في أغسطس/آب 2023، شهدت مدينة جايبور الهندية في الشمال الغربي، حادثة العنف الأكثر ترويعًا ضد المسلمين في الهند، عندما أطلق شرطي في السكك الحديدية الرصاص على 3 مسلمين كانوا مسافرين على متن قطار متجه إلى مدينة مومباي، ووقف على جسد أحدهم، مهددًا على ما يبدو مسلمي الهند: “نحن نعلم أن أسيادكم في باكستان، ولكن إذا كنت تريد أن تعيش هنا، قم بالتصويت لصالح رئيس الوزراء”.
الكثير على شاكلة هذه الحوادث المتكررة التي تقوم على الاستقطاب الديني وزيادة كراهية الإسلام، دفعت حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى صدارة المشهد السياسي، وتمهد الطريق لانتخابات استقطابية أخرى مدتها 6 أسابيع من المقرر أن تجرى الشهر المقبل (مايو/أيار 2024)، ويُتوقع أن يفوز فيها مودي بولاية ثالثة تاريخية على التوالي.
الهندوسية أولًا
يزخر التاريخ السياسي للهند بالصراع الطبقي والعرقي والديني، الذي استخدمته الأحزاب القومية الهندوسية اليمينية كسلاح لتعبئة الناخبين الهندوس قبل الانتخابات الرئيسية، وكثيرًا ما استفادت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا من الانقسام الديني بشكل خاص في البلاد لحشد الهندوس في مراكز التصويت.
وبينما يسعى مودي (73 عامًا) لولاية جديدة، يرتكز جوهر حملته على الخطاب حول قيادته كرمز لعقيدة “هندوتفا” العنصرية القاتلة التي يساهم في ازدياد سطوتها، وكذلك حول كيف نجح الحزب القومي الهندوسي الحاكم في تحقيق تعهداته الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية.
الإستراتيجية الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا تهدف إلى تركيز الحملة حول مودي باعتباره رمزًا للهندوتفا والتنمية الاقتصادية وصورة الهند العالمية
ويقع مركز هذه المناورة السياسية في مدينة أيوديا القديمة على حساب نصف مليون مسلم، التي كانت مسرحًا لعقود من الصراع المرير بينهم وبين الهندوس، حتى شهدت في يناير/كانون الأول الماضي افتتاح معبد هندوسي مثير للجدل على أنقاض مسجد عمره 500 عام بناه الإمبراطور المغولي المسلم ظهير الدين محمد جابر.
يشكل المعبد الجديد الذي يحتفي بالإله الهندوسي رام أحد أبرز مظاهر اضطهاد المسلمين في الهند، وشابت مراحل إنشائه انتهاكات للقانون، ففي عام 1992، هدم مجموعة من المتطرفين الهندوس مسجد بابري، التحفة الأثرية التي يعود تاريخها إلى عام 1528، بعد ارتكابهم مذبحة راح ضحيتها 3 آلاف مسلم، بحجة أنه بُني على أنقاض هيكل لمعبد هندوسي وُلد فيه “الإله رام”.
دخل المسلمون في معركة قضائية في محاولة لإنصافهم، لكن آمالهم تبددت بعد انتصار المحكمة العليا بالهند للهندوس، وحكمت في عام 2019 بمنحهم أرض مسجد بابري نهائيًا.
قبل هذا الحكم بست سنوات، أطلق مودي وعدًا انتخابيًا ببناء المعبد فوق أنقاض مسجد أثري عتيق فور وصوله إلى سدة الحكم، وفي عام 2020، وضع حجر الأساس للمعبد الهندوسي الجديد، ورغم وصف المحكمة لهدم المسجد بأنه “انتهاك للقانون”، استمرت أعمال البناء 4 سنوات بتكلفة تجاوزت 200 مليون دولار.
ونظرًا إلى حساسية مكان المعبد لدى اليمين الهندوسي، فإن حفل التنصيب المتسرِّع في هذا التوقيت يُعتقد أنه يعزز احتمالات انتخاب مودي وزملائه القوميين الهندوس في مدينة أيوديا وعموم ولاية أتار براديش ذات الأهمية الانتخابية، من خلال إخبار أنصاره بأنه يفي بالتزاماته الإيديولوجية الأساسية التي قطعها خلال حملته الانتخابية وإن جاءت على أنقاض المسلمين.
وتشكل الحسابات السياسية التي حددت موعد هذا التنصيب تتويجًا لسنوات مودي العشرة في السلطة، ونقطة تجمّع قوية لحزبه الذي أظهر كيف تحوّل إلى آلة انتخابية لا يمكن إيقافها، في حين يرى المعارضون أنه يستخدم هذا الحدث الديني لإطلاق حملة تهدف إلى استقطاب الناخبين لجني مكاسب سياسية.
