لا تزال أصداء صدمة فشل مفاوضات سد النهضة تخيم على أرجاء الشارع المصري بصورة تحمل بين ثناياها القلق حيال دلالات هذا الفشل وتداعياته على مستقبل الأمن المائي لما يقرب من 100 مليون مصري تمثل مياه النيل موردهم الأساسي في بلد زراعي في المقام الأول.
بعد 6 سنوات تقريبًا من الجولات المكوكية ما بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، صاحبها صيحات النصر الإعلامي أحيانًا والإخفاق أحايين أخرى، يسدل الستار رسميًا على المسار التفاوضي حيال ملف السد معلنًا تعثره – إن لم يكن وفاته إكلينيكيًا – لتجد القاهرة نفسها في موقف حرج باحثة عن سبيل للخروج من هذا المأزق.
وزارة الري المصرية بتحويلها لملف النهضة إلى مجلس الوزراء معلنة – وإن لم يكن بطريقة رسمية – فشلها في التعامل معه بعد رفض أديس أبابا التقرير الفني الخاص بالسد، فتحت باب التكهنات للحديث عن الأوراق التي تملكها الخارجية المصرية للضغط على الجانب الإثيوبي للحيلولة دون إتمام البناء، وهو ما يدفع مرة أخرى للحديث عن الأسباب التي أوصلت المفاوض المصري إلى هذه المرحلة الحرجة من المفاوضات، وكيفية الخروج منها، في ضوء الأدوار التي تقوم بها بعض الأطراف ذات الصلة بالقضية على رأسها السودان وأوغندا.
أمر يدعو للقلق
“إن تعثر المفاوضات في سد النهضة يدعو للقلق” كان هذا تعليق وزير الخارجية المصري سامح شكري، على فشل المسار التفاوضي للسد مع الجانب الإثيوبي خلال اجتماع القاهرة الأخير، رغم الجهد الكبير الذي قامت به الدبلوماسية المصرية حيال هذا الملف الذي استغرق وقتًا كبيرًا للغاية على حد قوله.
شكري خلال مؤتمر صحفي مشترك له الأربعاء 15 من نوفمبر الحاليّ مع وزراء خارجية تونس والجزائر، أوضح أن مصر ستسعى “لتجاوز هذا التعثر من خلال اتصالاتها مع إثيوبيا والسودان والتواصل مع الشركاء في دول حوض النيل أو المجتمع الدولي بصفة عامة”، وهو ما فسره المتحدث الرسمي باسم الوزارة أحمد أبو زيد، حين أشار إلى أن “مصر بصدد عقد لجنة عليا مشتركة على مستوى بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي في شهر ديسمبر المقبل”.
كما أكد مجلس الوزراء برئاسة المهندس شريف إسماعيل أنه يتابع الإجراءات الواجب اتخاذها للتعامل مع ملف سد النهضة على كل الأصعدة، باعتبار أن الأمن المائي المصري من العناصر الجوهرية للأمن القومي، وذلك بما يضمن حقوق مصر المائية ويكفل احترام قواعد القانون الدولي، وبما يتواكب مع الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الدول الثلاثة أطراف اتفاق إعلان المبادئ الثلاثي الموقع في الخرطوم.
الغياب المصري عن إفريقيا كان له مردود سلبي واضح تجاه مواقف وتوجهات بعض الدول المؤثرة بشكل كبير في ملف مياه النيل وعلى رأسها السوادن
وعلى مدار 6 سنوات ونصف تقريبًا منذ أبريل 2011 حين اتفق الدكتور عصام شرف أول رئيس وزراء بعد الثورة، مع نظيره الإثيوبي – آنذاك – ميلس زيناوي، على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء السد الإثيوبي بعدما شرعت في إطلاق إشارة البدء في إنشائه، وحتى 12 من نوفمبر الحاليّ حين كشف المتحدث باسم وزارة الموارد المالية والري المصري حسام الإمام فشل اجتماعات اللجنة الفنية المعنية بسد النهضة الذي استضافته القاهرة مؤخرًا إثر رفض الجانب الإثيوبي التقرير الاستشاري الفني المقدم والإصرار على إكمال مسيرة بناء السد، يعاني هذا الملف من معضلة أساسية تتمثل في إلقاء كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر في محاولة للتنصل منها.
