ترجمة حفصة جودة
من أين تأتي الأفكار العظيمة؟ تقول وجهة النظر النمطية إن الأفكار تتشكل بصورة كاملة كومضة من الإلهام، ربما شاهدت ذلك في الأفلام أو على التلفاز حيث تعمل الشخصية طوال الليل للوصول إلى فكرة ما كبيرة، ثم فجأة تنير الفكرة داخل رؤوسهم.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك، فالأفكار العظيمة حقًا هي نتاج العديد من العمليات، إنها نتاج ما يراه الشخص ويتعامل معه يوميًا وهذه الأشياء تتحد معًا لتؤثر على الأفكار، حيث تتحول الأفكار العشوائية إلى فكرة واضحة ثم يتم العمل عليها.
بالنظر إلى تويتر، ففكرته الأصلية لم تقل إنه موقع تواصل اجتماعي، لكنه كان بديلًا للرسائل القصيرة، فكتابة 140 حرفًا فقط لم يكن عملًا إبداعيًا لكنه كان انعكاسًا للقيود التكنولوجية في شكل الهواتف المحمولة في ذلك الوقت.
عادة ما نسمع عن الأفكار الجيدة عندما تكون في أوج نجاحها
جاءت فكرة “أوبر” من محادثة بين صديقين يشكيان من صعوبة الحصول على سيارة أجرة مناسبة، أما فكرة “Airbnb” فقد جاءت لمؤسسيها بسبب معاناتهم في دفع الإيجار وحاجتهم لكسب نقود إضافية، وفي ذلك الوقت كانت غرف فندق المدينة محجوزة بأكملها بفضل مؤتمر محلي، لذا فقد فكروا في إمكانية استغلال الأمر وتوفير مساحة إضافية في بيوتهم وتأجيرها للضيوف المؤقتين.
هذه الأفكار جميعًا كانت ثورة في مجالها، لكن أيًا من تلك الأفكار لم تكتمل تمامًا في أيامها الأولى، لذا فوجهة نظرنا عن ميلاد الأفكار العظيمة ليس دقيقًا بل ربما ضار.
إننا نقتل الأفكار الجيدة في مهدها
عادة ما نسمع عن الأفكار الجيدة عندما تكون في أوج نجاحها، لكننا لا نشهد الأسابيع والسنوات الأولى التي تطورت فيها الفكرة، والنجاحات والإخفاقات المبكرة للعمل، ونتيجة لذلك فنحن نفترض تلقائيًا أن هذه الأفكار مدهشة وتشكلت كاملة منذ البداية.
نحن نفترض أن الأفكار الجيدة جاءت من هنا، فقد أظهرت دراسة أن العقل البشري يفضل أي عمل أو خيار يستخدم فيه أقل كمية من المجهود، لذا عندما يكون مفيدًا أن نصل إلى 10 أفكار مختلفة للعمل عليها، فنحن نكافح بدلًا من ذلك للوصول إلى فكرة واحدة للحفاظ على طاقتنا، وعليه فنحن نحاول بقوة أن نصل إلى فكرة جديدة ومذهلة.
وحتى عند التوصل إلى فكرة ما، فلن يكون لدينا أي تصور عن جودة الفكرة من عدمها لأننا لا نملك تفاصيل محددة عن كيفية عملها، ودون التفاصيل وخطة العمل على الفكرة فنحن نحكم على فشلها مبكرًا قبل أن تتحول إلى شيء عظيم، لذا إذا لم تُنفذ الفكرة فإن عقولنا لن تتمكن من تحديد إذا ما كانت الفكرة عظيمة أم لا.
بالنظر إلى الشركات الذي ذكرناها سابقًا، فقد جاءت أفكارهم بسبب حاجة مبدعيهم إلى شيء ما، فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة مشكلة محددة ونتيجة لذلك توصلوا إلى فكرة عشوائية مرتبطة مباشرة بالمشكلة ثم أصبحت هذه الفكرة العشوائية هي الحل نفسه.
