ترجمة وتحرير: نون بوست
لعبت كل من روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران، فضلا عن الصين والاتحاد الأوروبي دورا في الصراع السوري. ولكن، هل ستُقدّم هذه الأطراف المساعدة لإعادة إعمار البلاد؟
عموما، لا يزال الصراع الذي دام لسبع سنوات في سوريا قائما دون حل، في حين يعيش الملايين من السوريين حاليا خارج حدود وطنهم، وغالبا في مخيمات للاجئين. في الأثناء، يستمر القتال في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي دُمرت فيه البنية التحتية وبلغت التكلفة التراكمية التقديرية 226 مليار دولار. في المقابل، يسود اعتقاد دولي على نطاق واسع مفاده أن حكومة بشار الأسد وحلفائه ستعلن النصر في مرحلة ما وتنطلق في عملية إعادة الإعمار.
بناء على ذلك، من المتوقع أن يفوز مؤيدو دمشق، سواء في الداخل أو الخارج، بنصيب الأسد من عقود إعادة الإعمار، كما ستستفيد الدول المجاورة أيضا، على غرار لبنان من هذه العملية. علاوة على ذلك، أسالت عملية إعادة الإعمار المحتملة، الشبيهة بمنجم للذهب، لعاب المقاولين ورجال الأعمال والممولين.
لكن، لا تبدو المسألة بتلك البساطة، فالدولة السورية محطمة ماليا وليس من الواضح حتى كيف تمكنت دمشق من تمويل الحرب على امتداد ست سنوات دون دعم خارجي (حيث قدمت إيران من جهتها ديونا بما لا يقل عن ثمانية مليار دولار). في المقابل، تبلغ الميزانية الوطنية لسنة 2017 خمسة مليار دولار فقط، في حين انخفض احتياطي العملات الأجنبية من 21 مليار دولار سنة 2010 إلى مليار دولار فحسب سنة 2015.
كم ستكلف إعادة إعمار سوريا؟
تتراوح معظم التقديرات بين 100 مليار دولار و350 مليار دولار، فيما وصلت أخرى إلى ترليون دولار. من جانبه، قدّم رئيس تحرير موقع “سيريا ريبورت” المالي المستقل، جهاد يازجي، التقدير الأدنى حيث قال إن “البنك الدولي والأمم المتحدة يقدران أن العملية ستتطلب 100 مليار دولار لإصلاح ما دُمّر، مع الحاجة إلى المزيد من أجل إعادة سوريا على المسار الصحيح”.
خلال المراحل الأولى من الحرب، قدّرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أن عودة الاقتصاد السوري إلى مستواه ما قبل سنة 2011 سيتطلب 30 سنة، وهو جدول زمني قد يطول بالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع.
كم تحتاج سوريا؟
وفقا لما أفادت به الأمم المتحدة، يقف العالم اليوم في مواجهة أسوء أزمة إنسانية منذ أزمة اليمن سنة 1945. بالإضافة إلى ذلك، حذّر معهد التمويل الدولي من أن الدين العالمي يبلغ 217 ترليون دولار، أي ما يعادل 327 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين لا تزال العديد من البلدان في وضع التقشف.
من جهتها، طالبت الأمم المتحدة بتقديم 4.6 مليار دولار لخطة الاستجابة للاجئين السوريين الخاصة بسنة 2017، بيد أنها واجهت عجزا بحوالي 2.8 مليار دولار. ووسط هذا الإعياء الذي طال المانحين، تظهر رغبة أو قدرة ضئيلة لتمويل مشروع إعادة إعمار آخر، وذلك بالنظر إلى التسييس الدولي للصراع السوري.
في الواقع، أفادت مصادر في البنك الدولي لموقع “ميدل إيست آي” أن البنك لن يخرج دفتر شيكاته من أجل سوريا، أما الحكومات الغربية فقد أوضحت أنها لن تمول أي عملية إعادة إعمار دون وجود شكل من أشكال انتقال القيادة (أي انسحاب الأسد). وتترك هذه المعطيات حلفاء دمشق، من قبيل روسيا وإيران والصين، أمام احتمال دفعهم للفاتورة بعد إنفاق مليارات الدولارات على الحرب، فيما تظل العائدات غير مُؤكدة.
في هذا الصدد، تساءل الزميل غير المقيم في مؤسسة “المجلس الأطلسي” والباحث في القطاع المصرفي السوري، رشاد القطان، قائلا: “هل بمقدور هذه الدول إقناع رجال أعمالها بالذهاب إلى سوريا بطريقة شفافة؟ لا، لا أظن ذلك، بل سيكون عليهم التنافس مع رجال أعمال النظام السوري القذرين للمشاركة في الأعمال”.
ما الذي يمكن أن تقدمه سوريا للمستثمرين؟
لن تستطيع تقديم الكثير، حيث تفتقر خاصة إلى عنصرين رئيسيين من شأنهما جعلها جذابة في أعين المستثمرين إذا بقيت البلاد تحت العقوبات الدولية.
يعني نقص الموارد الطبيعية أن سوريا لا تمتلك الاحتياطات النفطية التي جعلت العراق، وهو رابع أكبر مصدر للنفط في العالم، قادرا على جذب أموال إعادة الإعمار منذ سنة 2003. والجدير بالذكر أن احتياطي البلاد من النفط تراجع لسنوات بسبب الاستنزاف، التي بلغت 375 ألف برميل فقط يوميا قبل اندلاع الصراع، وهو ما يمثل 0.2 بالمائة فحسب من الإنتاج العالمي. فضلا عن ذلك، تعتبر احتياطات البلاد من الغاز غير هامة، بنسبة 0.1 بالمائة من الإنتاج العالمي.
فضلا عن ذلك، على الرغم من أن روسيا مُنحت مناقصات خلال الصراع من أجل تطوير حقول الغاز البحرية في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن بقية المحروقات في سوريا تقع في الشمال الشرقي، أي المعقل السابق لتنظيم الدولة، حيث يقود الأكراد حاليا حملة من أجل نيل الاستقلال.
