ترجمة وتحرير: نون بوست
اكتسب مصطلح “الأخبار الزائفة” أهمية قصوى تزامنت مع ظهور دونالد ترامب، حيث ساهمت في تعزيز حالات الارتباك وخطابات الكراهية. وغالبا ما تهدد هذه الأخبار حرية الصحافة والمؤسسات الصحفية بصفة عامة. وتتمتع الأخبار الزائفة بقدرة كبيرة على تشويه الواقع والتأثير على حياة الأشخاص، وهو ما تجلى خاصة خلال الفترة التي تلت الانتخابات الأمريكية أو الانتخابات الفرنسية، وكذلك إثر استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو مثلما حدث أيضا في الآونة الأخيرة إبان الحركة الانفصالية الكتالونية.
في الواقع، على الرغم من وجود هذا النوع من الأخبار الكاذبة والمضللة منذ القديم، إلا أنه في الوقت الراهن ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، اكتسب هذا النوع من الأخبار قوة كبيرة، بما أن نشرها على شبكة الإنترنت لا يكلف الكثير.
خلال إحدى المقابلات التي أجراها ترامب مع الشبكة الإخبارية الأمريكية “سي إن إن”، بعد انتخابه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، صرح قائلا: “لست أنا المسؤول عن اختراع مصطلح “الأخبار الزائفة”، لأنني كنت أعتقد أن هناك أشخاصا آخرين قد استخدموه أيضا على مر السنين. فكل ما فعلته هو جعل هذه العبارة أكثر وضوحا، لأن مجتمعنا، للأسف، يعجّ بهذا النوع من الأخبار وهذا مؤسف حقا”.
في خريف سنة 2016، وخاصة خلال حملة ترامب الانتخابية، لاقى مصطلح “الأخبار الزائفة شعبية ساحقة وأصبح أكثر تواترا وانتشارا، حيث لجأ ترامب إلى هذه الطريقة ولا يزال إلى اليوم يعول عليها. ومن خلال تغريداته على موقع تويتر، يقوم ترامب بنشر مثل هذه الأخبار عندما يريد تشويه سمعة بعض الأشخاص أو التشكيك في بعض الأخبار الحصرية التي نشرتها وسائل الإعلام التي كان يستهدفها.
في إحدى تغريداته على موقع تويتر، علق دونالد ترامب قائلا “هناك الكثير من الأخبار الزائفة اليوم، وبغض النظر عما أقوله أو أقوم به، لن يكتبوا أو يتحدثوا عن الحقيقة. فالأخبار الزائفة التي تنشرها وسائل الإعلام أصبحت خارج نطاق السيطرة”، من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن الوظيفة الرئيسية للأخبار الكاذبة تكمن في التضليل والتلاعب المتعمد بالرأي العام من طرف وسائل الإعلام، وغالبا ما يكون وراء ذلك مصلحة، سواء سياسية أو اقتصادية أو رياضية، لكن كيف ينشأ هذا النوع من الأخبار؟
وفقا لأحدث تقرير صادر عن توقعات التكنولوجية لسنة 2018، من قبل مؤسسة “جارتنر” للاستشارات العالمية، من المتوقع، خلال سنة 2022، أن يزداد إقبال مجتمع الاقتصادات الناضجة أكثر فأكثر على استهلاك الأخبار الكاذبة أكثر من الأخبار الحقيقية
عموما، تعمل الأخبار الزائفة على نشر دعاية أو خدع، أو تقوم مباشرة بنشر معلومات مضللة تجعل الجميع يعتقد أنها فعلا أخبار حقيقية. وإلى جانب دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز نشر هذه الأخبار، التي تسهل انتشار هذه الدعايات بسرعة البرق قبل أن يتم تكذيبها، استفاد الأشخاص المسؤولون عن نشر هذا النوع من الأخبار من العديد من الأساليب الأخرى لإرباك صفوف القرّاء والمتابعين.
بناء على ذلك، تستخدم هذه الأطراف مواقع وصفحات مماثلة للصفحات الإلكترونية الحقيقية، ثم تقوم بنسخ نفس مواصفات ومظهر الصفحة الإعلامية الحقيقية، التي غالبا ما تتمتع بسمعة طيبة، بهدف خلق خلط بينها في ذهن المتابعين، فضلا عن إنشاء تحالفات مع صفحات الأخبار الوهمية لدعم بعضها البعض واكتساب المصداقية بين الجماهير. وعلى غرار خداع الجمهور، يتمثل عمل هذه الصفحات المزيفة في زيادة نسبة متابعيها لتحقيق أكبر معدل من المعجبين لتضمن بذلك تعزيز ظهور إعلاناتها لدى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، فضلا عن زيادة تحقيق الأرباح.
في أوروبا، هناك ما يربو عن 50 بالمائة من القراء الذين يتشاركون الأخبار فيما بينهم من خلال الشبكات الاجتماعية، سواء عبر موقع فيسبوك، أو تويتر أو الواتساب، التي تعتبر من أبرز الوسائل الناجعة لنشر الأخبار الوهمية على نطاق واسع.
