ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما ظهر مقطع فيديو من برنامج “أكسس هوليود” الشهير، يظهر فيه صوت دونالد ترامب وهو يتحدث عن كيفية استغلاله لثروته وسلطته للاعتداء جنسيا على النساء ومعاملتهن بشكل مهين، ثم فاز هذا الرجل بالانتخابات الرئاسية على الرغم من هذه الفضيحة، عرفنا أن هذا الأمر ستكون له تبعات سياسية وثقافية خطيرة على الولايات المتحدة.
عندما وجهت أكثر من 12 امرأة اتهامات لترامب بالاعتداء عليهن جنسيا أثناء الحملة الانتخابية، وفاز على الرغم من ذلك، كنا نعلم أن تأثيرات هذه الممارسات ستكون طويلة المدى وعميقة. وعندما وقفت سارا ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أمام الصحفيين وتكلمت حول موقف الإدارة الأمريكية من هذه الفضائح، مؤكدة أن رد الفعل الرسمي يتمثل في اعتبار كل هؤلاء اللواتي تقدمن بالشكاوى كاذبات، ولم يراجع أنصار ترامب حساباتهم، عرفنا أن هناك تغييرا خطيرا سيطرأ على الشعب الأمريكي.
في الواقع، طالت هذه الاتهامات كلا من عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوا، آل فرانكلين المنتمي للحزب الديمقراطي، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، روي مور، المنتمي للحزب الجمهوري، والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. وقد تتالت هذه الفضائح لتصل للعديد من النجوم على غرار منتج الأفلام هارفي وينشتاين، والكوميدي الأمريكي لويس سي كي، والكاتب والمحلل السياسي مارك هالبرين، والممثل الشهير كيفن سبيسي.
علاوة على ذلك، شاهدنا بأم أعيننا ثمار تلك البذور الخبيثة التي تم زرعها أثناء الحملة الانتخابية حيث كان رئيس الولايات المتحدة غير مستعد لتحمل مسؤوليته الأخلاقية، أو غير قادر أصلا على استيعاب مفهوم القيادة الأخلاقية التي كانت البلاد في حاجة ماسة إليها. ولا يعني ذلك أن اللوم حول كل هذه الممارسات التي اقترفها هؤلاء الرجال يقع على عاتق دونالد ترامب وحده. ولكن القصد هنا هو أنه عاجز بشكل مثير للحيرة عن ملء الفراغ الروحي والأخلاقي الذي تسببت به هذه الممارسات، وغير قادر على تبوّأ مكانته كقائد ملهم وقدوة للبلاد.
فعلى سبيل المثال، لم يصدر عن ترامب نفسه أي رد فعل عدا عن البيان الكتابي المحتشم الذي أصدره حول فضيحة المرشح روي مور، الذي يقف اليوم متهما بالسعي وراء إقامة علاقة جنسية غير أخلاقية وغير شرعية، مع ما لا يقل عن ثمانية بنات ونساء كانت أعمارهن تتراوح بين 14 سنة والعشرينات، عندما كان هو في الثلاثين من العمر، وكان يشغل منصب مساعد المدعي العام في ألاباما.
قضى ترامب الأسابيع والأشهر التي تلت أحداث تشارلوتسفيل وهو يصر مرارا وتكرارا على أن موقفه كان صائبا، وأن اليسار الأمريكي لا يقل عنفا عن اليمين المتطرف خلال أحداث العنف التي هزت الرأي العام الأمريكي
لدى سؤالها حول هذه التطورات في مساء يوم الخميس الماضي، اكتفت ساندرز بالقول إن “سكان ألاباما هم من يجب أن يقرروا بشأن الشخصية التي ستشغل منصب السيناتور الممثل للولاية في المستقبل”. وفي الحقيقة، يعني هذا الموقف الذي عبرت عنه ساندرز أن الرئيس ترامب سينأى بنفسه عن هذه الفوضى، ولن تصل به الشجاعة حتى إلى تبني بعض المواقف المحتشمة، كتلك التي عبر عنها السيناتور ميتش ماكونيل ورئيس مجلس الشيوخ بول راين، اللذان وجها دعوة إلى روي مور للانسحاب من السباق الانتخابي في ولاية ألاباما.
في المقابل، اكتفى ترامب بتبني نفس المواقف السلبية أمام القضايا الأخلاقية، واكتفى بالادعاء أنه من الصعب معرفة الحقيقة فضلا عن الطرف الصادق أو الكاذب. لذلك، يجب فسح المجال لسكان ألاباما للتعبير عن رأيهم عبر صناديق الانتخابات. وعموما، يبدو هذا الموقف مشابها تماما للأسلوب الذي تعامل به ترامب مع قضية العنصريين البيض، وأحداث العنف التي اندلعت بينهم وبين معارضين لهم في مدينة شارلوتسفيل خلال الصيف الماضي.
فقد ادعى ترامب حينها أن هناك أشخاصا سيئين من كلا الطرفين، وتهرب من إبداء رأي واضح حول هذه المسألة، وسعى بشكل ضمني في تصريحاته لوضع العنصريين البيض والنازيين الجدد في نفس السلة مع من يتظاهر ضد هذه النزعات العنصرية.