فرضت دمشق رسوما مرتفعة على الواردات الغربية، وهو ما يجعل المنتجات الغربية أقل تنافسية مقارنة بالواردات القادمة من البلدان التي عقدت معها سوريا اتفاقيات التجارة الحرة. فعلى سبيل المثال، لا تمتلك سوريا اتفاقية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
قُبيل الحرب، كانت الشركات الغربية متعددة الجنسيات بالكاد حاضرة في البلاد، بيد أن سوريا تبدو في أمس الحاجة لها الآن أكثر من أي وقت مضى لإعادة مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى ما كانت عليه قبل الصراع. والجدير بالذكر أن الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع من 110 مليون دولار سنة 2001 إلى 2.9 مليار دولار سنة 2010.
المزيد من العقبات
خلال سنة 2011، فرضت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوبات متعددة الأطراف على سوريا، حيث استهدفت العقوبات الأولية أعضاء الحكومة السورية والمؤسسات المملوكة من قبل الدولة والجيش، بالإضافة إلى الأفراد والشركات المتعلقة بهم. ومنذ ذلك الحين، قُيّد نفاذ السوريين إلى البنوك الأجنبية واستخدام شبكة سويفت، وهي عبارة عن نظام دفع عالمي، ما أدى إلى قطع سوريا بشكل فعال عن القطاع المالي الدولي.
في وقت لاحق، تم توسيع نطاق العقوبات، حيث استهدفت الجولة الأخيرة منها، التي قدمتها وزارة الخزانة الأمريكية سنة 2016، الشركات الخاصة بما في ذلك مصالح ابن خال الأسد، رامي مخلوف، على غرار شركة “أجنحة الشام للطيران” وشركات الأمن الخاصة. وقد تابعت الهيئات التنظيمية الغربية الوضع في سوريا عن كثب، فيما تتفادى المؤسسات المالية الدولية أي معاملات بسبب خطر التعرض للغرامات المالية لعدم الامتثال لما نصت عليه العقوبات.
في هذا الإطار، أشار الزميل الزائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، كمال علام، إلى أن “سوريا طالبت ولا تزال، برفع العقوبات الأساسية، بيد أنني أشك في حدوث ذلك في القريب العاجل. كما ستكون العقوبات بمثابة عائق أمام جهود إعادة الإعمار”.
غياب إستراتيجية حكومية: اجتمعت لجنة سورية بين الوزارات، تم إنشاؤها سنة 2012، للمرة الأولى خلال تشرين الأول/أكتوبر سنة 2017 لوضع إستراتيجية لإعادة الإعمار. وقد خصصت اللجنة حوالي 200 مليون دولار للمشاريع خلال السنوات الأربع الماضية، على الرغم من أن مقدارا قليلا من ذلك المبلغ قد أُنفق بالفعل وفقا لما أفاد به جهاد يازجي.
في هذا السياق، أضاف يازجي أن “ذلك يشير إلى افتقار الحكومة السورية لإستراتيجية خاصة بالتنمية الاقتصادية. فهل ستركز على قطاعات محددة؟ وهل ستنطلق في تطبيق الإستراتيجية في مدن أو مناطق محددة؟ وفيم تتمثل سياساتها الاقتصادية والمالية؟ في الواقع، نحن لا نعرف أيا من ذلك”.
لا وجود للمال: تكبدت المصارف السورية المملوكة للدولة و14 مصرفا خاصا خسائر فادحة خلال الحرب، لتصبح بذلك غير قادرة على توفير السيولة للاستثمار جديا في إعادة الإعمار. فضلا عن ذلك، انخفضت الودائع في المصارف التجارية الخاصة من 13.8 مليار دولار سنة 2010 إلى 3.5 مليار دولار سنة 2016، وفقا لما أفاد به البنك الدولي. وفي الحقيقة، أثار ذلك تساؤلات حول الجدوى من شراكات القطاع الخاص والعام، التي طرحتها الحكومة كإستراتيجية لإعادة الإعمار.
غياب الشفافية: بيّن جهاد يازجي أن العديد من المستثمرين يخشون من أن قانون شراكة القطاع الخاص والعام، الذي تمت المصادقة عليه في كانون الثاني/ يناير من سنة 2016، قد يضفي الشرعية على نقل أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص المقربين من الدولة. ويعتبر ذلك استنتاجا طبيعيا، وفقا لما ذكره يازجي، نظرا لأن العديد من القوانين التي تمت المصادقة عليها خلال الصراع كانت لصالح النخبة، من قبيل رامي مخلوف.
في سياق متصل، أردف يازجي قائلا إن “إحدى الإستراتيجيات تتمثل في منح الأولوية للنخبة المقربة من النظام والعقارات الحضرية الراقية، ولكنهم لا يعلنون ذلك بطبيعة الحال. في الحقيقة، قام النظام بخفض التعريفات والدعم للقطاعات الصناعية والزراعية، ما دمّر الإنتاج المحلي”. وتُدير الشركات المرتبطة بإعادة الإعمار، من قبيل المجلس السوري للمعادن الذي أُنشئ سنة 2015، شخصيات نافذة على غرار محمد حمشو.
خلال أيار/ مايو سنة 2015، سمح القانون لوحدات الإدارة المحلية بإنشاء شركات قابضة مملوكة بالكامل، ما أدى إلى تعزيز أعمال الهياكل الأساسية، غير أن هذه الوحدات لها صلات وثيقة بأنصار القيادة السورية. فعلى سبيل المثال، تولى حسين مخلوف، وهو قريب آخر للأسد ولرامي مخلوف، منصب وزير الإدارة المحلية.
