مساء أمس الثلاثاء أعلن رئيس البرلمان في زيمبابوي جاكوب موديندا، أن رئيس الدولة روبرت موغابي استقال من منصبه، وذلك عبر رسالة وجهها إلى البرلمانيين، لينتهي بذلك حكم الرئيس الأقدم في القارة الإفريقية والأكبر في العالم (93 سنة).
ولإن قال موغابي في رسالته إنه تنازل عن صلاحياته طوعًا من أجل ضمان الانتقال السلس للسلطة في البلاد، فإن العديد من المراقبين يؤكدون عكس ذلك، كون هذه الاستقالة لم تكن لتحصل لولا انقلاب الجيش عليه بإيعاز من بعض القوى الخارجية التي ترجح العديد من التقارير أن تكون على رأسها دولة “الصين الشعبية”، فهل يمثل الانقلاب في زيمبابوي أول انقلابات الصين السرية في القارة الإفريقية؟
انقلاب مخطط له مسبقًا
هذا التحرك المفاجئ لجيش زمبابوي ضد الرئيس، إن بررته قيادات الصف الأول للجيش بسعيها إلى استهداف ما أسمتهم بالمجرمين المحيطين بالرئيس موغابي، ورغبتهم في وقف حملة التطهير ضد حلفائهم في الحزب الحاكم التي تشرف عليها زوجة موغابي غريس التي تسعى لخلافة زوجها في الحكم، فإن العديد من المراقبين يذهبون إلى أبعد من ذلك، ويقول مراقبون إن الجيش كان يخطط مسبقًا للاستيلاء على الحكم، خوفًا من انتقاله إلى غريس زوجة موغابي التي يطلق عليها “النقمة” و”المتسوقة الأولى” (ألقاب تعبر عن الاستياء الشعبي إزاء أسلوب حياتها المسرف)، ووجد في إقالة نائب الرئيس إيميرسون منانغاغوا – المقرب منهم – من منصبه أفضل فرصة لتنفيذ مخططهم.
يحظى منانغاغوا بدعم الجيش و”اتحاد قدامى محاربي حرب التحرير”
وحتى شهور مضت كان نائب الرئيس المقال من منصبه إيميرسون منانغاغوا الذي يلقب بـ”التمساح” بسبب مكره وقسوته، يعتبر الأوفر حظًا لخلافة حليفه وحاميه موغابي، لكن من أجل تمهيد الطريق أمام زوجة الرئيس تمت إقالته، ليهرب بعدها مباشرة إلى دولة جنوب إفريقيا، ويحظى منانغاغوا بدعم الجيش و”اتحاد قدامى محاربي حرب التحرير”، وكلاهما كان يخشى من أن يسلم موغابي السلطة لزوجته غريس غير المرغوب فيها على نطاق واسع.
الدور الصيني
يوم الجمعة قبل الماضي زار قائد أركان جيش زيمبابوي كونستانتينو تشيوينغا العاصمة الصينية بكين، بعدها بأيام فقط أعلنت قيادة الجيش في هذا البلد الإفريقي الفقير التحرك والاستيلاء على السلطة، وإجبار الرئيس روبرت موغابي على الاستقالة والتخلي عن الحكم، بعد 37 عامًا قضاها في منصب الرئاسة، هذه الزيارة السريعة لقائد أركان الجيش نحو الصين ولقائه مسؤولين كبار هناك، ورغم تأكيد وزارة الخارجية الصينية أنها كانت “تبادلاً عسكريًا طبيعيًا”، فقد أثارت شكوك العديد من المتابعين بشأن إمكانية إعطاء بكين الضوء الأخضر لقائد الجيش في زيمبابوي للاستيلاء على السلطة في العاصمة هراري وإنهاء حكم موغابي.
تحركات الجيش في العاصمة هراري
وتقول تقارير إعلامية إن الصين لم تعترض على خطوات الجيش بل شجّعتها وأبدت مساندتها لها وإن كان ذلك بطريقة غير علنية، خشية منها من انتقال الحكم لزوجة موغابي التي كانت تنوي الإبقاء على بعض القوانين التي تعارضها بكين، من ذلك قانون يتعلق بـ”توطين الوظائف” وهو قانون يُلزم الشركات الأجنبية بمنح رجال أعمال سود من زيمبابوي حصة راجحة من ملكية المشاريع، وترى الصين أن هذا القانون يقوض مصالح شركاتها هناك.
