ترجمة وتحرير: نون بوست
يحاول التقرير تقديم لمحة عن التوترات القائمة حول الهيمنة الصينية في جنوب آسيا وردود جارتها القوية، الهند. وفي هذا السياق، وصف البروفيسور، الأستاذ ديفيد سكوت الديناميات الإقليمية بين الهند وجمهورية الصين الشعبية على أنها “بمثابة إعادة تعريف وصياغة “للعبة الكبرى”، وهو مصطلح يشير إلى التنافس بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية خلال القرن التاسع عشر، وسعي كل قوة من بينهما إلى فرض نفسها في مواجهة الأخرى”.
في هذه الحالة، أي بين الصين والهند، يعد منطق التنافس من أجل الهيمنة، وكسب النفوذ، والقوة والفوائد الاقتصادية، السائد. وفي الحديث عن هذه الجوانب، استخدم الأستاذ سكوت عبارات لا تخلو من الإشارة إلى جنون العظمة والتآمر. وقد اقتبس الكاتب في الحديث عن التنافس الهندي الصيني من أجل الهيمنة الإقليمية، عبارات للمفكر هالفورد ماكيندر، التي تمت إعادة صياغتها من قبل المفكر نيكولاس سبيكمان. وتجدر الإشارة إلى أن سبيكمان تبنى معتقدات ماكيندر حول الحرب الباردة، التي تقول إن “من يسيطر على الرملاند سيحكم أوراسيا، ومن يسيطر على أوراسيا سيحكم العالم”.
من جانب آخر، تتعزز قوة الجغرافيا السياسية التقليدية، باستعادة السيطرة على المنافذ الإستراتيجية البحرية المحيطية. وتكتسي هذه المنافذ أهمية قصوى في هذا العالم الذي يوظف البحار والمحيطات للقيام بمئات ملايين العمليات التجارية، كما يلجأ إلى هذه الوسيلة من أجل حشد القوات العسكرية. في هذا السياق، يمكن القول إن كلا من الصين والهند، تعتبران قوتان تمكنتا من استعادة الثالوث الجيوسياسي التقليدي “ماكيندر-سبيكمان-ماهان”، كما أنهما على قدم المساواة ومتماثلتين. وتتجلى هذه المساواة من خلال حقيقة أن كلا القوتين تسيطران على منطقة رملاند مع التحكم في منافذ بحرية، وتواجه كلا منهما تهديدات في ظل الوضع الراهن في بلدانهم. فضلا عن ذلك، تعد الهند والصين بؤرا محتملة لزعزعة الاستقرار الإقليمي. لكن، ماذا لو كان الحاضر غير مستقر بالفعل، ولم نعر اهتماما لهذا الجانب؟
التنانين والأسود
تعد جمهورية الصين الشعبية بلا شك متفوقة من حيث التقدم وعامل التحديث في القرن الحادي والعشرين. فضلا عن ذلك، لم تتمكن الصين فقط من ترسيخ مكانتها على اعتبارها جهة سياسية فاعلة، تتسم بأهمية واضحة على المستوى الدولي، بل تمكنت أيضا من تعلم وإتقان السر الذي يقف وراء الازدهار الاقتصادي. وخلال العقود الأخيرة، شهدت الصين ازدهارا اقتصاديا بشكل غير متوقع ومستدام. في المقابل، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين في سنة 2016، أقل من المتوقع، حيث بلغ هذا النمو، ولأول مرة في تاريخها، نحو 6.7 بالمائة. وفي السنة ذاتها، حقق الناتج المحلي الإجمالي الصيني نموا بنسبة 7.1 بالمائة.
منذ سنة 2010، اتجه الناتج المحلي الإجمالي لكل من الصين والهند نحو التراجع. ومنذ سنة 2012، شهد تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني نوعا من التباطؤ. في المقابل، انفجر النمو الاقتصادي الهندي بفضل الإصلاحات المقترحة والقروض الممنوحة من قبل صندوق النقد الدولي.
