استهدف طائرات يُرجح أنها روسية بلدة الأتارب بريف حلب الغربي بثلاث غارات جوية مستخدمة 6 صواريخ شديدة الانفجار، سقطت على السوق الرئيسي في المدينة وعلى مركز شرطة الأتارب الحرة، مخلفة أضرارًا واسعة في السوق ومرتكبة أكبر مجزرة بشرية شهدتها هذه المدينة منذ بداية الثورة ضد نظام الأسد.
بلغت الحصيلة النهائية للشهداء 70 شهيدًا بينهم نساء وأطفال وعشرات الجرحى، والذين بقيت فرق الدفاع المدني تنتشلهم من تحت الركام والأنقاض لأيام عديدة بعد القصف الذي استهدف المكان وهدم العشرات من البيوت التي تحيط بالسوق.
وحقيقة كان القصف فاجعة كبيرة للسوريين عمومًا، فكيف للطائرات أن تقصف وهناك اتفاق مبرم تحت عنوان “خفض التصعيد”، يقضي بتوقف أي نوع من أنواع العمليات العسكرية بين المعارضة وقوات الأسد وحلفائه، وأين الضامن الروسي الذي من المفترض أن يكون صمام أمان للاتفاق، فإذ به يتحول إلى قاتل متوحش يتقصد حصد أرواح السوريين بكل دم بارد.
وقد سبق عملية قصف الأتارب نشوب اقتتال بين فصيلي هيئة تحرير الشام وحركة نور الدين الزنكي، حيث تزايدت الاشتباكات بين الطرفين وتوسعت رقعتها، فخرجت المظاهرات المنددة من الشارع السوري الرافض لهذا الاقتتال والذي لا يخدم إلا النظام حسب رأيه، فإذا بها تجابه بالرصاص من جهات مجهولة لتزيد نار النقمة الشعبية كما حصل في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي.
الهدف السياسي من القصف هو الضغط على الشارع السوري للقبول بمخرجات المؤتمرات الخارجية التي تريد فرض حلٍ قد لا يناسب الشعب الثائر في سوريا، وهو ما يحاك له في مؤتمري سوتشي والرياض اللذان سيعقدان في القريب العاجل
في حين سقط بعض المدنيين بينهم أطفال في أثناء تبادل إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة، وهو ما زاد من احتقان الشارع الذي تعب من تصرفات الفصائل الرعناء واستهانتهم بدماء السوريين قبل دمائهم التي من المفترض ألا تراق إلا على جبهات النظام.
نعم جاءت مجزرة الأتارب وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير أو لنقل كأنها الصخرة التي أسقطت البعير، فقد كانت فاجعة ما بعدها فاجعة مع استمرار الاقتتال في نفس اليوم الذي اُرتكبت فيه المجزرة وتعالت أصوات الشارع بالتنديد بما يحصل، فكيف للفصائل أن تتقاتل ودماء السوريين لم تجف بعد من مجزرة فظيعة ارتكبت بحقهم!
لذلك كان الهدف السياسي من قصف الأتارب لا ينفك عن الهدف السياسي لاقتتال الفصائل والذي لا شك أن له محركين خارجيين ومنها بعض القنوات الفضائية التي دفعت باتجاه تأجيجه، وبعض الجهات والشخصيات التي أصدرت فتاوى لتأييد طرف ضد طرف ولاستمرار القتال بدلًا من العمل على إنهائه.
أما الهدف السياسي من القصف هو الضغط على الشارع السوري للقبول بمخرجات المؤتمرات الخارجية التي تريد فرض حلٍ، قد لا يناسب الشعب الثائر في سوريا، وهو ما يحاك له في مؤتمري سوتشي والرياض اللذين سيعقدان في القريب العاجل، لذلك لم نر مؤتمرًا عقد في السابق وخاصة مؤتمرات جنيف، إلا وسُبق بحملة جوية أو عسكرية تهدف للضغط على الشارع السوري ثم تأتي المعارضة الخارجية وممثلو الفصائل ليشاركوا في تلك المؤتمرات ويرضوا بمقرراتها بحجة التخفيف عن السوريين الذين يذوقون ويلات القصف والحصار والجوع.
وكذلك الاقتتال الحاصل يصب في نفس الهدف السياسي، يضاف إلى ذلك حملة واسعة للنظام بمساندة الضامن الروسي على ريف حلب الجنوبي وتحديدًا بلدات وقرى جبل الحص، حيث يحاول النظام التقدم في المنطقة رغم صعوبة الأمر إلا أن هذا التحرك يصب في الهدف السياسي العام والتي ستفرزه المؤتمرات القادمة وأهمها مؤتمر الرياض الذي سيجمع أطياف المعارضة السورية والتي قد تكون خطوة جديدة في مراحل الحل السياسي الذي يطبخ في مطابخ الساسة الغربيين وشركائهم الإقليميين.