لقى ثلاثة أطفال الأربعاء 15 من نوفمبر/تشرين الثاني، حتفهم جرّاء انفجار لغم غرب مدينة الباب قرب جامع العظم كان قد زرعه تنظيم داعش سابقًا وهم: أحمد الحسين المحمد وحسين علي المحمد وحميد حسين المحمد، فيما انفجر لغم الاثنين 20 من نوفمبر/تشرين الثاني في بلدة الغوز بريف حلب أدى لإصابة الطفل خالد عبد القادر المحمد، 14 عامًا، وتم إسعافه إلى أحد المشافي التركية.
الألغام هي التي نالت من سكان ريف حلب الشمالي والشرقي وما زالت شاهدًا على وجود إرهاب التنظيم مع مرور عام على تحرير مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، فقد ركز التنظيم في بداية انتشاره بمناطق الجيش السوري الحر شمال حلب على وسائل هجوم المفخخات والقصف بقذائف الهاون، فكانت وسيلة الدفاع الأهم لديه هي الألغام التي تحيط مناطق سيطرته، وكان مع كل منطقة يسيطر عليها يزرع الألغام حولها لتشكل مانعًا ينال من عناصر الجيش السوري الحر قبيل تحريرها.
وخاض التنظيم أكبر وأكثر معاركه مع الجيش السوري الحر شمال حلب من مفخخات واستشهاديين وألغام للعربات العسكرية وزراعتها في الأراضي الزراعية التي ما زالت تقتل المدنيين إلى الآن، فالألغام الوسيلة الدفاعية الأولى والتي تعد عند التنظيم مقابل كل عنصر عشرات من الألغام تحيط نقاط رباطه ووصلت به في مدينة الباب شرقي حلب إلى تلغيم الأبنية السكنية المحيطة والقرى المجاورة.
وعمل تنظيم داعش على زراعة شتى أنواع الألغام التي يصعب فكها وإزالتها، فمنها ما يسمى باللغم المسطرة حيث يزرع ويوصل له شريطان موصولان ببطارية، ويقف انفجار اللغم على مس الشريطان ببعضهما، حيث يوضع للشريطين من كل جانب وصلة حديدية وتوضع الوصلتان فوق بعضهما ويجعل بينهما فاصل، فبمجرد أن يداس على الوصلتين توصل الدائرة وينفجر اللغم، وهناك أيضًا لغم المسبحة ولغم الموجة ولغم الحساس عن بعد وأيضا لغم الخيط بالإضافة لأنواع كثيرة.
150 شخصًا بين نساء ورجال وأطفال وعائلات قضوا بشكل تام في انفجارات الألغام، وما يقارب 80 حالة إعاقة تم إحصاؤها في مشافي مدينة الباب
كما أن الألغام التي زرعتها الفصائل في محيط البلدات والقرى التي كانت تعتبر خطوط تماس مباشر مع التنظيم في ريف حلب الشمالي تزيد الطين بلة، وتشكل عائقًا مضافًا إلى الحجم الكبير من الألغام التي زرعها تنظيم داعش، حيث تعاني فصائل الجيش الحر من انعدام الخرائط التي توضح توزيع الألغام التي زرعها مقاتلوها، فكثيرًا ما كانت هذه الألغام سببًا في مقتل عدد من عناصر الفصائل، كما حصل مرارًا في محيط مارع وكفرة وصوران.
والمدنيون الخاسر الأبرز في مناطق شرق حلب قرب مدينة الباب، فقد مات العشرات من المدنيين والعسكريين قرب المدينة بعد تحريرها وتقدر الإحصائية أعدادًا هائلة للألغام المزروعة في المدينة ومحيطها من القرى والبلدات المجاورة (ما يقارب 20 ألف لغم زرع من التنظيم داخل المدينة وخارجها في أثناء سيطرته وإبان اندحاره).
وحسب إحصاءات الدفاع المدني في المدينة تم تفكيك 15 ألف لغم بطرق بدائية راح ضحيتها عدد من عناصر الدفاع، في حين لم تتمكن الفرق من إزالة الألغام المتبقية، وتم إحصاء 150 شخصًا بين نساء ورجال وأطفال وعائلات قضوا بشكل تام في انفجارات الألغام، وما يقارب 80 حالة إعاقة تم إحصاؤها في مشافي المدينة.
فيما أكد الناشط مصطفى بطحيش أن أعداد الذين قضوا في الألغام هائلة من مدنيين ومزارعين وأناس دخلوا بيوتهم فوجدوها مليئة بألغام متنوعة وعائلات ماتت داخل منازلها بسبب الألغام التي زرعها التنظيم، وقال بطحيش: “ما زالت فرق الدفاع المدني تبحث عن الألغام وتعمل إلى الآن مع مرور عام من تحرير المدينة وريفها”.
