في الوقت الذي تؤكد فيه العديد من التقارير المحلية والدولية ارتفاع الفوارق الاجتماعية بين الأشخاص والجهات في المملكة المغربية، وتراجع المقدرة الشرائية للعديد من المواطنين وارتفاع البطالة ونسب الفقر والحركات الاحتجاجية المطالبة بالتنمية في بعض جهات المملكة، كشفت جهات رسمية مغربية تضاعف ثروة البلاد إلى قرابة الـ3 مرات.
تضاعف ثروة المملكة المغربية في السنوات الأخيرة جعل البعض يتساءل عن وجهة هذه الثروة ومن المتحكم فيها والمستفيد منها، خاصة مع إقرار السلطات العليا في البلاد على رأسها الملك محمد الخامس بوجود اختلال في توزيعها.
تضاعف الثروة
وفقًا لدراسة أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية) فقد تجاوزت قيمة الثروة الإجمالية للمغرب بالأسعار الحاليّة خلال الفترة بين سنتي 1999 و2013 الضعف، حيث انتقلت من 5.904 إلى 12.833 مليار درهم، وذلك بما يعادل زيادة 5% سنويًا في المتوسط خلال الفترة ذاتها.
أوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير لدراسة أعدها بالتعاون مع بنك المغرب لقياس قيمة الثورة بالمغرب وتطور محدداتها، خلال الفترة ما بين 1999 و2013، أن الرأسمال غير المادي يشكل أهم مكونات الثروة الإجمالية للمملكة المغربية بحصة تبلغ نحو 73% في المتوسط خلال الفترة 1999 – 2013.
يضم قياس الثورة الإجمالية للبلدان، بالإضافة إلى الناتج الداخلي الخام ونصيب الفرد من هذا الناتج، مفاهيم عدة، منها التماسك الاجتماعي والرأسمال البشري والحكامة الجيدة
أما الرأسمال المنتَج فقد بلغ سنة 2013 ما قيمته 3193 مليار درهم بنسبة وصلت 27.3% من الثروة الإجمالية، وقد كان يشكل سنة 1999 ما قيمته 1352 مليار درهم بنسبة 20.1% من الثروة الإجمالية، فيما وصلت نسبة الرأسمال الطبيعي ضمن الثروة الإجمالية للمغرب نحو 8.4% بقيمة 981 مليار درهم، مقابل 405 مليارات درهم سنة 1999، في حين ظلت الموجودات الخارجية سالبة وبخصوم بكيفية متزايدة، بما قيمته 478 مليار درهم بنسبة مئوية سالبة -4.1%.
ويقصد بالرأسمال المنتَج كل الآلات والبنيات التحتية والأراضي الحضرية، أما الرأسمال الطبيعي فيضم المعادن والطاقات والأراضي المزروعة والرعوية والغابات والمناطق المحمية والموارد السمكية، في حين يقصد بالرأسمال غير المادي الرأسمال البشري والاجتماعي والمؤسساتي، إضافة إلى الأصول الخارجية.
ويضم قياس الثورة الإجمالية للبلدان، بالإضافة إلى الناتج الداخلي الخام ونصيب الفرد من هذا الناتج، مفاهيم عدة، منها التماسك الاجتماعي والإدماج والاستدامة والرأسمال البشري والحكامة الجيدة والاستقرار وجودة المؤسسات، ويقاس الجانب اللامادي للثروة بالجودة والتنمية البشرية وحقوق الإنسان والولوج إلى المرافق الأساسية ومؤشر التنمية البشرية والرفاه وحماية الطبيعة وقيمة الممتلكات غير الملموسة، مثل براءات الاختراع والعلامات التجارية.
توزيع ظالم
هذه الثروة يرى ملك المغرب محمد السادس أنها توزع بشكل غير عادل ولا يستفيد منها جميع المواطنين المغاربة، وسبق أن قال العاهل المغربي إنه يلاحظ خلال جولاته التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة، وكان الملك قد حث الحكومة في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية على إعادة النظر في النموذج التنموي الحاليّ، وأعرب عن تطلعه إلى نموذج يعالج نقاط الضعف والاختلالات التي ظهرت خلال السنوات الماضية، وقال إن النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي.
