تعتبر اليونان من أكثر الدول الأوروبية إثارة للاهتمام في تاريخ الحضارة الإسلامية، إذ بدأت هذه العلاقة بالتشكل خلال التبادلات التجارية والثقافية، وتعمقت بسبب الفتح الإسلامي لعدة جزر يونانية، ومن ثم تعاظم الوجود الإسلامي على أرضها خلال فترة حكم الدولة العثمانية، فوصل عدد المسلمين فيها إلى 68% من عدد السكان، لكن عند استقلال اليونان عن الحكم العثماني عام 1830 اضطر أغلبية المسلمين إلى الرحيل.
يقال إن أول لقاء بين المسلمين وأوروبا كان على جزيرة رودوس عام 654 والذي اكتمل بفتح جزيرة كريت عام 827، مما أدى إلى انتشار الإسلام في معظم أرجاء المدن اليونانية، وبسبب الأحداث السياسية المتتالية فقد ضُمت مدينة تسالونيك ذات الأغلبية المسلمة إلى الأراضي اليونانية وكان عدد المسلمين فيها نحو 40 ألفًا، ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي ساعدت على نمو المجتمع الإسلامي في هذا البلد الأوروبي، ففي عام 1913 عند انتهاء حروب البلقان أُلحقت مناطق جديدة كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية إلى اليونان.
ومع هذه التحولات الجغرافية والسياسية ضعف الوجود الإسلامي في اليونان تدريجيًا، وانتهى باندلاع الحروب اليونانية التركية وتوقيع معاهدة “لوزان للسلام” والتي نصت على تبادل السكان بين الدولتين، ومغادرة نحو 450 ألف مسلم من اليونان ليذهبوا إلى تركيا.
5 مجموعات مسلمة موجودة في اليونان
تشكلت التركيبة الديموغرافية لمسلمي اليونان وفقًا لمجموعة من القرارات والاتفاقيات السياسية التي دمجت بين فئات عرقية مختلفة وتحمل نفس الهوية الدينية على أرض أوروبية.
استثنت هذه المعاهدة سكان منطقتي “تراكيا” التي بلغ فيها عدد المسلمين 92 ألفًا ويتكلمون التركية والبلغارية ويطلق عليهم “البوماك” ويحملون الجنسية اليونانية، إلى جانب سكان “إيبير” التي بقي فيها 26 ألف مسلم يتحدثون الألبانية، والذين أجبروا لاحقًا خلال الاحتلال الألماني على المغادرة إلى ألبانيا عام 1945، وبعد عامين من هذه الحادثة ضمت اليونان جزر “دوديكانيز” التي يبلغ عدد سكانها المسلمين 12 ألف مسلم ويتحدثون اللغة اليونانية والتركية ويمتلكون الجنسية اليونانية.
ويمكن تلخيص هذه المجموعات على هذا الشكل: أتراك غرب منطقة “تراكيا”، وبوماك “رودوب اليونانية”، وألبان شمال غرب اليونان، وأتراك “رودوس” و”كوس” إلى جانب الغجر الروما المسلمين
إضافة إلى الفئة الجديدة التي تشكلت بسبب حركات الهجرة التي توجهت إلى اليونان بحثًا عن حياة أفضل وأكثر أمنًا ويقدر عددها – طبقًا لإحصائيات غير رسمية – الأفغان 20 ألف نسمة، السوريون 15 ألفًا، والمصريون والعراقيون وغيرهم نحو 40 ألفًا.
ويمكن تلخيص هذه المجموعات على هذا الشكل: أتراك غرب منطقة “تراكيا”، وبوماك “رودوب اليونانية”، وألبان شمال غرب اليونان، وأتراك “رودوس” و”كوس” إلى جانب الغجر الروما المسلمين.
ومن الصعب رصد التعداد السكاني لكل مجموعة، فالقانون اليوناني لا يسمح بالتصنيفات المبنية على الاختلاف الديني أو القومي أو اللغوي.
كيف تنظر اليونان إلى المسلمين من سكانها؟
وفقًا لدستور الدولة فإن الدين الرسمي والغالب في اليونان هو الأرثوذكسية، لكنها تعترف بالإسلام أيضًا معتمدة على نظام “الملة” الذي ورثته من الدولة العثمانية والذي يسمح للأقليات بالحصول على حقوقها القانونية والسياسية، وهنا يمكن ملاحظة تأثر النظام اليوناني الأوروبي بالأحكام العثمانية التقليدية في طريقة الحكم.