أبو أحمد مزارع واحد من المزارعين الذين يمتلكون مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، ولديه بئر ارتوازي يمكّنه من زراعة المحاصيل والخضراوات التي تدر أرباحًا معقولة وتشكل داعمًا أساسيًا في دورة الاقتصاد المحلي، كان أبو أحمد محبطًا حيث يقف بين معداته الزراعية الجاهزة لحراثة الأرض، ويتخوف من الألغام الموجودة إلى الآن في أرضه التي أكدت وجودها فرق الهندسة.
وقال أبو أحمد لـ”نون بوست”: “مات عدد من الفلاحين في الموسم الفائت عند حراثة الأراضي الزراعية، مما جعل المزارعين في حالة خوف، فمنهم من لم يزرع حقله والآخر لم يأبه، فكان من نصيبه عشرات الألغام، إما أودت بحياته أو بأحد عامليه في الحقل”.
بقيت آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة بورًا، ولم يتمكن أصحابها من زراعتها، لأسباب عدة أبرزها انتشار الألغام، وصعوبة الوصول إليها
القائد العسكري في الجبهة الشامية أبو سطيف، أكد لـ”نون بوست” أن “التنظيم زرع آلاف الألغام في ريفي حلب الشمالي والشرق وما زالت الفرق الهندسية تواجه كمًا هائلاً من الألغام التي ذهب ضحية انفجارها عدد كبير من فرق الهندسة بسبب عدم توافر الآلات والكاسحات والأجهزة الحساسة المناسبة لإزالتها”.
وأضاف “المدنيون تفاجأوا بالكم الهائل من الألغام التي زرعها التنظيم في الحقول الزراعية وما زالت الضحايا تقع في صفوف المدنيين”، وأشار أبو سطيف إلى أن “هذه الألغام لن تتلف مع مرور الزمان، فيمكن أن تنفجر بأي لحظة، فلا تتأثر بالعوامل الجوية، وهذا ما لاحظناه في عدة مواقع كانت قد زرعت بالألغام من التنظيم مطلع العام 2014 وانفجرت بعد عامين وتسبب انفجارها بوقوع إصابات والآن ما نشاهده في مدينة الباب منذ مطلع العام 2017”.
ويضطر سكان مناطق “درع الفرات” بريف حلب إلى إزالة الالغام بطرق بدائية كانت سببًا في مقتل العشرات، فقد لقي أبو الفضل، وهو مقاتل في صفوف الجيش السوري الحر، حتفه قرب مدينة الباب بينما كان يقوم بتفكيك ألغام أرضية على قارعة الطريق، نجح أبو الفضل في تفكيك اللغم الأول، وما إن حاول انتشاله من الأرض بعد إبطال مفعول الصاعق، حتى انفجر لغم آخر كان معلقًا به، وقد تم وضعه تحت اللغم على السطح مباشرة، قتل أبو الفضل، وتحولت جثته إلى أشلاء نتيجة انفجار اللغمين في آن واحد.
حال أبو الفضل كحال كثيرين من مقاتلي الجيش السوري الحر، في مناطق أعزاز ومارع والراعي وصولاً إلى جرابلس والباب شرقي حلب، الذين قتلوا في أثناء تمشيط المناطق التي حرروها من سيطرة داعش أو في أثناء تطهير البيوت كي يدخلها أصحابها العائدون من المخيمات.
لا يوجد إلى الآن مؤسسات خاصة لإزالة الألغام وتفكيكها أو جمع القنابل والمتفجرات التي خلفها التنظيم أو الطائرات الحربية التي كانت تقصف بلا هوادة المنطقة سواء كانت روسية أو أمريكية أو تابعة للنظام.
وفرق الدفاع المدني تفتقر للأجهزة والمعدات اللازمة، رغم استعداد العناصر لخوض هذه المهمة، فهم مدربون على مثل هذه المهمات، لكنهم يشتكون من افتقارهم للمعدات اللازمة، وقد ناشدوا أكثر من مرة الجهات الداعمة للشعب السوري بحسب قولهم لتزويدهم بمعدات متطورة لإزالة الألغام في المدينة والقرى التي حولها.
ويعتمد السكان في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي في الأعم الأغلب على الزراعة، كأحد أهم النشاطات الاقتصادية التي تدر أرباحًا تعيل مئات الآلاف من الناس، وتعرض هذا القطاع للتعطيل لمدة ثلاثة أعوام بشكل شبه كامل بسبب المعارك الدائرة بين الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديموقراطية من جهة، والجيش السوري الحر وتنظيم داعش من جهة ثانية، وبقيت آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة بورًا، ولم يتمكن أصحابها من زراعتها لأسباب عدة أبرزها انتشار الألغام وصعوبة الوصول إليها.