ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ فترة طويلة، يبدو أن الشخص الوحيد الذي لم يكن متأكدا من أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها خلال شهر آذار/ مارس المقبل، هو فلاديمير بوتين. كان الكثيرون يتوقعون خوضه السباق الرئاسي المقبل، فضلا عن أن خصومه واثقون من عدم تفريطه في مثل هذه الفرصة، أما حاشيته فكانت مقتنعة بضرورة مشاركته، إلا أن الرئيس الروسي لايزال يؤخر إصدار قرار مشاركته في الانتخابات المقبلة.
في الحقيقة، إذا قرر بوتين الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فمن المؤكد أنه سيحقق فوزا ساحقا، خاصة أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، ويمتلك آلة سياسية تعمل بكل كفاءة، بإمكانه الاعتماد عليها. بالإضافة إلى ذلك، سوف تساعده هذه الآلة سياسية على تحقيق نتيجة تتراوح بين 60 و70 في المائة من الأصوات.
ومع ذلك، توجد وراء الكواليس أمور أقل قابلية للتنبئ بها. وخلال المقابلات التي أجرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية مع أكاديميين، وأطراف حكومية، وجهات فاعلة شبه حكومية، وبعض المجهولين، شاهدت الصحيفة صورة السلطة الروسية التي يطغى عليها الغموض الشديد. فضلا عن ذلك، تُظهر هذه الصورة كيف يضيق الرئيس الخناق على الكرملين ليكون قويا مثلما كان دائما، فقط لأنه يجب أن يكون كذلك.
وفقا لبعض المصادر، إن فلاديمير بوتين متعب لذلك هو متردد من المشاركة في انتخابات وطنية كبرى مرة أخرى، فضلا عن أن تكاليف الحملة الانتخابية القادمة سوف تتقلص كثيرا؛ ولن يتم تكرار السيناريو الشاق لانتخابات 2011-2012، عندما أعلن بوتين ترشحه في وقت مبكر بحوالي ستة أشهر.
أثار ترشح الشخصية التلفزيونية كسينيا سوبتشاك انقسامات في التصويت في الكرملين. وسواء أكان سيُسمح لها بالمشاركة أم ستمنع، فما زال ذلك قيد المناقشة
في السابق، أثار قرار بوتين بمبادلة الوظائف مع ديمتري ميدفيديف موجة احتجاج غير متوقعة. وبحلول موعد يوم الانتخابات، لم تكن النتيجة إطلاقا محل شك. ولكن استثمر بوتين الكثير من المال لكي يتمكن من تحقيق الفوز وكسب الدعم العاطفي والنفسي للشعب الروسي. في الواقع، يعتمد وضع الموعد النهائي للتسجيل على ما إذا كان بوتين سيترشح بصفة مستقلة أو على رأس قائمة حزبية. لكن يتوقع معظم المراقبين أن صدور إعلان ترشحه لن يكون قبل منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر.
بناء على ذلك، من المحتمل أن يجلب قصر مدة الحملة الانتخابية فوائد كثيرة، حيث ستجعل هذه الحملة الانتخابية من السباق الرئاسي عقيما، فضلا عن أنه سيكون أمام المعارضين وقت قصير لكي يتمكنوا من مواجهته. وحتى اللحظة الراهنة، لم تتمكن المعارضة من الاتفاق على مرشح، ومن غير المرجح بالطبع أن تشهد هذه المسألة انفراجا.
من جانب آخر، أثار ترشح الشخصية التلفزيونية كسينيا سوبتشاك انقسامات في التصويت في الكرملين. وسواء أكان سيُسمح لها بالمشاركة أم ستمنع، فما زال ذلك قيد المناقشة. كما يعتقد رئيس إدارة بوتين التكنوقراطي، سيرغي كيريينكو، أن “وجودها سيُضفي بعضا من التألق على المشهد السياسي الروسي؛ والمصداقية على السباق الرئاسي.