البداية حين اتهمت ثورة يناير بأنها من أعطت الفرصة لأديس أبابا للشروع في بناء السد مستغلة الظرف الاستثنائي الذي تواجهه مصر، ثم انتقل الاتهام – إن لم يكن تمدد – ليشمل الوفد الشعبي الذي زار إثيوبيا في 30 من أبريل 2011 بقيادة حمدين صباحي وبعد ممثلي القوى الثورية المصرية حينها بلغ عددهم قرابة 48 شخصًا، وما أثير عن دور هذا الوفد من جدل بعد ذلك، ثم جاء تسريب لقاء الرئيس السابق محمد مرسي وبعض مستشاريه في الرابع من يونيو 2013 بشأن سبل التحرك لوقف بناء السد على الهواء مباشرة ليأخذ حظه من المسؤولية خاصة بعد التأثير السلبي لبعض تفاصيل ما دار في الاجتماع على العلاقات المصرية الإثيوبية.
ورغم ما يقرب من 17 جولة مفاوضات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا لبحث ملف السد ومحاولة الوصول إلى نقطة التقاء ترضي جميع الأطراف، خلال 6 سنوات تعاقب خلالها أربع أنظمة (المجلس العسكري – محمد مرسي – عدلي منصور – عبد الفتاح السيسي)، فإن النقطة الزمنية الفاصلة في هذا الماراثون الطويل كانت في الـ23 من مارس 2015، حين تم توقيع ما سمي بـ”اتفاق المبادئ” لتدخل مسيرة المفاوضات نفقًا جديدًا غير الذي تمناه المصريون.
إعلان المبادئ.. نقطة تحول
جاء اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع قادة دولتي السودان وإثيوبيا بالخرطوم والذي اشتمل على المبادئ الحاكمة للتعامل مع قضية سد النهضة، بمثابة “القشة” التي قصمت ظهر “المفاوضات”، لتعطي أديس أبابا الشرعية الدولية والقانونية لبناء السد الذي ظل محل سجال طيلة عقود ماضية.
الاتفاقية التي هلل الإعلام الرسمي بتوقيعها آنذاك والتي ارتبطت في مخيلة المصريين بالصورة التي تجمع السيسي والبشير ويسالين وهم متشابكو الأيدي، كان لها دورًا محوريًا في تهديد مستقبل مصر المائي وهو ما حذر منه الكثير من الخبراء حينها دون أن يؤخذ برأيهم، فبتوقيعها انتهت صلاحية اتفاقية 1902 المبرمة بين الدولة المصرية والإمبراطورية الإثيوبية والتي كانت تحفظ حقوق مصر في مياه النيل وتمنع أي تعدٍ على حصتها.
ومن ثم يمكن القول إن مسار التفاوض بشأن سد النهضة مر بمرحلتين:
– ما قبل توقيع اتفاق المبادئ: وهي الفترة الممتدة منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى السيسي، وحينها لم تجرؤ إثيوبيا على بناء السد بهذه الكيفية، إذ إنها تعي حقيقة ما يمكن أن يترتب على ذلك في ظل مخالفة ما تريده للقوانين الدولية والاتفاقيات المبرمة بين مصر والإمبراطورية العثمانية، ومن ثم كان الأمر لا يتعدى سجال هنا وهناك، ومناوشات سياسية بعضها عسكرية، دون أن يكون هناك تقدم ملحوظ في خطوة بناء سد النهضة.
وعلى افتراض أقدمت إثيوبيا على عملية البناء بشكل عملي مستغلة الأجواء التي سبق أن أشرنا إليها فكان من السهل التحرك بملف القضية دوليًا واستصدار قرار من المنظمات الدولية بوقف بناء السد بالمواصفات الحاليّة، وهو ما قد يلقى قبولاً كبيرًا، خاصة حين ترفض الدول والمنظمات الممولة أن تشارك في مشروع لم يحسم قانونًا بعد.
– ما بعد الاتفاقية: حصلت أديس أبابا بتوقيع الاتفاقية على اعتراف رسمي مصري سوداني بحقها في بناء السد، ومن هنا بات معها صكًا قانونيًا يشرعن تحركاتها وأصبح من السهل الحصول على تمويل البناء من الخارج وهو ما حدث بالفعل، هذا بخلاف الآثار المترتبة على ذلك على رأسها إلغاء الاتفاقية الموقعة في 1902 بين الدولة المصرية والإمبراطورية الإثيوبية والتي كانت تحفظ حقوق مصر في مياه النيل وتمنع أي تعدٍ على حصتها.
