تبدو بعض الأنشطة العادية – بتعريف العالم – مشكلة كبيرة وتعديًا للخطوط الأخلاقية الثابتة في إيران، وتحديدًا بالنسبة إلى فئة الشباب التي تفضل مواكبة العالم ومخاطبته باللغة العصرية، مخالفة بهذا قوانين الدولة التي عادة ما يكون لها رأي مختلف، خاصة فيما يتعلق بموضوع الحريات والانفتاح على العالم الآخر.
مؤخرًا تناقلت وكالات الأنباء أخبارًا عن ترشح فيلم المخرجة الإيرانية نرجس آبيار لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، لكن هذا الإنجاز الحقيقي في عالم السينما تلقى الكثير من الانتقادات وردود الفعل المختلطة، فما قصة الفيلم؟ وما الذي يدعو رجال الدين للقلق منه؟
نرجس آبيار وأفلامها المميزة
ولدت المخرجة الإيرانية آبيار في طهران عام 1970، درست الأدب الفارسي ونشرت ما لا يقل عن 30 قصة خيالية للأطفال والكبار، ولكنها انتقلت من الكتابة إلى مهنة الإخراج عام 2005.
وعند سؤال المخرجة عن سبب انتقالها إلى عالم الأفلام، قالت خلال لقاء تليفزيوني مع قناة الميادين: “انتقلت من عالم الكتابة إلى الإخراج لأنني احتجت إلى لغة عالمية أكثر، وإذا كان لدي ما أعبر عنه أو ما أريد قوله وأود إيصال رسالة عبره، فهذا يتطلب محيطًا أكثر عالمية ويتسنى لكل العالم مشاهدته، ولا يكون ذلك محدودًا فقط في إيران أو بالفئة التي تقرأ الكتب”، وتابعت: “أحببت أن أخاطب العالم بلغتي الفنية”.
بدأت تجربة آبيار السينمائية الأولى في فيلم “الأشياء في المرآة أقرب مما تبدو عليه” والذي تحدثت فيه عن قصة أم وزوجة تدعى “ليلى” تتوقع إنجاب طفلها الثالث في شقة صغيرة في طهران، وحياتها اليومية مقسمة بين مهامها المنزلية المختلفة، ولسبب ما تضطر ليلى للبحث عن مكان آخر للعيش مع عائلتها، إذ يكشف هذا الفيلم الملامح العميقة للشخصية المطاردة بآمال ورغبات المرأة غير القادرة على تحقيقها في ظل ظروفها المحدودة.
وصفت صحيفة الغارديان هذا العمل بـ”الفيلم الأكثر أنوثة الذي أخرج عن الحرب الإيرانية العراقية”، على الرغم من أنها لم تحصل على أي تدريب أكاديمي في مجال السينما، لكنها فعلت الأمر بشكل فطري تمامًا
هذا وأبدعت آبيار في تصوير عدة أفلام وثائقية مثل “النهاية المميتة” و”في نهاية اليوم” و”أول يوم بعد العاشر”، مع العلم أن الفيلم الأخير حصد أكثر من 40 جائزة محلية وعالمية، ومعظم أفلامها الوثائقية القصيرة جسدت صعوبات ومعاناة الحرب الإيرانية العراقية عام 1980.
أما عن فيلم الشهرة فهو “خندق 143” والمقتبس من روايتها “العين الثالثة” والتي تحكي فيه قصة امرأة فقدت ابنها خلال الحرب الإيرانية العراقية، والذي شارك في العديد من المهرجانات حول العالم مثل: مهرجان سنغافورة وكان الدولي ولوس أنجلوس الدولي وفجر السينما الإيراني.
جدير بالذكر أن هذا الفيلم يعتبر نقلة نوعية في مسيرة آبيار السينمائية، لا سيما أنه لاقى استحسان واهتمام العديد من السينمائيين والنقاد، خاصة أن الفيلم ركز على دور الأمهات في الحرب.
وبحسب المخرجة فقد وصفت صحيفة الغارديان هذا العمل بـ”الفيلم الأكثر أنوثة الذي أخرج عن الحرب الإيرانية العراقية”، على الرغم من أنها لم تحصل على أي تدريب أكاديمي في مجال السينما، لكنها فعلت الأمر بشكل فطري تمامًا.
فيلم “نفس” مرشح لجائزة الأوسكار ولكن…
تدور أحداث هذا الفيلم حول فتاة صغيرة اسمها “بهار” من عائلة فقيرة، يساعدها خيالها على الهروب من حقيقة الواقع القاسي الذي تعيشه في بلدها إيران، متحدية التغيرات السياسية والتحولات الاجتماعية السريعة التي طرأت على نظام الحياة عقب الثورة الإسلامية في 1979 وبداية الحرب الإيرانية العراقية.