مما لا شك فيه، ستمنع السلطات ناقد الكرملين ألكسي نافالني من تسجيل ترشحه، خاصة أن لجنة الانتخابات الروسية ترى أن إدانته بالاختلاس تجعله غير مؤهل. وفي هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ارتأت أن هذه الإدانة غير عادلة مؤقتا.
بالإضافة إلى ذلك، فاجأ السيد نافالني الكرملين هذه السنة عندما عرض ترشحه. ومنذ إعلان طموحاته الرئاسية خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، دأب نافالني على تطويق الحكومة وفضح أعمالها. وقد عرض نافالني على حسابه الخاص على اليوتيوب فيديو يوجّه فيه اتهامات بالفساد لرئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، التي نفاها بدوره ميدفيديف، وشاهده عشرات الملايين.
بدلا من تسليط الضوء على بناء مستقبل واضح، أصبحت الوعود الانتخابية تتمحور، في الوقت الراهن، حول تحسين الإنتاجية والكفاءة
في سياق متصل، ساهمت الدعوة التي وجهها نافالني إلى الشعب الروسي للخروج إلى الشوارع خلال شهر آذار/ مارس، إلى تنظيم أكبر احتجاجات شهدتها روسيا منذ سنة 2012. لذلك، يمكن القول إن السيد نافالني استطاع السيطرة على جيل جديد من الشباب الذي يؤمن بثقافة الاحتجاج، إلا أن الكرملين، إلى حد ما، لا يزال يعتقد أنه قادر على اللحاق بهذا الركب والسيطرة على هذه الفئة الجديدة من الشعب الروسي.
عموما، يعتقد مؤيدو بوتين أن المعركة ضد شباب نافالني لن يتم الفوز بها في الشوارع بل على الشاشات. ولن تعتمد مجددا على الحركات الشبابية الداعمة للكرملين، على غرار حركة ناشي الشبابية المؤيدة للكرملين، كما حدث في الماضي. وبدلا من ذلك، أفاد عاملون في الكرملين أن هناك تعزيزات في قسم الإنترنت داخل الإدارة الرئاسية تشمل تركيز مكاتب موسعة لصنع الأخبار تقوم بتأليف روايات رقمية مثيرة، على غرار زيارة بوتين لعملاق البحث الروسي “ياندكس”. وستركز المكاتب الأخرى على استخدام الروبوتات، والمتصيدين والمخلوقات الأخرى من الفضاء الرقمي الروسي لتشكيل “أجندة شباب إيجابية جديدة”.
في الحقيقة، إن الهدف من ذلك واضح ولا لبس فيه ويتمثل في أن بوتين الذي يقدم فرصا جديدة للشباب لا يزال هو مستقبل روسيا. وبالتالي، يصبح تخطي السرد الرقمي والنظر في الواقع التماثلي لزعيم هَرمٍ من الأمور الصعبة جدا. ووفقا لاستطلاعات الرأي، من المحتمل أن فترة الركود قد انتهت في روسيا، ولكن عانى معظم الروس من أربع سنوات من انخفاض الدخل الحقيقي، فضلا عن أنه كان هناك تحول جوهري في المزاج العام الذي أصبح يفضل التحول نحو سياسات رامية إلى تحقيق الاستقرار.
في هذا السياق، أوضح أستاذ معهد موسكو للعلاقات الدولية، فاليري سولوفي، أن “الكرملين لم يتمكن من الاتفاق على برنامج جدي للإصلاح ردا على ذلك. في الواقع، تم تقليص برنامج العرض الانتخابي بالفعل. وبدلا من تسليط الضوء على بناء مستقبل واضح، أصبحت الوعود الانتخابية تتمحور، في الوقت الراهن، حول تحسين الإنتاجية والكفاءة.