جدير بالذكر أن هذا النظام يطبق فقط على الأقلية الموجودة في منطقة تراكيا، حيث ينشط في هذا المكان تأسيس مؤسسات خاصة بهم كالتعليم والمحاكم الشرعية، ورغم أن قانون الأوقاف يسمح للمسلمين بتملك 0.5% من حصة القطاع فإن هذا النظام لا يزال غير فعال منذ عام 2008.
رجال الدين في اليونان
بعد عملية تبادل السكان بين اليونان وتركيا، كان في اليونان 35 مفتيًا، وتقلص العدد إلى 6 في عام 1923، موزعين بين مناطق معينة في إيبير وسالونيك وتراكيا ورودوس، واُعترف بصلاحياتهم لأول مرة عام 1881، وتم التأكيد على شرعيتهم عام 1914.
وبالنسبة إلى مواقعهم في الحياة السياسية، فهم يتمتعون بثقل سياسي وخاصة داخل مجتمعاتهم المحلية، فهم المتحدثون الرسميون باسم المسلمين مع السلطات القانونية، علمًا أنهم أيضًا كانوا طرفًا بارزًا في الخفض من حدة التوترات بين اليونان وتركيا.
ينص القانون 1920 لسنة 1991 على تعيين المفتي مباشرة من السلطات اليونانية، وهذا ما نتج عنه ردة فعل قوية من المسلمين، وجعل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تصدر قرارًا تؤكد فيه حق المسلمين في اختيار ممثليهم الدينيين
كما ينص القانون 1920 لسنة 1991 على تعيين المفتي مباشرة من السلطات اليونانية دون أي حركات انتخاب أو ترشح، وهذا ما نتج عنه ردة فعل قوية من المسلمين، وجعل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تصدر قرارًا تؤكد فيه حق المسلمين في اختيار ممثليهم الدينيين دون تدخل الحكومة اليونانية، وبالفعل يتم حاليًّا انتخاب المفتيين من الأقلية المسلمة وبالمشاركة مع مفتيين آخرين ممثلين من طرف الدولة.
200 ألف مسلم يعيشون في العاصمة أثينا دون وجود جامع رسمي
بحسب رئيس الجمعية الإسلامية في اليونان نعيم غندور فهناك أكثر من 200 ألف مسلم مقيم في أثينا ومنطقة أتيكا المحيطة بها، ومن الصعب معرفة التعداد الرسمي لجميع المسلمين لعدم وجود إحصاءات رسمية من الحكومة.
ويذكر أنه منذ احتلال الدولة العثمانية لليونان قبل ما يقرب 200 عام، لم يُبنى في العاصمة أي مساجد للصلاة، سوى بعض المصليات ضيقة المساحة والتي عادة ما تكون تحت الأرض، وغالبًا ما تكون بلا تراخيص قانونية وتُشعر المسلمين من مواطنيها أنهم درجة ثانية.
أعلنت الحكومة اليونانية بدءها بناء مسجد بمساحة قدرت بـ600 متر مربع وبميزانية قيمتها 1.3 مليون دولار، جدير بالذكر أن هذا الجامع لن يكون له مئذنة، خوفًا على الهوية الأرثوذكسية للبلد
وعلى مر السنوات السابقة طالبت الأقلية المسلمة في الدولة السلطات اليونانية ببناء مسجد رسمي خاص بهم، ولم يتلق المسلمون سوى الوعود والردود الإيجابية والقرارات المتوقفة عن التنفيذ، وذلك بسبب معارضة الكنيسة الشديدة.
أما قبل 3 أعوام، أعلنت الحكومة اليونانية بدءها بناء مسجد بمساحة قدرت بـ600 متر مربع وبميزانية قيمتها 1.3 مليون دولار، جدير بالذكر أن هذا الجامع لن يكون له مئذنة، خوفًا على الهوية الأرثوذكسية للبلد.
فمن الواضح أن الوجود الإسلامي في اليونان قديمًا لم يصمد كثيرًا بسبب الاضطرابات السياسية التي حولت قوة الحضارة الإسلامية إلى أقلية تحاول أن تحافظ على الطابع الديني في حياتها اليومية، متحدية ضغوط الأحزاب اليمنية المتطرفة والقوانين الأوروبية النظرية.