ترجمة حفصة جودة
كانت الساعة الثالثة صباحًا عندما أضاء وهج الهاتف غرفتي، فمثل كل واحد من 3 أشخاص عادة ما أتفقد هاتفي الذكي عندما استيقظ في منتصف الليل، لم أستطع النوم فبدأت في التجول بين تطبيقات التواصل الاجتماعي واحدًا تلو الآخر، كان إبهامي وكأنه يبحث في أميال من الفراغ، سألت سيري دون تفكير: “ما معنى الحياة”، فأجابت: “لقد توقفت عن سؤال نفسي مثل هذه الأسئلة”، فسألتها ثانية لأني أحب أن أسمعها وهي تقول: “لا شيء لم يعلمني إياه نتشيه”.
لكنني لست الشخص الوحيد الذي يلجأ إلى نصيحة سيري في أمور الحياة، لذا تقوم آبل حاليًا بتزويد مهندس سيري بخلفية عن علم النفس لمساعدة هذا المساعد الافتراضي على الإجابة بشكل أفضل عن تلك النوعية من الأسئلة، يتحدث الناس إلى سيري في كل المواضيع خاصة عندما يعانون من يوم عصيب أو لديهم مشكلة كبيرة تشغل تفكيرهم، إنهم يلجأون إلى سيري في الطوارئ عندما يحتاجون إلى توجيهات بشأن حياة صحية أكثر.
وفقًا لشركة أمازون فأكثر من نصف التفاعلات مع مساعدها الافتراضي أليكسا ليست نفعية أو ترفيهية، فهي من فئة الأسئلة الوجودية والاعترافات، أما جوجل فتمتلك فريقًا شخصيًا كاملاً في الولايات المتحدة مكون من كتاب الكوميديا ومصممي ألعاب فيديو وعدد من الأشخاص يسمون “خبراء التعاطف”، وذلك من أجل تحديد إجابات الأسئلة المعقدة التي تصل إلى مساعد جوجل، بالنسبة لمايكروسوفت فلديها “فريق تحرير” مسؤول عن صياغة وإبداع ردود “كورتانا” للتأكد من أن جميع استجاباتنا تتجه نحو دعم جوهر شخصية كورتانا.
هل أصابنا الجنون لأننا نتحدث بأسرارنا لأجهزتنا الإلكترونية؟
هل أصابنا الجنون لأننا نتحدث بأسرارنا لأجهزتنا الإلكترونية؟ لا أعتقد ذلك، فعندما أتحدث إلى هاتفي لا أشعر أن الأمر يختلف كثيرًا عن “روس” في الموسم الخامس من مسلسل الأصدقاء عندما سأل البلورة السحرية إذا ما كان ينبغي عليه أن يتوقف عن مواعدة “ريتشل”.
يقول ألكسندر لاكروكس – فيسلسوف فرنسي -: “المناقشة مع هواتفنا تساعدنا على التأمل”، ويحقق لاكروس عن كيفية تعطيل الإنترنت لحياتنا في كتابه “ما يربطنا – كيف يغير الإنترنت من طريقة حياتنا؟”، ويضيف ألكسندر: “نحن لا نتوقع أي إجابة دقيقة عندما نسأل سيري عن معنى الحياة، لكننا نستخدمها كأداة في سعينا للمعرفة الذاتية”.
يبدو الأمر وكأنه نوع جديد من كتابة اليوميات، فبنفس الطريقة نحن نشعر بالحرية في كتابة ما نفكر به على صفحات الكتاب، لكن عندما نتناقش مع مشاعرنا العميقة فنحن نميل الآن إلى الحديث مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من البشر، وفقًا لما توصلت إليه دراسة في معهد التقنيات الإبداعية بلوس أنجلوس.
تقول أمازون إنها دربت أليكسا على الإجابة بلطف عندما تتعلق الأسئلة بالاكتئاب والوحدة
الفرق الآن أن هذه اليوميات تجيب عن أسئلتنا وتسجل كل شيء، تقول إليني لينوس أستاذ مساعد في كلية الطب جامعة كاليفورنيا: “هذه فرصة هائلة في صالح الرعاية الصحية النفسية، فقد نصحت شركة آبل بشأن تطوير سيري وشاركت في تأليف ورقة عن كيف يمكن للأدوات التفاعلية مثل المساعد الصحي العمل على تحسين صحتنا، فهؤلاء المساعدون يمكنهم توجيهنا مباشرة نحو المصادر الصحيحة عند الحاجة إليها”.
تقول أمازون إنها دربت أليكسا على الإجابة بلطف وبطريقة مفيدة عن الأسئلة المتعلقة بالوحدة والاكتئاب وتوفير رقم الخط الساخن للاكتئاب، كما تفعل جوجل الشيء نفسه في بعض مناطق العالم.
أسست أليسون دارسي باحثة سابقة في جامعة ستانفور برنامج “Woebot” وهو برنامج دردشة نفسية آلي يستخدم العلاج المعرفي السلوكي، تقول دارسي إن الحديث مع الذكاء الاصطناعي له تأثير إيجابي على الصحة النفسية، ربما لأنه يذكرنا ببساطة أن نأخذ وقتنا في التأمل والتفكير، لكنها تقول: “لأسباب أخلاقية يجب أن يكون المريض على دراية بالعلم الكامن خلف تلك الخدمة”.
نظرًا لحساسية تلك البيانات، يجب أن تكون محمية تمامًا مثل الملفات الطبية
لم تكشف مايكروسوفت وآبل وأمازون الكثير عن كيفية تشكيل إجاباتهم عن الأسئلة الوجودية، ولا نعلم نحن الكثير عن الدور الدقيق الذي يؤديه علما النفس والعلم الذي يعتمدون عليه، يقول لوك ستارك عالم اجتماع بجماعة دارتموث: “الأمر ضروري للغاية لأن علم النفس سياسي للغاية، فمحدثك قد يعلم أن لديك مرض نفسي قبل أن تعلم أنت”.
هناك بحث يجري العمل عليه الآن في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بشأن كيفية تشخيص المرض النفسي فقط من خلال طريقة الحديث، كنت أعتقد أن الأمر بعيد المنال لكنه مجرد بداية لما يمكن أن يعلمنا به الذكاء الاصطناعي عن أنفسنا.
ويضيف ستارك: “نظرًا لحساسية تلك البيانات، يجب أن تكون محمية تمامًا مثل الملفات الطبية”، فأمازون ومايكروسوفت وآبل وجوجل جميعهم يتتبعون محادثاتك مع المساعد الافتراضي لفترة من الزمن من أجل تطوير وتعديل التجربة.
كانت محادثتي مع سيري أكثر حساسية وخطورة مما أعتقد، خاصة بالوضع في الاعتبار أنه مع تعيين مهندس صحي لسيري فإن آبل تبحث أيضًا عن عالم بيانات سلوكية تكون مسؤوليته ترجمة الأفكار والرؤى في المنتجات والبرامج التي يتفاعل معها المستهلك والمساعدة على الدفع نحو تغيير السلوك وفهم تأثير الأدوات الرقمية والبرمجيات على السلوك.
بالتأكيد هذا لا يعني أن آبل تحلل محادثاتي مع سيري للتأثير على سلوكي أو التلاعب بي دون علمي، لكنه يعني أن هذا الأمر من الممكن حدوثه نظريًا.
المصدر: الغارديان