ووفقًا للباحث في المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية بجامعة إيراسموس روتردام، هاريس زارغار، فإن الإستراتيجية الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا تهدف إلى تركيز الحملة حول مودي باعتباره رمزًا للهندوتفا والتنمية الاقتصادية وصورة الهند العالمية.
وبينما سعى هذا السرد إلى إبراز المعبد باعتباره الرمز المطلق للبلاد، فقد حاول أيضًا إبراز مودي باعتباره الصورة الرمزية لزعيم لا يُهزم، حيث بدت مراسم التنصيب أشبه بتكريس مودي نفسه كزعيم ديني أكثر منه سياسي.
ويسلط هذا الوضع الضوء أيضًا على أجندة حكومة مودي القائمة على القومية الثقافية الهندوسية، والتي تسعى إلى استمالة القوميين الهندوس وأنصار هندوتفا، والذين يتجاوز معبد رام بالنسبة لهم مجرد رمزية الإله الهندوسي، ليعزز شعورهم بالهوية الهندوسية ومفهومهم الفريد للهند كدولة هندوسية حصرية.
ويروّج المتطرفون الهندوس أنهم “الأبناء الحقيقون للأرض”، ويهددون علنًا بجعل الهند دولة هندوسية قومية، ولا يترددون في إقصاء أي شخص يقف في وجه مشروعهم الوطني مهما بلغ مقامه الوطني مثل المهاتما غاندي الذي دفع حياته ثمن دعوته إلى كف عنف الهندوس على الأقلية المسلمة، فعدَّ القوميون ذلك خيانة عظمى، وأردوه قتيلًا بثلاث رصاصات عام 1948.
أمَّا مسلمو الهند، فيخشون تصعيدًا أكبر يمس مساجدهم في أعقاب الانتخابات التي تمتلك فيها حكومة مودي حظوظًا كبيرة للفوز، ففي انعكاس لحملتهم المستمرة منذ عقود في أيوديا، استهدف القوميون الهندوس أيضًا المعالم الإسلامية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك تاج محل، بدعوى أنها مواقع هندوسية مقدَّسة.
وأصبح مسجد جيانفابي الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت في مدينة فاراناسي، وهي إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان في الهند وأقدسها بالنسبة للهندوس، معرَّضًا للخطر بشكل خاص اليوم، مع تصاعد التوترات بعد أن قضت محكمة قبل عامين بأنه يمكن للمصلين الهندوس وضع أصنام الآلهة الهندوسية والصلاة داخل مباني المسجد.
The conspiracy to demolish Babri masjid and now a similar conspiracy to demolish a gyanvapi masjid stated mosques and madarasa are being targeted by anti Muslim goverment pic.twitter.com/U4fBkRHfcT
— Farooque (@Farooqu04062081) September 13, 2022
ولعبت النزاعات حول ملكية مواقع المساجد أو المعابد منذ فترة طويلة دورًا رئيسيًا في أجندة التفوق الهندوسي في الهند، وأكدت مجموعات مثل منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” شبه العسكرية، المعروفة اختصارًا بـ”آر إس إس”، والمنظمة الهندوسية المتشددة “فيشفا هندو باريشاد”، المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا، مطالبتها بالآثار الإسلامية والمباني الدينية، داعية إلى “استعادتها” واستبدالها بالمعابد الهندوسية.
قانون معادٍ للمسلمين
الهند موطن لواحدة من أكبر التجمعات السكانية المسلمة في العالم، حيث يعيش على أراضيها نحو 200 مليون مسلم، لكنهم يمثلون ما يقارب 15% من النسيج الاجتماعي الهندي المتنوع، وهكذا فإن تصاعد القومية الهندوسية جعل المسلمين يشعرون على نحو متزايد كأنهم “غرباء” رغم أنهم يشكلون ثاني أكبر ديانة في البلاد.
أصبحت الجرافات رمزًا للآلات المستخدمة لفرض القانون والنظام، وهي تعمل كأداة خارج نطاق القضاء لهدم منازل المسلمين ومؤسساتهم وأماكن عبادتهم
وبينما تستعد الهند لإجراء أكبر انتخابات برلمانية حاسمة في العالم، أعلنت حكومة مودي القومية الهندوسية عن خطط لفرض قانون تعديل المواطنة الذي أثار الجدل لأول مرة عندما تم إقراره في البرلمان عام 2019.
قانون تعديل المواطنة (CAA): قانون تسهيل الحصول على الجنسية مع مراعاة شروط سهلة الوفاء للاجئين الذين دخلوا #الهند قبل 31 ديسمبر 2014م دون أي وثائق من الهندوس، السيخ، البوذيين، الجينيين، الزرداشتيين، أو المسيحيين فقط (دون المسلمين) المنتمين إلى #أفغانستان أو #بنغلاديش أو #باكستان.
