تتزاحم الملفات على طاولة اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي أردوغان ونظيره الأمريكي بايدن، في لقاء هو الأول من نوعه منذ تولي بايدن إدارة البيت الأبيض عام 2020، إذ تأتي هذه الزيارة المقررة في 9 مايو/أيار بحسب موقع “خبر تورك” بعد فترة من توتر العلاقات بين البلدين بسبب خلافات بين البلدين العضوين بحلف شمال الأطلسي، ثم تحسنت منذ تصديق أنقرة على طلب السويد الانضمام إلى الحلف في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد تأخير استمر 20 شهرًا أثار إحباطًا في واشنطن.
مسؤولون أتراك أكدوا أن الزيارة تأتي “كفرصة” لتطوير العلاقات الثنائية، حيث نقلت “رويترز” عن مسؤول تركي لم تسمه قوله: “نأمل أن تكون الزيارة أيضًا فرصة لتعزيز التعاون في مجالات مختلفة وتعزيز روح التحالف، بما في ذلك مكافحة الإرهاب”، بالمقابل أكد مسؤولون أمريكيون للوكالة أن زيارة أردوغان لواشنطن تشكل فرصة مهمة لتسوية العديد من القضايا بين البلدين.
أهمية الزيارة تجلت في التحضير لها من خلال لقاء رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم كالن، لعدد من أعضاء مجلس النواب الأمريكي في 29 مارس/آذار، لمناقشة زيارة أردوغان المزمعة وقضايا ثنائية، وذلك بحسب تصريح مسؤول أمني تركي لوكالة “رويترز”.
يضاف إلى أحاديث التعاون، مناقشة عدد من القضايا الشائكة بين البلدين، مثل الموقف من الحرب الأوكرانية واتهام واشنطن لأنقرة بالتحايل على العقوبات المفروضة على روسيا، والموقف من حرب غزة وقضية بيع المقاتلات الأمريكية f16، وقد يكون من أبرزها أيضًا مناقشة الملف السوري في تركيا، إذ ذكرت صحيفة “حرييت” التركية، الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت استعدادها لمناقشة الملف السوري مع تركيا، بعد المناخ السياسي الجديد بينهما، وقالت الصحيفة إن واشنطن أعطت رسالة جديدة إلى تركيا مفادها أنها “مستعدة للحديث عن سوريا إستراتيجيًا”، وأشارت إلى أنه “لا ينبغي أن تكون الاجتماعات حول هذه القضية في الأيام المقبلة مفاجئة لأحد”.
دعم قوات سوريا الديمقراطية
يعد ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ودعمها، من أبرز الملفات الخلافية بين الطرفين، ففي الوقت الذي تعبر فيه أنقرة منذ سنوات عن انزعاجها الشديد من الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب “يي بي جي” (الجناح العسكري لقسد) التي تعدها امتدادًا لتنظيم حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” الذي تصنفه أنقرة “إرهابيًا”، ترى واشنطن أن وحدات حماية الشعب هي حليف رئيسي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا.
هذا الاستياء عبر عنه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في أثناء اجتماعه مع المسوؤلين في البيت الأبيض يوم 9 مارس/آذار الفائت، حين قال إنه ناقش مسألة الدعم الأمريكي لـ”تنظيم الوحدات الكردية”، مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان وأعضاء من الكونغرس خلال اجتماعات الآلية الإستراتيجية للعلاقات التركية الأمريكية في واشنطن.
عقب انتهاء الاجتماع أكد فيدان أن “الدعم المقدم من الولايات المتحدة إلى تنظيم (الوحدات الكردية) الإرهابي في سوريا بذريعة مكافحة (داعش) لا يقتصر على تزويده بالأسلحة، بل يشمل التدريب وتطوير القدرات وإضفاء الطابع المؤسسي، ما يشكل تهديدًا لتركيا”.
وعن إمكانية تخفيف الولايات المتحدة دعمها لوحدات حماية الشعب التابعة لـ”قسد” يؤكد مدير وحدة التحليل السياسي بمركز حرمون للدراسات سمير العبدالله أنه من غير المتوقع أن يكون الموقف التركي ضاغطًا بشكل كبير على أمريكا لدرجة تدفعها لتخفيف الدعم، لأن تركيا في الوقت الحالي تحاول أن تكون أكثر قربًا وميلًا إلى الغرب على حساب روسيا، وذلك بسبب التحدي الاقتصادي الذي تواجهه تركيا.
وفي حديثه لموقع “نون بوست” يؤكد الباحث العبدالله أن الموقف التركي قد يقتصر في هذا السياق على “تليين” الموقف الأمريكي، كأن يتم الإعلان عن تفاهمات في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال خطوات شكلية، كإبعاد حزب العمال الكردستاني، مثل ما جرى في العراق، مع الحكومة المركزية، إلا أن هذه الخطوات لن تغير شيئًا على أرض الواقع.
عملية عسكرية شرقي الفرات
لطالما هددت تركيا بالقيام بعملية عسكرية شرقي الفرات ضد وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لـ”قسد”، لمنعها من إنشاء كيان انفصالي على حدودها الجنوبية، هذا التهديد ازداد في الفترة الأخيرة مع تصاعد عمليات حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري “وحدات حماية الشعب” ضد القواعد التركية المنتشرة في كل من سوريا والعراق، بحسب ما تؤكد أنقرة.