حليف بكين
أمام قرب انتهاء حقب الرئيس المستقيل موغابي، لم تجد الصين خير من نائبه المُقال، أخيرًا، إيمرسون منانغاغوا – المقرب من الجيش والمسؤول عن مجزرة أودت بحياة 15 ألف زيمبابويي في الثمانينات – ليكون خلفًا له، فدشنت بذلك أول انقلاباتها السرية في القارة الإفريقية، على الطريقة التي تعمل بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” ووكالة الاستخبارات البريطانية “إم آي 6″، وكان منانغاغوا – وهو أحد كوادر حزب زانو بي إف وأحد رجال التحرير – قد تلقى تدريبه في مدرسة الإيديولوجيا في بكين ونانكينج في ستينيات القرن الماضي.
يعرف عن منانغاغوا أنه حليف كبير للقيادة الصينية
وسبق أن دخل موغابي ومنانغاغوا في خلاف كبير بسبب زيارة هذا الأخير لبكين أواخر سنة 2015، واتهم موغابي حينها منانغاغوا بتبني رغبة بكين في تجديد القيادة في هيرارى، ومحاولة التشبث بالزعيم الصيني الإصلاحي الشهير دينج شياو بينج، حتى إنه قال في كلمة له إن بعض قادة حزب زانو الجبهة الوطنية يحاولون التأثير على الصين لمساعدتهم في محاولتهم لخلافة رئاسة البلاد، وذلك في إشارة منه لنائبه منانغاغوا.
ويعرف عن منانغاغوا أنه حليف كبير للقيادة الصينية، ودائمًا ما يتحدث عن ضرورة خلق بيئة استثمارية جديدة في بلاده من شأنها جذب تدفق رأس المال، كما حدث في الصين، ويرى موغابي ومقربين منه وخاصة قادة الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي الجبهة الوطنية أن تصريحات منانغاغوا محاولة منه للضغط من أجل تجديد القيادة باستخدام الصين، وبطرح نفسه كخليفة قادر على الزعامة يتسم بخصائص وسمات الزعيم الصينى الراحل دينج.
حماية استثماراتها الكبرى
هذه التحركات تسعى من خلالها الصين الشعبية إلى حماية محافظها الاستثمارية المتنامية في دولة زيمبابوي، وتعد الصين أكبر مستثمر أجنبي في هذا البلد الإفريقي، ذلك أنها تستثمر في العديد من القطاعات من بينها التعدين والزراعة والطاقة والبناء، ويُمول القطاع الزراعي القطاع الاقتصادي الرئيسي للبلاد من الاستثمارات الصينية المتنامية.
وتعود علاقات الصين مع زيمبابوي إلى ستينيات القرن الماضي عندما تلقى مقاتلو الاتحاد الوطني الإفريقي بقيادة روبرت موغابي أسلحة وتدريبات عسكرية من الصين لمكافحة نظام الفصل العنصري في روديسيا، وبعد تطبيق حكومة زيمبابوي للإصلاح الزراعي في بداية هذا القرن سحب الغرب استثماراته وفرض عقوبات على البلاد بعد انتخابات عام 2002، تدخلت الصين واستثمرت في أكثر من 100 مشروع، كما منعت بكين إجراءات مجلس الأمن الدولي لفرض حظر على الأسلحة والقيود المفروضة على أرقام النظام.
تعد الصين المستثمر الأول في زيمبابوي
واستثمرت الصين مليارات الدولارات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية بزيمبابوي، وفي الوقت نفسه تفضل الأخيرة التعامل مع بكين من خلال اعتماد اليوان الصيني كعملة دولية لها العام الماضي، لتكون أول دولة في العالم تقوم بذلك، وفي ديسمبر 2015 وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ في أثناء زيارته للزيمبابوي بدعم البلاد بمبلغ 5 مليارات دولار أمريكي على هيئة مساعدات واستثمارات مباشرة إضافية، ووصف الصين بأنها “صديقة زيمبابوي” في مختلف الأحوال، ويؤكد المكانة الكبرى لزيمبابوي لدى قادة بكين أنه ليس من مصلحة الصين أن يدخل هذا البلد الإفريقي في نار الفوضى حتى لا يصل لهيبها لاستثماراتها.