— راسخ الكشميري (@DrAlkashmiri) January 2, 2020
يعمل القانون على تسريع عملية الحصول على الجنسية الهندية للمهاجرين غير المسلمين المنتمين إلى المجتمعات الهندوسية والسيخية والبوذية والجاينية والبارسية والمسيحية الفارين من الاضطهاد الديني من 3 دول مجاورة ذات أغلبية مسلمة (أفغانستان وباكستان وبنغلاديش)، والذين دخلوا الهند بشكل غير قانوني قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2014.
ويؤكد العديد من النقاد أن مشروع القانون – وهو تعديل لقانون الجنسية الهندي لعام 1955 – يستبعد الأقلية المسلمة على وجه التحديد، ويهدد بجعلهم عديمي الجنسية مقابل حفاظ المجموعات الدينية المحددة على جنسيتها، ويجعل الدين بشكل غير عادل شرطًا للتقدم بطلب للحصول على الجنسية، ويقولون إن هذا يعد انتهاكًا للمادة 14 من الدستور الهندي، التي تضمن الحق في المساواة.
إنفوغرافيك يظهر قانون تعديل المواطنة الهندي Citizenship Amendment Act والآثار المترتبة عليه في #الهند على المسلمين وغير المسلمين. pic.twitter.com/65d7pIjxne
— باكستان بالعربية (@PKarabic) January 2, 2020
كان تنفيذ قانون الجنسية التمييزي ضد المسلمين إحدى القضايا المركزية للحزب الحاكم، حيث شكَّل جزءًا رئيسيًا من بيانه الانتخابي لعام 2019، ومع وجود ما يقرب من مليار شخص مؤهلين للتصويت في غضون أسابيع قليلة فقط، يُنظر إلى هذا القرار باعتباره إستراتيجية لجذب قاعدة الدعم الهندوسية لمودي، في حين يؤدي في الوقت نفسه إلى تكثيف استقطاب الناخبين الذي أصبح يحدد السياسة الهندية.
لترسيخ هذه الإستراتيجية العنصرية، أعلنت حكومة مودي عن خطط لإنشاء “السجل الوطني للسكان” الذي يعد حجر الزاوية في مبادرة الحكومة الهندية لتحديد والتخلص من الأفراد الذين تزعم أنهم دخلوا الهند بشكل غير قانوني.
نشر حزب بهاراتيا جاناتا السجل في البداية في ولاية آسام الشمالية الشرقية فقط، لتحديد المهاجرين البنغلاديشيين غير الشرعيين في عام 2018، ولم يتمكن 4 ملايين شخص، معظمهم من المسلمين تقريبًا، من إثبات أنهم كانوا يعيشون في الهند قبل عام 1971، وتم تجريدهم من جنسيتهم، وتعهد الحزب الحاكم بتوسيع مبادرة مماثلة للتحقق من الجنسية على مستوى البلاد، وفي نفس الوقت، يخطط لتسريع تتبع المواطنة للهندوس من بلدان أخرى.
قبل ذلك، وفي يونيو/حزيران 2019، سمحت الحكومة بإنشاء “محاكم للأجانب” في جميع أنحاء الهند، وتشكل هذه الإجراءات مجتمعة إطارًا يمكن أن يستهدف المسلمين، الذين قد يجدون أنفسهم مستبعدين من قائمة السجل الوطني للمواطنين، ويواجهون إجراءات أمام محاكم الأجانب، التي تتمتع بسلطة تجريد الأفراد من جنسيتهم واحتجازهم في مراكز الاحتجاز.
وأثار قانون المواطنة، إلى جانب السجل الوطني للمواطنين المقترح، ذكريات مخيفة عن قوانين نورمبرغ الألمانية النازية لعام 1935، التي استهدفت الأفراد على أساس دينهم، وشبَّهه آخرون بقانون الجنسية في ميانمار لعام 1982، وهو أصل أزمة الروهينجا المستمرة والإبادة الجماعية المحتملة.
سياسة الجرافات
في السنوات الأخيرة، أصبحت سياسة الهدم التي تحظى بتأييد مودي جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الإداري لحزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم، وتعكس نمطًا متكررًا في الولايات التي يحكمها الحزب، حيث أصبحت الجرافات رمزًا للآلات المستخدمة لفرض القانون والنظام، وهي تعمل كأداة خارج نطاق القضاء لهدم منازل المسلمين ومؤسساتهم وأماكن عبادتهم.
وفي أعقاب الافتتاح المثير للجدل لمعبد رام، تحركت حكومة الهند اليمينية المتطرفة لهدم مواقع التراث الإسلامي الأخرى، وحشدت الجرافات لإزالة المساجد وغيرها من أماكن العبادة تحت ستار استعادة أراضي الدولة أو إزالة التعديات المزعومة، ما أدَّى إلى إشعال التوترات طويلة الأمد بشأن الآثار الإسلامية.