لكن إذا توقعنا أن تأتينا الأفكار الكبيرة دون أن نضع أنفسنا في السياق الصحيح وعدم السماح للأفكار بالوصول بشكل طبيعي، فإننا نضمن بذلك أنها لن تأتي أبدًا بل ربما نتعثر أيضًا.
الحقيقة تقول إن الأفكار الجيدة عشوائية
في أحد الأيام ربما تصل إلى 10 أفكار وتعتقد أن واحدة منهم جيدة، وربما نرفض فكرة ما بشكل غريزي رغم أننا نعتقد أنها جيدة، ومع ذلك فالفكرة الجيدة قد تصبح رائعة عند العمل عليها، أما وجود فكرة عظيمة بالفعل منذ البداية فهو أمر نادر أو لا وجود له على الإطلاق.
الأمر كذلك بالنسبة لكتابة الروايات، فإنتاج كتاب رائع حقًا يتطلب شهورًا كثيرة وربما سنوات من العمل الشاق وإعادة الكتابة لعدد لا نهائي من المرات، لكن عندما نشرع في قراءة الرواية عند نهايتها نفترض أنها كانت عملًا عظيمًا منذ البداية.
هناك قصة مشهورة عن جاك كيروك – روائي أمريكي – تقول إنه كتب روايته الشهيرة “على الطريق” في 3 أسابيع دون التوقف تقريبًا للحصول على راحة، ولكي يكون ذلك ممكنًا فيجب أن تكون الفكرة عبقرية منذ بدء الكتاب، حسنا.. هذه القصة المشهورة ليست صحيحة.
تأتي الأفكار العظيمة مما نراه أو نسمعه أو من الأشخاص الذين نتحدث إليهم
لقد كتب بالتأكيد مسودة الرواية في 3 أسابيع، لكن منذ وصول الفكرة إلى رأسه وحتى إنهاء الكتاب تطلب الأمر أكثر من 7 سنوات، فقد جاءت إليه فكرة الرواية بشكل طبيعي في أثناء سفره أو ربما عندما كان يكتب مواقف حقيقية حدثت معه، لكن لا يوجد ما يشير أبدًا إلى أنه وصل إلى تلك العبقرية فجأة وأصبح قادرًا على تحويلها سريعًا إلى تحفة أدبية.
كل ما نحتاجه هو التحفيز المناسب
تأتي الأفكار العظيمة مما نراه أو نسمعه أو من الأشخاص الذين نتحدث إليهم، والأهم من ذلك أن الفكرة العظيمة قد تأتي كحل لمشكلة ما، قد يكون الأمر خادعًا لأنه من السهل جدًا أن تشعر بالإحباط عندما تواجه مشكلة ما.
لكن هذا هو الابتكار، فالإبداع الحقيقي يأتي كحل لمشكلة ما، أو العثور على فجوة ما في السوق والتي يمكن ملؤها بالأفكار العظيمة، لذا عندما تواجه مشكلة ما في المرة القادمة فكر في الأمر كفرصة جيدة، وحتى عندما تصل إلى حل ما ربما تكون قادرًا على التفكير في حل أفضل.
فكرتك العظيمة القادمة قد لا تبدو كذلك في أول الأمر، ربما تبدو جيدة أو متواضعة أو حتى سيئة لكن كل الأفكار تحتاج للعمل عليها، لذا لا تحكم على أي فكرة مبكرًا، دع الأفكار تأتيك بصورة طبيعية وقم بتدوينهم، لا يهم إذا كانت هذه الأفكار تبدو سيئة، فقط قم بتدوينهم.
ولا تقلق بشأن تنظيم هذه الأفكار بل من الأفضل ألا تفعل ذلك، فربما تفقد فكرة جيدة في أثناء العمل على تنظيم الأفكار، فالتنظيم في هذه المرحلة سوف يعني فقط أنك تُلزم نفسك بعمل إضافي والذي من شأنه أن يقلل من سرعتك ويجعلك تفقد حماسك، وتذكر أن الأفكار العظيمة لا تأتي مكتملة منذ البداية فلا تحاول أن تجعلهم كذلك.
المصدر: لايف هاك