فيما ربط رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران استمرار الاحتجاجات في بلاده بوجود اختلالات في توزيع الثروة وعدم التجاوب مع الطلبات التي تعبر عنها المجتمعات، ودعا المستفيدين من الثروة الوطنية مثل رجال الأعمال والسياسيين، إلى التحاور من أجل إيجاد حلول للمشكلات المرتبطة بالعدالة الاجتماعية، واعتبر بنكيران أن المستفيدين من الثروة من مصلحتهم أن تكون استفادتهم أقل، بدل فقدان الأساس الذي يتيح لهم تلك الثروة، والمتمثل في الاستقرار.
تتحكم مجموعة صغيرة في ثروة المغرب
تُبرز العديد من الإحصاءات الفوارق الكبيرة بين جهات المملكة، سواء على مستوى التشغيل والبطالة أم النسيج الصناعي والسياحي أم البنية التحتية، الأمر الذي يفرز خريطة من الاختلالات بين الجهات، التي تنعكس على الجانب الاجتماعي في البلاد، وفي مايو الماضي طالب نواب مغاربة الحكومة بتسريع تقليص الفوارق الاجتماعية بين مناطق المغرب، عبر تمكينها من الاستفادة بشكل متساوٍ من برامج التنمية، وكانت تقارير سابقة قد أكدت أن فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار السياسي في المغرب هي الوحيدة التي استفادت من الثروة التي أنتجتها المملكة في العشرية الأولى للقرن الـ21، فيما لم يتم توزيع هذا الكم من الإنتاج بشكل عادل بين كل فئات المجتمع.
أثرياء المملكة
وضعت مجلة “فوربس” الأمريكية 3 مغاربة ضمن لائحة تضم 20 مليارديرًا في القارة السمراء لسنة 2017، وحل عثمان بنجلون وعزيز أخنوش وأنس الصفريوي ضمن 20 مليارديرًا، وقد حلوا تواليًا في الرتب 12 و16 و18 إفريقيًا حسب تصنيف المجلة الأمريكية، وتزّعم عثمان بنجلون مالك مجموعة “BMC”البنكية، أثرياء المغرب بثروة قدرت بـ1.94 مليار دولار، يدير بنجلون البنك المغربي للتجارة الخارجية، وهو أكبر بنك في المغرب وينشط في 20 بلدًا إفريقيًا، بما في ذلك كينيا والسنغال والكونغو، كما أن لديه شركة FinanceCom وهي المساهم الرئيسي في شركة التأمين الوطنية، وكذلك بعض الأسهم في ميديتيليكوم التي تعد أكبر مشغل للهاتف المحمول في المغرب.
يتبعه عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (وزير الفلاحة والصيد البحري) بـ1.45 مليار دولار، ويعد أخنوش صاحب النصيب الأكبر في “مجموعة أكوا” التي تشتغل في مجال الغاز والمواد الكيميائية والنفط، كما أن لديه استثمارات في الفنادق وتطوير العقارات ووسائل الإعلام.
أشارت العديد من التقارير الدولية إلى وجود 4900 مليونير مغربي استنادًا إلى معيار امتلاك مليون دولار للشخص
فيما احتل رجل الأعمال وإمبراطور العقارات في المملكة أنس الصفريوي الرتبة الثالثة ضمن أثرياء المغرب والـ18 إفريقيًا بثروة بلغت 1.05 مليار دولار حسب القائمة التي أعلنتها “فوربس”، ويرأس الصفريوي مجموعة “الضحى” العقارية التي استفادت على المدى الطويل من الحصول على العقود الحكومية لتطوير مشاريع الإسكان منخفضة التكلفة في جميع أنحاء المغرب.
