ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال اجتماع عُقد في شهر كانون الثاني/ يناير، أصيب كبار دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بالذهول عندما اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي “إسرائيل” كاتس إنشاء جزيرة صناعية مستقبلية لتوزيع المساعدات على غزة التي مزقتها الحرب. وبعد أشهر، تتجه السفن البحرية الأمريكية نحو شرق البحر الأبيض المتوسط لبناء “رصيف عائم” من المقرر أن يستقبل المساعدات من جزيرة قبرص يرسلها إلى غزة.
قالت مديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية شيرا إيفرون لموقع ميدل إيست آي: “هناك أوجه تشابه بين الفكرتين”. وذكر محللون أن كاتس، الذي ليس عضوًا في مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي والمعروف بدفعه القوي للأفكار غير المسبوقة، قد يرغب في الحصول على الفضل في هذه الفكرة. وكان اقتراحه الآخر – خط سكة حديد الحجاز في القرن الحادي والعشرين الذي يربط بين “إسرائيل” والسعودية – قد تم الترويج له بشكل احتفالي من قبل الولايات المتحدة قبل اندلاع الحرب في غزة مباشرة.
يأتي تطور الإعلان عن الرصيف العائم في الوقت الذي يطارد فيه شبح المجاعة قطاع غزة. وحذّرت الأمم المتحدة من أن المجاعة “وشيكة” في شمال القطاع. وقال مسؤول أمريكي يوم الجمعة إن المجاعة “من المحتمل جدا” أن تكون موجودة بالفعل حيث توفي ما لا يقل عن 27 طفلًا بسبب سوء التغذية والجفاف في القطاع المحاصر.
وقال طلال عوكل، المحلل السياسي في مدينة غزة والمقيم الآن في الإمارات، لموقع ميدل إيست آي: “الناس في غزة يتضورون جوعًا لذا فإن المساعدات التي تأتي من أي مكان ستشجعهم”. لكن عوكل يتساءل لماذا سارعت “إسرائيل” إلى دعم الرصيف منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن المشروع في آذار/ مارس، في حين أنها لا تزال متهمة بخنق المساعدات على الحدود البرية لغزة. وهو يعتقد أن ذلك يعكس خطة كاتس، التي تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المساعدات لغزة، وليس جلب المزيد. وهو يعتقد أن “الميناء سيجعل من السهل على إسرائيل إبقاء الحدود البرية مع غزة مغلقة”، مضيفًا أن “كل المساعدات في غزة سياسية”.
تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع السفارة الإسرائيلية في واشنطن العاصمة للحصول على تعليق، لكنه لم يتلق ردًا حتى وقت النشر.
“نقاط الوصول”
هناك اختلافات واضحة بين مشروع الميناء الأمريكي وخطة كاتز. فبدلًا من جزيرة صناعية، سيقوم الجيش الأمريكي ببناء رصيف عائم على بعد ثلاثة إلى خمسة أميال قبالة ساحل غزة. وسيتم إرساء جسر عائم بطول 1800 قدم على شاطئ غزة. وستقوم السفن بنقل المساعدات من نقطة الانطلاق في ميناء لارنكا القبرصي إلى الرصيف العائم. وستقوم سفن الدعم بنقل المساعدات من الرصيف إلى الجسر ذي المسارين.
دعت قبرص إلى إنشاء ممر بحري في الأسابيع الأولى من حرب غزة. وتتمتع الدولة الجزيرة المتوسطية بعلاقات وثيقة مع “إسرائيل”، ولكن لديها أيضًا علاقات تاريخية مع الفلسطينيين وتأمل أن تضع نفسها كجسر بين الجانبين. ألقى المنتقدون باللوم على “إسرائيل” في تدني المساعدات التي تدخل القطاع حيث ادعى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن “إسرائيل” تستخدم المجاعة “كسلاح حرب” – وهو ادعاء رددته العديد من منظمات حقوق الإنسان.
أمرت “إسرائيل” عندما اندلعت الحرب بفرض حصار كامل على غزة بعد الهجمات التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على جنوب “إسرائيل”، لكنها نفت مزاعم بأنها تمنع المساعدات وألقت باللوم في ذلك على عدم قدرة منظمات الإغاثة على توصيل الإمدادات، و”الخروج على القانون”، و”الفوضى”، بل وزعمت في بعض الأحيان أن حماس تقوم بتحويلها أو سرقتها. وأعلنت “إسرائيل” أنها لن تعمل بعد الآن مع الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لشؤون الفلسطينيين وأكبر منظمة إغاثة في غزة.
أمرت المحكمة العليا في الأمم المتحدة “إسرائيل” بضمان تسليم المواد الغذائية وغيرها من المساعدات إلى غزة “دون عوائق”، وهو ما يوجه ضربة قانونية لادعاء “إسرائيل” بأنها لا تمنع المساعدات. وردًا على ذلك أشارت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى “المبادرات الجديدة” التي تعمل عليها – في إشارة إلى الممر البحري – لجلب المزيد من الغذاء إلى غزة.