بعد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، تعززت صورة شي جين بينغ في البلاد، حيث وقع إدراج فكره في النظام الأساسي للحزب، وهو ما جعله يرتقي إلى مستوى قائدي الصين العظيمين ماو تسي تونغ ودينغ شياو بينغ. في الأثناء، يبدو المسار الصيني خلال السنوات الخمس القادمة واضحا. فخلال هذه الفترة، ستواجه الصين جملة من التحديات، من بينها تغير التركيبة السكانية الصينية، الأمر الذي سيؤثر بشكل حاد على الاستهلاك والنمو الاقتصادي للبلاد، وفقاعة سوق العقارات التي أصبحت مثيرة للقلق على نحو متزايد، وانخفاض الاستثمارات نظرا لأن الصين أصبحت تستثمر خارج أراضيها أكثر مما تستثمر داخلها. ومن التحديات الأخرى، تواتر المطالب من قبل الطبقة الوسطى التي تنامى عددها على نحو متزايد.
في المقابل، تتميز الهند بديمغرافية قوية وديناميكية، وقاعدة اقتصادية جاهزة للإصلاح والنمو. وعلى الرغم من تعدد التحديات الداخلية في الهند، إلا أن خصائصها التاريخية واستقرارها الاجتماعي الذي يعد نتاج تقاليدها، تعتبر من العوامل التي تصب في صالح البلاد.
الصينيون والهنود: إخوة
عموما، تعد العلاقة بين جمهورية الصين الشعبية والهند جيدة، نظرا لأن البلد الأول شريك تجاري رئيسي للبلد الثاني، وفي الوقت ذاته، يمكن وصف هذه العلاقة على أنها متوترة. فمنذ مطلع القرن الجديد، هيمنت على الذاكرة الشعبية للعملاقين الآسيويين، الذين يقدر عدد السكان على أراضيهما بنحو ثلاثة مليارات نسمة، صور تجسد عدم الثقة المتبادلة التي تسود بين البلدين نتيجة للاحتلال الصيني للتبت. ويضاف إلى ذلك، ذكريات حرب سنة 1962، ونفي الدالاي لاما في الهند.
لا تعد إستراتيجية شي جين بينغ الهادفة إلى مزيد توسع مخالب الصين من الشرق إلى الغرب من خلال خطة معقدة أطلق عليها اسم طريق الحرير الجديد، مريحة البتة بالنسبة لناريندرا مودي
من جانب آخر، لا مفر من المواجهة بين الجارتين الصين والهند، حيث تقدر الحدود المشتركة بين البلدين بأكثر من 3500 كيلومتر. فضلا عن ذلك، تعد جبال الهمالايا من الحدود الطبيعية بينهما. وعلى الرغم من شدة ارتفاع هذه الجبال، إلا أنها لا تمثل حاجزا لا يمكن التغلب عليه. من جهة أخرى، لم يساهم التحالف بين الصين وباكستان، وتحركات الصين من أجل محاصرة الهند من خلال سياستها في بحر الجنوب، الذي يطلق عليه اسم “الخط الحدودي ذو النقاط التسع”، إلا في تأجج النار الكامنة في أعماق ملا البلدين. وفي الأثناء، تعول الصين على هذا الخط من أجل زيادة نفوذها في المنطقة، وأيضا مضاعفة قدرتها الإنتاجية من خلال إضافة آلاف الأميال البحرية إلى منطقة التي تسيطر عليها.
عموما، تحاصر الصين الهند بشكل مباشر وغير مباشر. أما مباشرة، تُحاصر الصين الهند عن طريق البر والبحر. وبشكل غير مباشر، تضيق الصين الخناق على الهند عن طريق الجيران والمنافسين المباشرين لنيودلهي، وأيضا عن طريق المنافذ البرية والبحرية للهند مع هذه الجهات. فضلا عن ذلك، يشكل عمل الصين على تحسين هياكل الاتصال مع مختلف جيران الهند، وبناء الطرق السريعة والحديثة والمباشرة وسكك الحديد التي تربط جمهورية الصين الشعبية بالتبت، تحديا أمام تصور الأمن الهندي. ويفسر ذلك بأن هذه البنية التحتية ستجعل الصين متفوقة أمام الهند، في ظل احتمال نشوب صراع بين القوتين.