في هذا السياق أكد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية في شهر فبراير/شباط الماضي أن تركيا لن تسمح بإنشاء “إرهابستان” (دويلة إرهابية) على حدودها الجنوبية مهما كانت الأسباب والحجج، وذلك عقب اجتماع أمني عُقد في إسطنبول برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، ومشاركة كبار المسؤولين، بعد مقتل أكثر من 30 جنديًا تركيًا شمال العراق.
من ناحيته يرى المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو أن هذه العملية العسكرية ضرورة قصوى لحماية الأمن القومي التركي، وبالتالي سيكون هناك توضيح لوجهة النظر التركية أمام الإدارة الأمريكية.
ويؤكد أوغلو لموقع “نون بوست” أنه بغض النظر اقتنعت السلطات الأمريكية أم لم تقتنع بالرؤية التركية لهذه العملية العسكرية، فإن تركيا عازمة على اجتثاث كل هذه التهديدات الإرهابية في وكرها وحيثما وجدت سواء شمال سوريا أم شمال العراق، كما حصل في عملية “نبع السلام” التي تمت شرقي نهر الفرات، ولم يكن هناك أي رضا من الإدارة الأمريكية.
لذا يرى أوغلو أن هذه الزيارة تشكل فرصة مهمة جدًا لإيضاح مغزى هذه العملية العسكرية المرتقبة وعدم رجوع تركيا عن الحل العسكري الذي أصبح ضرورة قصوى بعد استنفاد كل السبل الدبلوماسية والسياسية، وعدم الالتزام من روسيا والولايات المتحدة بعدم دعم وتمكين هذه المليشيات المسلحة على الحدود التركية.
وفي السياق أكدت مصادر صحفية تركية ومنها صحيفة “ديلي صباح” التركية أن قرار مكافحة الإرهاب قرار حازم لا رجعة فيه، وهدف أنقرة هدفٌ مشروع، يتمثل في تنظيف جميع الميلشيات والتنظيمات على الحدود التركية، لأنها ستضطر في المستقبل إلى مكافحة هذه المليشيات في الداخل التركي إذا لم تكافحها على الحدود مع سوريا والعراق.
ماذا عن إدلب؟
المحافظة على الوضع القائم في إدلب من حيث وقف إطلاق النار وتثبت نقاط التماس، سيكون من ضمن النقاط التي ستناقشها تركيا مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالملف السوري، وذلك بحسب المحلل التركي أوغلو.
ويذكر أوغلو أيضًا أن أي خلل بالوضع القائم هناك، سيدفع ملايين السكان للالتجاء إلى تركيا، وهذا بدوره سيشكل تهديدًا للأمن القومي التركي، وبناءً عليه يجب أن يكون هناك تطبيق لكل التفاهمات التي تم الاتفاق عليها خصوصًا في آخر عملية عسكرية جرت عام 2020 وهي “درع الربيع”، التي تم بناء عليها تثبيت النقاط التركية وتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب.
يذكر أنه في فبراير/شباط من العام 2020 أطلقت تركيا عملية “درع الربيع” ضد قوات النظام المنتشرة في أرياف حلب وإدلب، وذلك ردًا على مقتل 34 عسكريًا تركيًا في قصف لطائرات النظام استهدف إحدى القواعد التركية في المنطقة.
أما الباحث سمير العبدالله فيوضح أنه لا تغيير في الموقف الأمريكي بشأن إدلب، لأن الملف السوري ليس من أولويات السياسة الأمريكية التي تريد التركيز على ما يجري في أوكرانيا وغزة، إضافة إلى تصعيد العمليات بين إيران و”إسرائيل” ومن ورائها أمريكا من جهة، وبسبب حالة الجمود في الملف السوري، وعدم رغبة الأطراف في تغيير الواقع الحالي هناك من جهة ثانية.
لا تفاهمات قبل الانتخابات الأمريكية
من غير المتوقع أن يتم اتخاذ أي قرار بالنسبة لمنطقة شرق الفرات من الآن حتى نهاية الانتخابات الأمريكية، سواء من حيث انسحاب القوات الأمريكية، أو تخفيض الدعم لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أو حتى إعطاء الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب التابعة لـ”قسد”، وذلك بحسب الباحث سمير العبدالله.
يعلل العبدالله كلامه بالقول إن بايدن لا يريد أن يظهر بصورة المهزوم أمام الرأي العام الأمريكي قبل الانتخابات، كأن يسحب أو يقلص قواته في شرقي الفرات مثلًا، خاصة أنه لا توجد تكلفة للوجود الأمريكي في المنطقة من جهة، وبسبب نشاط المليشيات الإيرانية وتكرار اعتداءاتها على القواعد الأمريكية الذي يتطلب دعمًا لقوات “قسد” في تلك المنطقة من جهة أخرى.
وفي هذا السياق أكدت وكالة الأناضول أن القواعد الأمريكية شرقي الفرات تعرضت لـ83 هجومًا من ميليشيات مسلحة مدعومة خلال الشهر الأول فقط من العام الحاليّ.
من ناحيتها أكدت صحيفة “ديلي صباح” التركية في وقت سابق أن تركيا تنتظر انتهاء الانتخابات الأمريكية أيضًا، فمن الممكن أن تستطيع تركيا إقناع الرئيس الأمريكي الجديد بالتخلي عن المنظمات الانفصالية في سوريا والمضي قدمًا نحو تطبيق القرار الأممي 2254، وبعد كل هذه الأمور ستتبلور صورة واضحة للمشهد في سوريا وستقرر أنقرة وقتها الاستمرار في المسار السياسي أم تصعيد المسار العسكري.