في الحقيقة، قضى ترامب الأسابيع والأشهر التي تلت أحداث تشارلوتسفيل وهو يصر مرارا وتكرارا على أن موقفه كان صائبا، وأن اليسار الأمريكي لا يقل عنفا عن اليمين المتطرف خلال أحداث العنف التي هزت الرأي العام الأمريكي. يمثل هذا النوع من السلبية الأخلاقية، والتي يمكن وصفها بغياب الوازع الأخلاقي، دون شك أكبر تأثير أحدثه ترامب في الولايات المتحدة منذ وصوله للبيت الأبيض.
والجدير بالذكر أن 43 رئيسا شغلوا هذا المنصب قبله كانت لديهم كلهم تقريبا نزعة أخلاقية ووعي بأبعاد ذلك المنصب، وكانوا يضطلعون بدورهم إلى قيادة الأمة نحو مستوى أخلاقي وحضاري أعلى. وكانت حينها المثل والقيم الأمريكية أولى من كل الحسابات والصراعات السياسية في واشنطن. ولا يمكن إنكار أن البعض من الرؤساء لم ينجحوا في تأدية هذه الرسالة، وعلى سبيل الذكر يمكن الإشارة إلى الفضيحة الجنسية التي تورط بها الرئيس السابق بيل كلينتون، مع مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض، وتعمده الكذب على الرأي العام الأمريكي في هذه القضية.
بوصلة ترامب الأخلاقية تتوجه بشكل أساسي نحو مصالحه الشخصية، إذ أنه مندفع نحو مهاجمة كل من ينتقده أو يبدو له كخصم سياسي
علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى إحدى سقطات جورج بوش الذي أصر على أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل، وأوهم الأمريكيين بأن ذلك يمثل خطرا وشيكا على أمنهم، وذلك من أجل الذهاب إلى الحرب. ويمكن اعتبار ريتشارد نيكسون الأكثر نزولا إلى الحضيض من الناحية الأخلاقية، حيث انه استغل منصب الرئاسة من أجل تحقيق أغراض سياسية وأهداف شخصية كثيرة.
في المقابل، يمثل ترامب على ما يبدو نموذجا أكثر سوءا حتى من نيكسون الذي تجاهل البعد الأخلاقي لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة على عكس ترامب الذي يبدو جاهلا أصلا بهذه المسألة. ويتمثل أسلوب تصرف دونالد ترامب عند كل موقف في السعي لنيل الشكر والثناء إذا كان الحدث إيجابيا، والنأي بنفسه عن اللوم والتهرب من المسؤولية عندما يكون الحدث سلبيا.
من الواضح أن بوصلة ترامب الأخلاقية تتوجه بشكل أساسي نحو مصالحه الشخصية، إذ أنه مندفع نحو مهاجمة كل من ينتقده أو يبدو له كخصم سياسي. وعندما دعاه الديمقراطيون للرد على الاتهامات التي وجهتها له مجموعة من النساء اللواتي تعرضن لتحرشه الجنسي وفظاظته، كانت إجابته جاهزة وسريعة وهي نفي كل الاتهامات واتهام خصومه بأنه تحركهم دوافع سياسية.
وعندما تعرض ترامب لانتقادات بسبب ردة فعله البطيئة وغير الكافية تجاه العنصريين البيض في شارلوتسفيل، قرر مرة أخرى “غرس رأسه في الرمل” واعتبار أنه لا يتحمل أي مسؤولية حول ذلك وليس مضطرا لاتخاذ موقف واضح أو التنديد بالعنصرية والعنف.
الانتخابات الماضية كان لها على ما يبدو انعكاسات سلبية، إذ يبدو هذا الانعكاس بالذات خطيرا للغاية.
على العموم، يوجد ما هو أغرب من ذلك، حيث أنه عندما تورطت مجموعة من السياسيين من الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي، إلى جانب مجموعة من النجوم والمشاهير، في ممارسات غير أخلاقية وتحركات جنسية ضد النساء، اختار ترامب الصمت واعتبر أن هذا الأمر لا يخص رئيس الولايات المتحدة، على الرغم من أهمية القضية والأبعاد الأخلاقية التي تحملها. وفي الحقيقة، يبدو من خلال هذا التصرف أن ترامب يحاول الابتعاد عن هذه المواضيع لأنه هو نفسه لا يزال يتعرض لاتهامات باقتراف نفس هذه الممارسات.
لا يمكن اعتبار الأحداث والفضائح المتتالية التي بدأت بقضية منتج الأفلام هارفي وينشتاين، بنفس خطورة العواصف، والفيضانات، والهجمات الإرهابية وعمليات إطلاق النار العشوائي التي تحدث على الأراضي الأمريكية وتصدم الرأي العام في كل مرة، إلا أنه لا يمكن إنكار أن هذه الفضائح الأخلاقية تخلف في كل مرة ندوبا في روح ووجدان الشعب الأمريكي، وتجعله يتساءل بحيرة حول هويته وثوابته ومستقبل هذه البلاد.
في مثل هذه اللحظات الفارقة، يفترض أن يتقدم القائد الأعلى للبلاد ويملأ الفراغ، ويخاطب الشعب الأمريكي قائلا: “أعلم أن هذه التصرفات لا تمثلنا، إنها تعكس فقط أسوأ ما فينا، وأنا واثق من أننا يمكننا فعل الأفضل”.لكننا للأسف لا نملك شخصا من هذا النوع في البيت الأبيض، إذ أن الانتخابات الماضية كان لها على ما يبدو انعكاسات سلبية، إذ يبدو هذا الانعكاس بالذات خطيرا للغاية.
المصدر: سي آن آن