شددت الشخصيات التي وضعت أسس القومية الهندوسية، وخاصة فيناياك دامودار سافاركار ومادهاف ساداشيف جولوالكار، على الإزالة الثقافية للمساحات الإسلامية كخطوة ضرورية نحو تحقيق الأهداف القومية
ويبدو أن عمليات الهدم جزء من إستراتيجية أوسع من حكومة ولاية أوتاراخاند بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يروِّج لهذه المنطقة على أنها “أرض الآلهة”، ما يعزز هدم المعالم الإسلامية في جميع أنحاء الولاية، ففي العام الماضي، هدمت حكومة الولاية، فيما أطلق عليه عملية “تطهير واسعة النطاق”، أكثر من 330 معلمًا إسلاميًا.
ووصف رئيس وزراء الولاية الحملة – التي أيدها موهان باجوات، رئيس منظمة راشتريا سوايامسيواك سانج (منظمة التطوع الوطنية – RSS)، التي تعد المرجعية الإيدلوجية لحزب مودي – بأنها “حملة صليبية محورية ضد جهاد الأرض”، وهي عبارة يستخدمها أنصار عقيدة هندوتفا للإشارة إلى البناء الإسلامي في المناطق ذات الأغلبية الهندوسية.
ولم تقتصر مثل هذه الحوادث على أوتاراخاند، حيث هدمت سلطات العاصمة نيودلهي – في جوف الليل دون سابق إنذار – مسجدًا عمره عدة قرون، في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بدعوى أنه تم بناؤه “بشكل غير قانوني في محمية غابات”، رغم أن هيكله يرجع إلى ما قبل دلهي الحديثة.
كما هدمت هيئة تنمية نيودلهي قبر بابا حاج روزبيه، الذي يعتقد أنه أحد أول الأولياء الصوفيين في دلهي، كجزء من حملة مزعومة لإزالة التعديات غير القانونية، وتقع المقبرة التي تعود للقرن الـ12 في سانجاي فان، وهي منطقة غابات كثيفة حيث من المقرر هدم 20 مبنى دينيًا آخر، بما في ذلك 16 مزارًا إسلاميًا داخل سانجاي فان التي تبلغ مساحتها 780 فدانًا.
وفي أعقاب موجة العنف الطائفي التي قادتها الجماعات القومية الهندوسية الصيف الماضي، نزلت الجرافات بسرعة على مقاطعة نوح ذات الأغلبية المسلمة في ولاية هاريانا، في أعقاب أعمال الشغب، وهدمت مئات المنازل بحجة أنها غير قانونية، وحوَّلت أكثر من 1200 مبنى، مملوك في المقام الأول للمسلمين، إلى أنقاض.
وفي حين أن حجم حملة الهدم هذه غير مسبوق إلا أنها ليست الأولى من نوعها، ففي أبريل/نيسان عام 2022، تم الإبلاغ عن دعوات للعنف نتج عنها استهداف ممتلكات المسلمين بالحرق والهدم في 7 ولايات على الأقل، بما في ذلك أوتار براديش وماديا براديش ونيودلهي وجوجارات والبنغال الغربية ومناطق أخرى، بحجة التعدي غير القانوني بشكل عام.
لم تثر أي من هذه الحوادث الغضب أو الإدانة من جانب الحكومة الوطنية، ما يوضح أن الدعوات للعنف ضد المسلمين لم تكن منفصلة أو متعارضة مع أهداف الدولة، بل هي جزء من مشروع اليمين الهندوسي لـ”إضفاء الطابع الهندوسي” على المشهد الاجتماعي والاقتصادي نحو بناء دولة للأغلبية الهندوسية.
وتعتمد سياسات حزب بهاراتيا جاناتا بشكل كبير على الدفع بتصوير الأراضي الهندية باعتبارها أراض هندوسية مقدسة تحت تهديد دائم بالانتهاك من الغزاة المسلمين الذين يستولون بشكل غير قانوني على الأراضي التي يملكها الهندوس.
ورغم أن هذا السرد اكتسب شعبية هائلة في السنوات الأخيرة، فإن جذوره أعمق كثيرًا، فقد شددت الشخصيات التي وضعت أسس القومية الهندوسية، وخاصة فيناياك دامودار سافاركار ومادهاف ساداشيف جولوالكار، على الإزالة الثقافية للمساحات الإسلامية كخطوة ضرورية نحو تحقيق الأهداف القومية.
