أيام قليلة وتنطلق في العاصمة المصرية القاهرة جولة حوار فلسطينية جديدة، تشارك فيها الفصائل كافة بما فيهم حركتي فتح وحماس لوضع النقاط على حروف المصالحة الداخلية المبعثرة، وفتح باقي الملفات التي لا تزال عالقة، وقد يشكل الفشل فيها خطرًا حقيقيًا وواقعيًا سيُعيد الجميع لمربع الانقسام الأول.
5 ملفات حساسة ومهمة ستُفتح من جديد وتوضع على طاولة النقاش خلال لقاء الفصائل الفلسطينية بالقاهرة في الـ21 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، في ظل أجواء متوترة وتشاؤم وتناقض كبيرين بعد رفض الرئيس محمود عباس رفع العقوبات عن غزة، رغم مرور شهرين على حل حركة حماس اللجنة الإدارية.
ووفقًا للجدول الزمني لآليات تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة في 12 من الشهر الماضي الذي توافقت عليه الحركتان برعاية مصرية مباشرة وحثيثة، فإن كل الفصائل ستلتقي في 21 من الشهر الحاليّ في العاصمة المصرية لبحث الملفات الأكثر تعقيدًا.
وستبحث الفصائل ملفات عدة هي إعادة تفعيل المجلس التشريعي وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وبرنامجها السياسي، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة وطنية تضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني الذي يُعتبر برلمان المنفى.
ألغام في الطريق
فوزي برهوم الناطق الرسمي باسم حركة حماس قال: “جولة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، المزمع عقدها بالعاصمة القاهرة لاستكمال المصالحة، ستتناول 5 ملفات“. وأوضح برهوم أن الفصائل الفلسطينية ستذهب لمصر من أجل بحث 5 ملفات مهمة، هي: منظمة التحرير الفلسطينية والانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية والأمن والحريات والمصالحة المجتمعية.
وأضاف برهوم أنه “سيتم إطلاع الفصائل على المرحلة الأولى من تطبيق اتفاق المصالحة التي تمثلت بتسلم الحكومة لمهامها في غزة، وتسليم معابر القطاع”، لافتًا إلى أن لقاء القاهرة هو حوار وطني فلسطيني شامل للتوافق على التفاصيل كافة المتعلقة بالملفات الـ5 التي تحدد خريطة مستقبل القضية الفلسطينية والمشروع الوطني.
وتابع برهوم: “حماس تريد حالة فلسطينية موحدة متوافقة لتجسيد مبدأ الشراكة الديمقراطية، كي يتم التفرغ لمواجهات التحديثات الصعبة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي من استيطان وعدوان”.
بحسب مصادر إعلامية مصرية فإن القاهرة لن تسمح لجولة الحوار بأن تفشل، وستقدم اقتراحات حل وسط بين الطرفين (حركتي فتح وحماس)
وقالت مصادر مطلعة إن حوار الفصائل في القاهرة حدد بـ3 أيام، وسيتم خلالها مناقشة الملفات الـ5، فيما وصف مشاركون في الحوارات التي جرت بين حركتي فتح وحماس، وأسفرت عن توقيع اتفاق القاهرة الأخير أن الفجوة بين مواقف الطرفين كبيرة وردمها يتطلب جولات حوار مكثفة.
وقال مسؤول كبير في حركة فتح: “هناك فجوة كبيرة، وهناك إرث طويل، وهناك أزمة ثقة، لذلك لن يكون من السهل التوصل إلى اتفاق في 3 أيام“. وبحسب مصادر إعلامية مصرية فإن القاهرة لن تسمح لجولة الحوار بأن تفشل، وستقدم اقتراحات حل وسط بين الطرفين (حركتي فتح وحماس)، في مختلف القضايا العالقة.
وتأكيدًا بأن الفجوة بين حركتي فتح وحماس لا تزال كبيرة، اتهم قيادي آخر في حركة حماس بالضفة الغربية المحتلة، الرئيس عباس بأنه يتهرب من استحقاقات المصالحة، ويحاول التنكر من الاتفاق الأخير الذي جرى توقيعه بين الحركتين في القاهرة.
