هددت المملكة العربية السعودية بفرض حصار بري وبحري على جارتها الدولة الخليجية قطر ما لم تقطع علاقاتها بالإخوان المسلمين وتغلق الجزيرة وتطرد من الدوحة فرعين محليين لمركزي أبحاث أمريكيين مرموقين هما مركز بروكينغز فرع الدوحة ومعهد راند لدراسة السياسات فرع قطر.
وكان التهديد الموجه لقناة الجزيرة ومعهدي بروكينغ وراند قد صدر عن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي عقد في الرياض الأسبوع الماضي، وذلك حسبما صرح به مصدر كان حاضراً في الاجتماع الذي أكد بأن سعود الفيصل قال بأن هذه الإجراءات ستكون كافية إذا ما أرادت قطر تجنب “العقاب”.
من شأن أنباء التهديد بإغلاق المكاتب المحلية لكل من مركز بروكينغز ومعهد راند في الدوحة أن تحرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي من المقرر أن يزور الرياض في نهاية الشهر الحالي. هذا، ويشار إلى أن وزيرة التجارة الأمريكية بيني بريتزكار كانت في أبو ظبي يوم الأحد حيث صرحت لوكالة الأسوشيتد بريس بأنها ستخبر المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر بأن التعاون الاقتصادي الأوثق مع واشنطن يشكل جسراً لبناء علاقات أمنية أعمق.
تكتنف العائلة السعودية مشاعر متساوية من الغضب والتهديد بسبب الدور الذي لعبته قناة الجزيرة في السنوات الأولى من الربيع العربي والتي شهدت إسقاط عدد من الحكام المستبدين في ثورات عصفت ابتداء بكل من تونس ومصر. وماتزال العائلة السعودية منزعجة بسبب التغطية المتعاطفة التي تمنحها قناة الجزيرة في الدوحة للمعارضة، بشقيها العلماني والإسلامي، في مصر.
في الأسبوع الماضي مثل أمام إحدى المحاكم في القاهرة ثلاثة صحفيين من طاقم قناة الجزيرة هم محمد فهمي مدير مكتب القاهرة والمراسل الأسترالي بيتر غريستي والمنتج المصري باهر محمد، والذين وجهت لهم تهم “الانضمام إلى جماعة إرهابية، ومساعدة جماعة إرهابية، وتهديد الأمن الوطني”. وهناك صحفي رابع من قناة الجزيرة العربية هو عبد الله الشامي، الذي يحاكم في قضية منفصلة.
تتهم الحكومة التي يدعمها العسكر في مصر قناة الجزيرة بتوفير منصة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين التي باتت الآن محظورة. “الصحفيون ليسوا إرهابيين”، كانت صيحة محمد فهمي من داخل قفص الاتهام في المحكمة.
يجدر التذكير بأن التهديد بضرب حصار على قطر كان قد صدر في جلسة خاصة قبل أن تقدم المملكة على سحب سفيرها من الدوحة وقبل أن تصدر يوم الجمعة قراراً يصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ويضعها في سلة واحدة مع القاعدة وحزب الله (السعودي) وداعش وجبهة النصرة.
لا يبدو أن قطر تأخذ التهديد بفرض حصار عليها على محمل الجد، إلا أن الحدود البرية الوحيدة لقطر هي حدودها مع المملكة العربية السعودية، ولهذا فمن اليسير جداً إغلاقها. كميات كبيرة من المواد الغذائية الطازجة ومن البضائع التي تحتاجها مدينة الدوحة يومياً تصلها حالياً عبر حدود قطر البرية مع السعودية. لا تتجاوز الحدود البرية والبحرية بين البلدين 40 ميلاً، وقد وقعت مناوشات من قبل على امتداد هذه الحدود التي ظلت موضع نزاع بين البلدين لما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً، ومن تلك المناوشات ما حصل عام 1992 حينما احتلت القوات السعودية موقعاً حدودياً لقطر. ولم يتم التوقيع على اتفاقية نهائية لترسيم الحدود إلا عام 2001.