شرعنة السيسي لبناء سد النهضة لم تقتصر على الاتفاقية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى إعلان رسميًا عدم اعتراض مصر على بناء السد خلال كلمته أمام البرلمان الإثيوبي في 25 من مارس 2015 أي بعد يومين فقط من توقيع الاتفاقية في الخرطوم وهو ما استغلته أديس أبابا لصالحها بشكل جيد.
تساؤلات عدة تفرض نفسها أمام هذه المرحلة الحرجة التي وصل إليها مسار التفاوض بشأن السد، ما الذي أوصل القاهرة إلى هذه المرحلة؟ وأين الدبلوماسية الإفريقية في هذا المضمار؟
الاتفاقية التي هلل الإعلام الرسمي بتوقيعها آنذاك والتي ارتبطت في مخيلة المصريين بالصورة التي تجمع السيسي والبشير ويسالين وهم متشابكو الأيدي، كان لها دورًا محوريًا في تهديد مستقبل مصر المائي
عقب الاحتفال بتوقيع اتفاقية المبادئ
القاهرة وإفريقيا
“مصر لا تتذَّكر أنها جزء من إفريقيا إلا في أوقات مباريات كرة القدم”، جسدت هذه العبارة التي خرجت عن أحد الصحفيين السودانيين حجم الفتور الواضح في العلاقة بين مصر وإفريقيا، فمنذ محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا 1995والمرحلة التي تبعتها أهملت مصر إفريقيا تمامًا لصالح قضايا الهلال الخصيب (العراق وفلسطين ولبنان) و قضايا الصِّراع الاستراتيجي مع إيران.
ولهذا خرجت مصر عن دائرة الاهتمام الإفريقي بالتبعية، ومع نشوء الاتحاد الإفريقي في 2002 برزت أربع دول إفريقية كبرى هي إثيوبيا في الشرق وجنوب إفريقيا في الجنوب ونيجيريا في الغرب والجماهيرية الليبية في الشمال، وكان الجامع الأساسي بين هذه الدول أنها دول إفريقية مستقرة وقوية اقتصاديًا وقادرة على القيام بأدوار في حل مشكلات القارة، فكان التدخل الإثيوبي لمكافحة الإرهاب في الصومال وكانت الوساطة الليبية ثم الوساطة النيجيرية في دارفور.
علاوة على ذلك فإن ملف مياه النيل من أكثر الملفات الحساسة لقادة إفريقيا، وذلك منذ توقيع معاهد كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، حين تم تسريب بعض الأخبار التي تشير إلى رغبة مصر في بيع مياه النيل لصالح “إسرائيل” عبر ما سمي بترعة السلام ليكون ماء النيل بمثابة “ماء زمزم” ليشرب منه كل أتباع الديانات السماوية، كما زعم أنور السادات، مما استفز حينها الرئيس الإثيوبي الراحل منجستو ماريام الذي تصدى لهذا المشروع كونه كان أحد المعادين لأمريكا ومصالحها في الشرق الأوسط وكان جزءًا من تحالف عدن اليساري ضد السادات (اليمن الجنوبي -إثيوبيا – ليبيا).
ويمكن الوقوف على التحول الواضح في الموقف الإفريقي من القاهرة من خلال عقد مقارنة بسيطة تجسد حجم الفارق، ففي 1995 وقعت 27 دولة إفريقية على بيان يدين السودان ويتهمها بالوقوف خلف محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا، وقالت هذه الدول إنها مستعدة للذهاب إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار منه ضد الحكومة السودانية.
وبعد مرور ما يقرب من 18 عامًا على هذا الموقف الذي عكس مكانة مصر إفريقيًا، يقرر مجلس الأمن والسلم الإفريقيين أن يعلِّق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي بالإجماع، وسط اعتراضات مكتومة من الجزائر وموريتانيا، وتظل عضوية مصر معلقة لمدة عام.
الغياب المصري عن إفريقيا كان له مردود سلبي واضح تجاه مواقف وتوجهات بعض الدول المؤثرة بشكل كبير في ملف مياه النيل وعلى رأسها السوادن، فرغم ما كان عليه السودان كونه الحليف الأكثر التصاقًا بالتراب المصري وهو ما أغضب الأفارقة كثيرًا خاصة عندما قررت الخرطوم الانضمام لجامعة الدول العربية والانحياز للموقف المصري في الساحة الإفريقية على طول الخط، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً خطيرًا في الموقف السوداني جسدته أزمة سد النهضة حيث انحاز إلى إثيوبيا على حساب مصر وهو ما أثار حفيظة القاهرة بشكل كبير.