ويزيد الوضع القانوني الغامض لمثل هذه الأفعال من صعوبة التصدي لها، حيث يتم تعليق القانون والنظام مؤقتًا بناءً على أهواء سلطات الدولة، ويتم إرسال رسالة أكبر إلى المسلمين مفادها أن الدولة لا تحميهم بالضرورة، وبالتالي ينبغي النظر إلى عمليات الهدم على حقيقتها، وهي ليست مجرد هجوم على جدران المنزل.
ويبدو أن هناك اعتقادًا قائمًا بأن العنف ضد ممتلكات المسلمين أقل خطورة من العنف ضد أجسادهم، وهو شكل من أشكال “الأضرار الجانبية” التي لا تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، لكن هذا يتجاهل البعد السياسي لعمليات الهدم، التي تهدف إلى القضاء على قدرة المجموعة المستهدفة على البقاء وحرمانهم من أي أمل في مستقبل آمن.
وفي قضية أوتاراخاند، تبنت وسائل الإعلام الوطنية رواية شائنة تصور المتظاهرين المسلمين باعتبارهم “عصابة جهادية”، وهي نظرية المؤامرة التي تم نشرها ضد مسلمين آخرين، باستخدام الادعاء الكاذب بأنهم يحتلون الأراضي الهندوسية بشكل غير قانوني.
عنف طائفي برعاية الدولة
ترتفع وتيرة العنف مع صعود التيارات اليمينية، وأبرزها الحزب الحاكم بهاراتيا جانتا، إذ يصطبغ خطاب اليمين بالتحريض على المسلمين، وتعج الحملات الانتخابية بالرسائل المعادية للمسلمين من رئيس الوزراء وقادة حزبه.
في حين أثارت دعوات مجموعة من الرهبان للهندوس لتسليح أنفسهم في الإبادة الجماعية القادمة ضد المسلمين، الغضب في ديسمبر/كانون الأول عام 2021، إلا أن مثل هذه الدعوات للقتل الجماعي للأقلية المسلمة أصبحت اليوم روتينية ومنتظمة.
أصبح جيل كامل من القوميين الهندوس الآن أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بأن القضاء على المسلمين من شأنه أن يحسن حياتهم.
وكانت موجة العنف الطائفي التي استهدفت الشركات المملوكة للمسلمين، بولاية هاريانا شمال الهند، في صيف العام الماضي، وأحرقت المتاجر والسيارات ومسجدًا محليًا، وتسببت بقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص، بمثابة استمرار للهجوم المستمر على المسلمين الهنود في البلاد، وذلك تماشيًا مع إستراتيجية هندوتفا لاستقطاب الناخبين قبل الانتخابات العامة الحاسمة.
وتكشفت آثار العنف الطائفي المتسلسل المألوف اضطرار الأسر المسلمة إلى الفرار من منازلها، وتورط أجهزة إنفاذ القانون في اعتقالات تعسفية لشباب مسلمين وشخصيات مجتمعية، وهدم السلطات منازل المتهمين بالتحريض على العنف.
وتتوافق الأحداث التي سبقت أعمال العنف في هاريانا أيضًا مع نمط متكرر آخر، تم التأكيد عليه في تقرير صدر العام الماضي سلط الضوء على “القواسم المشتركة” الصارخة في استخدام المناسبات الدينية كذريعة لارتكاب أعمال عنف ضد مجتمعات الأقليات.
وخلص التقرير إلى أن العنف الطائفي أدى في كثير من الأحيان إلى إجراءات مدعومة من الدولة، بما في ذلك عمليات الهدم غير القانوني للمنازل والمتاجر، واستهداف الأفراد الذين يطلق عليهم “مثيرو الشغب” أو العناصر المعادية للمجتمع، وقد أدّى هذا العنف الذي ترعاه الدولة إلى تأجيج أزمة نزوح العائلات المسلمة، التي اضطرت إلى الفرار خوفًا من انتقام الدولة.
لفهم هذه الظاهرة، لا يحتاج المرء إلا النظر إلى التحولات التي مرت بها الأحداث الدينية، فقد شهد عام 2022 تغييرًا هائلًا في كيفية تنظيم التجمعات والمواكب الدينية الهندوسية، وانفصال مهرجانات مثل رام نافامي وهانومان جايانتي عن أصولها الدينية وإعادة توظيفها كمناسبات لمظاهرات سياسية مناهضة للمسلمين.
وتحت ستار الاحتفال بهذه المهرجانات، اجتاحت حشودًا من القوميين الهندوس والمتعصبين الأحياء الإسلامية، وهم يلوحون بالأسلحة وينشرون رسائل الكراهية ويرددون شعارات الإبادة الجماعية التي يبدو أنها مخططة سابقًا، ما أدّى إلى مواجهات في بعض الحالات، وقوبلت الأحياء التي أظهرت الحد الأدنى من المقاومة برد فعل قوي من الدولة، حيث تم تجريف الممتلكات، وتركت العائلات بلا مأوى.
