تشهد برامج الشارع التي تعالج قضايا اقتصادية واجتماعية، عبر طرح أسئلة على المارة وتلقي إجابات مقابل مكافئة مالية؛ رواجًا خلال شهر رمضان 1445 الجاري في الشمال السوري، وقد ربط متابعون ذلك بتراجع حجم المساعدات الأممية العابرة للحدود، التي كانت تغطي جزءًا من الاحتياجات الأساسية المفقودة لدى العائلات السورية.
وتحوّلت برامج الشارع التي تعدّها وتعرضها منصات سورية، وأخرى يقدّمها ناشطون وإعلاميون على صفحاتهم الشخصية، إلى طريقة لتقديم المساعدات الإنسانية للعائلات الفقيرة والمحتاجة، ضمن أسواق المدن الرئيسية والقرى والبلدات الواقعة بالقرب من خطوط التماسّ.
برامج تقدمها منصات سورية
تقدم قناة “حلب اليوم” (قناة محلية سورية) برنامجًا اجتماعيًّا يتكرر كل عام طيلة أيام شهر رمضان المبارك، يحمل عنوان “حزورة رمضان“، تستعرض حلقاته اليومية من خلال التجوال بين مدن وبلدات ريفَي حلب الشمالي والشرقي.
حظيَ البرنامج الرمضاني بشعبية واسعة، لما يحمله من أجواء ثقافية وعلمية وفكاهية تقدَّم لمشاهدي القناة الفضائية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع القناة إلى تكراره للموسم السابع على التوالي دون تجديد في مواضيع البرنامج، لا سيما طريقة طرح الأسئلة الدينية والثقافية على المشاركين.
ويرعى كل من مطعم سيروب وشركة زين للاتصالات في مدينة أعزاز، المكافآت المالية للمشاركين مقابل الإجابة الصحيحة عن الأسئلة المطروحة، وغالبًا ما يقع اختيار المشاركين بناءً على مظهر خارجي قد يحدد مستوى معيشة المشارك، ليشكّل البرنامج أداةً رئيسية في إيصال المساعدات للمحتاجين.
كما أطلق راديو “طيف” (راديو محلي موجّه للسوريين في الداخل والخارج)، على منصاته في مواقع التواصل الاجتماعي، برنامجًا رمضانيًّا حمل عنوان “رمضان مع طيف”، حيث يعرض حلقاته من خلال التجوال في أسواق مدن وبلدات ريفَي حلب الشمالي والشرقي، ويستهدف البرنامج شريحة اجتماعية محددة لاختيار المشاركين.
ويأخذ البرنامج بشكل يومي نحو 5 مداخلات من المشاركين في الشارع، من خلال طرح أسئلة متنوعة بسيطة جدًّا لا تحتاج إلى معلومات ثقافية كبيرة، وسؤال مخصّص للمتابعين على المعرّفات الرسمية ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، ويحصل الفائز في كل من المشاركات على جائزة مالية مماثلة.
وترعى البرنامج المجموعة السورية التركية القابضة (STH)، وهي شركة محدودة المسؤولية، تقدم خدمات في عدة مجالات، من بينها الطاقة الكهربائية والاتصالات والمياه والصرف الصحي والبنوك والإنشاءات والخدمات اللوجستية والإعلام، في جميع مناطق شمال غربي سوريا.
بينما يقدَّم برنامج “رمضانا“، من إنتاج شبكة “أخبارنا” و”راديو أعزاز” المحليَّين، على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن أحياء مدينة أعزاز شمالي حلب، بطريقة مختلفة تمامًا عن البرامج المحلية شمالي غربي البلاد، حيث يشتري البرنامج للمشاركين موادًا غذائية يحتاجونها لطهي وجبة إفطار.
ويُبنى البرنامج على التجول في الأسواق المحلية، رفقة المشارك الذي سيحصل على وجبة الطعام المقدمة من فاعل خير، وفي كل حلقة يستهدف مشاركًا واحدًا.
ويرصد البرنامج الحياة الاقتصادية لسكان المدينة، من خلال الاطّلاع على أسعار السلع والمنتجات الغذائية الأساسية، ورصد الواقع الاجتماعي ونوع الأعمال والمهن التجارية، وتوافر فرص العمل وحركة الأسواق، فضلًا عن التركيبة السكانية وأوضاع النازحين والمهجّرين من مختلف المحافظات السورية.
برامج رمضانية ترعاها منظمات وشركات
مع حصول البرامج الرمضانية على مشاهدات وانتشار واسع محليًّا، نشطت برامج محلية أخرى متوازية يقدّمها ناشطون وإعلاميون في مناطق شمال غربي سوريا، برعاية منظمات إنسانية وشركات وشخصيات تجارية.
ويقدم الإعلامي جميل الحسن برنامجًا ينشر حلقاته اليومية على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، يحظى المشارك فيه على جوائز مالية نقدية مقدمة من منظمات سورية، أبرزها منظمة البنيان المرصوص، ومنظمة أمل (شباب سوريون لاجئون في ألمانيا)، وتبرعات أخرى من لاجئين ومغتربين سوريين تقدَّم بأسمائهم.
وينشط البرنامج ضمن قرى وبلدات متاخمة لخطوط التماسّ مع قوات نظام الأسد في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومدن وبلدات ريف حلب الغربي، ويهدف إلى رصد الحياة المعيشية للعائلات التي تعيش في المنطقة تحت ضربات مدفعية نظام الأسد المتكررة.