من جانبه، أفاد عضو في الأمم المتحدة في بيروت، لم يكشف عن هويته لعدم السماح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، أنه “كي تعمل وحدات الإدارة المحلية هناك، ينبغي إجراء إصلاح كامل، حيث أن كل شيء مركزي. في الأثناء، يدير الاقتصاد أربعة أمراء حرب كبار، مع 20 إلى 30 تابع لكل واحد منهم. لقد أصبح اقتصاد الحرب منظما للغاية، كما تغيب المنافسة، فلكل منهم قطاعه الخاص وسيواصلون التحكم في الاقتصاد”.
لكن، هل يبدو ذلك مألوفا؟ في الحقيقة، يشبه واقع الحال في سوريا إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية في أواخر القرن العشرين، الأمر الذي استفاد منه السياسيون وأمراء الحرب، والمصارف والمقاولون المقربون من نخبة بيروت.
إيران: سوريا، البيدق الجيوسياسي
عند هذه النقطة، لسائل أن يسأل: فيم تتمثل الاستجابة الدولية المحتملة لاحتياجات سوريا من أجل الاستثمار؟ اكتشفت طهران، التي واجهت مشاكل اقتصادية خاصة بها، أن سوريا لا تُعدّ شريكا سهلا. وقد حصلت إيران على ترخيص متعلق بخدمات الهاتف المحمول خلال شهر كانون الثاني/ يناير لتصبح بذلك ثالث مزود لهذه الخدمات في سوريا كمكافأة لها على دعمها خلال الحرب.
في الوقت الراهن، تم تأخير ذلك لصالح شركة “سيريتل”، وهي شركة اتصالات يملكها حليف الحكومة رامي مخلوف، حققت زيادة كبيرة في الإيرادات خلال سنة 2017، وذلك وفقا لما أفاد به موقع “سيريا ريبورت”. علاوة على ذلك، مُنحت إيران حقوق استخراج الفوسفات بالقرب من تدمر، ولكن فيما بعد، بدأت شركة روسية التنقيب في المنطقة ذاتها. من جانبه، أوضح المصدر في الأمم المتحدة أن “إيران اشتكت للحكومة، ولكن قيل لها: ‘أنتما الاثنان أصدقاؤنا'”.
الحرس الثوري أثناء إطلاقه لصاروخ من إيران على تنظيم الدولة في حزيران/ يونيو قبل أشهر
في شأن ذي صلة، أورد المصدر أن “الإيرانيين لا يمتلكون الكثير من النفوذ الاقتصادي، إذ أن إيران وسوريا وقعتا خمس مذكرات تفاهم منذ مطلع السنة، ولكن كم واحدة منها وُضعت حيز التنفيذ؟ ولا واحدة”. إلى جانب ذلك، لم يُمنح كل من “خودرو” “وسايبا”، وهما مُصنّعان إيرانيان للسيارات في حمص ودمشق، معدلات ضريبية تفضيلية كما كانا يأملان، ما جعلهما أقل قدرة على المنافسة مقارنة بنظرائهم الصينيين والأوروبيين.
فضلا عن ذلك، كانت هناك مذكرة تفاهم مع إيران لنقل الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر العراق، تلك المذكرة الموقعة سنة 2011، والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد. لم يهدف تدخل طهران في سوريا، كما كان الحال بالنسبة لحلفاء دمشق الآخرين، إلى فتح أسواق جديدة للسلع والخدمات الإيرانية، وإنما كانت له أهداف إستراتيجية إقليمية.
حيال هذا الشأن، قال عماد كيائي، الخبير الإيراني ومدير في مجموعة أي جي دي الاستشارية في نيويورك: “إن إيران تلعب لعبة طويلة الأمد لحليف رئيسي في المنطقة، ولم يكن من المفترض أن تكون سوريا البقرة الحلوب، لأن لدى إيران الموارد اللازمة لإنتاج الحليب”.
بدلا من ذلك، يسلط كيائي الضوء على كيفية عمل إيران على إعادة الإعمار طوال الحرب. وكانت تعتمد في ذلك على الذراع التجارية لحرس الثورة الإيراني، الذي أعاد بناء الجمهورية الإسلامية في أعقاب الحرب الإيرانية العراقية المدمرة خلال الثمانينيات. وفي هذا السياق، أضاف كيائي “إن الحرس الثوري الإيراني يمتلك قدرات هندسية هائلة في إعادة الإعمار بعد الحرب، ونحن نشهد نموذجا مماثلا في سوريا”. لدى إيران مكانة جيوسياسية، وبغض النظر عن سوريا، هي منخرطة أيضا في حرب اليمن، وهي بصدد صناعة عداوات إقليمية جديدة مع الخصوم الإقليميين، وأبرزهم المملكة العربية السعودية.
“تريد إيران أن تُبقي المملكة العربية السعودية في منأى عن سوريا. ويشير الوضع الحالي إلى عدم قدرة المملكة على الزحف مرة أخرى إلى سوريا، وسيتواصل هذا العجز لسنوات لاحقة”
في هذا الصدد، قال كيائي: “بالنسبة لإيران فإن عائد الاستثمار ليس فقط من حيث القيمة الرأسمالية ولكن من خلال التأثير الإستراتيجي، حتى يكون لها موطئ قدم راسخ على الدوام. صحيح أن بعض مذكرات التفاهم لم تنجح في ذلك هذه المرة، كما تعثر توقيع الاتفاقات المتعلقة بالصراع، ولكن لدى إيران اليوم وجود في سوريا لم يتحقق لها من قبل”.
في الواقع، ينظر المجتمع الدولي لمشروع المارشال، الذي عرضته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمنع أوروبا الغربية من الوقوع تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي، كنموذج افتراضي لأي محاولة لإعادة الإعمار بعد الحرب.