وفي العديد من هذه المسيرات، ورد أن المتطرفين الهندوس حاولوا زرع أعلام زعفرانية فوق المساجد، على غرار وضع علامات على الفتوحات في أراضي العدو، وهي طريقة تاريخية للمطالبة بالملكية أو السيادة على منطقة ما.
ومع تزايد شعبية القومية الهندوسية، تزايدت أيضًا إعادة التأكيد العنيف على احتكار الأماكن العامة، حيث قاد القوميون الهندوس حملات ضد صلاة المسلمين العامة واستخدام مكبرات الصوت في المساجد للأذان، ما شكَّل تحديًا للمفهوم التعددي للأرض الهندية.
وبتحليل آثار أعمال العنف على حصة التصويت للأحزاب القومية الهندوسية، وجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة ييل الأمريكية في عام 2014 أن حزب بهاراتيا جاناتا شهد زيادة بنسبة 0.8% في حصته من الأصوات بعد أعمال شغب في العام السابق للانتخابات.
ووجدت الدراسة، التي نظرت في الانتخابات بين عامي 1962 و2000، أن انتخاب أحد أعضاء حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض والرافض لسياسة كراهية المسلمين التي انتهجها حزب بهاراتيا جاناتا في منطقة ما، أدَّى إلى انخفاض بنسبة 32% في احتمال اندلاع أعمال شغب قبل الانتخابات التالية، مع احتمال أن يكون هناك المزيد من أعمال الشغب بنسبة 10% والآلاف من الضحايا إذا خسر مرشحو الحزب المعارض جميع الانتخابات القريبة.
ويبدو أن مثل هذا الاتجاه مستمر في القرن الحاليّ، فبعد أعمال الشغب القاتلة في ولاية غوجارات عام 2002، بدأ مودي – الذي كان رئيس وزراء الولاية خلال المذبحة التي أودت بحياة مئات المسلمين – في إحكام قبضته على السلطة، حيث قدَّم نفسه كزعيم قوي للهندوتفا.
أدَّت أحداث غوجارات إلى عزلة سياسية دولية لمودي، حيث رفضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الأخرى منحه تأشيرة لسنوات بعد ذلك، لكن الهندسة السياسية التي يمارسها حزب بهاراتيا جاناتا لاستقطاب الانتخابات استمرت بلا هوادة.
وبعد مرور أكثر من 20 عامًا على المذابح ضد المسلمين في ولاية جوجارات، التي يشتبه أن مودي سمح بوقوعها، أصبح جيل كامل من القوميين الهندوس الآن أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بأن القضاء على المسلمين من شأنه أن يحسن حياتهم.
وبعد أعمال العنف التي وقعت الصيف الماضي، وجدت لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، تكونت من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، أن الجماعات المرتبطة بمنظمة “آر إس إس” نشرت قواتها للعمل كقوة مضاعفة لتحقيق النفعية السياسية في المنطقة الوحيدة التي يهيمن عليها المسلمون في هاريانا ومنطقة العاصمة الوطنية، وأشارت إلى أن ذلك لم يكن إلا خطة محسوبة لتعزيز فرص حزب بهاراتيا جاناتا في المنافسات الانتخابية في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة لعام 2024، وبعد ذلك.
وردَّد المحلل السياسي راجيش راماشاندران وجهة النظر هذه، قائلًا إن أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها هذه المناطق كشفت عن موقف شعر فيه شاغلو المناصب الذين يواجهون ضعفًا انتخابيًا أنه من الضروري الانغماس في الاستقطاب الطائفي، وفي هذا السياق، تم استخدام عقيدة الهندوتفا لمضاعفة قوة حزب بهاراتيا جاناتا.
وأشار راماشاندران إلى أن المسلمين “تُركوا تحت رحمة الزعماء الدينيين الرجعيين” الذين أصبحوا بدورهم مقاولين للتصويت، وبحسب وصفه، فإن “هؤلاء المتعاقدين على التصويت الطائفي، الذين يعرضون خدماتهم لمن يدفع أكثر، يحصلون أيضًا على رعاية سياسية وحماية من الشرطة لإدارة عملياتهم غير المشروعة مع الإفلات التام من العقاب”.
انتخابات على أنقاض الديمقراطية
عاش المسلمون على هامش الحياة السياسية والاقتصادية لعقود من الزمن في الهند، لكن منذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، أصبحوا كبش فداء لكل العلل التي تعاني منها الهند، وأدى تصاعد موجات التطرف ضد الأقليات الدينية، خاصة تلك الموجَّهة ضد المسلمين، إلى تعريض التزام الهند بالمثل العلمانية التي طال انتظارها للخطر، مع وقوع هجمات متكررة على الصحفيين والمجتمع المدني ومنتقدي مودي وحزبه الحاكم.
