استطاع الأكراد السوريون أن يعقدوا تحالفًا غير معلن بينهم وبين النظام السوري، بحيث يستفيد كل طرف من الآخر في الحرب السورية، إذ تمكن الأكراد من أن يكونوا حلفًا متينًا مع أمريكا في محاربة تنظيم الدولة كما تمكنوا من الحافظ على مناطقهم من قوات المعارضة السورية.
لكن في ظل الحديث عن قرب الانتصار على تنظيم الدولة في سوريا بدأت تطفو إلى السطح مسألة المجابهة بين النظام والأكراد المدعومين أمريكيًا، بينما يذهب البعض إلى قرب انتهاء المهادنة بين النظام والأكراد، ويعتقد آخرون أن هذا الصراع لن يحدث بحكم التوافق الروسي الأمريكي في الملف السوري.
في هذا الموضوع تحدث لـ”نون بوست” أحمد أبو فرحة الخبير في شؤون الجماعات الجهادية قائلاً: “في الساحة السورية التعقيدات كثيرة ومصالح المتخاصمين كبيرة، وكل شيء وارد في عالم الحرب، فبالنسبة للنظام السوري الأكراد عدو لكن عدو ثانوي وليس مباشرًا، وبالنسبة للثورة السورية فإن الأكراد عدو ثانوي أيضًا وليس مباشرًا كالنظام”.
معتبرًا أن تركيا ترى في المشروع الكردي أكبر خطر عليها، فهي أكثر طرف يتوجس منهم، وتعتبر تركيا الأكراد عدوًا أول في سوريا، مستبعدًا حدوث صراع مسلح بين النظام والأكراد، قائلاً: “في ظل هذه التعقيدات نرى أن فرصة قتال النظام والأكراد قليلة مع احتماليتها في الشرق السوري خصوصًا بعد دحر تنظيم الدولة”.
يرى الصحفي والباحث خالد حسن أن الأتراك لا يمكنهم أن يقرروا أمرًا معتبرًا مؤثرًا في سوريا من دون الرجوع إلى الروس
ويذهب أبو فرحة إلى أن احتمالية وقع صدام بين الأكراد وهيئة تحرير الشام قائمة لعدة اعتبارات منها أن فرصة قتال هيئة تحرير الشام مع الأكراد قوية لأن طبيعة العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام قائمة على المصالح المشتركة وأكبر مصلحة هي قتال الأكراد كون الأكراد العدو المشترك، بالنسبة لتركيا فإن تحالفها “القسري” مع هيئة تحرير الشام يضمن لها قتال العدو المباشر (الكرد) وضمان أن الجهاديين بنسختهم المعتدلة “الهيئة” لن تكون سببًا في إزعاجهم أو أذيتهم.
وعن الموقف الروسي من القضية الكردية يقول أبو فرحة: “روسيا تسعى إلى حل توافقي بالضغط على النظام السوري لإعطاء الأكراد حكمًا ذاتيًا يوافق تطلعاتهم، لا سيما أن روسيا مستفيدة من أكراد العراق في مجالات اقتصادية عبر شركات الطاقة، والموقف الأمريكي من قضية الكرد سيبقى داعمًا لهم كونهم يرون في الأمريكان حليفًا مباشرًا”.
في هذا الموضوع يرى الكاتب السوري خليل المقداد أن احتمالية وقع صراع بين النظام السوري والأكراد بعيدة، قائلاً: “ليس من المرجح أن يحدث صدام بين النظام والأكراد لأن كليهما حليف لروسيا والغرب هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الكرد منذ مدة يعزفون على وتر سوريا الموحدة غير المركزية، وأعتقد أن نكسة كركوك ستعزز هذا التوجه وهم أضعف من أن يدخلوا في مواجهات عسكرية مباشرة”.
ويقول الكاتب السوري في حديث لـ”نون بوست”: “من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل العلاقة بين النظام والكرد لأنه مرتبط بمآلات التسوية السياسية ومدى القدرة على فرضها”.
معتبرًا الأكراد الآن في مرحلة حاسمة من حياتهم، “الأكراد اليوم على مفترق طرق ولا يملكون قرارهم وسيبقون رهينة التوازنات الإقليمية كونهم إحدى الأدوات المحلية، فمسار التسوية سيحدد مصيرهم لكن يجب ألا ننسى أن الأوضاع في سورية والمنطقة مرشحة للانفجار في أي وقت”.
