ترجمة وتحرير: نون بوست
“أطلقوا صفارة الإنذار، ونددوا، وامنعوا”، فهذا من مهام العلماء خلال سنة 2017، خصوصا أولئك الذين يدرسون ظاهرة الاحتباس الحراري. في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، وقّع أكثر من 1500 باحث من 182 دولة مدونة طالبوا فيها بالتحرك العاجل لاجتثاث هذه الظاهرة. وقد سطروا مخططا سريعا لإنقاذ الكوكب بعد نشر “التحذير الأول” منذ 25 سنة.
في الواقع، ورد في هذه المدونة الخاصة بالمناخ، التي وقعها 1500 عالم، الكلمات التالية “منذ سنة 1992، وباستثناء الاستقرار الذي لوحظ في طبقة الأوزون والغلاف الجوي الطبقي، لم تنجح الإنسانية بعد في تحقيق التقدم الكافي نحو التوصل لحل نهائي لمجاراة التحديات المناخية، التي أضحت أغلبها في حالة أسوأ من قبل”.
من خلال هذه الكلمات التي وردت في المدونة، تعود بنا الذاكرة إلى زمن بعيد، حيث كان العالم يعيش تحت وطأة الخوف من تفحم كائنات الحية جراء أشعة الشمس فوق البنفسجية، بسبب ثقب بحجم قارة في طبقة الأوزون، ولكن من تحرك لمنع حدوث ذلك؟ ستعمل وكالة الناسا على الحد من هذا الثقب خلال الفترة الممتدة بين سنة 2030 و2050. ويشكل ذلك فرصة لإعادة العمل بالطريقة العلمية والسياسية، والصناعية، التي أنقذت العالم سابقا للمرة الأولى. ومن يدري، ربما لا نزال قادرين على فعل ذلك من جديد؟
“التحذير من الصناعات الكيميائية”
عندما انطلقت المسيرة المهنية والعلمية لرئيسة اللجنة الدولية للأوزون، صوفي غودين- بيكمان، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، أضحت البشرية على بينة من مدى خطورة الضرر الذي لحق بطبقة الأوزون نتيجة انبعاث غاز “الكلوروفلوروكربون”. وتتذكر صوفي غودين-بيكمان جيدا ذلك المؤتمر المؤلم الذي عرض فيه أحد الباحثين مدى النقص الحاصل في طبقة الأوزون على صعيد الكوكب كله. وأضافت صوفي غودين- بيكمان “لقد كانت إشارة قوية لنا جعلتنا كلنا في حيرة شديدة”.
والجدير بالذكر أن الهولندي بول كروتزن هو العالم الذي أطلق صفارة الإنذار، إذ أعلن على الملأ صحبة ثلة الباحثين، خلال السبعينات، عن تدهور حالة طبقة الأوزون نتيجة انبعاث غاز “الكلوروفلوروكربون”. وخلال هذه الفترة، تطلعت الحكومات إلى تطوير أساطيلها من الطائرات “الأسرع من الصوت”، على غرار طائرة الكونكورد، والمعروف عنها بأنها مدمرة لطبقة الأوزون.
صناعة بخاخات الهواء المضغوط، سانت بطرسبرغ
من جهتها، ذكرت الأخصائية ومديرة المركز الوطني للبحوث العلمية أنه “إلى حدود منتصف السبعينيات، كانت مركبات غاز الكلوروفلوروكربون تعد آمنة جدا في الإنتاج الصناعي”. كما تم تطوير استخدامها قبل أن تنتشر هذه المركبات في كل من الهباء الجوي والمبردات الجوية.
كنتيجة لذلك، لم تساهم هذه الاتهامات التي وجهها الباحثون، الذين اعتمدوا على “نماذج بدائية” وليس على أدلة دامغة لتعزيز ادعاءاتهم، سوى في إحراج قطاع الصناعة الكيميائية. لكن هذا القطاع دافع عن نفسه مشيرا إلى يوفر المئات من آلاف الوظائف ومليارات الدولارات، وذلك حسب ما ذكره مؤلفو مقال “حماية طبقة الأوزون: تاريخ الأمم المتحدة.
بحلول سنة 1975، تسببت السمعة السيئة لهذه المكونات في انهيار مبيعات بخاخات الهواء المضغوط في الولايات المتحدة، حيث راهنت من جهتها شركة “أس سي جونسون” على التخلص من استعمال غاز الكلوروفلوروكربون. أما في كندا، على غرار البلدان الإسكندنافية، تم الخوض في موضوع علاقة هذا المركب بثقب الأوزون. وقد ذكرت في هذا الخصوص الأخصائية، “لقد تم تحذير المصانع الكيميائية بسرعة من خطورة اعتماد مركبات غاز الكلوروفلوروكربون، قبل أن تبدأ هذه المصانع في البحث عن بدائل.