بناء على ذلك، يعتقد الكثيرون أن إيران ستحاول سلوك هذا النهج في سوريا. وإن وقع شيء مماثل هناك، فإن ذلك سيكون مدفوعا بمصالح إيران في مواجهة المملكة العربية السعودية. في هذا السياق، أورد كيائي: “تريد إيران أن تُبقي المملكة العربية السعودية في منأى عن سوريا. ويشير الوضع الحالي إلى عدم قدرة المملكة على الزحف مرة أخرى إلى سوريا، وسيتواصل هذا العجز لسنوات لاحقة. وستدفع إيران بثقلها المالي من أجل الحفاظ على هذا الهدف”.
روسيا تستخدم النموذج الأوكراني
لم يمض زمن طويل منذ أن أنقذت روسيا نفسها من الركود الاقتصادي. وتشير التقارير إلى أن روسيا، التي تلعب دورا أساسيا في الصراع السوري، والتي قدمت الدعم الدبلوماسي للنظام السوري منذ البداية، ثم من خلال التدخل العسكري المباشر في أيلول/ سبتمبر 2015، تنفق ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين دولار يوميا في هذه الحرب. في المقابل، تجاوزت التجارة الثنائية بين روسيا وسوريا 210 مليون دولار سنة 2015، أي أكثر بقليل من عُشر 1.8 مليار دولار من التجارة التي أنجزت سنة 2011.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس السوري بشار الأسد في موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2015
ومع ذلك، حققت موسكو فوائد تفوق ما حققته طهران من غنائم الحرب، إذ تركز روسيا على الطاقة، لافتقارها وعجزها عن التنويع الاقتصادي العام، ما يعني أنها تمتلك سلع وخدمات محدودة لتتبادلها مع سوريا. وفي هذا الإطار، أورد يازجي “هذا لا يعني غياب مفاوضات حول هذا الموضوع ولكن يبدو أن الروس يحصلون على نصيب أكثر من الإيرانيين”.
في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، وردت تقارير تفيد بأن موسكو ستقدم التمويل لبعض مشاريع الكهرباء، وتعتبر هذه أول عملية تمويل مباشر تقوم بها موسكو منذ سنوات عديدة، وذلك وفق موقع “سيريا ريبورت”. كما قال أندرو بوين، أحد المتخصصين الروس والمنتمين إلى مبادرة دراسة التهديدات الناشئة بجامعة نيويورك، إن “مساهمة روسيا في عملية إعادة إعمار سوريا ستكون انتقائية، فقط للتأكيد على أنها جزء من المهمة الإنسانية”.
في سياق متصل، أضاف أندرو بوين أن “الأمر يتعلق بتقديم صورة أكثر ليونة عن روسيا في الشرق الأوسط، وإن استثمر الروس فسيكون ذلك بغرض ممارسة الحيلة الدعائية، فهم يريدون جذب اهتمام الطواقم التلفزيونية، وتسويق رواية مفادها أن روسيا تعيد بناء سوريا”. ويتوقع بوين أن تتبع روسيا النموذج المستخدم في مسرح الآخر للصراع الحالي وهو أوكرانيا.
في شأن ذي صلة، أقر أندرو بوين بأن “مشاريع إعادة الإعمار في شبه جزيرة القرم مُنحت لشركات مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالأقلية الحاكمة القريبة من النظام، وقد طلب منهم الاستثمار في قطاعات معينة، مثل بناء 10 مستشفيات و20 مدرسة، وعليهم أن يقدموا ذلك في شكل عربون صداقة. لهذا السبب، يصعب أن ترى عائدا تجاريا مشروعا لهذه الاستثمارات”.
لبنان: عليك الوصول إلينا عبر حزب الله
لقد حارب حزب الله، الذي يتخذ من لبنان معقلا له ويتخذ من إيران أبرز حليف، إلى جانب الجيش السوري. ويريد الآن أن تعود عملية إعادة الإعمار بالفائدة على مصالحه التجارية وشركاته الفرعية ومؤيديه، إلا أن هناك عقبة واحدة ألا وهي قانون منع التمويل الدولي لحزب الله. وتجدر الإشارة إلى المشرع الأمريكي منع الواردين في القائمة السوداء من المنتمين للحزب والشركات ذات الصلة وبعض الأفراد من الوصول إلى النظام المالي العالمي، بما في ذلك بعض المتواجدين في لبنان.
استنادا إلى هذه المعطيات، يعتقد البعض في بيروت أن الصين قد تقدم المزيد من الأمل من خلال تقديم المكافآت. ويحاول لبنان إقناع بكين بالاستثمار في ميناء طرابلس الشمالي، الذي يتم عرضه للبيع على أنه مركز لوجستي محتمل لدخول السلع والمواد إلى سوريا.
جنازة محمد إبراهيم، الذي قتل في حلب في شباط/ فبراير سنة 2016
على ضوء ما ذكر آنفا، صرح مصدر سياسي لبناني لصحيفة “فاينانشال تايمز” في شهر تموز/ يوليو: “لقد وضع لبنان في موقع إستراتيجي مهم من خلال البحث عن فرص لتحقيق الفائدة في سوريا ما بعد الحرب. إننا نتحدث عن مليارات الدولارات”.
في المقابل، أكد السفير الصيني في لبنان، وانغ كيجيان، في معهد عصام فارس في بيروت في شهر أيلول/ سبتمبر: “لقد حدت شركات الشحن الصينية من علاقاتها الثنائية مع لبنان، ولم تعد تفكر في طرابلس بسبب العوامل الاقتصادية، ولكن قد تتوطد الروابط بين لبنان والمنطقة من خلال شبكة النقل بعد انتهاء الأزمة السورية”.
الصين والمصالح الأمنية
دعمت بكين دمشق في الأمم المتحدة، وقدمت قوات ومساعدات إنسانية. كما أن لها دورا تاريخيا فيما يتعلق بإعادة الإعمار في الخارج. فعلى سبيل المثال، انخرطت بكين بشكل كبير في أنغولا خلال سنة 2002 بعد انتهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 27 عاما، كجزء من إستراتيجية الموارد العالمية للبنية التحتية في بكين.