مكايدة سياسية
في الوقت الذي يطالب فيه المصريون الخرطوم بموقف داعم لهم في ملف النهضة، تثير القاهرة حفيظة السودانيين من خلال بعض التحركات التي تهدد الأمن القومي السوداني، حيث تفتح ذراعيها كمكان لتجميع وإيواء المعارضة السودانية والحركات المسلحة، وتوافق على أن يقوم حليفها خليفة حفتر بتمويل ودعم حركات دارفور المسلحة ليقاتلوا معه قوات فجر ليبيا دون أي اعتبار للأمن السوداني.
هذا بخلاف رفض القاهرة التفاوض مع السودان على مثلَّث حلايب والذي يمثل نقطة خلاف بين البلدين طيلة العقود الماضية، ناهيك عن رفض تنفيذ مصر لاتفاقية الحريَّات الأربعة بين البلدين الموقعة من أيام مبارك بحجة التهديدات الأمنية، في حين أنها مستمرة في اتفاقيات الحريَّات الأربعة مع ليبيا التي تحولت إلى وكر للجماعات المسلحة والتي تمثل تهديدًا لمصر أكبر مما تمثله السودان.
ومؤخرًا كشفت بعض وسائل الإعلام المصرية نقلاً عن وكالات سودانية أن مصر تعمل حاليًّا على تعزيز قدرات جنوب السودان العسكرية، لمواجهة الاضطرابات التي تهدد حكم سيلفا كير، وأن هناك تدريبًا مشتركًا وخبراءً عسكريين مصريين يعملون على تأهيل وتدريب كوادر عسكرية من جنوب السودان، ويجرى التدريب على وحدات عسكرية مختلفة سواء المدرعات أو المدفعية أو الدفاع الجوي أو الاستخبارات العسكرية المركزية.
وبحسب صحيفة “الدستور” المصرية نقلاً عن “وكالة جنوب السودان الإخبارية” فإن هناك “مباحثات سرية تجري بين كل من الرئيس الأوغندي والمصري ورئيس جنوب السودان”، وأنه “وفق مصدر مسؤول في الحركة الشعبية السودانية، فإن السيسي وكير وموسيفيني، اتفقا على دعم مصر العسكري لحكومة جنوب السودان للقضاء على المعارضة المسلحة”.
كما أضافت إلى صفقة ثلاثية بين مصر وأوغندا وجنوب السودان تهدف إلى تسليح أوغندا والحفاظ على استقرار جنوب السودان، في مقابل الضغط على حكومة البشير من خلال محاصرته سياسيًا وعسكريًا للتراجع عن موقفه الداعم لإثيوبيا، وهذا يدفع للتساؤل: لماذا تنحاز الخرطوم لتوجهات أديس أبابا في هذا الملف؟
إعطاء مصر شرعية بناء السد من خلال اتفاق المبادئ أضعف قدراتها التفاوضية بشكل كبير حال سعيها لتدويل القضية
لماذا أديس أبابا؟
في الوقت الذي تخلت فيه مصر عن دورها الإفريقي كانت إثيوبيا حاضرة بقوة في المشهد برمته خاصة السوداني، فاستطاعت استصدار قرار من الاتحاد الإفريقي برفض توقيف الرئيس عمر البشير و تحريض الأفارقة ضد المحكمة الجنائية الدولية، بينما كان الموقف المصري غامضًا حينها.
كما كان لأديس أبابا دور إيجابي في حل قضية الخلافات بين السودان وجنوب السودان وصل إلى حد إرسال قوات إثيوبية إلى منطقة أبيي المتنازَع عليها كحلٍ مؤقت حتى قيام استفتاء أبيي المؤجل من 2011، هذا بخلاف التعاون الأمني بين الجانبين وهو ما تمثل في عدد من الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين الجانبين.