أفاد الصحفي والباحث خالد حسن “أن المعضلة الكردية متشعبة ومتداخلة ومعقدة وتحكمها تفاهمات وسقف والتزامات وخطوط حمراء وتنافس أمريكي روسي”
مستبعدًا وقوع صراع بين هيئة تحرير الشام والأحزاب الكردية حاليًّا، “الصراع بين الوحدات الكردية والهيئة مؤجل حاليًّا، لكنني لا أستبعد اندلاع المواجهات في أي وقت وهو مرتبط بالقرار الدولي والإقليمي، فإذا كان هناك قرار لقتال الهيئة فسيشارك الكرد في هذه المواجهات جنبًا إلى جنب مع درع الفرات، أما إذا كان هناك اتفاقات وتفاهمات تركية مع الهيئة فقد يحدث العكس، لكن برأيي حتى لو كان هناك مواجهات ستبقى محدودة ورهينة التفاهمات الإقليمية والدولية”.
لافتًا إلى أن المصالح الدولية في سوريا ستساهم في إطالة أمد الصراع وزيادة معاناة السوريين، مؤكدًا “ستبقى المواقف الدولية سلبية لأنها مبنية على مصالح كل دولة بعيدًا عن أي تفكير بإنهاء مأساة السوريين أو إيجاد حل مقبول، لذلك فإن المسألة الكردية ستبقى عامل تفجير”.
من جهة أخرى يرى الصحفي والباحث خالد حسن أن الأتراك لا يمكنهم أن يقرروا أمرًا معتبرًا مؤثرًا في سوريا من دون الرجوع إلى الروس، ويقول الكاتب في حديث لـ”نون بوست”: “الأتراك مستعدون للتفاهم حتى مع نظام الأسد لمعالجة الهوس الكردي، وواشنطن أدارت الصراع بين الأتراك والأكراد في سوريا وعملت على فض الاشتباك وتجنب الصدام بينهما، حيث وضعت للأتراك خطًا أحمر، وكذا الروس وضعوا خطًا أحمر مع الأتراك لا يمكن تخطيه في الموقف الميداني من نظام الأسد”.
أما عن دور روسيا في المسألة الكردية السورية يقول الكاتب: “الروس يحاولون التقريب بين النظام والأكراد في أكثر من مسألة وضمنوا للأكراد تفهمًا مع نظام الأسد لإدارة شؤونهم في محاولة لسحبهم من المظلة والمدار الأمريكي، فالأكراد رجل مع الروس وقلب وعقل مع الأمريكيين، هم يحاولون إدارة علاقاتهم مع كلا الطرفين ويراهنون على دعمهم مقابل التزامات وتعهدات”.
معتبرًا أن تركيا لا ترى في درع الفرات الذي شكلته لمحاربة تنظيم الدولة ولمواجهة المد الكردي، قوى يمكن الاعتماد عليها في مجابهة الخطر الكردي، “درع الفرات أصبح عبئًا على تركيا وهي تحاول أن تصنع منهم جيبًا وذراعًا عسكريًا لها، ولكنها ليست واثقة من قدراتهم العسكرية ولا من أهليتهم، ولهذا نجدها تفاهمت مع الهيئة في إدلب والتزمت بشرط منع تدخل درع الفرات، ربما ترى تركيا في الهيئة طرفًا يمكنها الاستفادة منه في صد أي محاولة للأكراد للتوسع خارج عفرين وربما تحتاجها في أي مواجهة مستقبلية مع الأكراد في عفرين”.
مشيرًا إلى أن القضية الكردية في سوريا معقدة، “فالمعضلة الكردية متشعبة ومتداخلة ومعقدة وتحكمها تفاهمات وسقف والتزامات وخطوط حمراء وتنافس أمريكي روسي، ومحاولة النظام لاحتوائهم وتهديدات الأتراك لهم ومخاوفهم من توسعاتهم، ولهذا أظن أنه يصح في الأكراد حاليًّا الكلام المجمل، أما التفصيل فيصعب الآن مع شدة الغموض والتعقيد والتداخل”.