من الناحية الدبلوماسية، لا تعد إستراتيجية شي جين بينغ الهادفة إلى مزيد توسع مخالب الصين من الشرق إلى الغرب من خلال خطة معقدة أطلق عليها اسم طريق الحرير الجديد، مريحة البتة بالنسبة لناريندرا مودي. علاوة على ذلك، لم تتوان حكومة الصين الحديدية عن اقتراح المزيد مشاريع جديدة، مثل إعادة النظر في العلاقات مع جيرانها في آسيا الوسطى، نظرا لوجود تقارب بينها وبين مدينة سنجان الصينية من حيث الدين والتاريخ.
الهند: واحدة من أكبر بلدان العالم من حيث المساحة، لكن لديها العديد من الجبهات المفتوحة. ما فتئت التوترات والأراضي المتنازع عليها تتنامى في الشمال مع دولتين متحالفتين، ألا وهما الصين وباكستان.
التجديف نحو حالة عدم الاستقرار
“قبل بدء أي عمل، يجب أن تسأل نفسك ثلاثة أسئلة بشكل دائم: لماذا أقوم بهذا العمل، وما هي النتائج التي قد أتوصل لها، وهل سيكون هذا العمل ناجحا. وعند التفكير بعمق والتوصل إلى إجابات مرضية في هذا الصدد، يمكنك المضي قدما في هذا العمل”. تشانكيا
من بين الموانئ العشرة الأكثر أهمية من حيث عدد حاويات الشحن المرسلة والمستلمة، يوجد سبعة تقريبا في الصين. في حين يحتل أول ميناء هندي المركز الرابع والثلاثين على الصعيد العالمي. في المقابل، في السنوات الأخيرة، حققت الهند تطورا بارزا وأحرزت مراكز متقدمة. من جانب آخر، منذ انتخابه في سنة 2014، شرع رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، في تنفيذ برنامج إصلاحي طموح يهدف إلى توظيف الوضعية المميز لبلده على الخريطة.
يواجه جنوب شرق آسيا عجزا وانهيارا واضحا من حيث التدفقات التجارية، حيث تسبب تنقل الشركات الغربية في شبه القارة، بسبب قربها من المواد الخامة في العديد من الحالات، إلى جانب رخص اليد العاملة، في مرور حوالي 90 بالمائة من التجارة البحرية العالمية عبر هذه المياه
من هذا المنطلق، نجحت الجغرافيا الاقتصادية للبلاد في اكتساب مكانة رئيسية هامة على مستوى السياسة الخارجية الهندية، وعلى ما يبدو أن تعزيز التجارة وتنميتها تعتبر إحدى التدابير الملموسة الرامية إلى النهوض بالاقتصاد دون وجود منافسين في المنطقة. في المقابل، يحمل هذا التصور البريء لما يحدث في المياه الآسيوية في طياته تفسيرات متضاربة. فمن ناحية أولى، يعود سبب ذلك إلى تدفقات الأموال الواردة والصادرة عن طريق الأعمال التجارية، إلى جانب تعزيز العلاقات مع الشركات والجهات الفاعلة الحكومية بفضل زيادة كثافة هذه العلاقات. من ناحية أخرى، يعزى هذا التناقض إلى ازدحام الفضاء المادي في المياه بسبب مرور السفن، كما هو الشأن بالنسبة للقدرة على ملء الفضاء المتنازع عليه من طرف العديد من الدول، بما في ذلك الصين.
والجدير بالذكر أن إمبراطورية الصين تعرف جيدا كيفية التلاعب بهذه الإستراتيجية. ففي صائفة سنة 2016، قامت الصين بإرسال حوالي 230 قارب للصيد ومجموعة من المدنيين إلى جزر بيناكل، المتنازع عليها بين اليابان والصين، إلى جانب جزر سينكاكو، وجزر “دياويو” التي تقع في المياه المتنازع عليها أيضا بين الدولتين. ويهدف ذلك إلى تعطيل حركة المرور عبر هذه المياه والضغط على طوكيو، المسؤولة عن إدارة هذه الجزر. وبناء على ذلك، تعد هذه الجزر بمثابة المناطق الرمادية كلما نشب أي توتر بين الطرفين، الأمر الذي عادة ما يتسبب المزيد في خلق المزيد من القلق بالنسبة للأطراف المعنية بالأمر.