بالإضافة إلى ذلك، حصلت أكثر من 50 شركة حكومية صينية وأكثر من 400 شركة خاصة على مكافآت من أنغولا، بلغت قيمتها 25 مليار دولار سنويا من صادرات النفط. ولكن، على الرغم من انفتاح دمشق على بكين، الذي لم تعره الصين أي اهتمام، فإن في ذلك إشارة إلى أن ما يمكن أن تقدمه أنغولا والعراق ولا يمكن لسوريا أن تقدمه، هو النفط.
تعد سوريا جزءا من مبادرة “الحزام والطريق” التي تبلغ قيمتها واحد تريليون دولار وتشمل 60 بلدا، وهي إستراتيجية تهدف إلى تطوير البنية التحتية البرية والبحرية، وتغطي الكثير من دول أوراسيا. ولكن سوريا ليست عضوا في البنك الآسيوي للاستثمار الذي تدعمه بكين، لهذا السبب لا يمكنها تقديم التماس للحصول على المال، رغم أهمية سوريا الإستراتيجية لدى الصين في الشرق الأوسط.
حيال هذا الشأن، قال كمال علام: “يتأثر تدفق الأموال فيما يتعلق بسوريا والصين بغياب الموارد السورية”. وتكمن مصلحة الصين الحقيقية في سوريا تتمثل في توفير الأمن وليس المصلحة الاقتصادية، ذلك أن بكين تخشى من التطرف الإسلامي لشعوب الأويغور في مقاطعة شينجيانغ، التي لم يتم تسويتها بعد، بسبب وجود بعض المقاتلين الأويغور الصينيين الذين عادوا من سوريا والعراق بعد قتالهم إلى جانب تنظيم الدولة، ويبلغ عددهم أكثر من أربعة آلاف مقاتل.
في سياق آخر، يذكر أن تركيا كانت داعما تاريخيا لأويغور، مما زاد من حاجة الصين إلى جمع معلومات موثوقة من الشرق الأوسط. وبخصوص هذا الشأن، أورد كمال علام أن “الأتراك لم يكونوا حلفاء محل ثقة فيما يتعلق بتعقب الأويغور، لذا فإن سوريا هي مراقب مهم للوضع المحلي. وإن كان هناك بد من الاستثمار الاقتصادي في سوريا، فإن الصين يمكنها فعل ذلك، ولكنها لن تفعل ذلك بالطريقة التي قامت بها في أفريقيا أو غيرها من البقاع”. ويبدو أن النداءات السورية من أجل استثمار الصيني قد فشلت، فاستثناء بعض المبادرات الخاصة، مثل الاتفاق على تصنيع ماركة دونغفنغ للسيارات في سوق حمص في الصين.
وفق مصدر تابع للأمم المتحدة، رفضت بكين في وقت سابق من هذا العام إصدار تأشيرات للمسؤولين السوريين، على الرغم من أنها منحتها لرجال الأعمال الخواص. وقد اعتبر أندرو تابلر، مؤلف كتاب “عرين الأسد”، أن ذلك يعبر عن التجاهل الذي حصل للأسد خلال زيارته الأولى للصين سنة 2004، والتي قطعت بشكل مفاجئ، لأن بكين أرادت حينها إعطاء الأفضلية لزيارة وزير التجارة الإسرائيلي.
في الحقيقة، يحاول عماد مصطفى، السفير السوري في الصين، الحصول على مزيد من الدعم من بكين، إلا أن راشد القطان قد أشار إلى نقطة مهمة وهي أن “الصين لم تبد أي ثقة حقيقية للاستثمار في سوريا، ليس ذلك راجعا لعلاقتها بالنظام فقط، ولكنها تعلم أن الاستثمارات ستعاني من الاستنزاف بسبب المحسوبية والفساد، وربما قد تعلم الصينيون الدرس بأنه لا يمكنهم السيطرة على النظام السوري”.
الولايات المتحدة الأمريكية: دفتر الشيكات أغلق بإحكام
من غير المرجح أن تمول واشنطن أي جهود لإعادة الإعمار، على الرغم من دعمها للمعارضة خلال الحرب. وفي حين كان هناك ضغط على الولايات المتحدة من أجل أن “تدفع ثمن ما دمرته” في العراق بعد غزوه سنة 2003، يبقى الوضع في سوريا مختلفا.
فيما يتعلق بالشأن السوري، صرحت كل من إدارتي أوباما وترامب بضرورة رحيل الأسد، وأنهما لن تؤيداه ولن تغيرا موقفهما. وعلى خلفية فضائح إعادة إعمار في كل من العراق وأفغانستان بسبب الأموال المختلسة، فإن رغبة واشنطن في الاستثمار ضئيلة جدا. وقد قدرت لجنة تابعة للكونغرس الأمريكي أن ما بين 31 مليار دولار إلى 60 مليار دولار قد نهبت من أصل 160 مليار دولار من أموال إعادة الإعمار، في عمليات تحايل وتبذير الأموال.
منذ سنة 2013، خصصت واشنطن حوالي 60 مليار دولار من منح مخصصة لإعادة إعمار العراق، في حين أن بعض الاستثمارات الإضافية قد نشأت عن طريق الإفراج عن الأموال العراقية المصادرة خلال عهد صدام حسين. وعلى الرغم من المشاكل الأمنية المستمرة، ما زالت بغداد قادرة على إنماء أموال إعادة الإعمار من احتياطاتها الضخمة من النفط. ففي سنة 2016 أنتجت العراق ما يقدر بنحو 3.6 مليون برميل يوميا، لتصب في ميزانيتها السنوية البالغة 100 مليار دولار أمريكي.