قال ديفيد هاردن، المدير السابق لبعثة المساعدات الأمريكية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، لموقع ميدل إيست آي، إن ممر المساعدات البحرية سيساعد في تخفيف أزمة الجوع التي تلاحق غزة، لكن لا ينبغي استخدامه كذريعة لمنع فتح المزيد من المعابر البرية. وذكر هاردن: “من منظور إنساني، نريد أكبر عدد ممكن من نقاط الوصول، لكن المعابر البرية هي كل شيء”. وأضاف أن “إسرائيل لديها الوسائل والالتزام لمنع حدوث مجاعة في غزة”. وقد يكون للميناء أيضًا تداعيات أعمق على غزة.
“صفقة عظيمة لإسرائيل”
أشار المحللون إلى أن الرصيف مفيد لأهداف “إسرائيل” الحربية. وفي الوقت الذي تواجه فيه دعوات متزايدة في الغرب لتسهيل المزيد من عمليات توصيل المساعدات، فإنها تسمح لحكومة “إسرائيل” بالموافقة على توصيل المواد الغذائية عندما لا تحظى بشعبية سياسية بين الإسرائيليين في الداخل. وقام المتظاهرون، بما في ذلك أفراد عائلات بعض الرهائن، بإغلاق معابر المساعدات. حيال ذلك، قال هاردن: “سيصر الإسرائيليون على أن تكون لديهم رؤية كاملة للميناء. وسوف يمارسون السيطرة عليه”.
حاليًا، تذهب المساعدات بشكل أساسي إلى ميناءين قبل وصولها إلى غزة، وهما ميناء أسدود الإسرائيلي والعريش المصري، وتدخل غزة عبر معبرين: من داخل “إسرائيل” عبر كرم أبو سالم ومن خلال معبر رفح المصري. كما مر قدر ضئيل من المساعدات عبر معبر حدودي شمالي. وتخضع جميع عمليات التسليم لنظام تفتيش شاق تسيطر عليه إسرائيل. ويتم تفريغ المساعدات وإعادة تحميلها بواسطة بعض الشاحنات التي تقطع مسافة 40 كيلومترًا فقط لفحصها من قبل القوات الإسرائيلية.
قالت إيفرون، من منتدى السياسة الإسرائيلية، التي تتشاور أيضًا مع فريق الأمم المتحدة في القدس الذي يقدم المشورة بشأن غزة، إن الممر البحري جذاب لـ “إسرائيل” لأنه يسمح لها بالاحتفاظ بالسيطرة الشاملة على توصيل المساعدات إلى القطاع المحاصر مع تقليل الاعتماد على مصر وإبقاء عمليات التسليم بعيدة عن أنظار الجمهور الإسرائيلي. وقالت إن ذلك يؤكد تفكير “إسرائيل” بشأن غزة. وأضافت: “إسرائيل تريد الانفصال عن القطاع، هذا يبدو وكأنه مفارقة، لكنه صحيح. وفي الوقت نفسه، تريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية الشاملة على غزة. لا تقبل قبرص قيام إسرائيل بتحديد نظام التفتيش والالتزام بفعل ما تطلبه منها إسرائيل من الناحية الأمنية. بالنسبة لإسرائيل، هذا أمر عظيم”.
“أوقفوا قتل الأطفال”
انتقد البعض مشروع الميناء باعتباره لفتة من قبل إدارة بايدن وسط عجزها عن الضغط على “إسرائيل” لزيادة المساعدات إلى غزة عن طريق البر. ويتعرض بايدن لانتقادات من التقدميين والأمريكيين العرب من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامةً ضد “إسرائيل” قبل الانتخابات الأمريكية.
انتقد خوسيه أندريس، الطاهي الشهير الذي بدأت منظمته غير الحكومية “المطبخ المركزي العالمي” في شحن مئات الأطنان من المواد الغذائية إلى غزة من قبرص في آذار/ مارس، الاقتراح الأمريكي قائلًا إن إدارة بايدن بحاجة إلى البدء في مطالبة إسرائيل “بالتوقف عن قتل الأطفال واستهداف المتطوعين الإنسانيين والصحافة! [و] فتح المزيد من الطرق البرية المؤدية إلى غزة”. وقال إن المهمة التي يقودها الجيش الأمريكي “غير منطقية” في ظل المساعدات العالقة على الحدود البرية ولن تكون موضع ترحيب من قبل سكان غزة.
