لا يُعدّ التصوير الفوتوغرافي شكلًا من أشكال الفن وحسب؛ بل هو أيضًا وسيلة للتعبير عن ذات وطريقة لتوصيل الأفكار والمشاعر والمزاجات، فصورة واحدة يمكن أن تقول ما تقوله قصة كاملة أو الكثير من القصص المختلفة. ولعلّ هذا هو أحد الأسباب التي جعلت الإنسان في العصر الحديث يأخذ التصوير كهواية مجرّدة، أوكشكل من أشكال العلاج النفسيّ.
عند الحديث عن التصوير كعلاجٍ نفسيّ، يجب أن نفرّق بين مصطلحين اثنين، فمن جهة هناك “التصوير العلاجي Therapeutic Photography ” الذي ينطوي على عدة أنشطة ترتكز على الصور كشكلٍ من أشكال العلاج دون أنْ يكون هناك معالِج محترف أو خبير نفسيّ يعمل مع الأشخاص، وبالتالي لا يوجد أيّ جلسة علاج فعليّة وإنما فقط أنشطة تقوم على الصور، ليس على التقاطها وحسب، وإنما أيضًا مشاركتها وعرضها والحديث عنها أو ربما على أن يكون الفرد جزءًا منها نفسها وموضوعًا لها.
وعلى الجانب الآخر هناك ما يُعرف بالفوتوثيرابي “photoherapy“، والذي يعتمد على وجود معالج أو مختص، وتهدف لإحداث تغيير إيجابي في الأفراد والأزواج أو الأسر، وتركّز بشكلٍ أكبر على العمل الجماعي إذ يكون الهدف منها غالبًا تحسين رفاهية الفرد والحدّ من الإقصاء الاجتماعي الذي قد يعاني منه. ولا يشترط هذا النوع من العلاج أن يقوم الأفراد بالتقاط الصور بأنفسهم، وإنما قد يتم استخدام صور التقطها آخرون، والهدف من ذلك مساعدة الشخص على التعبير عن مشاعره وعواطفه وأفكاره من خلال إسقاطها على الصور أو أفلام الفيديو.
وقد استخدم المعالجون النفسيون منذ سنوات عدة صورًا للمرضى وأسرهم كوسيلة لفهم العلاقات وطبيعتها ولتسهيل التعبير عن المشاعر المتعلقة بها وتصوير الصعوبات أو المشكلات الكامنة فيها.
يلجأ الأشخاص لتقنيات التصوير العلاجي لتحقيق الذات أو البحث عن هوية ذاتية معينة أو السعي لتغيير محدد أو لحلّ المشاكل العاطفية والنفسية العالقة. وفعليًّا هناك العديد من الأسباب التي يمكن لها أن تجعل من التصوير الفتوتوغرافي شكلًا من أشكال العلاجي النفسيّ، خاصة في علاج الاكتئاب والقلق أو المساعدة في الخروج من الوحدة وما ينتج عنها من مشكلات نفسية، والتي غالبًا ما تنتهي بطريقة إيجابية، أي بالتخلص منها.
التصوير كوسيلة للتركيز خارجًا
مبدئيًّا، يشجع التصوير الفوتوغرافي الشخص لاقتحام الخارج والتواصل مع البيئة المحيطة، سواء كانت بشرًا أو طبيعة أو غيرها من الأشياء، الأمر الذي يوفّر له فرصة للبحث عن الجَمال الكامن في العالم من جهة، وفرصةً لتغيير نظرته لما حوله أو بناء نظرات جديدة واستكشاف المخفية منها من جهةٍ أخرى.
يساعد التصوير أيضًا على التركيز خارجًا، بدلًا من الوقوع في الأفكار المتراكمة والكثيفة داخل عقلك، وبالتالي تكون عندك الفرصة لخلق وقتٍ مستقطع من التفكير المتمركز حول ذاتك ونفسك بهمومها وأفكارها وعواطفها ومشكلاتها الحياتية
فحين تقودك قدماك لمكانٍ جديدٍ بهدف تصويره، فأنتَ تكون قد وفّرت لنفسك فرصةً كبيرة لرؤية العالم من زاويةٍ أخرى، واستكشاف الحياة أو جانبٍ منها بطريقة جديدة مليئة بالدهشة والاستغراب، ما يساعدك على تغيير الكثير من قناعاتك الثابتة وأفكارك الراسخة التي بناها عقلك سابقًا.
يتيح التصوير لنا الفرصة لعرض العالم بطريقة موضوعية، إذ يبيّن لنا الحياة حقًّا بعيدًا عن الأفكار التي نحتفظ بها في أذهاننا، وبذلك فإننا نضع في اعتبارنا الأشياء من حولنا ونراها على حقيقتها التي قد تكون عكس ما نفكر به أو نعتقده منذ فترة طويلة.
كما يساعد التصوير أيضًا على التركيز خارجًا، بدلًا من الوقوع في الأفكار المتراكمة والكثيفة داخل عقلك، وبالتالي تكون عندك الفرصة لخلق وقتٍ مستقطع من التفكير المتمركز حول ذاتك ونفسك بهمومها وأفكارها وعواطفها ومشكلاتها الحياتية، وذلك من خلال اندماجك بالعالم من حولك بكلّ ما فيه.
التصوير كوسيلة للتعبير والتواصل
يختلف الأفراد في الطرق التي يعبّرون بها عن ذواتهم وإلى أيّ درجة يستطيعون ذلك، فقد تكون قادرًا على التحدث أو الكتابة أو كليهما معًا، ولربما تفضل الصمت وتجد نفسك عاجزًا عن التعبير، لذلك قد يكون التصوير وسيلةً جيّدة حين تعجز عن اختيار الكلمات والعبارات. جرّب أن تأخذ بجولة في حسابات من تتابعهم على انستجرام وغيره من مواقع الصور وستجد أنّ كلًّا منهم يحاول أن يعكس جزءًا من شخصيته ويستخدم الصور التي يلتقطها كطريقة للتعبير عن ذاته.
ومن جانبٍ آخر، تعدّ مشاركة الصور التي تلتقطها مع الآخرين وسيلةً اجتماعية قد تمكّنك من تقوية علاقاتك مع الآخرين وتعزيز الروابط بهم من خلال التعليقات والحوارات التي تُتشئها الصور، وهذا بدوره قد يكون عاملًا مهمًّا في تبديد جزءٍ كبير من القلق أو الاكتئاب الذي يشعر به الشخص.
التصوير كوسيلة لخلق النوستالجيا
يستطيع التصوير فتح قنوات قنوات واسعة في ذكرياتنا والعودة بنا إلى بعض أنفسنا المُهمَلة. فأنتَ حين تقلّب في الصور القديمة التي التقطتها تكون بذلك قد عدتَ بذاكرتك إلى فتراتٍ خلت، بما فيها من أحداث وتفاصيل، وبالتالي تستطيع الوصول إلى تلك النسخة منك التي عفا عليها الزمن واختفت. إذن فيربطك التصوير بالمكان والمساحة والزمان وهويّتك الذاتية المرتبطة بهما، أو يعيد ربطك بفترةٍ زمنية من تاريخك الخاص كانت قد تعرّضت للنسيان أو اختفت بفعلِ أحداث الحياة التي لا تهدأ ولا تسكن.
التصوير كوسيلة لتطوير الذات
وأخيرًا، يمكن أن يساعدك التصوير الفوتوغرافي على إطلاق العنان للمهارات الفنية والإبداعية الكامنة فيك. فلكلّ شخص زاويته الخاصة ونظرته المميزة التي قد يأخذ بها الصورة أو يعدّلها أو حتى يكتب بها تعليقه عليها، خاصة إذا عمل على تطوير نفسه في هذا المجال والغوص في جوانبه أو تعلّم أساليب جديدة فيه.
لكن يجب أن نتفق بالنهاية أنّ ما نقصده بالتصوير العلاجي لا يتوقف على التقاط الصور الجميلة وحسب، أو امتلاك المهارة العالية والكاميرا المحترفة، وإنما التصوير الذي يجعلك تخرج للمشي واستكشاف العالم من حولك، والتفاعل مع الغرباء، وتلقّي التعليقات المختلفة سواءً الإيجابية أو السلبية، ومن ثمّ تحمّلها وتقوية تقدير الذات والثقة بالنفس عندك