على سبيل المقارنة، كان إنتاج سوريا من النفط سنة 2010 يقدر بنحو 375 ألف برميل يوميا، وهذه هي آخر الأرقام المتاحة قبل نشوب الصراع، أي حوالي 0.2 في المائة فقط من الإجمالي العالمي. ومن المؤكد أن ذلك الرقم قد شهد تراجعا كبيرا في ميزانية دمشق خلال سنة 2016 والتي بلغت خمسة مليار دولار فقط.
مصر: مشكلة في حد ذاتها
كانت علاقة مصر بسوريا مضطربة ومتقلبة خلال السنوات الأخيرة، حيث تدهورت العلاقات في سنة 2013 عندما دعمت الحكومة المصرية فصائل المعارضة السورية، وأغلقت سفارة سوريا بالقاهرة، واستدعت القائم بأعمالها في دمشق، وسعت لجمع التبرعات والدعم لمقاتلي المعارضة.
مظاهرة ضد بشار الأسد خارج السفارة السورية في القاهرة في شباط/ فبراير سنة 2012
في المقابل، تحسنت هذه العلاقات إثر الانقلاب على الرئيس محمد مرسي سنة 2013، واستحواذ الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة. ومنذ ذلك التاريخ، حاولت القاهرة إيجاد توازن في علاقاتها، وكانت منقسمة بين النظام السوري ومجموعة من الدول المتحالفة ضده، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون الخليجي، الذي يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
في شهر أغسطس/ آب من سنة 2017، قامت مصر بإرسال وفود تجارية إلى سوريا، وعملت على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وهو ما ساعده كثيرا وخدم أهدافه. ولكن، في ظل معاناة الاقتصاد المصري وتضخم الديون والعجز، لم تعد القاهرة قادرة على تقديم الكثير لدمشق باستثناء بعض الدعم الرمزي والاستثمار في القطاع الخاص.
منذ ثورة كانون الثاني/ يناير من سنة 2011، سعت القاهرة نفسها لجذب المستثمرين إلا أن جهودها باءت بالفشل بسبب الأوضاع الداخلية، على الرغم من الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون الخليجي. أما في سنة 2015، نظمت مصر منتدى التنمية الاقتصادية في مدينة شرم الشيخ، وتم التسويق لهذا الحدث على أنه بداية جديدة لمصر على غرار مشروع “مارشال” الذي اعتمدته دول أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية لإعادة البناء وإطلاق عجلة التنمية، إلا أن هذا المنتدى تبين في النهاية أنه مجرد دعاية ولم يتحقق منه الكثير.
في هذا الصدد، قال رشاد القطان إن ذلك المنتدى، الذي لم تتحقق وعوده، يذكره بما يمكن أن يحدث في سوريا في المستقبل، حيث تمت دعوة كل تلك الشركات متعددة الجنسيات، وحظي الحدث بدعم الإمارات والسعودية وبشكل سخي، وتم الإعلان عن استثمارات ضخمة بلغت قيمتها مليارات الدولارات، ولكن لا شيء من هذا تمت ترجمته على أرض الواقع.
في سياق متصل، أضاف القطان “حتى لو وصلت سوريا إلى هذه المرحلة، ونجحت في تنظيم مؤتمر للإنماء في نيسان/أبريل سنة 2018، فإننا سنسمع عن تعهدات بمنح تبلغ مليارات الدولارات، ولكن يجب الحذر من هذه الوعود الواهية، لأنه في النهاية سيتحقق فقط 20 في المائة أو 30 في المائة منها”.
بقية دول العالم العربي تريد التغيير قبل كل شيء
لطالما رغبت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي في تحقق شرط خروج الأسد من السلطة. وإذا قبل بشار الأسد بهذا الشرط، فإن هذه الدول على الأرجح، إضافة إلى الدول الغربية، كانت لتبدي استعدادها لضخ الأموال لإعادة إعمار سوريا. ولكن، بما أنه تمسك بمنصبه رغم هذه المطالبات، فإنه لا شيء يجبر هذه الدول على تقديم المساعدة.
القوات العسكرية التركية تغلق معبر “مورسيت بينار” على الحدود السورية في أيلول/ سبتمبر سنة 2014
على خلاف الدول الغربية، ذكر مصدر في الأمم المتحدة أنه لم يتبق إلى حد الآن سوى مجلس التعاون الخليجي المستعد للمساعدة، حيث يمكن أن يقدم مبلغا يتراوح بين 10 و15 مليار دولار إذا تم إنجاز الانتقال السياسي بالشكل المطلوب، واتفق الجميع على بقاء الأسد في السلطة. في المقابل، نبه هذا المصدر من أنه لا مجال لأن تمنح دول مجلس التعاون الخليجي عقود إعمار ومبالغ مالية لأي جهة أو كيان، مثل النظام السوري، لديه علاقات وطيدة مع الأطراف الشيعية في المنطقة على غرار حزب الله وإيران.
لكن، يرى كمال علام أن مجلس التعاون الخليجي قد يقتنع في النهاية بضرورة توفير التمويل والاستثمارات الخاصة المباشرة للحكومة السورية من أجل مواجهة النفوذ المتزايد لإيران والشيعة في سوريا. ولكي يتحقق هذا، يجب أولا وقبل كل شيء أن تتنازل دول مجلس التعاون الخليجي عن شرطها الأساسي المتعلق بتنحي بشار الأسد.
بناء على ذلك، يمكن أن قد ينطبق الأمر نفسه على أنقرة، التي وقفت بقوة ضد النظام السوري إثر اندلاع الثورة، وأنفقت مبالغ تتجاوز 12.5 مليار دولار خلال سنوات الصراع من أجل احتضان حوالي 3.2 مليون لاجئ سوري فوق أراضيها. في هذا الإطار، ترى أتيلا يسيلادا، وهي محللة متواجدة في إسطنبول ضمن مؤسسة غلوبال سورس الدولية لتقديم خدمات الاستشارات، أن الدور الطبيعي لتركيا يتمثل في قيادة الجهود الدولية لإعادة إعمار سوريا وإصلاح اقتصادها، إلا أن الخلافات السياسية قد تحول دون اضطلاعها بهذا الدور.
