ترجمة حفصة جودة
واجهت التطلعات الكردية من أجل الاستقلال مقاومة عنيدة من الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة والتي تفضل الاستقرار الإقليمي للعراق، ودافعهم في ذلك أن استقلال كردستان قد يقوض من استقرار العراق.
وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذه التنبؤات، فالمنطقة الوحيدة المستقرة في العراق تتجه نحو عدم الاستقرار المتوطن في بقية البلاد، المأزق السياسي الذي نشأ عن الصراع الكردي الداخلي وسياسة بغداد العدوانية في السيطرة على حدود البلاد أدى إلى وقوع كردستان العراق في المشاكل، كما تفاقمت الأوضاع في المنطقة الكردية بسبب العقوبات المفروضة حديثًا والمفاوضات عن ميزانية العراق 2018 والتي تعمّق الأزمة الاقتصادية الحالية.
أدى استمرار السياسة الدولية والإقليمية لـ”عراق واحد” إلى ظهور واقع إيراني ثنائي في الشرق الأوسط، ازداد تأثير إيران في بغداد من خلال القتال ضد الدولة الإسلامية في العراق والشرق بأكمله، وانتهى الأمر بهيمنة وكلاء طهران على المنطقة المتنازع عليها في البلاد، من المنصف أن نقول بأن مستقبل العراق الآن أصبح في أيدي إيران أكثر من أي ممثل إقليمي أو دولي في المنطقة.
من الغريب أن تختار واشنطن التخلي عن الأكراد وترك السياسة العراقية مفتوحة بشكل واسع أمام طهران
ربما ما أدهش البعض الدور الحاسم الذي لعبه قائد فيلق القدس (أحد وحدات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني) قاسم سليماني في تدخل القوات العراقية في كركوك بعد يومين فقط من فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات جديدة على الحرس الثوري الإيراني باعتباره داعمًا للإرهاب.
يبدو الأمر خياليًا عندما نسمع أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يعلن أن المليشيات الإيرانية في العراق يجب أن تعود إلى ديارها، وذلك بعد أسبوع من دخول وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران إلى كركوك والسيطرة عليها بينما تقف الولايات المتحدة غير مبالية بل ربما داعمة، أوضح رد بغداد على تيلرسون مدى توسع القوة الإيرانية في العراق، فبغداد تعترف بدور سليماني كـ”مستشار عسكري” لوحدات الحشد الشعبي وأعلنت أن أي دولة لا يمكنها أن تتدخل في شؤون العراق.
وفي ضوء التطورات السعودية التي تدعمها الولايات المتحدة حيث تستهدف بشكل مباشر إيران وحلفائها في المنطقة، فمن الغريب أن تختار واشنطن التخلي عن الأكراد وترك السياسة العراقية مفتوحة بشكل واسع أمام طهران.
بالنسة للولايات المتحدة، فالسلام يعني السلامة الإقليمية
من الضروري أن نتذكر أن الولايات المتحدة لم تنجح قط في التواصل إلى اتفاقية سلام دائمة في أي صراع في الشرق الأوسط رغم أن الرئيسين جيمي كارتر وباراك أوباما فازا بجائزة نوبل للسلام من أجل جهودهما لمحاولة تحقيق ذلك، لكن الولايات المتحدة حققت نوعًا من النجاح في احتواء الصراعات داخل مناطق معينة، وكانت حماية الحدود السياسة القائمة هي الأولوية الأولى للولايات المتحدة، والاستقرار الذي ستحققه اتفاقات السلام ليس سوى حالة من السلامة الإقليمية.
وعليه فلم يكن رد فعل واشنطن تجاه الأزمة التي اندلعت في الشرق الأوسط بسبب الربيع العربي، أمرًا استثنائيًا، فطبيعة الربيع العربي العابرة للحدود والتي تحفز الجماهير كانت تشكل تهديدًا للحدود السياسية، لذا حاولت أمريكا والمجتمع الدولي الحفاظ على الاستقرار مرة أخرى بمحاولة تعزيز السلامة الإقليمية لكل دولة من خلال الاستمرار في دعم الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة.