حيال هذا الشأن، أضاف السيد سولوفي أن “هناك شعورا متزايدا بأن هذه الانتخابات لن تكون عن المستقبل، بل عن النهاية”. من منظور آخر، أشار المستشار السابق في الكرملين، غليب بافلوفسكي، الذي يشغل منصب رئيس مؤسسة السياسة الفعالة، خلال حوار أجراه مع صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى أن “النظام يدخل مرحلة “نهائية”. كما أضاف “مهما كانت الإستراتيجية التي يتبعها فإن هذه الحملة تتعلق بالانتقال إلى مرحلة روسيا ما بعد بوتين”.
خلال العديد من المقابلات مع بوتين، بدت صورة الرجل، الذي يريد أن يبقى وحيدا ولا يرغب في منح ثقته لأحد، واضحة
في الوقت الراهن، تدور المعركة حول من سيتولى رئاسة الحكومة في أعقاب انتخابات آذار/ مارس. ووفقا للدستور على الأقل، تعتبر هذه المرحلة ثاني أهم حالة للسياسة الروسية. وخلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، اقترحت بلومبيرغ أن يتم التضحية برئيس الوزراء الحالي، ديمتري ميدفيديف، واعتبرت رئيس الوزراء، الذي تشوهت سمعته بسبب الهجوم الذي شنه عليه نافالني، بمثابة قوة سياسية مستنفدة. كما عرضت الصحيفة أسماء مثل عمدة موسكو سيرغى سوبيانين، ومحافظة البنك المركزى إلفيرا نابيولينا، ووزير الصناعة دينيس مانتوروف كبديل محتمل له.
حسب بعض المصادر، تمكن رئيس الوزراء من “التعافي نفسيا” من ذلك الهجوم، كما تمكن من استعادة مكانته على المشهد السياسي الروسي. وفي سياق متصل، قال المعلق السياسي كونستانتين غايز إن “إقالة ميدفيديف يجب أن يُنظر إليها على أنها خطوة قوية. لكنها “لن تتمكن من حل الكثير من المشاكل”.
إلى جانب ذلك، أفاد مصدر رفيع المستوى أثناء حوار أجراه مع صحيفة الإندبندنت بأن بوتين من المحتمل أن يبقى مع الأفضل. فضلا عن ذلك، يعتبر الرئيس “رجلا محافظا” عندما يتعلق الأمر بالتعيينات، فهو لا يريد تغيير الأشياء إذا لم يكن ملزما بذلك. فإذا كان هناك شيء يبدو واضحا من الخارج، فلن يحاول تغييره: “بالأحرى إن السيد بوتين يحب مبدأ “غير المتوقع”. وعندما يقرر إجراء تغييرات، فلن يجري مشاورات مع أحد”.
خلال العديد من المقابلات مع بوتين، بدت صورة الرجل، الذي يريد أن يبقى وحيدا ولا يرغب في منح ثقته لأحد، واضحة. وفي هذا الإطار، أوضح السيد بافلوفسكي “أن بوتين لا يوضح نواياه حتى لأقرب زملائه. وأردف المصدر ذاته أن “شخصيته ذات طابع مأساوي، لذلك هو مجبر على اتخاذ قراراته بنفسه. أما فيما يتعلق بدائرته الداخلية، فهي لا تشمل مجلس الوزراء، وإنما المحكمة القيصرية، التي يرغب في حماية رجالها ولا يريد السماح لهم بالرحيل”.
في شأن ذي صلة، أوضح بافلوفسكي أنهم “يحتاجون إلى بوتين أكثر بكثير مما يحتاج هو إليهم. ففي اليوم الأول الذين يُتركون دونه، ستنهال عليهم الأسئلة التي تتمحور حول مصادر تمويلهم وهويتهم الحقيقية. وحسب ما ورد في أقوال غايز، “لم يُقدم الرئيس ضمانات حول ما سيحدث خلال شهر مارس آذار/ مارس، ما يخلق “توترات هائلة” في صلب الحكومة. كما تابع المصدر نفسه “أنه حتى لو كان بوتين قد تمكن من تأجيل الإعلان عن ترشحه حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر، فسوف تشهد روسيا حرب عصابات ضخمة تدور رحاها بين مختلف أجزاء الحكومة”.