في سياق متصل، أضافت هذه المحللة أن “تركيا لا مصلحة لها في انتهاء الحرب السورية، وهي ستقوم بكل ما في وسعها لكي تتواصل المعارك، عبر تحريك الفصائل الموالية لها أو القيام بالتدخل العسكري المباشر، حتى يتم التوصل لحل مناسب لها. إن أنقرة تعتمد على أسلوب براغماتي عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية، خاصة إذا تواجدت حكومة انتقالية في سوريا، وهو أمر سيكون مقبولا أكثر لدى المجتمع الدولي”.
أوروبا: اللاجئون كورقة ضغط
تبدو أوروبا حريصة على احتواء تدفق اللاجئين نحو أراضيها، وتهجيرهم نحو الدول المجاورة لسوريا. وفي الوقت الحالي، يقبع أكثر من 970 ألف لاجئ سوري في دول الاتحاد الأوروبي. كما يعتبر الاتحاد شريكا اقتصاديا هاما بالنسبة لسوريا، وقد بلغ المبادلات التجارية بين الطرفين سنة 2016 حوالي 500 مليون دولار، أي بنسبة سبعة بالمائة فقط مما كان عليه قبل الحرب، حيث كان حجم المبادلات سنة 2010 يبلغ 7.2 مليار دولار.
فهل يمكن أن ينجح برنامج إعادة إعمار ضخم وشامل يدعمه الاتحاد الأوروبي، في تشجيع أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري على العودة إلى وطنهم؟
لاجئة من سوريا مع طفلها تصل إلى شواطئ ليسبوس في اليونان في نيسان/ أبريل سنة 2015
حيال هذا الشأن، أورد القطان أن “النظام السوري يملك ورقتين للعب على الطاولة، وهما اللاجئون الذين ترغب دول الاتحاد الأوروبي في إرسالهم إلى وطنهم، وهو السبب الذي جعل ألمانيا ترسل دعما ماليا كبيرا. أما الورقة الثانية فتتمثل في التعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب، مثلما حدث إثر هجمات 11 أيلول/ سبتمبر من سنة 2001″. كما أضاف ” كثفت بعض الحكومات الغربية من زياراتها إلى دمشق من أجل إعادة العلاقات وإحياء هذا التعاون الثنائي حتى خارج إطار مؤسسة الاتحاد الأوروبي. وهذا التصرف قد يكون براغماتيا واستغلاليا، ولكنه مهم لهذه الحكومات”.
مؤخرا، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يريد المساهمة في إعادة الاستقرار وإصلاح الأوضاع سريعا في المناطق التي تراجع فيها منسوب العنف. كما يشير القطان إلى أن هذا الإصلاح المبكر للأوضاع الذي يتحدث عنه الاتحاد الأوروبي يعني المشاركة في جهود إعادة الإعمار والإنماء. ولكن، هناك مشكل قانوني قد يعرقل هذا التعاون؛ حيث أن الاتحاد الأوروبي هو من الأطراف التي تطالب بالانتقال السياسي في سوريا، والذي يشترط تنحي الأسد عن السلطة. وهو ما دفع موسكو لاتهام الاتحاد بتسييس الدعم المقدم لسوريا.
إلى جانب ذلك، وقع وضع نفس هذه الشروط من قبل مؤسسات الدعم والإغاثة الغربية، التي اجتمعت في بروكسل، في شهر نيسان/ أبريل من سنة 2017. كما صدر بيان مشترك عن منظمة “أوكسفام”، منظمة أنقذوا الأطفال، والمجلس النرويجي للاجئين، واللجنة الدولية للإنقاذ، جاء فيه: “يجب أن يكون الدعم الدولي مشروطا بإيجاد حل سياسي متفق عليه، واحترام حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. وفي ظل غياب هذه الشروط، فإن المبادرة والمشاركة في إعادة الإعمار ستكون نتائجها عكسية”.
يرى علام أن “سوريا لا تحتاج لمبالغ ضخمة من الخارج مثلما يتصور الكثيرون، حيث يمكنها أن تعتمد فقط على مشاريع البنية التحتية الصغيرة من الخارج وتتكفل بالباقي بنفسها”
حسب نفس المنطق، اعتبر الأسد أيضا أن الاتحاد الأوروبي لن يكون له دور في عملية إعادة إعمار سوريا. وفي ظل هذا الجمود في مواقف الجانبين، تبدو الاستثمارات الصغيرة التي تأتي من أوروبا نحو سوريا هي أفضل ما يمكن تحقيقه في الوضع الحالي. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن وزير المالية السوري عن التحضير لإعادة إطلاق مجالس تجارية ثنائية مع عدة دول يعتبرها صديقة، من بينها جمهورية التشيك.
من هذا المنطلق، يرى علام أن “سوريا لا تحتاج لمبالغ ضخمة من الخارج مثلما يتصور الكثيرون، حيث يمكنها أن تعتمد فقط على مشاريع البنية التحتية الصغيرة من الخارج وتتكفل بالباقي بنفسها”. وأضاف علام “لقد تبرعت إندونيسيا بعدد من المستشفيات وسيارات الإسعاف، كما قامت ماليزيا بنفس الأمر. ومثل هذه الأنشطة الاقتصادية الصغيرة هي التي تمكن الدولة السورية من الاستمرار، أما فرنسا وأوروبا بشكل عام، فإنها مخطئة إذا ظنت بأنها يمكنها الضغط على النظام السوري من خلال هذه الشروط”.