وأكد القيادي والنائب في المجلس التشريعي نايف الرجوب أن اتفاق المصالحة كان واضحًا، وما أطلقه عباس من اتخاذ خطوات فور حل حركة حماس اللجنة الإدارية التي شكلتها في القطاع، وعدم تنفيذها يؤكد أنه يتهرب من المصالحة واستحقاقاتها الوطنية المهمة.
وأضاف القيادي في حركة حماس: “عباس يريد مصالحة من طرف واحد وتنازل كذلك من طرف حركة حماس فقط، وهو الآن لا يريد أن يتخذ أي خطوة من شأنها أن تدعم المصالحة والخطوات الأخيرة التي بذلت، وهناك خطر حقيقي بشأن القاء المقبل في القاهرة وقد يفشل بأي لحظة”.
ولفت إلى أن بقاء العقوبات على قطاع غزة رغم مرور تقريبًا شهرين على حل حماس اللجنة الإدارية يؤكد أنه غير جدي، ويحاول رهن العقوبات بملفات خارجية، ستؤثر سلبًا على أجواء الحوار الوطني واللقاء المقبل والمقرر عقده في القاهرة بعد أيام.
العد التنازلي
في ذات السياق أوضح عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” طلال أبو ظريفة أن اجتماع الفصائل الوطنية المقبل سيبحث إيجاد آليات لتطبيق اتفاق المصالحة المبرم عام 2011، لا التوقيع على اتفاق جديد.
وقال أبو ظريفة: “نحن في الفصائل توافقنا على اتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة في 4 من مايو/أيار 2011، وهو بما يحتويه صالح لكي يعالج موضوع المؤسسات والانقسام، وسيتم في اجتماع القاهرة المقبل بحث 5 ملفات من أجل وضع آليات لتنفيذها بما يمكّن من البدء للعد التنازلي لإنهاء الانقسام”.
وأوضح القيادي أن الملفات التي تشكل أساسًا للحوار الشامل للفصائل الفلسطينية هي إعادة بناء منظمة التحرير، وملف حكومة الوحدة الوطنية وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، إلى جانب عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، بالإضافة إلى ملفي المصالحة المجتمعية والحريات.
وأضاف “الانقسام عمره 11عامًا وفي ظل التباينات وبعض التصريحات التي تصدر بين الحين والآخر يدلل على أن هناك صعوبات، وهذا الحوار الشامل وظيفته إزالة أي عراقيل أو عقبات لإمكانية تنفيذ هذه القضايا ووضع آليات تنفيذ لها بعيدًا عن الدخول في دهاليز فتح الاتفاق وكأننا ندخل في وضع اتفاق جديد”.
وطالب عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديمقراطية” حركتي فتح وحماس بتغليب المصلحة الوطنية على أي مصالح أخرى وامتلاك إرادة سياسية قوية والنظر إلى المخاطر التي تهدد المشروع الوطني الفلسطيني والمخاوف من التطورات الدولية والإقليمية.
وقال القيادي في الجهبة إنه “لا خيار أمامنا سوى تصليب العامل الداخلي الفلسطيني، ولا تصليب للعامل الداخلي الفلسطيني دون وحدة ودون برنامج وطني ودون إستراتيجية تجنبنا أي تداعيات للمحاولات الدولية والإقليمية لفرض حلول استسلامية خافضة لسقف الحقوق وتتجاوز قرارات الشرعية الدولية”.
كما أكد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أحمد مجدلاني أن فشل الحوار في القاهرة سينعكس على الأوضاع الفلسطينية، وسيخسر الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية وكبيرة من أجل إنهاء الانقسام وتصفية تداعياته العديدة.
وثمن مجدلاني الدور المصري على رعايتهم ودعوتهم للقاء الحوار الوطني الشامل الذي سيعقد على أرضهم، لافتًا إلى أن أهميته تنطلق من أن المصالحة ليست بعدًا ثنائيًا ما بين حركتي فتح وحماس، وإنما مسألة وطنية عامة تهم الشأن الوطني العام، ومشاركة كل القوى في الحوار من أجل تأمين المظلة السياسية والحماية والدعم السياسي ومعالجة الجوانب كافة التي نشأت عن الانقسام خلال السنوات الـ10 الماضية.