التفاهم السوداني الإثيوبي لم يقتصر على الجانب السياسي فحسب، فالتقديرات تتحدث أن المستثمرين السودانيين يأتون في المرتبة الثالثة في الاستثمار في إثيوبيا بعد الصين والسعودية، حيث تبلغ الاستثمارات السودانية في إثيوبيا نحو مليار و600 مليون دولار أمريكي، وفي المقابل تعتمد إثيوبيا على السودان في تصدير منتجاتها إلى العالم وللتبادل التجاري نظرًا لكونها دولة حبيسة لا تمتلك مواني، هذا بخلاف العمالة الإثيوبية الهائلة في السودان وهو ما ساهم في إحداث حالة من التداخل بين السودان وإثيوبيا بهذا الشكل لأول مرة منذ الثورة المهدية التي قاتلت الأحباش وانتصرت عليهم وقطعت رأس ملكهم في القلابات.
وأمام هذه المقومات الداعمة لبناء تحالف قوي بين الدولتين، جاء العرض الإثيوبي على السودان بتخزين الطَّمي الذي يعيق عمل السدود السودانية ويزيد نسبة كمية الكهرباء المولدة منها، إضافة إلى ما أعلنته أديس أبابا عن استعدادها منح السودان 500 ميغاواط من كهرباء سد النهضة، بمثابة العرض الذي لا يمكن رفضه، وهو ما حدث بالفعل، ليبقى السؤال: ماذا لدى القاهرة من أوراق ضغط؟
في الوقت الذي يطالب فيه المصريون الخرطوم بموقف داعم لهم في ملف النهضة، تثير القاهرة حفيظة السودانيين من خلال بعض التحركات التي تهدد الأمن القومي السوداني
علاقات وثيقة تربط بين الخرطوم وأديس أبابا خلال السنوات الأخيرة
أوراق الضغط المصرية
لا يمكن إنكار الوضع الحرج الذي بات فيه موقف القاهرة بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق شبه مسدود، كما أن إعطاء مصر شرعية بناء السد من خلال اتفاق المبادئ أضعف قدراتها التفاوضية بشكل كبير حال سعيها لتدويل القضية، هذا بخلاف إجهاضه للآراء التي تذهب إلى اللجوء للخيار العسكري لتدمير السد بعد الموافقة على بنائه بصورة رسمية.
ومع ذلك لا زالت هناك بعض الخيارات أمام القاهرة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإن كانت تعاني هي الأخرى من بعض العراقيل جراء تراجع الدبلوماسية المصرية إفريقيًا بصورة عامة، على رأسها التحرك الدبلوماسي لتوضيح الموقف المصري وأحقيته في مياه النيل والتعنت الإثيوبي في هذا الملف، إضافة إلى إمكانية تفعيل الدبلوماسية القائمة على ممارسة الضغط على الدول الكبرى ذات التأثير على القرار الإثيوبي للقيام بدور الوساطة لتحريك المياه الراكدة نحو حلحلة الأزمة بطريقة ترضي الطرفين.
وفق مصدر مسؤول في الحركة الشعبية السودانية، فإن السيسي وكير وموسيفيني، اتفقوا على دعم مصر العسكري لحكومة جنوب السودان للقضاء على المعارضة المسلحة
علاوة على ذلك فهناك من يطالب بتحرك من نوع آخر يتمثل في تبني استراتيجية جديدة لتعميق التعاون الاقتصاد والتجاري والزراعي بين مصر والدول الافريقية بصفة عامة وحوض النيل بصفة خاصة، بما يسهم في خلق علاقات اقتصادية استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي لشعوب دول حوض النيل، ومن ثم يكونوا ورقة ضغط على أديس أبابا.
هذا بخلاف ما أورده البعض بشأن الضغط على هيئات التمويل الدولية والمانحين، الذين يتعاملون مع الدول الإفريقية خاصة حوض النيل للتحذير من الآثار التي ستنتج في ظل التعنت الإثيوبي وتداعياتها على زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية التي ما زالت تعاني من تزايد معدلات هذه النوعية من الهجرة.
وعلى كل حال تبقى كل هذه الخيارات أسيرة دبلوماسية ناجحة قادرة على إحداث الفارق، وهو ما يتناقض بشكل كبير مع ما تعانيه الخارجية المصرية في السنوات الأخيرة وهو ما تعكسه مواقف الدول الإفريقية منها بصورة تجسدت أكثر ما يكون في ماراثون التصويت في انتخابات اختيار المدير العام لمنظمة اليونسكو حيث خسرت المرشحة المصرية أصوات ما يقرب من 9 دول إفريقية من إجمالي 12 صوتًا.