أفادت صوفي غودين- بيكمان أن “طبقة الأوزون لا تزال تمثل المرشح الوحيد الذي يحمينا من الأشعة فوق البنفسجية. والآن بات الجميع يفهم أن تدميرها، سيضع الجنس البشري في خطر مباشر”
في هذا الإطار، أفادت صوفي غودين- بيكمان “اختارت الصناعة مرافقة العلماء، وقامت بتأمين أدوات القياس ورصدت التقدم المحرز في هذا المجال. أنا بدوري، استخدمت ليزرا ممولا من قبل هيئة السوق المالية، جمعية الصناعة الكيميائية”. أما بالنسبة للصناعيين، فإن المسألة تهم الحفاظ على القطاع عبر تطوير منتجات جديدة و”نماذج علمية خاصة به”. وتضيف الباحثة: “أرادوا توقع وفهم ما يحدث”.
“لقد فهم العالم أننا وضعنا الجنس البشري في خطر”
منذ سنة 1985، تحول النقاش حول هذه المسألة، خاصة مع نشر مقال من قبل العالم جوزيف فرمان، ومع انطلاق أول حملات القياس في القطب الجنوبي، بعد ذلك بسنتين. أخيرا، قدم العلم أدلة تؤكد تسبب غاز “الكلوروفلوروكربون” في تناقص طبقة الأوزون. وهو ما يتناقض مع النظريات التي نوقشت بين الخبراء عن طريق الجمع بين كمية الكلور في الغلاف الجوي وتناقص غلاف الأوزون. وفي شهر آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من سنة 1987، قامت طائرة برحلتين جويتين على ارتفاع 17 كلم فوق القارة القطبية الجنوبية، وكشفت بدقة عن مدى حجم الثقب في طبقة الأوزون.
تظهر هذه الصور، التي قدمتها وكالة الناسا، الثقب في طبقة الأوزون خلال السنوات: 1979، و1989، و2006، و2010
في الحقيقة، في حين ظل بعض العلماء، على غرار عالم البراكين المشهور هارون تازييف، يصرون على أن الأدلة العلمية لا تسمح بتجريم الإنسان، أدت هذه الصور الجديدة إلى توعية الرأي العام. وفي هذا الإطار، أفادت صوفي غودين- بيكمان “لقد أثّروا بقوة في الجمهور”، مضيفة أن “طبقة الأوزون لا تزال تمثل المرشح الوحيد الذي يحمينا من الأشعة فوق البنفسجية. والآن بات الجميع يفهم أن تدميرها، سيضع الجنس البشري في خطر مباشر”.
بروتوكول صادق عليه الجميع
خلال نفس السنة، وتحديدا في شهر آذار/ مارس، قام أول مؤتمر حكومي دولي بدراسة المشكلة والمصادقة على معاهدة لا تزال سارية المفعول حتى الآن، المتمثلة في بروتوكول مونتريال. وحيال هذا الشأن، أوردت مديرة البحث: “في البداية، لم يسمح بالتخلص من غاز “الكلوروفلوروكربون”، إذ ينص المشروع في الواقع على “تخفيض إنتاج غاز “الكلوروفلوروكربون” بنسبة 30 بالمائة، ويوقن على مبدأ تنقيح هذه الأهداف كل أربع سنوات، من أجل تغيير القواعد وفقا لمعرفتنا”، خاصة وفق “حلقة إيجابية”.
في شأن ذي صلة، أوضحت صوفي غودين-بيكمان “بدأ المتخصصون في علم المناخ في العمل معا؛ من واضعي النماذج، المراقبين، والأشخاص الذين يدرسون ثوابت التفاعلات الكيميائية، وذلك ضمن برامج العلوم الدولية”. لقد قاموا بتقديم تقارير مفصلة سمحت للسياسيين بالحصول على المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار مرة أخرى بتخفيض إنتاج غاز “الكلوروفلوروكربون”، الذي إنتهى بحظره سنة 1996 في البلدان المتقدمة وسنة 2010 في البلدان النامية.
