إلى وقت قريب جدًا كانت ليبيا وجهة المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، منها يركبون البحر نحو حلمهم الموعود “أوروبا”، بعدها تحولت الوجهة نحو مدن شمال المغرب – على إثر غلق الطرق البحرية بين ليبيا وإيطاليا وصعوبة وصولهم إلى سواحل القارة العجوز – في انتظار فرصة لاجتياز الحدود المغربية الإسبانية خلسة والوصول إلى الهدف المنشود والجنة المبتغاة، إلا أن الآلاف منهم اختاروا البقاء في مدن المملكة بعد أن شاهدوا الصعوبات وسمعوا بالمخاطر التي تنتظرهم عند اجتياز الحدود أو في مدن الضفة الشمالية، حتى أصبح المغرب بلدًا مستقرًا عوض بلد ممر.
تحول الحلم إلى كابوس
عندما تطئ أقدام المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين أرض المغرب أول مرة، يكون حلمهم إيجاد فرصة لمغادرة المملكة والالتحاق بالضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، فيعمدون إلى مختلف الطرق والوسائل غير القانونية، البعض منهم يحاول اقتحام السياجين الشائكين حول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من السلطات الإسبانية، أو السباحة على طول سواحلهما.
لا تتوفر إحصاءات دقيقة رسمية لهؤلاء المهاجرين ، ويرتفع عددهم وينقص باستمرار بحكم أن البلاد هي آخر محطة عبور إلى أوروبا
فيما يحاول البعض العبور بقوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط لبلوغ “الحلم الأوروبي” رغم تشديد البلدين المراقبة، فنتيجة هذه المحاولات المتكررة وتمكن آلاف المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من العبور، عززت إسبانيا إجراءات الأمن في المنطقة بتمويل حصلت على جانب منه من السلطات الأوروبية، كما سنت قانونًا يمكّن شرطة حدودها من منع اللاجئين من التقدم بطلبات للجوء.
فيما أصبح المغرب يلعب دور “الدركي” الذي يحمي حدود أوروبا ويمنع عنها تدفق المهاجرين الأفارقة وطالبي اللجوء، وذلك لمصالح سياسية متبادلة، هكذا ترتاح أوروبا من موجات الهجرة غير الشرعية التي تولد لها مشاكل أمنية واجتماعية كبيرة، فيما يحصل المغرب في المقابل على دعم إسبانيا والبلدان الأوروبية الأخرى في قضية الصحراء المتنازع عليها.
وترتبط المملكة المغربية بإسبانيا باتفاقية وقعت سنة 1992 تتعلق بتنقل الأشخاص والعبور وإعادة قبول الأجانب الذين دخلوا بصفة غير قانونية، وتنص على السماح للسلطات الإسبانية بإعادة المهاجرين غير النظاميين المتسللين إلى إسبانيا سرًا إلى الأراضي المغربية، سواء كانوا مغاربة أو من دول أخرى، فورًا وفي أجل لا يتعدى 10 أيام في إطار لجنة مشتركة، وتدرس إجراءات ومعايير التعويض المترتب على إعادة قبول الأجانب المبعدين، وتنظم أجهزة لمراقبة الحدود وتجهيز وتأهيل المكلفين بمراقبة الحدود، وتنص المادة الـ5 على أن يرحل المغرب المهاجرين غير النظاميين في أقرب وقت إلى بلدهم الأصلي.
مئات المهاجرين غير الشرعيين سكنوا الغابات
أمام هذه الإجراءات المشددة تحول حلم الوصول إلى القارة العجوز لكابوس يؤرق بال المهاجرين غير الشرعيين، إما بسبب حوادث انقلاب القوارب وغرق كثيرين من هؤلاء المهاجرين، أو بسبب المعاملة السيئة التي يتلقاها المهاجرون خاصة في الجانب الإسباني، وفي بعض الأحيان من الجانب المغربي، وقُدر عدد المهاجرين غير النظاميين في المغرب في العام 2014 بما بين 30 ألفًا و40 ألف مهاجر، ولا تتوفر إحصاءات دقيقة رسمية لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين، ويرتفع عددهم وينقص باستمرار بحكم أن البلاد هي آخر محطة عبور إلى أوروبا.
وفي وقت سابق، قال المنظمة الدولية للهجرة إن عام 2016 كان الأسوأ بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث لقي نحو 5 آلاف شخص حتفهم في أثناء عبورهم البحر المتوسط في طريقهم إلى أوروبا، وبين مطلع يناير و30 من سبتمبر 2016 وصل 10.800 مهاجر إلى إسبانيا عن طريق البر أو البحر وفقًا للمنظمة، وتشير تقديرات إلى أن 4663 مهاجرًا لقوا حتفهم في البحر المتوسط السنة الماضية.