كان أحد الوجوه المؤهلة لقيادة روسيا بعد بوتين الضابط الروسي أليكسي ديومين، الذي يشغل حاليا منصب حاكم تولا أوبلاست، اذ قال أحد المصادر إنه “تم ترشيح ديومين ضمن المؤهلين لهذا المنصب فقط لأن “بوتين كان يثق به”
من جهة أخرى، صرح ثلاثة مصادر منفصلة لصحيفة الإندبندنت أن “الرئيس بوتين بدا وكأنه سوف يترك كرسي الرئاسة خلال خريف السنة الماضية، حيث أمر إدارته بوضع سيناريوهات محتملة لخروجه. وكانت إحدى التوقعات تنضوي تحت تنظيمه انتخابات رئاسية مفاجئة خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر”.
في هذا الإطار، شملت الاحتمالات الأخرى قيامه بإصلاح دستوري يتضمن إنشاء منصب جديد لنائب الرئيس لنقل السلطة التنفيذية إلى هيئة جماعية شبيهة بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي. وكانت الخطة تهدف الى أن يحرز تقدما على سياسة روسيا المتشددة المتوقعة التي كان من المحتمل أن تجلبها رئاسة كلينتون.
خلافا للمتوقع، ساهم نصر ترامب في تغيير الكثير من الحسابات إلى حد ما. لكن الأمر الأكثر جوهرية، أنه لم يكن هناك شخص معين يمكن تسليمه هذه المسؤولية. ففي ذلك الوقت، كان أحد الوجوه المؤهلة لقيادة روسيا بعد بوتين الضابط الروسي أليكسي ديومين، الذي يشغل حاليا منصب حاكم تولا أوبلاست. وفي هذا الإطار، قال أحد المصادر إنه “تم ترشيح ديومين ضمن المؤهلين لهذا المنصب فقط لأن “بوتين كان يثق به”.
في هذا السياق، أشار آخرون إلى أن السيد ديومين كان يستخدم لزرع الاضطرابات بين نبلاء القيصر الذين هم “خارج سيطرته”. وفي هذا الشأن، أفاد بافلوفسكي بأن ديومين “ليس من الدائرة الداخلية، لذلك كان يخيف الكثيرين. ومن غير المرجح أن توافق المجموعات المتنافسة على أن يكون خلفا لبوتين”.
على مدى عقدين من الزمن، لعب فلاديمير بوتين دورا فريدا وتمكن من أن يتربع على قمة نظام متوازن وشخصي للغاية. لذلك سيكون لخروجه من السلطة العديد من التداعيات، حيث أوضح سولوفي أنه “لا يمكن أن يكون هناك بوتين ثان. فعندما يذهب هذا الرجل، سيذهب النظام وسوف تندثر كل الاتصالات غير الرسمية، والعلاقات التي كان ينسجها في هذا النظام بمجرد مغادرته السلطة”.
علاوة على ذلك، أردف سولوفي أن “تعيين التكنوقراط عديمي الخبرة في مراكز المحافظات في جميع أنحاء البلاد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الضغوط. وبما أنه ليس هناك مال، من المحتمل أنهم لن يتمكنوا من حل الكثير المشاكل المحلية، ومن المرجح أن تبدأ الإضرابات، ثم ستدخل موسكو في دوامة الاحتجاجات، والأعمال الجماهيرية”.
من منظور آخر، يعتقد جميع الأشخاص الذين تم إجراء مقابلات معهم أن روسيا على وشك الدخول في أزمة سياسية كبرى، فقد أرهق النظام نفسه. وفي الوقت الحالي، تترنح روسيا على حافة عصر بوتين”، ولعل ذلك ما أكده سولوفي الذي قال إن “المرة الأخيرة التي شعر فيها بهذا كان في نهاية الاتحاد السوفيتي. والأمر المثير للقلق، أن الناس الذين عاشوا في ذلك العصر أكدوا أنهم يشعرون بالضبط بنفس الشيء”.
المصدر: الإندبندنت