ووفقا لأحدث تقرير صادر عن توقعات التكنولوجية لسنة 2018، من قبل مؤسسة “جارتنر” للاستشارات العالمية، الذي تم تحليله في إحدى الندوات في برشلونة، من المتوقع، خلال سنة 2022، أن يزداد إقبال مجتمع الاقتصادات الناضجة أكثر فأكثر على استهلاك الأخبار الكاذبة أكثر من الأخبار الحقيقية. وفي هذا الصدد، أكدت مؤسسة الاستشارات أنه “مع تزايد حجم الأخبار الزائفة هناك حاجة ماسة إلى مزيد الإشراف على هذه المواقع والتشديد على مراقبتها”.
حيال هذا الشأن، تحذر مؤسسة جارتنر من أنه على الرغم من أن اكتساب تقنية الذكاء الاصطناعي ذات فعالية قصوى من حيث إنشاء معلومات جديدة، إلا أنه في الآن نفسه تضطلع بدور كبير في تشويه البيانات وإنشاء معلومات كاذبة. كما تتوقع “جارتنر” أنه بحلول سنة 2020، يمكن لهذا النوع من التشويه المعلوماتي أن يغذي عملية الاحتيال المالي. بالإضافة إلى ذلك، عبرت المؤسسة الاستشارية عن شكوكها بخصوص مدى تمكّن شركات الإنترنت من تحقيق نجاح كامل في إطار محاولة التخفيف من هذه المشكلة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
والجدير بالذكر أن الكاتب الأمريكي بول هورنر، الذي توفي منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، يعد من أحد رواد خلق ونشر الأخبار الكاذبة عبر مواقع الأخبار التي تبدو رسمية. إلى جانب ذلك، نجحت قصصه في جذب الانتباه في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نظرا لأن أخباره لاقت رواجا كبيرا في صفوف العديد من وسائل الإعلام والسياسيين الذين كانوا يشاركون هذه الأخبار دون التحقق أولا من مدى صحة المعلومات. من ناحية أخرى، يعتبر بول هورنر نفسه أحد صناع القرار بشأن انتصار ترامب.
قامت غوغل بإحداث تغيير في الخوارزمية من أجل تعزيز الصفحات التي تكتسي أهمية ومصداقية بشكل متزايد، فضلا عن الحد من انتشار المحتويات ذات النوعية الرديئة
في بعض المقابلات، صرح هورنر، محاولا شرح كيفية عمله، أنه “بإمكان أي شخص أن يألف قصصا”. فمن وجهة نظره، من أجل ضمان انتشار أي خبر وهمي، يجب أن تكتسي الفقرات الأولى من الخبر دائما شرعية فائقة، وينطبق نفس الشيء على العنوان والصورة التي سيتم استخدامها، ومن ثمّ من الضروري أن نبالغ في المعلومات أكثر فأكثر.
في هذا السياق، نشر المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب، كوري ليفاندوفسكي، تغريدة عبر موقع تويتر لها علاقة بأحد قصص هورنر حول المتظاهرين الذين كانوا يتوافدون لحضور المناسبات العامة بمقابل مادي. كما ذكرت القناة الإعلامية الإخبارية “فوكس نيوز” في إحدى المناسبات، أن الرئيس الأسبق باراك أوباما كان يمول شخصيا “متحف الثقافة الإسلامية” خلال ما يسمى بتعطيل الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
مكافحة الأخبار الوهمية
في محاولة لمكافحة الأخبار الكاذبة، قامت أكبر الشركات الفاعلة على شبكة الإنترنت، مثل جوجل وفيسبوك، بالإعلان عن بعض التدابير الضرورية للحد من انتشار الأخبار الوهمية. وفي هذا السياق، قامت الشبكة الاجتماعية لمارك زوكربيرغ بإدخال أداة جديدة في برنامجها في إسبانيا، التي تمكن مستخدميها من خلال 10 نصائح، على التمييز بين الأخبار الكاذبة والحقيقية. ومن بين هذه النصائح، نذكر عدم منح الثقة الكاملة في عناوين الأخبار المنشورة، خاصة إذا كانت تحتوي على نقاط تعجب أو حروف من الحجم الكبير أو كانت تقدم أيضا حقائق غير معقولة. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الشبكة الاجتماعية فيسبوك على ضرورة فحص عناوين المواقع للتأكد من أنها موقع رسمي وليس مزيفا.
في محاولة لخفض قيمة الأموال التي تذهب لفائدة المواقع المغالطة، غيّر غوغل منصة نظامه الإعلاني “غوغل أدسنس” في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي. ومن بين الخطوات الأخرى الهامة التي اتخذتها هذه الشركة الأمريكية، التي تحتكر حوالي 90 بالمائة من نسبة البحث العالمي، قامت غوغل بإحداث تغيير في الخوارزمية من أجل تعزيز الصفحات التي تكتسي أهمية ومصداقية بشكل متزايد، فضلا عن الحد من انتشار المحتويات ذات النوعية الرديئة.
المصدر: لا فوث دي غاليثيا