كلما قدمت مزيدًا من المعلومات عن نفسك، استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تخدمك بشكل أفضل، معلوماتك تكون في مقابل راحتك، وفي مقابل أسعار أقل وخدمات أسرع وخدمات مجانية أيضًا، هكذا تعمل منصات خاصة بشركات تكنولوجية ضخمة مثل فيسبوك وأمازون وجوجل، ولكن بدأت الحكومات قبل الأفراد تعي وجوب وضع حد لتحكم شركات التكنولوجيا الضخمة بالمعلومات، ربما تكون حرب استعادة السيطرة على المعلومات قد بدأت بالفعل.
الحق في المعرفة واحد من أساسيات المجتمع الديموقراطي، ليستطيع الأفراد فيه الحصول على المعلومات وتبادلها بشكل حر بعيدًا عن القوانين السياسية والقيود المجتمعية، بما في ذلك قدرتهم على التحكم في بياناتهم الشخصية وحمايتهم لها ومشاركتها حسب رغباتهم الشخصية.
على مدار السنوات تباينت الحكومات والدول والأنظمة على مستويات التحكم في المعلومات ووسائل نشرها سواء كانت محطات إذاعية أم كتب أم مواقع على شبكات الإنترنت، فباتت بعضها شديدة التحكم فيما سبق لتمنع بيانات بعينها أو تحجب مصادر معينة، وبات البعض الآخر شديد المرونة في منح الأفراد أو المواطنين مطلق الحرية في الوصول للمعلومات وتبادلها وحق نشرها.
بعيدًا عن الحكومات، كانت منصات التواصل الاجتماعي أكثر الجهات التي توفر هذا الحق بشكل حديث وجذاب للأفراد أو المستخدمين، في منحهم حق تبادل معلوماتهم الشخصية بشكل طوعي ومشاركتها مع من يختارون أو علانية، في المقابل يمنح الفرد أو المستخدم بياناته الشخصية والاجتماعية والمالية وأحيانًا بيانات المؤسسة الخاصة به، وكلما زاد عدد المعلومات التي يُشاركها المستخدم طوعًا، كان مستوى الخدمة أفضل وسعرها أقل.
الحق في المعرفة واحد من أساسيات المجتمع الديموقراطي، ليستطيع الأفراد فيه الحصول على المعلومات وتبادلها بشكل حر بعيدًا عن القوانين السياسية والقيود المجتمعية
عملت منصات شركات التكنولوجيا مثل أمازون وفيسبوك وجوجل بهذه الميكانيكية منذ ظهرت للعلن وبدأت في عرض خدماتها الإلكترونية التي شملت تقريبًا أغلب نشاطاتنا اليومية على الشبكة العنكبوتية وفي حياتنا اليومية أيضًا، إلا أنها لم تقتصر فقط على المستوى الفردي، وزاد تحكمها في تجميع وحفظ المعلومات إلى المؤسسات والشركات، ومن ثم زاد لتجميع المعلومات من الكيانات والاتحادات، ومن ثم جاء دور الحكومات.
أصبح وجود الحكومات على منصات مواقع التواصل الاجتماعي أمرًا شائعًا قبل بضعة سنوات من الآن، فليس غريبًا أن نرى رئيسًا لأكثر الدول قوة في العالم يتحدث للجماهير من خلال تغريداته على تويتر كما في حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وليس غريبًا أن تتواصل مع الوزارات من خلال محادثات على تطبيق فيسبوك ماسنجر على سبيل المثال، أو من الممكن أن تزور الصفحات الرسمية الخاصة بالرؤساء والوزراء والسفراء وتترك تعليقًا على أحد منشوراتهم بكل سهولة.
على مدار السنوات تباينت الحكومات والدول والأنظمة على مستويات التحكم في المعلومات ووسائل نشرها سواء كانت محطات إذاعية أم كتب أم مواقع على شبكات الإنترنت
ليس هذا فحسب، بل توجد الحكومات بشكل رقمي واسع الانتشار على الشبكة العنكبوتية كذلك، فمن خلال إنترنت الأشياء (IOT) وقوانين تكنولوجيا التواصل (ICT) التي تختلف من بلد إلى آخر يمكنك الآن قضاء أغلب معاملاتك الحكومية دون الانتظار في صفوف طويلة ودون الحاجة للتعامل مع الأفراد بتاتًا، بل يمكنك دفع كل فواتيرك والضرائب الخاصة بك وإنهاء معاملاتك البنكية والاطلاع على مخالفاتك المرورية كل ذلك من خلال منصات حكومتك الرقمية.
ماذا لو رفضت الشركات أو الحكومات إعطاء المعلومات لمواقع التواصل الاجتماعي؟
“اللائحة العامة لحماية البيانات” أو (GDPR)
يبدو ذلك جيدًا إلى هذا الحد، ولكن لا يبدو أن الكل سعيدًا بحصول شركات التكنولوجيا الضخمة على المعلومات الخاصة بالمواطنين والشركات والمؤسسات، وبالأخص الحكومات، حيث تعمل الأخيرة على سن القوانين التي ستجبر شركات التكنولوجيا بشكل أو بآخر أن تُلقي الضوء على ما في جعبتها من بيانات ومعلومات عن الأفراد المستخدمين والكيانات التجارية والمؤسسات الحكومية أيضًا.
