لا تتوقف في الجزائر نقاشات حرب استهداف الهوية الوطنية من إسلام وعربية وأمازيغية في المنظومة التربوية من تيار فرنسي متغلغل في وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، حسب الرافضين للإصلاحات التي تقوم بها الحكومة عبر وزيرة التربية نورية بن غبريت.
في بداية الألفية الحاليّة، قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد عام من توليه الحكم بتنصيب اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي ترأسها رئيس جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا علي بن زاغو، وضمت عدة ناشطين يتهمون بالانتماء إلى التيار التغريبي العلماني منهم وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي ووزيرة التربية الحاليّة نورية بن غبريت.
وأعلنت الحكومة وقتها أن هذا الإصلاح هدفه تحسين مستوى التعليم في البلاد، غير أنه ومنذ بداية تطبيق ما جاءت به “إصلاحات بن زاغو” كما تسمى في الجزائر ظهر أن الهدف – حسب مختصين – استهداف مكونات الهوية الجزائرية في المنظومة التربية، فقد تم إقرار استعمال الرموز الفرنسية في المواد العلمية بدلاً من العربية، وتم رفع الحجم الساعي للغة الفرنسية في البرنامج التعليمي، مقابل تقليص ساعات مواد التاريخ والتربية الإسلامية واللغة العربية، وفق ما تقوله نقابات التربية التي نظمت احتجاجات ما زالت مستمرة حتى اليوم.
ووفق ما يقوله مختصون في الشأن التربوي، فإن تنصيب لجنة بن زاغو جاء ضمن الضغوط التي مارسها الغرب على الدول العربية بعد تفجيرات 11 أيلول 2001، والتي دعت الكثير من الدول العربية والإسلامية إلى إدخال تغييرات في مناهجها التربوية بحجة محاربة فكر التطرف والتشدد.
يبدو أن استهداف الهوية الوطنية في المنظومة التربوية صار أمرًا واقعًا، حسب التنظيمات النقابية، مما جعل الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين ينظم احتجاجًا وطنيًا الأسبوع الماضي بجميع المؤسسات التربوية للدعوة لإنقاذ مؤسسات التعليم من حملة سلخ تستهدف هوية التلاميذ الجزائريين
إصلاحات الجيل الثاني
رغم أن الانتقادات التي طالت إصلاحات نظام التعليم في الجزائر لم تتوقف سواء في عهد الوزير أبو بكر بن بوزيد أو خلفه عبد اللطيف بابا أحمد، فإنها لم تبلغ ذروتها كما يحدث اليوم مع الوزيرة بن غبريت التي تتولى إدارة قطاع التربية منذ 2014 التي جاءت بإصلاحات الجيل الثاني.
وتتهم بن غبريت أنها سعت عند مجيئها إلى تقليص الحجم الساعي للغة العربية إلى 5 ساعات أسبوعيًا فقط، وهو ما يعادل تقريبًا الحجم الساعي للغة الفرنسية التي تدرس أربع ساعات ونصف أسبوعيًا، رغم أن استعمالها العالمي والعلمي يتراجع كل سنة.
كما تضمن الجيل الثاني من الإصلاحات الاكتفاء بساعتي تدريس فقط أسبوعيًا في اللغة الإنجليزية، وبساعة فقط في مواد الهوية كالتاريخ والتربية الإسلامية والجغرافيا والتربية المدنية، غير أن الضجة التي قامت بخصوص هذا المشروع عند بداية تطبيقه في 2016، جعل الوزارة تتراجع مؤقتًا عن بعضها.
وبحسب تصريح سابق لمسعود عمراوي المكلف بالإعلام السابق في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين (نقابة) الذي يشغل حاليًّا نائبًا برلمانيًا، فإن “الواقع يؤكد في كل مرة وبما لا يدع مجالاً للشك أن لا هدف لبن غبريت من الناحية البيداغوجية والتعليمية منذ مجيئها سوى فرنسة المدرسة الجزائرية والجزائر عامة لتصبح ملحقة تابعة لفرنسا، وهنا يجدر بي طرح هذا السؤال: هل يمكن أن تكون السيدة بن غبريت فرنسية أكثر من الفرنسيين حتى تعمل جاهدة لفرنسة المدرسة الجزائرية؟
وقال عمراوي: “لغة خطاب الوزيرة في كل الاجتماعات الرسمية مع إطاراتها بالفرنسية، وكل تقارير وزارة التربية تدون باللغة الفرنسية، كما أن مناهج وبرامج ما يسمى بالجيل الثاني تسوي بين اللغة العربية (اللغة الوطنية) والفرنسية في الحجم الساعي للتلاميذ”.