تكشف هذه التطورات بشكل أكبر عن نية مودي تعبئة الناخبين الهندوس سياسيًا على طول الانقسام الهندوسي المسلم في الفترة التي تسبق الانتخابات.
وتراجعت الهند، التي اعتبرت منذ فترة طويلة أكبر ديمقراطية في العالم، على سلَّم الديمقراطية في عام 2021، حيث خفَّضت مؤسسة فريدوم هاوس تصنيفها من “حرة” إلى “حرة جزئيًا”، وسلطت الضوء على التآكل المستمر للديمقراطية وتراجع الحريات منذ وصول مودي إلى سدة الحكم، ووصفها معهد أبحاث أنواع الديمقراطية (V-Dem) بأنها “استبداد انتخابي” في ظل الحزب الحاكم الهندوسي الذي انخفض مستوى الديمقراطية في عهده إلى مستوى عام 1975، عندما فُرضت حالة الطوارئ في الهند.
ووفق ما يشير تقرير لمنظمة “Common Cause” يعيش مسلمو الهند في ظل حكومة بهاراتيا أسوأ أيامهم، ووصف التقرير أفراد الشرطة بأنهم “متحاملون على المسلمين” وسط تصاعد الإفلات من العقاب لمن يعتدون على المسلمين، ووثق إلغاء المحاكم والهيئات الحكومية شكاوى تثبت تورط الهندوس في الهجوم على المسلمين.
وهناك الكثير من الأسباب وراء شعور أكبر أقلية دينية في الهند بالتهميش والقلق بشأن الانتخابات القريبة، أولها “جهاد الحب“، وهو مصطلح يتم الترويج له بشكل متزايد من القادة ووسائل الإعلام الهندية، ويزعم أن الرجال المسلمين يجذبون النساء الهندوسيات للزواج كجزء من الحرب المقدسة الإسلامية ضد الهندوس، حتى يتمكنوا بعد ذلك من اعتناق الإسلام.
هذا المصطلح موجود منذ عام 2009، عندما هربت سيلجا راج البالغة من العمر 18 عامًا مع صديقها المسلم، وادَّعى والدها أنه تم غسل دماغها وإغراؤها، ووجدت المحكمة العليا في كارناتاكا أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، لكن في السنوات الأخيرة، قوبلت الزيجات بين الأديان بالقمع.
لدى اليمين الهندوسي المتطرف معلومات كاذبة للترويج لهذه الرواية، حتى إن الجماعات اليمينية المتطرفة نشرت مقالات عن المسلمين الذين تزوجوا من الهندوس وحب الجهاد ما أدى إلى وقوع هجمات مميتة.
أمَّا الاعتداءات المعنوية، فتجلَّت إحداها في عرض مسلمات للبيع على شبكة الإنترنت، في حادثة سُجلت لأول مرة في عام 2018، وتجدد الاعتداء في صيف عام 2021، عندما عُرضت 80 امرأة مسلمة للبيع في مزاد علني بهدف السخرية.
السبب الثاني هو عمليات الإعدام خارج نطاق القانون لحماية البقر، فقد حوَّل القوميون الهندوس البقرة إلى أكثر الحيوانات استقطابًا في البلاد، ففي الأعوام الـ10 الأخيرة، اُرتكبت 76% من جرائم الكراهية في هذا البلد ضد المسلمين، 90% منها وقعت في السنوات الـ5 الاخيرة، وكثير منها له علاقة بلحم البقر.
تم حظر ذبح الأبقار في معظم أنحاء الهند، لكن بعض السياسيين والجماعات اليمينية المتطرفة ذهبوا إلى أبعد من ذلك من خلال تشجيع حشود حماية الأبقار على مهاجمة المسلمين والداليت (المنبوذون)، وقد تم إعدام البعض في الشوارع للاشتباه في تناولهم لحوم البقر.
السبب الثالث يرتكز على محو تاريخ المسلمين، فرغم أن الإسلام وصل الهند في القرن الأول للهجرة، وحكم المسلمون شبه القارة الهندية نحو 8 قرون، ولهم تاريخ طويل وغني، بما في ذلك بعض المواقع الأثرية الأكثر شعبية في البلاد، ويكافح المسلمون لعقود طويلة لإثبات أنهم من سكان البلاد الأصليين، فإن الأحزاب اليمينية تدعي أنهم مهاجرون، وتعْهد السلطات الهندوسية إلى تقويض هذا التاريخ الآن.