بينما تواصل الصين نموها، تقوم الهند بذلك بسرعة أكبر. ففي الفترة ما بين سنتي 2010 و2014، تضاعف حجم حاويات الشحن المنقولة بنسبة ثلاث مرات تقريبا
يواجه جنوب شرق آسيا عجزا وانهيارا واضحا من حيث التدفقات التجارية، حيث تسبب تنقل الشركات الغربية في شبه القارة، بسبب قربها من المواد الخامة في العديد من الحالات، إلى جانب رخص اليد العاملة، في مرور حوالي 90 بالمائة من التجارة البحرية العالمية عبر هذه المياه. من جهة أخرى، وعلى خلفية الجغرافيا المعقدة للمنطقة، التي تتضمن آلاف الجزر، باتت ممرات السفن نادرة كما أدت إلى كثافة مرورية كبيرة عبر هذه الطريق البحرية.
علاوة على ذلك، يعد مضيق ملقا، الممر المائي الذي تشترك فيه كل من سنغافورة وتايلاند، وخصوصا ماليزيا وإندونيسيا، من أكثر النقاط ازدحاما على هذا الكوكب. ويصل عرض المضيق إلى حوالي 65 كيلومترا في أضيق جزء منه، علما وأنه كان دائما أحد النقاط المفضلة للقرصنة الآسيوية. ولهذا السبب هناك حاجة ماسة للبحث عن ممرات وطرقات جديدة لتخفيف الحركة وتسهيل المرور عبر هذا المضيق.
في سياق ذي صلة، يلقب بعض المحللين المناورة الدبلوماسية العسكرية لجمهورية الصين الشعبية التي تسعى من خلالها إلى السيطرة على هذا الفضاء الحيوي التي تبحر من خلاله الآلاف من سفنها باتجاه الغرب إلى الآن، “بسلسلة اللؤلؤ”. في الأثناء، قامت الصين بفتح قواعد عسكرية بحرية لها في البلدان المجاورة، مثل كمبوديا وسريلانكا، مما يدل على أن هذه الإمبراطورية تسعى إلى إبراز نفوذها وضمان أمنها الخاص انطلاقا من هاينان وصولا إلى السودان.
أصبح تحسين العلاقات الهندية مع جيرانها، وخاصة في إطار رابطة دول جنوب شرق آسيا، من بين الأولويات في صلب السياسة الخارجية الهندية
استعادة التوازن
يبدو أن مستقبل القوى التي تتعارض مصالحها مع مصالح بكين ليس واعدا. وعلى ضوء هذا السيناريو، عززت الهند تحالفاتها في آسيا والمحيط الهادئ مع كل من اليابان، وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. من جهتها، تعتبر اليابان بمثابة ديمقراطية آسيوية موحدة أخرى، التي تتقاسم المصالح الإستراتيجية ذاتها مع الهند من حيث ضمان خطوط النقل البحري.
في الحقيقة لم يتأخر الرد على مبادرة الحزام التجاري الصيني الجديد كثيرا. فمنذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اتحدت كلا القوتين، الهند واليابان في سبيل إنشاء طريق الحرير الخاص بها من منطلق ضرورة معارضة التوسُّع الصيني في العالم، ويعرف هذا الطريق “بممر النمو الآسيوي الأفريقي”. إضافة إلى ذلك، تشبه الركائز الأربع التي تقوم عليها هذه المبادرة الهندية اليابانية إلى حد كبير الركائز التي تستند إليها الإستراتيجية الصينية العظيمة، وذلك من حيث مشاريع التنمية والتعاون، وتحسين البنية التحتية والهياكل الأساسية فضلا عن تطوير القدرات والكفاءات من خلال الجمعيات الثنائية.