سكنوا المدن والغابات
هذه المعاناة التي يلاقيها المهاجرون الأفارقة غير الشرعيين في الحدود بين المغرب وإسبانيا، حتّمت عليهم تغيير خططهم وتحويل بوصلتهم نحو غابات المملكة ومدنها، خاصة بمنطقتي الشمال والشمال الشرقي على غرار الدار البيضاء والرباط وفاس وأكادير والأقاليم الصحراوية أيضًا، وتحول المغرب بذلك تدريجيًا من بلد عبور إلى بلد إقامة مؤقتة تأخذ في بعض الأحيان طابع الإقامة الدائمة، بعد أن وجد عدد كبير من المهاجرين من جنوب الصحراء أنفسهم قيد الإقامة الجبرية في المملكة.
نتيجة ذلك، تحولت غابات كل من وجدة والناظور إلى معاقل الأفارقة في شكل مجموعات تضم جنسيات موحدة، ويسهر على تنظيم هذه المجموعات “رؤساء” كل حسب مهامه، يترأسهم رئيس المعقل وفقًا لتقارير إعلامية، ومن بين ما أنتجته هذه التجمعات بروز عصابات منظمة بين هؤلاء الأفارقة ومافيات تقوم بأعمال غير شرعية كبيع المخدرات بكل أنواعها وتسهيل عمليات ترويجها، أو احتراف النصب والاحتيال وتزوير العملة المغربية، وقطع الطرق أحيانًا في وجه المارة.
يمنع القانون المتعلق بالهجرة الأشخاص الذين دخلوا أو استقروا بالمغرب بطريقة غير قانونية من الولوج إلى سوق الشغل
ويضطر العديد من المهاجرين غير الشرعيين إلى العمل بطرق غير شرعية في قطاعات عدة، دون أن يحصلوا على وثائق الإقامة، وغالبًا ما يكتشف مفتشو الشغل التابعون لوزارة التشغيل والتكوين المهني أن بعض القطاعات تشغل عمالًا من جنسيات مختلفة غير حاصلين على تأشيرة وزارة التشغيل والتكوين المهني، طبقًا لما تنص عليه القوانين في هذا المجال.
ويفترض في الأجانب – باستثناء المنحدرين من السنغال وتونس والجزائر – الراغبين في العمل في المغرب الحصول على تأشيرة من مصالح وزارة التشغيل والتكوين المهني بالرباط، وهي التأشيرة التي تمنح لهم بعد أن يدلوا بشهادة تسلمها لهم الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، تثبت أن القطاع الذي يتطلع الأجنبي إلى العمل فيه لا يتوفر فيه عرض من اليد العاملة المغربية.
ونظرًا لأن القانون 02-03 المتعلق بالهجرة يمنع الأشخاص الذين دخلوا أو استقروا بالمغرب بطريقة غير قانونية من الولوج إلى سوق الشغل، تلجأ غالبية المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء إلى العمل في القطاعات غير المهيكلة، وبحسب دراسة ميدانية أجراها “مرصد الشمال لحقوق الإنسان” فإن أغلبية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من الشبان، ودوافع معظمهم للهجرة اقتصادية، بينما يشدد ربعهم على أن دوافعه أمنية، أكثرهم سنغاليون يليهم الغينيون ثم الغامبيون والماليون والعاجيون، بعضهم أنهى دراسته الجامعية ومعظمهم عازب.
تسوية العديد من الوضعيات
الطريق إلى إسبانيا مفروش بالأشواك، وليس المغرب سوى واحد من هذه الأشواك المغروسة في خاصرة المهاجرين، لكن في الفترة الأخيرة تحاول المملكة الرفق بهؤلاء المهاجرين وإيجاد حلول لهم وإن كانت وقتية، ففي شهر يناير سنة 2014 أطلقت الحكومة المغربية المرحلة الأولى من برنامج التسوية الذي يقضي بمنح الإقامة إلى مهاجرين غير شرعيين يقيمون على أرض المملكة، استفاد منها 23 ألف مهاجر إفريقي غير شرعي، قبل أن تُطلق المرحلة الثانية منه في نهاية عام 2016 المنصرم، فيما استقبلت المملكة نحو 26 ألف طلب لتسوية وضعية المهاجرين غير القانونيين خلال 2017، ويهدف هذا البرنامج إلى تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة الراغبين في الاستقرار نهائيًا في المغرب.
الآلاف ما زالوا ينتظرون تسوية وضعيتهم في المغرب
وتقوم السياسة المغربية للهجرة على تسهيل إدماج المهاجرين في النظام التعليمي للمملكة، وضمان حصولهم على العلاج في المستشفيات المغربية، ومنحهم الحق في السكن وفق قوانين البلاد، وتقديم مساعدات قانونية وإنسانية لهم وتسهيل حصولهم على عمل، وللمهاجر الحق في الحصول على بطاقة الإقامة وفق شروط محددة، منها أن يكون قد مضى على استقراره في البلاد 5 سنوات على أقل تقدير.
وتمثّل قضية الهجرة جوهر العلاقات المغربية الأوروبية، على اعتبار موقع المملكة الاستراتيجي الذي يطل مباشرة من شمال القارة الإفريقية الفقيرة على أوروبا الغنية، مما جعل هذه القضية محور الرهانات السياسية والأمنية والاقتصادية لضفتين، المغربية والإسبانية، وكثيرًا ما يستخدم المغرب ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل مصالحه الاقتصادية والسياسية.