ومؤخرًا، تعرض تاج محل، الذي بناه الإمبراطور شاه جاهان في القرن الـ17، وأحد عجائب الدنيا السبع، إلى جانب المعالم الأثرية الأكثر شهرة في الهند، لحملة تشويه، حتى إنه أُزيل من كتيبات السياحة الرسمية الأخيرة للدولة واستبداله بمواقع هندوسية، ويحصل الآن كبار الشخصيات الأجنبية الذين يزورون الهند، والذين اعتادوا الحصول على نسخ طبق الأصل من تاج محل على الكتب المقدسة الهندوسية.
زار رئيس الوزراء نتنياهو مع زوجته تاج محل في الهند وقال: “شهدنا محبة كبيرة في الهند. إنها محبة لإسرائيل حيث وصلنا هنا إلى معبد المحبة”. pic.twitter.com/tWyIVyG7lI
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) January 16, 2018
لكن ليس هذا كل شيء، هناك أيضًا تغييرات متعمدة في أسماء مئات المدن والطرق لطمس التاريخ الإسلامي، فقد أصبحت مدينة الله آباد، وهو اسم فارسي يعني “مدينة الله”، تُعرف باسم براياغ راج، ويعني “مكان التضحية”، كما تغير اسم محطة السكة الحديد الشهيرة موغال ساراي إلى اسم السياسي الهندي ديندايال أوبادهيايا أيقونة حزب بهاراتيا جاناتا.
ولم تكن أقسام الكتب المدرسية عن المهاتما غاندي وإمبراطورية المغول ونظرية التطور سوى بعض من تلك التي أزالتها الحكومة الهندية من الكتب المدرسية للطلاب العالم، فقد كانت إعادة كتابة التاريخ أولوية رئيسية للحزب القومي الهندوسي، وقد تم الشعور بآثارها بشكل يتجاوز الكتب المدرسية.
وتتشابه حملة التضييق على المسلمين التي يشنها الحزب الهندوسي مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، فقد أقدمت السلطات الهندية على هدم منازل المسلمين كوسيلة لعقاب من شاركوا في المظاهرات الاحتجاجية بعد موجة الغضب المحلية والدولية التي فجرتها تصريحات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أدلى بها اثنان من كبار المسؤولين في الحزب الحاكم.
وليس من قبيل الصدفة أنه خلال جائحة كورونا، ادَّعى غُلاة الهندوس أن الأحياء الإسلامية كانت مسؤولة عن انتشار الفيروس في الهند، ضمن ما يسميه المتطرفون “جهاد كورونا” في وقت عانت فيه البلاد من ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس، في محاولة واضحة لتجريد المجتمع المسلم من إنسانيته.
كما أن المصطلحات المهينة مثل “النمل الأبيض” و”الصراصير” و”العلق” هي أيضًا جزء من قاموس هندوتفا الذي يُنشر بانتظام ضد المسلمين، وهكذا يتم تقديم عملية هدم بيوت المسلمين للجماهير كعمل ضروري.
لكن حتى بمقارنة الوقائع المروعة التي شهدتها السنوات الـ10 الماضية، يمكن القول إن الأشهر الأخيرة كانت غير مسبوقة، فمع الخطوت الأخيرة التي اتخذتها الحكومة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات العامة، أوضح مودي أن محاولته للفوز بولاية ثالثة سترتكز على تقديم العناصر الأساسية لأجندة هندوتفا، وتكشف هذه التطورات بشكل أكبر عن نيته تعبئة الناخبين الهندوس سياسيًا على طول الانقسام الهندوسي المسلم في الفترة التي تسبق الانتخابات.
وبحسب توصيف المحلل السياسي سايانتان غوش، فإن ثمة هدف مزدوج يكمن في قلب إستراتيجية حزب بهاراتيا جاناتا: أولًا، تعزيز قاعدة دعمه بين الناخبين الهندوس من خلال إعادة تأكيد التزامه بهندوتفا، وثانيًا، إظهار مودي كزعيم قوي يفي بوعوده، لا سيما في المسائل المتعلقة بالقومية ورفاهية الهندوس.
ويشير هذا إلى أن مودي يتناول على وجه التحديد الالتزامات الأيديولوجية الأساسية لحزب بهاراتيا جاناتا، التي تشمل إلغاء المادة 370 المثيرة للجدل في الدستور الهندي التي تتيح لمنطقة جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، وضع قوانينها الخاصة، وبدلًا من ذلك ستديرها الحكومة المركزية التي ستقلص دور الحكم الذاتي الإقليمي إلى حد كبير.
وبعد 10 سنوات من وصول مودي -الذي أوفى بكل وعوده لأنصاره الهندوس- إلى السلطة، يجد العديد من مسلمي الهند صعوبة في تصديق الحزب الحاكم، ففي حين تلقى الأصوات الهندوسية المتطرفة استجابة فورية لمطالبهم، قلما يجد مسلمو الهند مكانًا لقضيتهم بين أجندة الساسة والزعماء، وفي بعض الأحيان يأتي استعطافهم بنتائج عكسية.