فيما يعتبر وصول القائمين على البرنامج إلى خطوط التماسّ خطوةً إيجابية، كون مئات الأسر الفقيرة التي لم تجد بديلًا عن منزلها لا تزال تقيم في تلك المناطق غير الآمنة، كونها تتعرض للقصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات نظام الأسد، والتي لا تصلها المنظمات الإنسانية بسبب أوضاعها الأمنية.
كما يشترك الإعلاميان محمد الفيصل وظلال قطيع مع الحسن في برنامج مماثل يستهدف مناطق متفرقة شمالي غربي سوريا، تحت عنوان “مشوار العيد“، بهدف تقديم جوائز للعائلات التي تشارك في البرنامج، من خلال تأمين لباس العيد برعاية منظمة البنيان المرصوص.
كما يقدم الإعلامي محمد بلعاس برنامجًا مماثلًا تحت عنوان “رمضان معنا أحلى“، ضمن مدن سرمدا والدانا بريف إدلب، والأتارب في ريف حلب، وينشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك ومنصتَي تيك توك ويوتيوب، كما يستهدف خلال برنامجه شرائح اجتماعية متنوعة، عبر مشاركتهم في الإجابة عن الأسئلة المطروحة، ويحصل المشارك على جائزة مالية نقدية.
إلى مدينة عفرين شمالي حلب، يقدم الإعلامي فارس زين العابدين على صفحته الشخصية برنامجًا رمضانيًّا حمل عنوان “بينكم ومعكم“، برعاية تجمع شباب تركمان سوريا وجمعية الحضارة وفريق يقين التطوعي، وشخصيات تجارية ونشطاء سوريين.
وتنشط برامج رمضانية أخرى ضمن الأسواق والمولات التجارية في مراكز المدن الرئيسية، مثل أعزاز وعفرين والباب في ريف حلب، والدانا وسرمدا في ريف إدلب، وتطرح أسئلة على المشاركين وتقدم مكافآت نقدية وعينية للفائزين، برعاية شركات ومحال تجارية متنوعة تهدف إلى التسويق والإعلان للأنشطة التجارية العاملة في المنطقة.
أسباب انتشار برامج الشارع
في الغالب لا تدقق برامج الشارع الرمضانية على فكرة الإجابة الصحيحة، لأنها بمجملها تقرّب الإجابة للمشارك الذي سيحصل على الجائزة المالية أو العينية بمجرد مشاركته في الحلقة، وتركّز على تقديم المساعدة للمشاركين الذين يختارهم مقدم البرنامج، وغالبًا ما يكونون من الشريحة الاجتماعية الفقيرة والمحتاجة.
ويرى الحقوقي يوسف حسين الذي يقيم في الشمال السوري، أن برامج الشارع الرمضانية ظاهرها يهدف إلى تقديم المساعدة للقاطنين في الشمال السوري، بموجب أسئلة بديهية لا تقدم معلومة بقدر ما تهتم في منح المساعدة، والترويج للمؤسسات أو الشركات أو الشخصيات الراعية والمانحة للبرنامج.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن إيجابيات برامج الشارع المساعدة في تلبية بعض احتياجات الأسر الفقيرة، خاصة في أيام رمضان حيث تكثر متطلبات المعيشة، أنها تعدّ مساعدة الناس غاية نبيلة، لكن تكون أنبل وأعظم أجرًا حين تكون في السرّ”.
وأضاف: “يتسبّب بعضها في جرح مشاعر الأسر العفيفة التي تُحرج أمام الكاميرا، مقابل حاجتهم للحصول على الجائزة المالية، رغم أنهم لا يرغبون في ذلك”، مشيرًا إلى ضرورة ألا تُستغل حاجة الناس بهدف مشاهدات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال المتاجرة بإظهار معاناتهم الحقيقية التي لا يرغبون في إظهارها.
بينما يرى حسان كبصو (ناشط إعلامي في مدينة أعزاز شمالي حلب) أن بعض الأسئلة الدينية والثقافية التي تطرح خلال الحلقات اليومية تحرج المشاركين، نتيجة عدم معرفتهم الإجابة، لكن المنصات تستمر في عرضها، وهذا يمسّ حقوق الناس في عدم تعرضهم للتجريح والإساءة من المشاهدين.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن برامج تقدمها المنصات الإعلامية المحلية واضحة وليست جديدة، مثل برنامج “حزورة رمضان” الذي يعرض على قناة “حلب اليوم” وغيره”، فلا مشكلة فيها، لكن هناك برامج أخرى تستغل حاجة الناس نتيجة محنتهم وظروفهم الاقتصادية الصعبة، لا سيما أن بعضها يستعرض تفاصيل الحياة الاجتماعية.
وتزامن انتشار برامج الشارع مع تراجع واسع في المساعدات الإنسانية الأممية التي تدخل عبر الحدود إلى مناطق شمال غربي سوريا، في محاولة لتقديم المساعدة إلى الأهالي بطرق مختلفة، ورصد الحياة المعيشية والاقتصادية في البلاد.
وتواجه العائلات في مناطق شمال غربي سوريا ظروفًا معيشية واقتصادية متدهورة، وسط صعوبات في تأمين احتياجاتهم الغذائية والدوائية خلال شهر رمضان، بسبب ندرة فرص العمل، وانخفاض مستوى الأجور في حال توافر العمل.
وارتفعت حدود الفقر والجوع إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث وصل حد الفقر إلى قيمة 10 آلاف و843 ليرة تركية شهريًّا، بينما وصل حد الفقر المدقع إلى 8 آلاف و933 ليرة تركية شهريًّا، في المقابل تتراوح الأجور الشهرية للعاملين في القطاعَين العام والخاص شمال غربي سوريا بين 2500 و3000 آلاف ليرة تركية، ما يجعل العائلات في محنة صعبة.