ألف وحدة سنويًا في نهاية المطاف”.
توجت هذه الدورة بتوقيع بروتوكول اتفاق لإنشاء مجمع لتصدير الفواكه والخضراوات، وشراكة في مجال الإنتاج الفلاحي البيولوجي بين مجمع جزائري وآخر فرنسي، إضافة إلى اتفاق في مجال صناعة التجهيزات الكهربائية ذات الضغط المنخفض والمتوسط والعالي
وأكد المسؤول الفرنسي أن هذا الاستثمار احترم قاعدة 51/49 التي يتضمنها قانون الاستثمار الأجنبي في الجزائر، والذي ينص على أن تكون أغلبية الأسهم في أي مشروع لشركات جزائرية.
لكن استثمارات قطاع السيارات في الجزائر تظل محل انتقاد من المختصين بسبب نسبة الإدماج الضعيفة، خاصة مع المؤسسات الفرنسية، فمصنع رونو بوهران غرب الجزائر الذي أطلق قبل سنوات لا يزال بحسب الخبراء دون الوعود التي تم قطعها حين إنشائه، وصناعة السيارات بالجزائر تبقى حسب هذه التجربة بعيدة المنال، الأمر الذي يبعث مخاوف المشككين مجددًا بشأن إمكانية أن تكون تجربة بيجو نسخة طبق الأصل لرونو، خاصة أن كيمار اعترف أن نسبة الإدماج لن تزيد في نهاية المطاف على 40% فقط.
كما توجت هذه الدورة بتوقيع بروتوكول اتفاق لإنشاء مجمع لتصدير الفواكه والخضراوات، وشراكة في مجال الإنتاج الفلاحي البيولوجي بين مجمع جزائري وآخر فرنسي، إضافة إلى اتفاق في مجال صناعة التجهيزات الكهربائية ذات الضغط المنخفض والمتوسط والعالي.
تفاؤل فرنسي
رغم الانتقادات الموجهة للاستثمارات الفرنسية بالجزائر، فإن الوزير الفرنسي المكلف بأوروبا والشؤون الخارجية جون إيف لودريان قال: “هناك نوع من التسارع في علاقاتنا بما أنه سيتم عقد اللجنة الوزارية رفيعة المستوى خلال شهر ديسمبر المقبل، نحن في مرحلة إيجابية جدًا من علاقاتنا ونريد تكريسها من خلال هذا اللقاء”.
وأجرى رئيس الدبلوماسية الفرنسية مباحثات على انفراد مع نظيره الجزائري عبد القادر مساهل تطرقت إلى مختلف القضايا التي تهم البلدين على رأسها التعاون الأمني والوضع في ليبيا ومالي، أين توجد قوات فرنسية شمال البلاد غير بعيد عن الحدود الجنوبية للجزائر التي ترى أن حل الأزمة في مالي يكمن في التخلص من أي تدخل أجنبي وإطلاق مصالحة حقيقية بين الماليين أساسه اتفاق الجزائر.
وقال الوزير الجزائري لدى افتتاح أشغال اللجنة المشتركة الجزائرية -الفرنسية التي ترأسها مناصفة مع لو دريان: “علاوة على الحصيلة والتقييم تعد الدورة الحاليّة للجنة المشتركة الجزائرية – الفرنسية مرحلة مهمة للتحضير للجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى التي يرأسها الوزيران الأولان والمقررة بباريس يوم 7 من ديسمبر، وكذا الزيارة المقبلة التي سيجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر”.
وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومار يعترف أن التعاون الاقتصادي بين البلدين لم يعرف تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة
وأعلنت الخارجية الجزائرية أن زيارة ماكرون ستكون في 6 من ديسمبر أي قبل يوم من انعقاد اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى، وأضاف مساهل أن “الدورة الحاليّة تنعقد في ظرف تتسم فيه العلاقات عمومًا والتعاون الاقتصادي بين الجزائر وفرنسا بالتطور والكثافة المعتبرة المبنية على أساس صلب قوامه المصلحة المتبادلة والموجهة نحو مستقبل مدعو لتعاون وثيق أكثر بين البلدين”.
وذكر بقرار البلدين منذ خمس سنوات بإنشاء اللجنة المشتركة الجزائرية -الفرنسية التي تسعى لأن تكون “منتدى تقييم العلاقات الاقتصادية الثنائية ودفعها وتوجيهها” من خلال إنشاء شراكات وشركات مختلطة مستحدثة للاستثمار من شأنها المساهمة بفعالية في توسيع أسس النسيج الصناعي بالجزائر”.
وأضاف “منذ استحداث اللجنة المشتركة الاقتصادية الجزائرية – الفرنسية تم الشروع في التوقيع على نحو 40 بروتكولاً ومذكرة تفاهم واتفاقات شراكة، الأمر الذي يبرز الجهود التي تستحق الثناء المبذولة من الطرفين، علاوة على القدرات المهمة التي تحظى بها العلاقات الجزائرية – الفرنسية”.
لكن وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومار يعترف أن التعاون الاقتصادي بين البلدين لم يعرف تقدمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، غير أنه أشار إلى أن بلاده عازمة على تحقيق “طموح جديد ملموس”، خاصة أن جميع الظروف متوفرة لإنجاح ذلك لإرادة الجانبين في التقدم في هذا الاتجاه.
لا تقدم دون حل قضايا الذاكرة
برأي مراقبين، فإن التعاون الفرنسي الجزائر مهما حقق من خطوات متقدمة تبقى محتشمة، بالنظر إلى عدم وجود نية من باريس لمعالجة قضايا الذاكرة التي تظل تنغص أي تطور في التعاون السياسي والاقتصادي بين الجانبين.
ولا تزال إلى اليوم باريس تتبع سياسة الهروب إلى الأمام في ملف تسليم أرشيف الثورة الجزائرية وحقبتها الاستعمارية إلى صاحبها الأصلي (الجزائر)، كما تعمل في كل مرة على تسليم جماجم الشهداء الجزائريين الموجودين في متحف الإنسان بباريس.
في كل مناسبة وطنية تتجدد الأصوات في الجزائر المطالبة باعتذار فرنسا عن جرائمها والاعتراف بها، والداعية إلى سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، لكن تبقى حتى اليوم مجرد نداءات لم تستطع إرغام باريس على دفع ثمن ما اقترفته في حق الجزائريين
وفي فبراير الماضي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أثناء زيارته الجزائر خلال حملته الانتخابية في مقابلة مع قناة الشروق نيوز الخاصة: “الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات”.
واستعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 حتى سنة 1962 عندما نالت استقلالها، بعد ثورة تحرير استمرت 7 سنوات ونصف، وإلى اليوم، لم يف ماكرون بوعوده، مما جعل الكثير يعتقدون أن تصريحه الذي هز الطبقة السياسية الفرنسية وقتها لم يكن سوى مجرد كلام هدفه جذب أصوات أكبر جالية مسلمة وعربية في فرنسا.
وفي كل مناسبة وطنية تتجدد الأصوات في الجزائر المطالبة باعتذار فرنسا عن جرائمها والاعتراف بها، والداعية إلى سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، لكن تبقى حتى اليوم مجرد نداءات لم تستطع إرغام باريس على دفع ثمن ما اقترفته في حق الجزائريين.