يبدو أن أول تلك الحكومات حكومة الاتحاد الأوروبي، فمن الواضح أن الأوروبيين أول من سيجدون طريقًا جديدًا لمزيد من التحكم في بياناتهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سيُغير من شكل حماية الأفراد لبياناتهم على تلك المنصات.
ستعمل اللائحة على إعادة السلطة للأفراد للتحكم في بياناتهم بدلًا من تحكم شركات التكنولوجيا الضخمة بالإضافة إلى تحكم بعض الشركات التجارية بها
يرى خبراء “حماية البيانات” أن ما يفعله الاتحاد الأوروبي هو إعادة السلطة للأفراد بدلًا من مركزيتها لدى شركات التكنولوجيا الضخمة التي تعمل على كسب المليارات من الدولارات من خلال التحكم في مزيد ومزيد من البيانات والمعلومات الشخصية عن كل مستخدم، وهو ما يراه خبراء “حماية البيانات” الأوروبيين تطورًا أكثر منه ثورة على التكنولوجيا.
لائحة حماية البيانات الخاصة تُهدد فيسبوك وأمازون
يعمل الاتحاد الأوروبي على سن قوانين خاصة بـ”اللائحة العامة لحماية البيانات” أو (GDPR) وهي اللائحة التي ستُغير قوانين حماية البيانات التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي منذ عام 1995، حيث ستعمل اللائحة على إعادة السلطة للأفراد للتحكم في بياناتهم بدلًا من تحكم شركات التكنولوجيا الضخمة بالإضافة إلى تحكم بعض الشركات التجارية بها.
تأتي هذه اللائحة أخيرًا بعد 4 سنوات من النقاشات، فاعتمدها كل من البرلمان والمجلس الأوروبي في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، ليبدأ تنفيذها في شهر مايو/آيار من العام المقبل، وهي الفترة التي منحها كل من البرلمان والمجلس الأوروبي لشركات التكنولوجيا لكي تستعد للتغيير.
يرى خبراء “حماية البيانات” أن ما يفعله الاتحاد الأوروبي هو إعادة السلطة للأفراد بدلًا من مركزيتها لدى شركات التكنولوجيا الضخمة
سوف تتأثر كل الشركات التي تعمل إما من خلال المعلومات الشخصية التي يمنحها المستخدمون طوعًا أو تعمل على التحكم في المعلومات والبيانات الشخصية نفسها بقوانين حماية البيانات الأوروبية الجديدة، حيث تشمل اللائحة كل المعلومات الشخصية بداية من العنوان ورقم بطاقة الائتمان، أو معلومات عن الانتماءات الدينية أو السياسية أو الجنسية.
لا تُمكن اللائحة الأفراد من التحكم في بياناتهم على منصات ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي فحسب، بل تُمكنهم من الوصول السهل للمعلومات التي تعرفها عنهم شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الشركات التجارية التي تستخدمها لأغراض تجارية أو سياسية للتلاعب بهم من خلال منصاتهم، هذا يعني أن اللائحة ستفرض على شركات مثل فيسبوك وأمازون إلقاء الضوء على ما في جعبتها من بيانات ومعلومات عن المستخدمين من الاتحاد الأوروبي.
هناك غرامة مالية تُقدر بملايين الدولارات ونسب معينة من أرباح شركات التكنولوجيا تلك إن لم تتبع القوانين التي تفرضها عليها اللائحة
سوف تعمل كل الشركات والمنصات التي تستخدم معلومات الأفراد الشخصية المذكورة سابقًا من الآن فصاعدًا على تبليغ كل المعلومات الخاصة بتلك البيانات سواء تخزينها أو تغييرها أو استخدامها أو حتى خسارتها للجهات الحكومية الخاصة بقوانين حماية البيانات التي تعمل باللائحة العامة المذكورة سابقًا، حيث تستهدف تلك القوانين بالأخص شركات التكنولوجيا التي يعمل بها أكثر من 250 موظفًا، حيث سيتعين على تلك الشركات أن تُفسر بشكل واضح غايتهم من تجميع البيانات الشخصية للمستخدمين أو الأفراد.
لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يأخد الأمر بشكل هين، إذ إن هناك غرامة مالية تُقدر بملايين الدولارات ونسب معينة من أرباح شركات التكنولوجيا تلك إن لم تتبع القوانين التي تفرضها عليها اللائحة، وإن لم تتعاون مع قوانين حماية البيانات الجديدة أو إن حاولت التلاعب بالتقارير التي ترسلها للجنة حماية البيانات.
يبدو أن الشفافية التي تحدث عنها كثيرًا الرؤساء التنفيذيون لشركات التكنولوجيا الضخمة مثل مارك زوكيربيرغ على سبيل المثال، تظهر للعيان رغمًا عنهم لا طواعية، فمن الواضح أن قوانين حماية البيانات الخاصة بالاتحاد الأوروبي أعلنت حرب السيطرة على البيانات مع شركات التكنولوجيا التي تستعد الآن لخوض المعركة القادمة، فمن سينتصر يا ترى؟!