يعتقد بأن النغمة المكارثية المتصاعدة في الخطاب السعودي الرسمي العلني تجاه جماعة الإخوان المسلمين إنما هو مؤشر على حالة الإحباط واليأس التي تنتاب صناع القرار في المملكة إزاء ما آلت إليه الأوضاع في مصر. فدعم الدكتاتورية العسكرية في القاهرة يكلف المملكة العربية السعودية وحليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة الكثير جداً. لقد تكبدتا معاً حتى الآن ما يقرب من 32 مليار دولار في سعي محموم لدعم الانقلاب، إلا أن حالة الفوضى التي خلفها ماتزال مستمرة، ولا يبدو أن نهايتها وشيكة.
تنهمك السلطات المصرية بشكل دائم في مكافحة الاحتجاجات المستمرة لأنصار مرسي والنشطاء العلمانيين وفي مواجهة الحملة الشعبية للعصيان المدني ومحاولة منع الهجمات التي تشن من حين لآخر، وبشكل متزايد، على أفراد الشرطة، ومراكز الأمن، ناهيك عن الإضرابات التي تعم البلاد والنشاطات المسلحة للمتمردين في شبه جزيرة سيناء وعمليات إطلاق النار ورمي القنابل التي يقوم بها إسلاميون متشددون. في خطاب أخير له أشار فيه إلى رغبته في الترشح للرئاسة، قال الفريق عبد الفتاح السيسي إن بلاده بحاجة إلى 3 تريليون جنيه مصري، أي ضعف الدين الحكومي الحالي، لتتمكن من إعادة تعبئة الخزينة الخاوية.
ما من شك في أن القرار التعسفي الذي اتخذ يوم الجمعة في المملكة العربية السعودية ستكون له آثاره الخطيرة على حرية التعبير فيها، وذلك أن صياغته جاءت عامة شاملة تستهدف ليس فقط مؤيدي المنظمات المحظورة التي سماها القرار، وإنما أيضاً كل من “يدعو إلى فكر إلحادي”، ويحظر جميع مظاهر الاحتجاج، ويجرم كل من يحضر مؤتمرا أو ندوة، محلياً أو دولياً “تستهدف أمن واستقرار البلاد أو تثير الفتنة داخل المجتمع”.
وتجرم المادة الرابعة من القرار: “كل من يظهر انتماء لأي من هذه المجموعات أو يعبر عن تعاطف مع أي منها أو يروج لأي منها أو يعقد اجتماعات تحت مظلتها سواء داخل المملكة أو خارجها”.
وتضيف المادة الرابعة: “ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت،أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها”.
مثل هذا التهديد يطال ملايين المشتركين في موقع تويتر داخل المملكة، حتى بات هذا الموقع هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن الرأي وعن الاختلاف.
يتوقع المحللون في بلدان أخرى داخل منطقة الخلية أن تكون للإجراءات السعودية نتائج عكسية. حيث أن السعودية تسببت حتى الآن في شل مجلس التعاون الخليجي، فعمان ترفض طرد قطر من المجلس بينما تعرب الكويت عن شعور عميق بعدم الارتياح إزاء ذلك. كما أن من شأن مثل هذه السياسة أن تدفع باتجاه إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. فخلال ساعات معدودة من الإعلان عن قرار السعودية سحب سفيرها من الدوحة، بادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان بمهاتفة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ليعرب له عن دعمه وتضامنه، كما أن من شأن القرار السعودي أن يقرب قطر أكثر فأكثر من إيران.
والخلاصة أن الحرب الدبلوماسية المفتوحة بين الرياض والدوحة تضع جيلين من حكام الخليج في مواجهة بعضهما البعض، ففي أحد الطرفين يقف الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يبلغ من العمر 89 عاماً بينما يقف في الطرف المقابل الشيخ تميم بن حمد ذي الثلاثة والثلاثين ربيعاً. والكل بانتظار النتيجة، اي جيل سينتصر؟