فيما أشارت العديد من التقارير الدولية الأخرى إلى وجود 4900 مليونير مغربي استنادًا إلى معيار امتلاك مليون دولار للشخص، مما جعل المغرب يتبوأ المرتبة الـ3 في المنطقة المغاربية والـ9 إفريقيا، بعد تونس التي احتلت الرتبة الأولى في منطقة شمال إفريقيا بـ6500 مليونير، ثم الجزائر التي احتلت الرتبة الرابعة بـ4100 مليونير، في الوقت الذي تصدرت جنوب إفريقيا قائمة الأثرياء بـ48 ألف مليونير، ويتوقع تزايد عدد الأثرياء المغاربة من صنف المليونيرات إلى 7100 مليونير في أفق سنة 2020، بما يعني تزايد حجم ثروة هذه الفئة.
تفاوت طبقي
أمام هذا الكم الكبير من الأثرياء والكم الأكبر من الثورة، نجد عدد أكبر منهم وهو عدد المغاربة الفقراء الذين يقدرون بقرابة الملايين، ومنهم على الأقل 5 ملايين مغربي يعانون من الفقر بشتى أنواعه، وضمن ملايين الفقراء 7 ملايين مغربي يعيشون بميزانية 20 درهمًا في اليوم، و10% منهم لا يتعدى دخلهم اليومي 10 دراهم، حسب العديد من التقارير والدراسات المحلية والدولية.
وفي أحدث تقرير لهما يرصد مجهودات الحكومات للحد من انعدام المساواة الاقتصادية، صنّفت منظمة “أوكسفام” العالمية ومنظمة التنمية المالية الدولية المغرب في المرتبة 103 من أصل 152 دولة شملها الاستطلاع الذي يعتمد على 3 مؤشرات أساسية هي: مقدار استثمار الحكومات في الإنفاق الاجتماعي، وكيفية استخدامها لأموال الضرائب لموازنة مستوى التفاوت في الدخل، وحقوق العاملين.
واحتل المغرب المرتبة 99 عالميًا في المؤشر الأول الذي يتعلق بإنفاق الحكومة على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فيما جاء في المرتبة 140 في النظام الضريبي، أما فيما يخص المؤشر الثالث المتعلق بمجهودات الحكومة لتقليص الفوارق في سوق الشغل، فقد جاءت في المرتبة 50 عالميًا، وترجع هذه الفوارق إلى عهد الاستقلال، وبقيت ثابتة إلى الآن كما تؤكد ذلك مختلف الدراسات الإحصائية المتوفرة نتيجة التفاوت الكبير في توزيع الثروات، وتتركز هذه التفاوتات في العالم الحضري أكثر من القرى.
تزايد نسب الفقر في المملكة
قبل ذلك أظهر مؤشر الجوع العالمي لسنة 2016 الذي يصدره المعهد الدولي للبحوث السياسية التابع للأمم المتحدة، أن 4.4% من مجموع سكان المغرب يعانون نقصًا في التغذية، و2.3% من الأطفال دون سن الـ5 سنوات يعانون من الهزال الناتج عن ضعف التغذية، بينما 14.9% من الأطفال دون الـ5 يعانون من التقزم، و2.8% من الأطفال الرضع تحت معدل الوفيات.
وفي أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة بشأن مؤشر التنمية البشرية الذي شمل 188 دولة، جاءت المملكة المغربية في مراتب متأخرة بعدما احتلت المرتبة 123 عالميًا، واستند التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مارس الماضي، على عدة مؤشرات أهمها الصحة والتعليم والفقر وأمد الحياة ومعدل الدخل الفردي، ويعتمد التقرير على 4 مؤشرات هم: مؤشر التنمية البشرية المعدل بحسب درجة الفوارق، ومؤشر التنمية الجنسية، ومؤشر الفوارق بين الجنسيين الذي يركز على تمكين المرأة، ومؤشر الفقر المتعدد الأبعاد الذي يقيس جوانب الفقر غير المتصلة بالدخل.
ويرجع هذا التفاوت الطبقي والاجتماعي والمجالي في المملكة المغربية إلى النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة منذ استقلالها الذي كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، والذي ما فتئ يولد الإقصاء والتفقير في حق عدد كبير من مواطني المملكة، خاصة أنه يهدف إلى تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية وتلبية احتياجات هذه المجموعات.