الشركات متعددة الجنسيات: تعاني من العوائق التجارية
شهدت القدرة الشرائية للمواطن السوري انخفاضا حادا، وهو أمر كان منتظرا إثر ست سنوات من الصراع الذي يمزق البلاد. ولم يتجاوز الناتج القومي الخام سنة 2016 مستوى 15 مليار دولار، وهو ربع ما كان عليه سنة 2010. كما أن أكثر من 80 بالمائة من الشعب السوري باتوا يعيشون تحت خط الفقر حسب تقارير المنظمات الأممية. وقبل اندلاع الحرب الأهلية، لم تكن السوق السورية جاذبة كثيرا للمستثمرين الأجانب، إذ أن ضعف المقدرة الشرائية للمستهلك تعني تراجع هامش الربح بالنسبة للتجارة.
محل تمت إعادة افتتاحه وسط الأنقاض في مدينة حلب في تموز/ يوليو سنة 2017
على النقيض، جعلت هذه الخصائص السوق السورية جذابة لدول وشركات من نوع آخر، على غرار البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، وماليزيا، والجزائر ومصر. وفي هذا الصدد، يعتقد علام أن “نجاح الحكومة السورية قبل الحرب الأهلية تمثل في فتح الاقتصاد أمام بلدان لم تعرف بكثافة نشاطها التجاري. والآن، تعكف دمشق على إعادة إحياء هذه الروابط الاقتصادية التي كانت قائمة قبل الحرب، ورغم محدودية تأثيرها، إلا أنها تساعد على ضمان الاستمرارية”.
في هذا الإطار، أشار قطان إلى التعريفات الجمركية والصعوبات التي تواجهها الشركات الغربية في الدخول إلى السوق السورية وممارسة النشاط التجاري، حيث قال: “على مستوى المشاريع، يمكن ملاحظة أن الشركات الغربية لم تكن حاضرة حتى قبل سنة 2011، باستثناء قطاعات محددة على رأسها قطاع الطاقة. أما شركات دول الخليج فقد كانت تتعامل مع نظام الأسد عندما كانت الأوضاع مستقرة”.
أما الآن، “تسعى الحكومة السورية لإقناع الشركات متعددة الجنسيات بالعودة للاستثمار، إلا أن نظام الأسد يمكن أن يقوم في أي وقت بتجريد المستثمرين من أموالهم أو ممتلكاتهم الشخصية”. ويضاف إلى ذلك، سطوة أمراء الحرب والعنف والفوضى، وهي كلها عوامل تبعد المستثمرين، ناهيك عن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا.
السوريون في الخارج، هل عودتهم مرحب بها؟
تم تأسيس الجمعية الدولية لرجال الأعمال السوريين في شهر تموز/ يوليو الماضي في مدينة مارسيليا الفرنسية. إن هذه الجمعية المدعومة من قبل البنك الدولي، هي مبادرة تهدف لتشجيع رجال الأعمال السوريين بالخارج على الاستثمار في عملية إعادة البناء. ويرى رياض الخوري، مدير قسم الشرق الأوسط في مؤسسة “جيو إيكونوميكا” للاستشارات وإدارة المخاطر المتواجدة في عمّان، إن هذه المبادرة تحمل فرصا للنجاح.
في هذا الشأن، قال رياض الخوري: “هناك حوالي 100 مليار دولار من الأموال السورية خارج البلاد. والكثير من هذه المبالغ سوف تعود إلى سوريا، باعتبار أن الحكومة تحتاج إلى الجالية المقيمة بالخارج أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي هناك فرصة لتحقق هذا الأمر. والتمويل سوف يأتي أسرع مما يتوقعه الكثير من الناس”.
كذلك، يبدو أن هذه الاستثمارات سوف تصب في مصلحة الحكومة السورية التي تعتمد إستراتيجية جذب الشركات الصغرى وتنويع الدول التي تتعامل معها، إلا أن الوضع السوري في الوقت الحالي يرسل إشارات متناقضة ومربكة حول مستقبل البلاد.
تبعا لذلك، أورد يازجي: “بينما دعا بعض أعضاء الحكومة السوريين المقيمين بالخارج لإعادة الاستثمار في بلدهم، وقدموا لهم تشجيعات مغرية، على غرار تلك التي قدمت لصناعيين متواجدين في مصر، إلا أن إعلام النظام في المقابل دأب على تشويه هؤلاء المستثمرين الذين هربوا من الحرب ووصفهم بأنهم خونة. وهذا يشير إلى تضارب المصالح والمواقف داخل دمشق”.
في شأن ذي صلة، أضاف يازجي: “في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، جمدت دمشق أرصدة عماد غريواتي، وهو رجل أعمال صنع ثروته من علاقته مع الحكومة ولكن توجه لاحقا نحو الإمارات إثر اندلاع الحرب الأهلية، وهذه تمثل رسالة مخيفة بالنسبة للمستثمرين، مفادها أن كل من لا يتبنى الموقف السياسي للنظام السوري لن يتمكن من حماية مصالحه”.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة لإعادة إعمار سوريا؟
ما لم تحدث تغييرات جذرية في مواقف وسياسات الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وتركيا تجاه نظام الأسد، فإن سوريا لن تحصل على عشرات المليارات من الدولارات التي تحتاجها لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد. وهنا يرى قطان أن الرواية التي يتم ترويجها حول سهولة الحصول على المليارات من التمويل هي رواية ساذجة وغير صحيحة.
عوضا عن ذلك، سوف يتوجب على سوريا الاعتماد على الاستثمارات الصغيرة ومشاريع البنية التحتية من أجل تحسين الأوضاع. أما إعادة الإعمار، فتتطلب برنامجا طويل المدى، وهذا يشترط وضع دمشق لإستراتيجية واضحة. وفي هذا الصدد، أكد علام أن “الحكومة السورية سوف تكتفي بالحصول على استثمارات محدودة وتحقيق تقدم بطيء في النشاط الاقتصادي، وهذا لن يغير الأمور بشكل جذري، ولكنه سيحافظ على استمرارية الاقتصاد”.
المصدر: ميدل إيست آي