من جهة أخرى، يواجه النهج الشامل الذي أثاره ممر النمو الآسيوي الأفريقي عدة مشاكل. في المقام الأول، ونظرا لأنها مبادرة قائمة بين اثنين من مقدمي مشروع القرار، يتطلب الأمر حوارا مستمرا بين الطرفين وتوافق في الآراء لتكون الدولتين قادرتين على إحراز تقدم في إطار هذه المبادرة. بالإضافة إلى ذلك، تستوجب هذه المبادرة وضع إستراتيجيات تجارية وسياسية خارجية مماثلة فيما يتعلق بآسيا، في سبيل وضع حد للتناقضات التي يمكن أن تدمر المشروع. من ناحية أخرى، وفي ظل مد خطوط التواصل الهندية اليابانية، سيكون الاستقرار الإقليمي أمرا حتميا. كما لا يزال هناك متسع من الوقت حتى تتمكن كل الأطراف من الإستقرار بطريقة دائمة وبشكل يخدم مصالحها.
الوضعية الأمنية في آسيا والمحيط الهادئ
قدمت إدارة ترامب أيضا دعمها لهذا المشروع، مع العلم أن العلاقات بين واشنطن ونيودلهي قد شهدت لحظات تتراوح بين التأييد والتجاهل. وفي الوقت الحالي، تمر العلاقات بين كلا القوتين بأفضل أوقاتها، حيث تم تعزيزها بفضل التحالف ضد الإرهاب، فضلا عن التزام السلطة الآسيوية بالاستخدام المسؤول، في حدود المصلحة الوطنية، للتكنولوجيا النووية.
في المقابل، لا يعني ذلك بالضرورة أن إدارة ناريندرا مودي في حد ذاتها متأثرة بتوجهات ترامب، بما أن العلاقات بين البلدين في عهد أوباما كانت أكثر من جيدة. ولكن يعزى ذلك إلى أنه في ظل البانوراما الجديدة من عدم اليقين الدولي، التي تَعزَّزت جزئيا بانتخاب الرئيس الأمريكي، أظهرت كلا الدولتين رغبة وحاجة متبادلة في التعاون لتعزيز اقتصادهما واحتواء الصين.
سياسة التطلع نحو الشرق في الهند
منذ بداية التسعينات، في عهد الرئيس الأسبق بي في ناراسيمها راو، تميزت السياسة الخارجية الهندية بالتعاون وإقامة تحالفات إستراتيجية مع البلدان المجاورة. في الأثناء، سعت الهند إلى الحفاظ على نفوذها وتوطيد نظام الموازنات، الذي يسمح بالحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة. وذلك من خلال تفوق القوة الناعمة على القوة الصلبة، وكذلك من بفضل اعتماد منظور يمكن اعتباره أقل خطورة. وبفضل مودي ودوره في تحسين العلاقات مع واشنطن، تحولت سياسة “التطلع نحو الشرق” إلى سياسة “العمل مع دول الشرق”، والمقصود هنا أن الهند قد أدركت الحاجة إلى الاضطلاع بدور أكثر نشاط في آسيا للحد من التقدم الصيني.
في الوقت ذاته، أصبح تحسين العلاقات الهندية مع جيرانها، وخاصة في إطار رابطة دول جنوب شرق آسيا، من بين الأولويات في صلب السياسة الخارجية الهندية. بالإضافة إلى ذلك، أدت مشاركة الهند في الأمن الإقليمي، وذلك بتحفيز من قبل الإستراتيجية الصينية العظيمة، إلى إقامة شراكات عسكرية وثيقة بشكل أكبر مع البلدان المجاورة لها. نتيجة لذلك، برزت إستراتيجية مودي العظيمة في قلب الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية الإقليمية، وأيضا على نطاق عالمي. من اللافت للنظر أن الهند المعاصرة، قد تقدمت نوعا ما، باعتبارها وريثة لفكر الفيلسوف الهندي تشانكيا، الذي يعرف باسم “مكيافيلي الهندي”. وقد أقر تشانكيا بأن “هناك شيء من الفائدة وراء كل علاقة صداقة، ليس هناك صداقة من دون فائدة. إنها الحقيقة القاسية”.
المصدر: الأوردن مونديال