ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا لما صرحت به تقارير المختبرات الصيدلانية في سنة 2016، يقدم مرضى السكري أكثر من 44 مليار دولار (38 مليار يورو)، لاقتناء الأدوية التي من شأنها أن تساعدهم على مجابهة هذا الداء. وقد يتضخم هذا المبلغ ليصل إلى 58 مليار دولار (50 مليار يورو) في مطلع سنة 2022. بالإضافة إلى الأدوية المقاومة لمرض السرطان، يعتبر مرض السكري أكبر مصدر للثروة في هذه الصناعة.
في الأثناء، يسيطر على سوق أدوية مرض السكري أربعة شركات عملاقة، ألا وهي الدنماركية نوفو نورديسك (13 مليار دولار من المبيعات سنة 2016)، والفرنسية سانوفي (8 مليار دولار) والأمريكية أم إس دي (6 مليار دولار) وليلي (5 مليار دولار). ومن اللافت للنظر أن دونالد ترامب قد عين رئيس الفرع الأمريكي لليلي وزيرا للصحة. بناء على ذلك، سيظل مجال سيطرتهم في توسع ما بقي مرض السكري منتشرا في هذا الكوكب.
حسب الأرقام التي نشرت يوم الثلاثاء 14 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017، من قبل الفيدرالية الدولية لمرض السكري، بمناسبة اليوم العالمي للسكري، يعاني نحو 425 مليون شخص حول العالم من مرض السكري. وقد يصل عددهم إلى 629 مليون شخص في مطلع سنة 2045، أي بمعدل مريض عن كل 10 أشخاص. في فرنسا، خضع قرابة 3.3 مليون شخص للعلاج من هذا الداء في سنة 2015.
تداعيات مرض السكري
يتسم هذا المرض بارتفاع نسبة السكر في الدم، ويصاب به الإنسان عندما يتوقف البنكرياس عن إنتاج الأنسولين (النوع الأول) أو عندما يستجيب هذا العضو بشكل أقل مع الإشارات التي يرسلها هذا الهرمون (النوع الثاني). ويظهر السكري من النوع الثاني عندما ينتهج الشخص أسلوب حياة غير صحي، مثل قلة التمارين الرياضية، أو التغذية غير السليمة، علما وأن هذا النوع من السكري يمكن تجنبه وأحيانا معالجته. على الرغم من ندرته، يصاب الإنسان بالسكري من النوع الأول غالبا منذ الطفولة ولا يمكن علاجه. ويكون السبب عادة تدمر خلايا بيتا في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين.
حسب ما نشرته الفيدرالية الدولية للسكري في مجلة أطلس، بتاريخ 14 من تشرين الثاني/ نوفمبر، تكرس غالبية الدول ما بين 5 إلى 20 بالمائة من نفقاتها في مجال الصحة لعلاج هذا المرض
حسب الخبراء، يعتبر ارتفاع عدد المصابين بالسكري بشكل كبير، نتيجة انتشار وباء السمنة العالمي. وفي سنة 2011، أكدت مجموعة من العلماء، بلغ عددهم 32، أنه “على الرغم من أن غالبية الأشخاص الذي يعانون من السمنة لم يصابوا بالسكري من النوع الثاني، إلا أن السمنة توفر بيئة محفزة للإصابة بالمرض”، داعين لإجراء دراسات معمقة حول هذا الموضوع. في الوقت نفسه، تنذر المؤشرات الحالية بخطر محدق، حيث أحالت الأرقام التي اطلعت عليها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أنه في مطلع سنة 2030، سيصبح هناك مريض بالسكري بين كل شخصين في الولايات المتحدة، وستكون نسبة المصابين بالسكري في المكسيك 40 بالمائة، و35 بالمائة في المملكة المتحدة و20 بالمائة في فرنسا.
لطالما تم التغاضي عن العواقب الكارثية لصناعة السكر. وفي هذا الصدد، أشارت دراسة نشرت في سنة 2013، من قبل باحثين في جامعة ستانفورد، إلى أن “السكريات المضافة في الأغذية الصناعية، وخاصة الفركتوز يعد السبب الرئيسي وراء السمنة. فضلا عن ذلك، تحتوي هذه السكريات على خصائص تزيد من خطر الإصابة بالسكري، بشكل مستقل”. وأكد الباحثون في جامعة ستانفورد أن التفسير الأنسب لزيادة السمنة يتمثل في استهلاك شراب الذرة بشكل كبير، لما توفره تلك المادة من تحلية غير مكلفة جعلتها تحظى بشعبية كبيرة بين المصنعين. على العموم، قد يصل معدل استهلاك هذه المادة إلى 35 كيلوغرام في السنة للمقيم الأمريكي والأوروبي في مقتبل سنة 2026. ويفوق هذا الرقم المعدل المنصوح به من قبل منظمة الصحة العالمية بأربعة أضعاف (معدل 25 غرام من السكر في اليوم، أي أقل من 35 غرام التي توجد في علبة كوكاكولا).
بعيدا عن قضية الصحة العامة، يمثل السكري تحديا اقتصاديا كبيرا لدى غالبية الدول. وحسب ما نشرته الفيدرالية الدولية للسكري في مجلة أطلس، بتاريخ 14 من تشرين الثاني/ نوفمبر، تكرس غالبية الدول ما بين 5 إلى 20 بالمائة من نفقاتها في مجال الصحة لعلاج هذا المرض. وقد بلغ إجمالي النفقات العالمية على هذا المرض 12 بالمائة، أي ما يعادل 727 مليار دولار. في الوقت ذاته، بلغت تكلفة التأمين على هذا المرض في فرنسا 8 مليار يورو، أي 5 بالمائة من النفقات في مجال الصحة. ويتضمن هذا المبلغ نفقات الاستشارة والتطبيب والإقامة بالإضافة إلى المستحقات اليومية للمرض. في الأثناء، كشفت التحاليل والمعطيات التي نشرتها لوموند، المتعلقة بالتأمين على مرض السكري، أن فاتورة الأدوية المضادة لهذا المرض قد ارتفعت بقيمة 1.3 مليار يورو في سنة 2016.
في هذا السياق، يحتل دواء لانتوس من إنتاج سانوفي المرتبة الأولى في قائمة مبيعات الأدوية بقيمة 224 مليون يورو، ثم يليه دواء فيكتوزا التابع لشركة نوفو نورديسك بمبلغ 159 مليون يورو ثم يليه دواء جانيومات من إنتاج إم إس دي بقيمة 89 مليون يورو. ويحتل الدواء الأول لمختبر ليلي، أنسولين أومالوغ، المرتبة الثامنة بمبلغ 44 مليون يورو.
اتهم المختبر الدنماركي بالاستهانة بالمخاطر المرتبطة بدواء فيكتوزا ودفع أموال هامة للأطباء من أجل وصف منتجه للمرضى
مختبرات تعلن الحرب على جميع الجبهات
لتوسيع إمبراطوريتها، تحارب المختبرات المتخصصة في تصنيع دواء السكري على جميع الجبهات، انطلاقا من العيادات الطبية إلى المحاكم مرورا بشاشات التلفاز. ويمثل ما تعرض له أنسولين “لانتوس” عبرة وتجسيدا لما يحدث في إطار اللعبة الصناعية. ففي الواقع، فقد الأنسولين الأكثر مبيعا في العالم، حيث بلغ رأس ماله 6.3 مليار دولار في ذروة مجده، براءة الاختراع في سنة 2015. ومنذ ذلك الوقت وسانوفي تحاول بكل السبل التصدي لموجات بيع المنتجات المنسوخة أو ما يعرف بالبدائل الحيوية. في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، حاول المصنع الفرنسي الذي يعتبر الأول في السوق الأمريكية، رفع دعوى كاذبة ضد مختبرين أمريكيين وهما ميلان وميرك. كما دخل مختبر سانوفي في بداية سنة 2014، في مواجهة مختبر ليلي الأمريكي. ولكن توصل الطرفان إلى توافق ودي، حيث قبل ليلي بدفع عوائد لسانوفي عن مبيعاته من البدائل الحيوية وأن يؤخر إطلاق دوائه في الولايات المتحدة الأمريكية مدة ستة أشهر.
في الآن ذاته، أجرت المجموعة الفرنسية في الخارج حملة إعلانية واسعة على شاشات التلفزيون لتلميع صورة دوائها الجديد “توجيو”، الدواء الشبيه للانتوس والحائز على براءة اختراع أيضا. ولا يندرج هذا الصراع في أي حال من الأحوال ضمن مساعي الطرفين لتخفيف عبء الفاتورة على مرضى السكري. فقد بلغت أسعار الأنسولين في الولايات المتحدة الأمريكية أرقاما خيالية، حتى أن بعض المرضى لم يتمكنوا من تلقي العلاج المناسب.
من هذا المنطلق، كتبت شكوى جماعية في بداية سنة 2017، في حق ثلاثة مختبرات صيدلانية باسم العديد من المرضى. وقد ورد فيها ما يلي: “بعض الأدوية التي كانت تكلف 25 دولارا أصبحت اليوم تباع بسعر يتراوح بين 300 و450 دولار. وقد رفع كل من مختبر سانوفي ونوفو نورديسك وليلي في أسعار منتجاتها بنسبة 150 بالمائة خلال السنوات الخمسة الماضية. كما أن بعض المرضى يدفعون أكثر من 900 دولار في الشهر من أجل الحصول على الأنسولين الذي يحتاجونه ليبقوا على قيد الحياة”.
شكوك حول تكتلات احتكارية
تم صياغة وثيقة تتألف من 197 صفحة، توضح سياسة وضع الأسعار لتلك المختبرات، وتشكك في حقيقة رفع الأسعار وإمكانية تشكل تكتلات احتكارية. في الأثناء، تدعم الرسوميات فكرة أن أسعار الأنسولين طويل المفعول لسانوفي ونوفو نورديسك قد تطورت وفقا النسق ذاته، والأمر سيان بالنسبة لأسعار الأنسولين سريع المفعول لمختبر ليلي ونوفو نورديسك. ويحيل هذا الأمر الأنظار نحو المفاوضات بين تلك المختبرات ومدراء فوائد الصيدليات، الطرف الذي يتكفل بدور الوسيط الذي يناقش أسعار الأدوية مع المختبرات لحساب شركات التأمين، من أجل أن تحظى بتخفيضات هامة من دون أن تكشف عن قيمتها أو عن السعر الحقيقي للدواء.
في الواقع، لا تعد هذه التهم الأولى من نوعها التي ترفع في وجه المصنعين، الذين يتجاوزون بشكل متكرر الخط الأحمر. ففي شهر أيلول/ سبتمبر، وافقت نوفو نورديسك على دفع مبلغ 60 مليون دولار لوزارة العدل الأمريكية من أجل الحسم في ثمانية شكاوى مختلفة. وفي هذا الصدد، اتهم المختبر الدنماركي بالاستهانة بالمخاطر المرتبطة بدواء فيكتوزا ودفع أموال هامة للأطباء من أجل وصف منتجه للمرضى. وقد أنفق نوفو نورديسك أكثر من 80 مليون دولار من أجل دعم أدويته لدى العاملين في مجال الصحة، كما قدم لهم مكافآت من أجل القيام ببحوث طبية. وقد احترمت في إطار هذه النفقات جميع الإجراءات القانونية.
المصدر: لوموند