أما عن سبب التسمية “نفس” أن بهار الطفلة الصغيرة التي فقدت أمها، أصبح أكبر مخاوفها هو فقدان والدها المصاب بمرض الربو والتي تقضي الوقت بجانبه لتتأكد من أنه ما زال يتنفس، وتعلق المخرجة آبيار على عنوان الفيلم قائلة “عنوان الفيلم يمثل الحياة والخوف والأمل”، وتضيف “هذا الفيلم يظهر لنا الوجه القبيح للحرب الذي يجب أن نتجنبه، وهذا ما لن يخبرك به السياسيون”.
أحمد علم الهدى: “الفيلم يظهر بالتحديد ما يريد أن يراه أعداؤنا في الغرب”، وشاركه بالرأي مفوض شؤون الثقافة لدى الحرس الثوري محمد رضا نجدي قائلًا: “الغرب ينشر ما يكفي بالفعل من الدعاية السلبية ضدنا، لذلك يجب ألا ننفق ضرائبنا على مثل هذه الأنواع من الأفلام”
وعلى الرغم من الاهتمام والترحيب العالمي بهذا الإنتاج السينمائي فإن هذا العمل لم يلق إعجاب في إيران، بسبب الفئة المتشددة في إيران التي تصف هذه الحرب بـ”الدفاع المقدس”، واعتراضهم على بعض أجزاء من الفيلم التي تنتقد الإسلام التي تبدو واضحة في المشاهد التي تظهر فيه بهار رافضة الذهاب لمدرسة تحفيظ القرآن وغيابها عن الدروس الدينية، ورغم عقاب وتوبيخ عائلتها لها على هذه التصرفات، فإنها ترفض العودة للدراسة وتفضل قراءة كتب ليست دينية.
كما قال أحد رجال الدين المتشددين أحمد علم الهدى: “الفيلم يظهر بالتحديد ما يريد أن يراه أعداؤنا في الغرب”، وشاركه بالرأي مفوض شؤون الثقافة لدى الحرس الثوري محمد رضا نجدي قائلًا: “الغرب ينشر ما يكفي بالفعل من الدعاية السلبية ضدنا، لذلك يجب ألا ننفق ضرائبنا على مثل هذه الأنواع من الأفلام” هذا بحسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست.
علقت آبيار على بعض المشاهد التي تشوه صورة الإسلام قائلة “منعت بهار من اللعب مع قريبها، وفي هذا اللحظة تمنت بهار لو أنها خلقت على هيئة ذكر، قد يعتقد البعض أن هذا المنع بسبب منظومة الدين، لكنه ليس كذلك، بل بسبب الجانب الثقافي في المجتمع الإيراني”.
قد لا تستطيع آبيار حضور حفل الأوسكار!
الرفض الجماهيري المحلي ليس الأمر الوحيد الذي يقف عائقًا أمام نجاح هذا العمل، ففي حال اختيار الفيلم ضمن قائمة أفضل 5 أفلام غير ناطقة بالإنجليزية، سوف يتوجب على آبيار السفر إلى لوس أنجلوس لحضور حفل الأوسكار، لكن سياسة المنع التي يطبقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مواطني إيران قد تمنعها من الاستمتاع بهذا النجاح، كما حصل سابقًا مع المخرج الإيراني أصغر فردهادي الذي فاز بجائزة أوسكار عن فيلمه “البائع” لكنه لم يتمكن من حضور الحفل بسبب قرار الحظر.
دعت آبيار الرئيس الأمريكي إلى مشاهدة الفيلم قائلة: “قتل 3 آلاف طفل إيراني في أثناء الحرب، لماذا لا أظهر كل ذلك؟ هذا الفيلم يدعو للسلام، وربما يساعد المجتمع الأمريكي على فهم أن الإيرانيين ليسوا إرهابيين كما يزعم السياسيون”
وبهذا الخصوص قالت آبيار إن سلطة الفن تجسر الانقسامات الثقافية والسياسية، وهذه السلطة لا تعترف بأي حدود، لكنها في الواقع توضح مفهوم الإنسانية لدول العالم.
وفي خطوة أخرى، دعت آبيار الرئيس الأمريكي إلى مشاهدة الفيلم قائلة لوكالة إرنا الإيرانية: “قتل 3 آلاف طفل إيراني في أثناء الحرب، لماذا لا أظهر كل ذلك؟ هذا الفيلم يدعو للسلام، وربما يساعد المجتمع الأمريكي على فهم أن الإيرانيين ليسوا إرهابيين كما يزعم السياسيون”.
وبعيدًا عن موجة الانتقادات والاختلافات السياسية التي ترافق آبيار في رحلتها الفنية، تبقى آبيار نموذجًا للمرأة التي حافظت على موهبتها الفريدة وسط مجتمع تقليدي، ونجحت في تصوير واقع المرأة الإيرانية التي عاصرت الثورة والحرب والحكم الديني المتزمت.