في ظل تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، مازال الكثيرون يجهلون أن إعادة التفكير في كيفية إنتاج الطاقة على نطاق عالمي تبدو أكثر تعقيدا، خاصة بالنسبة لعامة الناس، الذين يجب أن لا يكتفوا برمي الثلاجة فقط أو التوقف عن رش مثبت الشعر
على ضوء ما ذكر آنفا، تعد هذه النقطة من الأبعاد الإيجابية الأخرى للبروتوكول. فوفقا للباحثة، “خضعت الدول المتقدمة، التي تسببت في هذا التلوث، لقواعد ملزمة. أما بالنسبة للبلدان النامية، بما في ذلك الصين، فقد استفادت من نقل التكنولوجيات، بما في ذلك المنتجات البديلة”. وأضافت صوفي غودين- بيكمان أن هذا الإجراء “أدى إلى المصادقة على البروتوكول من قبل معظم البلدان، وهو يعتبر واحدا من البروتوكولات البيئية القليلة التي وقع المصادقة عليها عبى مستوى عالمي”.
مشكلة “أبسط” من الاحتباس الحراري
كيف يمكن تفسير فكرة أن هذا الكوكب قد واجه مشكلة ثقب الأوزون، في حين يجد صعوبة في مجابهة تغير المناخ؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال أولا في أن “العناصر المتسببة في ذلك قد تم تحديدها”. كما أوضحت صوفي غودين- بيكمان أن “الصناعة كانت تمتلك المنتجات البديلة المحتملة عندما كان من الضروري الحد من الإنتاج؛ فبالنسبة لهم التخلي عن غاز الكلوروفلوروكربون لا يعني بالضرورة الحاجة لتغيير العملية الصناعية برمتها، لذلك تم استبداله بغازات قريبة جدا منه؛ ولقد بدى ذلك ممكنا”.
في ظل تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، مازال الكثيرون يجهلون أن إعادة التفكير في كيفية إنتاج الطاقة على نطاق عالمي تبدو أكثر تعقيدا، خاصة بالنسبة لعامة الناس، الذين يجب أن لا يكتفوا برمي الثلاجة فقط أو التوقف عن رش مثبت الشعر.
ثلاجة قديمة في الشارع كتب عليها كلمات تشير إلى سحب غاز الكلوروفلوروكربون في 23 تموز/ يوليو من سنة 2010 في نيويورك
على مستوى العمل السياسي، بينت الباحثة صوفي غودين- بيكمان أنه “نظرا للوضع في تلك الفترة، التي تميزت بالهيمنة الساحقة للولايات المتحدة، لم يكن هناك الكثير من الفاعلين كما هو عليه الحال اليوم”. وأضافت الباحثة أن “الجهات الفاعلة آنذاك كانت أقل على المستوى السياسي والاقتصادي، ناهيك عن وجود نوع واحد من الصناعة المعنية مع مجموعة معينة من المنتجات، وتحديد الجاني، وعرض صور صادمة … في الواقع، كانت المشكلة أبسط بكثير من الاحتباس الحراري”.
مما لا شك فيه، إن العالم سنة 2017 لم يعد شبيها لما كان عليه سنة 1987. وفي هذا الصدد، أكدت صوفي غودين- بيكمان أن “حقيقة أن يكون رئيس مثل دونالد ترامب قادرا على القول إن بلاده لن تفعل شيئا حيال المناخ، ووصف الأوساط العلمية بأنها على خطئ، هو شيء لم نتوقع حدوثه حتى في ثمانينات القرن الماضي”. لقد أصبح من الصعب اليوم سماع نظريات العلماء حول الاحتباس الحراري.
في سياق متصل، أضافت الباحثة أن “الأشخاص يكافحون من أجل تمييز الحق من الباطل، علاوة على ذلك، نحن نعيش في عالم تحتل فيه اللوبيات مكانة هامة جدا. واليوم، يبدو أن الدول أصبح لديها حكم أضعف بكثير مقارنة بالقوى الصناعية”.
بخاخات الهواء المضغوط يمكن أن تحتوي على غاز الكلوروفلوروكربون
على إثر التوقيع على المدونة التي نشرت يوم الاثنين، صرحت العالمة بأن الأمل مازال ممكنا لمكافحة الاحتباس الحراري، إذ “سيعود ذلك بالفائدة على الجميع ويجب أن نصرّ على هذا الخطاب الإيجابي حتى يدرك المواطنون أنه يتعين علينا التحرك”. كما أشارت غودين- بيكمان إلى أن الضغط المسلط من قبل الرأي العام يمكن أن يدفع الساسة إلى تحويل اتفاق باريس الذي أبرم سنة 2015 إلى نص حاسم مثل بروتوكول مونتريال. أما في الوقت الحالي، ما زلنا بعيدين عن الهدف المنشود.
المصدر: فرانس أنفو