ليس هناك أي جهود مبذولة لتحقيق السلام في المنطقة في عصر ما بعد داعش
في هذا الشأن من المنصف أن نقول بأن داعش لا تشكل تهديدًا عالميًا فقط بسبب أعمالها الوحشية، فالتحالف الدولي لم يتشكل ضد داعش إلا عندما بدأت في إزالة الحدود السياسية بين سوريا والعراق في الأراضي المتجاورة لكلتا البلدين والتي تسيطر عليها داعش.
وفي النهاية؛ القتال ضد داعش كان محاولة لإحتواء الصراع في العراق وسوريا من خلال الحفاظ على الحدود السياسية القائمة وليس أكثر من ذلك، فليس هناك أي جهود مبذولة لتحقيق السلام في المنطقة في عصر ما بعد داعش، في الواقع، هناك فقط محاولة لإعادة بناء الوضع السابق الذي أدى إلى ظهور داعش في المنطقة.
تحجيم الأكراد وتعزيز إيران
أصبح واضحًا اليوم أن دور الأكراد هو العودة إلى مكانهم الصحيح داخل الحدود السياسية القائمة، فحتى الربيع العربي كانت مشكلة الأكراد طويلة المدى قضية داخلية لدى تركيا وسوريا والعراق وإيران، لكن بعد الحرب في سوريا وصعود داعش تحولت القضية الكردية إلى قضية إقليمية بعد اختفاء الحدود السياسية للأراضي التركية.
في أعقاب هذا التحول الوجودي تحول الكفاح العقيم من أجل الحقوق الديموقراطية إلى صراع من أجل الدفاع عن كردستان، هذا الأمر مهد الطريق إلى التطلعات الكردية من أجل الاستقلال والحكم الذاتي، وفي الواقع كانت الولايات المتحدة أهم مساهم في تلك العملية حتى لو أنها لم تدعم هذه الرغبات الكردية علانية.
لقد كانت الولايات المتحدة من دعمت الأكراد في العراق وسوريا للسيطرة على أكثر من 210 كيلومترات من الحدود العراقية السورية، والأكثر من ذلك، شجعت الولايات المتحدة أكراد سوريا والعراق على التعاون في كوباني عام 2014 وفي بدء الاجتماع في دهوك وإربيل لبناء شراكة سياسية وعسكرية بين الحكومة الكردية الإقليمية وإدارة الروجافا.
موقف الولايات المتحدة المتناقض تجاه التطورات الحالية في العراق هو في الواقع سياسة أكثر تناقضًا
في هذا السياق، موقف الولايات المتحدة المتناقض تجاه التطورات الحالية في العراق هو في الواقع سياسة أكثر تناقضًا تتعلق بدورها في أعقاب التوازن الكردي الجديد في الشرق الأوسط، يفسر الأكراد في العراق وفي كل مكان رد فعل أمريكا المبالغ فيه تجاه الاستفتاء الكردي كعلامة على ضرورة عدم تجاوزهم لحدودهم المخصصة، وبالنسبة لبعض أكراد سوريا فأفعال أمريكا ربما تشير إلى أن التوقيت كان خاطئًا ويجب أن يكون القرار بيد أمريكا.
وجدير بالذكر أنه إذا كان الهدف الحفاظ على استقرار العراق، تستطيع أمريكا بكل سهولة إدارة عملية الاستفتاء الكردية بطريقة سلمية، فقد أكد رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني مرارًا أن الاستفتاء لا يعني بالضرورة إعلان الاستقلال بشكل فعلي، لكنه مجرد تعبير عن إرادة الأكراد.
لكن الولايات المتحدة لم تفضل فقط إثارة التوترات التي من شأنها أن تمهد الطريق لنفوذ إيراني أكبر في العراق، لكنها جلست أيضًا تشاهد تدمير رئاسة حكومة إقليم كردستان، ومع ذلك فقد اكتسبت حكومة إقليم كردستان قيمة وقدرة تمثيلية رمزية باسم جميع الأكراد خارج حدود كردستان العراقية.
وبالتالي فليس أكيدًا أنه من الممكن إعادة القضية الكردية إلى الحدود السياسية السابقة، والواضح أن الكارثة السياسية في العراق تشير ليس فقط إلى فشل الأكراد ولكنها تشير إلى فشل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط أيضًا.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية