بعد أكثر من 4 سنوات من انشغال العالم بأسره بإعلان تنظيم الدولة الإسلامية تمدده إلى الشام وتأسيس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ومن ثم إعلان الخلافة في شهر يونيو 2014 بعد السيطرة على أجزاء واسعة من الدولتين، خفت نجم أخطر تنظيم جهادي عرفه التاريخ، بسبب الهزائم الكبيرة التي مني بها خاصة في الأشهر الأخيرة.
بعد سنتين من إعلان الخلافة، تمدد تنظيم الدولة إلى ليبيا واليمن ومصر وأفغانستان والفلبين وغيرها من البلدان، ليبدأ مرحلة جديدة من حربه الكونية ضد القوى العالمية، قبل أن يتدخل التحالف الدولي والروسي الإيراني بريًا وجويًا في العراق وسوريا، تمهيدًا لإعادة خلط الأوراق وتقسيم المنطقة وفق مخططات أُعدت مُسبقًا.
تنظيم الدولة الذي خرج إلى العلن أواسط العام 2013، بعد قرار زعيمه أبي بكر البغدادي حل جبهة النصرة وتأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام، لم يكن مجرد تنظيم جهادي يؤمن بتحكيم الشريعة ومقاتلة النظام الدولي ووكلائه في المنطقة من أجل ذلك، بل كان دولة داخل دولتين، جعل منها قاعدة صلبة في حرب لا يبدو أن نهايتها ستكون قريبة.
أكثر من 4 سنوات مرت على ظهور تنظيم الدولة، عرف العالم خلالها أحداث كبيرة وهجمات خطيرة غير مسبوقة لم تكد تسلم منها دولة مشاركة في التحالف الدولي ضده، في وقت رصدت أجهزة الاستخبارات الغربية مكافآت مالية ضخمة للحصول على معلومات قد تؤدي لاستهداف قيادات الصف الأول في التنظيم.
خسر التنظيم عشرات آلاف المقاتلين وقياداته من الصف الأول، lما تسبب في تقهقره وفشله في صد الحملات البرية على مناطق سيطرته في العراق وسوريا وليبيا والفلبين
بعد سنوات من إعلان التمدد والتوسع وإرسال الخلايا والقادة الميدانيين إلى خارج العراق وسوريا، عاد تنظيم الدولة الإسلامية إلى المربع الأول، ونعني هنا “حرب العصابات”، وانتقل من مرحلة الدولة إلى ما قبلها، وهو ما أثار عديد نقاط الاستفهام عن أسباب هذا التراجع والتغير الكبير في تكتيك التنظيم الجهادي الذي حير العالم بأسره، ودوخ أجهزة المخابرات العربية والغربية.
في وقت كان كثيرون منشغلين بمشاهدة الإصدارات القتالية لتنظيم الدولة ومتابعة تطورات المعارك في الجبهات الرئيسية والفرعية، وفي الإنصات لكلمات زعماء التنظيم على غرار أبي بكر البغدادي وأبي محمد العدناني، كانت القوى المتصارعة مع الجهاديين تعد الخطط وتغيرها للقضاء عليهم، وهو ما نجحت فيه نسبيًا بعد أن سيطرت القوات والمليشيات العراقية والكردية على مدينتي الموصل والرقة على التوالي.
صحيح أن تنظيم الدولة نجح في الصمود لسنوات في مدن غير محصنة ضد العدو الداخلي والخارجي واستنزف أعدائه، لكنه في المقابل، خسر عشرات آلاف المقاتلين وقياداته من الصف الأول، مما تسبب في تقهقره وفشله في صد الحملات البرية على مناطق سيطرته في العراق وسوريا وليبيا والفلبين.
على المستوى العسكري، خسر تنظيم الدولة الإسلامية ترسانته العسكرية التي اغتنم معظمها من القوات العراقية والسورية، فكانت دباباته وسياراته ومدرعاته ومدافعه وغيرها من الأسلحة الثقيلة، هدفًا سهلاً لطائرات التحالف الدولي والطيران الروسي، حتى إن الأخير اعترف مؤخرًا عبر صحيفة النبأ الرسمية، بأنه ارتكب أخطاءً قاتلة في طريقة تعامله مع الطيران في أثناء المعارك.
خطر الجهاديين لن يتوقف خاصة إذا ما علمنا أن أسباب عودتهم ما زالت قائمة في العراق وسوريا
في نفس السياق، لم يخض التنظيم أي معارك نظامية بين جيشين منذ نشأته القاعدية الأولى، بل كانت نواته مجموعات قتالية وخلايا ثابتة ومتحركة مختصة في حرب العصابات، لذا، لم ينجح الجهاديون في الصمود كثيرًا أمام الجيوش والمليشيات التي تهاجمهم، لأنهم أصبحوا في مواقع دفاع عن مناطق جغرافية معينة سهُل استهدافها وتدميرها بفعل القصف الجوي والمدفعي الكثيف جدًا.
على صعيد آخر، فشل تنظيم الدولة في رص صفوفه وتعويض خسائره المادية والبشرية الكبيرة جدًا، وهو ما كان له الأثر البالغ في سير المعارك التي انتهى بعضها في وقت قياسي رغم أن المعلومات الاستخبارية الغربية تؤكد أنها ستطول على غرار معركتي تلعفر ودير الزور، فالانهيار السريع والمفاجئ للمقاتلين في هاتين الجبهتين، كشف عن مشاكل كبيرة يعيشها التنظيم على المستوى القتالي رغم الكلمات التحريضية لزعيمه أبي بكر البغدادي والتي تدعو للصمود والقتال حتى آخر رجل.
كثيرة هي أسباب اندحار تنظيم الدولة الإسلامية وعودته إلى المربع الأول بعد انهيار “الخلافة” ولا يكفي مقال واحد لحصرها وذكرها، ولكن رغم هذا الانهيار والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، يبدو أن خطر الجهاديين لن يتوقف خاصة إذا ما علمنا أن أسباب عودتهم ما زالت قائمة في العراق وسوريا، دون أن ننسى إمكانية تصادم الأطراف المتصارعة على الأرض، وهو ما قد يخلق فرصة مثالية لإعادة الانتشار وترتيب الأوراق من جديد، لكن بطريقة أخرى هذه المرة.