في 12 من أكتوبر الماضي وقعت حركتا فتح وحماس، في القاهرة، على اتفاق للمصالحة، يقضي بتمكين الحكومة من إدارة شؤون غزة، كما الضفة الغربية، بحد أقصاه مطلع ديسمبر المقبل، على أمل إنهاء الانقسام القائم منذ 2007
وأشار مجدلاني إلى أن المهم استثمار الفرصة المتاحة من حيث توفر المناخ الدولي والإقليمي الذي شكل حاضنة للمصالحة الفلسطينية وتوظيفها لمتابعة الطريق لإنهاء الانقسام.
وفي 12 من أكتوبر الماضي وقعت حركتا فتح وحماس، في القاهرة، على اتفاق للمصالحة، يقضي بتمكين الحكومة من إدارة شؤون غزة، كما الضفة الغربية، بحد أقصاه مطلع ديسمبر المقبل، على أمل إنهاء الانقسام القائم منذ 2007.
ونص الاتفاق على تنفيذ إجراءات لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصاه مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل، مع العمل على إزالة كل المشاكل الناجمة عن الانقسام. ومطلع نوفمبر الحاليّ تسلمت الحكومة الفلسطينية إدارة معابر قطاع غزة الـ3 في إطار اتفاق المصالحة.
وأعلنت فصائل فلسطينية تلقيها دعوات رسمية من مصر للمشاركة في جولة الحوار المزمع عقدها في القاهرة في 21 من نوفمبر الحاليّ لاستكمال المصالحة، والفصائل هي حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب (اشتراكي) والجبهة العربية الفلسطينية والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا).
تهرب عباس
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم حمامي حذر من أن تعامل السلطة الفلسطينية وحركة فتح مع المصالحة الفلسطينية – التي بدأت منذ الشهر الماضي في القاهرة – من موقع المنتصر، ينذر بإفشال جهود إنهاء الانقسام. وأعرب حمامي عن خشيته من أن يكون الهدف من المصالحة فقط جر ما تبقى من عناصر المقاومة لصالح الاعتراف بالاحتلال.
وقال حمامي: “للأسف الشديد لم تتم ترجمة التصريحات والشعارات التي أطلقت بمناسبة توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة الشهر الماضي، إلى أي سلوك على حياة المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، وإلى الآن نحن أمام طرف يقدم التنازل تلو التنازل، وهو حماس في قطاع غزة، من دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على أي أثر مباشر لهذه المصالحة”.
أكد حمامي أن ما يجري على الأرض، أن طرفًا فلسطينيًا يسعى قولًا وفعلًا لإنجاز المصالحة، بينما تسعى حركة فتح والسلطة ومعها الاحتلال لجعل المصالحة نافذة لهزيمة المقاومة، على حد تعبيره
وأضاف أنه “يمكن أن يفهم الإنسان أن السياسيين يمكنهم أن يتنافسوا، ويستعمل كل طرف ما لديه من أدوات الضغط على الآخر، لكن لا أحد يفهم أن تظل العقوبات مفروضة على الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن رفعها لن يعود بأي نفع على حماس”.
ورأى حمامي أن قادة السلطة وحركة فتح تعاملوا مع المصالحة من موقع المنتصر وليس من موقع الشريك، وهذا أمر تمت معاينته ليس فقط في أثناء تسلم المعابر والوزارات من موظفيها السابقين، وإنما أيضًا حتى في التصريحات السياسية التي تجاوزت كل ما هو معلن من اتفاقات، وبداية الحديث عن اشتراطات هي أصلًا من مطالب الاحتلال.
مشيراً في الوقت نفسه أن “عودة العمل في المعابر باتفاقية العام 2005 واستقدام المراقبين الأوروبيين والمطالبة بنزع السلاح، ودق طبول الحرب على قطاع غزة من جديد، رغم كل التنازلات، تؤكد أننا أمام مرحلة صعبة وغامضة للغاية”.
وأكد حمامي أن ما يجري على الأرض، أن طرفًا فلسطينيًا يسعى قولًا وفعلًا لإنجاز المصالحة، بينما تسعى حركة فتح والسلطة ومعها الاحتلال لجعل المصالحة نافذة لهزيمة المقاومة، على حد تعبيره.