يوم الثلاثاء، أدت غارة جوية إسرائيلية إلى مقتل سبعة من عمال “المطبخ المركزي العالمي” في وسط غزة وهيمنت منذ ذلك الحين على الخطاب المحيط بسلوك إسرائيل في الحرب. وقالت المنظمة إن الغارة وقعت على الرغم من التنسيق مع الجيش الإسرائيلي بشأن تحركاتها، وقال أندريس يوم الأربعاء إن “إسرائيل” استهدفت عمال الإغاثة “بشكل منهجي”. وقد أوقفت جميع عملياتها في غزة، وحذت حذوها العديد من منظمات الإغاثة الأخرى، قائلة إن القطاع ببساطة غير آمن.
تعمل الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع الأمم المتحدة ودول الخليج بشأن الممر البحري. ورفض مسؤول غربي مطلع على المحادثات الجارية الرواية القائلة إن ممر المساعدات سيسمح لـ “إسرائيل” بتجنب رفع القيود المفروضة على المساعدات لغزة. وقال المسؤول: “إن الأمم المتحدة لا تلعب السياسة بالمساعدات”.
يأتي قرار الولايات المتحدة ببناء الممر البحري بعد أكثر من عقدين من معارضة “إسرائيل” بناء ميناء رئيسي في غزة. وقد دمّر القصف الإسرائيلي ميناء الصيد الصغير في القطاع المحاصر الواقع بالقرب من منطقة الرمال في مدينة غزة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
تفرض “إسرائيل” حصارًا بحريًا وجويًا على قطاع غزة منذ سنة 2007، بعد سيطرة حماس على القطاع من السلطة الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية. وتخوض “إسرائيل” قتالًا دمويًا ضد حماس، التي تواصل المقاومة الشديدة ضد قواتها على الأرض، لكن “إسرائيل” تتمتع بسيطرة عسكرية غير مقيدة على سماء غزة وبحرها. ويتطلب تسليم المساعدات عن طريق الإنزال الجوي أو السفن موافقة” إسرائيل” الفعلية.
وقد أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة، بعد الهجمات التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على جنوب “إسرائيل”، إلى مقتل أكثر من 32 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. وقد رفض زعماء القبائل في غزة عرض “إسرائيل” لتأمين المساعدات وتوزيعها.
ويعتقد عوكل أن “إسرائيل” وافقت على إنشاء الرصيف كوسيلة لتهجير الفلسطينيين من غزة عبر البحر الأبيض المتوسط، قبل هجوم عسكري متوقع على مدينة رفح الحدودية جنوب غزة حيث يُقيم حوالي 1.4 مليون فلسطيني. وأضاف: “هناك ممرات أكثر وأفضل وأسرع وأرخص عبر الأرض. وهذا [الميناء] هو وسيلة لمساعدة الإسرائيليين على تحقيق هدفهم المتمثل في تهجير الفلسطينيين بعد الفشل في دفعهم إلى سيناء”. في المقابل، وصف المسؤول الغربي المطلع على الممر البحري هذا التفسير بأنه “مبالغة”.
البصمة الأمريكية
لكن بغض النظر عن المتشككين أثار المشروع الدهشة في واشنطن. وأكد بعض أعضاء المخابرات أنه لن تكون هناك قوات أمريكية على الأرض، وقالوا إن الجيش الإسرائيلي سيوفر الأمن.
كتب السيناتور الجمهوري روجر ويكر وغيره من المشرعين الجمهوريين في رسالة إلى بايدن الأسبوع الماضي: “إننا نشعر بقلق بالغ من أن وزارة الدفاع لم تعط سوى القليل من الاهتمام لاحتمال أن تحاول حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وغيرها من المنظمات المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والعاملة في غزة مهاجمة الأفراد الأمريكيين الذين سيتم نشرهم في هذه المهمة”.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي لموقع ميدل إيست آي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “كل ما يتطلبه الأمر هو إرهابي واحد يحمل آر بي جي لضرب رجالنا. وماذا نفعل بعد ذلك؟ هل ننتقم من حماس؟ هل نحن الآن مقاتلون في غزة؟”.
قد تواجه القوات الأمريكية العاملة على الجسر أيضًا معضلة إذا وقع حادث بينما يحاول الفلسطينيون الحصول على المساعدات. وفي الأسبوع الماضي، غرق 12 شخصًا أثناء محاولتهم إنقاذ المساعدات التي سقطت في البحر، كما قُتل آخرون بسبب تساقط الطرود. وإذا مضى مشروع الميناء قدمًا واستمرت “إسرائيل” في تقييد المساعدات إلى غزة عن طريق البر فإن الولايات المتحدة تخاطر أيضًا بأن يُنظر إليها على أنها توفر غطاءً للهجوم الإسرائيلي، في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن بناء إجماع في العالم العربي على خطة حكم غزة بعد الحرب.
لم تستجب وزارة الخارجية الأمريكية لطلب ميدل إيست آي التعليق على هذا المقال. ويحظى مشروع الميناء بدعم من قبرص والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتعتبر الإمارات وقطر الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تشاركان علنًا، في حين “رحّبت” مصر بافتتاح الممر.
المصدر: ميدل إيست آي