احتجاجات
يبدو أن استهداف الهوية الوطنية في المنظومة التربوية صار أمرًا واقعًا، حسب التنظيمات النقابية، مما جعل الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين ينظم احتجاجًا وطنيًا الأسبوع الماضي بجميع المؤسسات التربوية للدعوة لإنقاذ مؤسسات التعليم من حملة سلخ تستهدف هوية التلاميذ الجزائريين.
لم تتوقف حرب الهوية عند قطاع التربية الوطنية، بل امتد هذا العام لقطاع التعليم العالي، فقد أقدمت جامعة الجزائر 2 على إلغاء مادة تاريخ الجزائر المعاصر من قسم الماستر، كما تم تقليص الحجم الساعي لمقياس تاريخ الثورة الجزائرية من السنوي إلى السداسي
وقالت النقابة في نداء الاحتجاج إن المنظومة التربوية تتعرض للسلخ والمساس بالثوابت والهوية الوطنية كحذف البسملة من الكتب المدرسية وإقصاء النقابة من المساهمة في إصلاح المنظومة التربوية، وكذا الأخطاء الصادمة في الكتب المدرسية واستعمال رموز الماسونية في مناهج التكوين وفرنسة التعليم وتهميش إطارات التربية الجزائريين من عملية وضع المناهج وإنجاز الكتاب المدرسي.
وجددت النقابة تشبثها بمطلب ضمان مدرسة عمومية جزائرية تربوية أصيلة ومتفتحة تجسد ثوابت الأمة وتأخذ بعين الاعتبار المقومات الإسلامية والعربية والأمازيغية.
وبحسب رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري، فإن الاستجابة للاحتجاج بلغت في بعض الولايات 80%.
ولا تلقى هذه الإصلاحات انتقادًا من طرف واحد فقط، فقد سبق لجمعة العلماء المسلمين الجزائرية أن وجهت ملاحظات شديدة اللهجة لوزيرة التربية تنتقد فيها ما تقوم به بشأن مواد الهوية الوطنية من تاريخ وجغرافيا ولغة عربية وتربية إسلامية، كما سبق لتنسيقية أساتذة التربية الإسلامية أن عبرت عن امتعاضها من محاولات غير مباشرة لحذف التربية الإسلامية من المقرر الدراسي عبر تخفيض معاملها وتقليص ساعات دراستها.
الاستهداف يطال الجامعة
لم تتوقف حرب الهوية عند قطاع التربية الوطنية، بل امتد هذا العام لقطاع التعليم العالي، فقد أقدمت جامعة الجزائر 2 على إلغاء مادة تاريخ الجزائر المعاصر من قسم الماستر، كما تم تقليص الحجم الساعي لمقياس تاريخ الثورة الجزائرية من السنوي إلى السداسي.
ونقلت صحيفة الحوار عن صلاح الدين دواجي الأمين العام للاتحاد العام للطلابي الحر (تنظيم طلابي) قوله إن تقليص الحجم الساعي لمواد التاريخ الجزائري بالجامعات الجزائرية وإلغاء بعض التخصصات في شهادة الماستر هو استهداف للجامعة الجزائرية، كما أن هذه الإجراءات عبارة عن خدمة مجانية للمستعمر الفرنسي.
ويرى دواجي أن هذا الإلغاء غير بريء كونه يهدف إلى ضرب الهوية الجزائرية، ولم يستبعد وقوف أطراف فرونكوفونية وراءه كونها تسعى إلى إبعاد الجيل الجديد عن تاريخه من خلال إلغاء تخصصات رئيسية في هذا المجال.