شهد عقد الثمانينيات تغيرات جذرية على الصعيد الاقتصادي والتجاري، فقد أدى انفتاح أسواق العالم على بعضها إلى زيادة نسب الاستهلاك وأنواع المنتجات والسلع المعروضة وهذا ما دفع المجتمعات الإسلامية المستوردة والأقليات المسلمة في الغرب إلى التساؤل عن مدى توافق هذه المنتجات المتنوعة مع قواعد الشريعة الإسلامية.
وبدأ هذا الوعي الديني بالمنتجات التجارية بالظهور في ماليزيا وإندونيسيا حتى تبنته تركيا فيما بعد مع دول غير مسلمة مثل تايلاند وكوريا الجنوبية ودول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا، وهذا بسبب نشاط هذا السوق والذي أصبح يستقطب مستهلكين من جميع أنحاء العالم، إذ يبلغ حجم سوق المنتجات الحلال في العالم نحو 4 تريليونات دولار، والشركات التابعة لدول غير مسلمة تسيطر على 80% من هذا السوق، وحجم توثيق منتجات الحلال حول العالم يبلغ 6 مليارات دولار وهذا بحسب وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي.
ما المقصود بالمنتجات الحلال؟
تجمعت الجهود العلمية والشرعية للبحث في المنتجات المنتشرة في الأسواق التجارية في العالم والتي انتهت إلى وجود سلع قد لا تلائم عقيدة المسلم، مما جعل جهات معينة تتولى مسؤولية التصنيع والفحص والتوعية بشأن المواد أو العناصر التي يتم استخدامها في تصنيع هذه المنتجات ويحرمها الإسلام مثل مشتقات الخنزير أو الكحول.
السياحة الحلال يقصد بها السفر والترفيه طبقًا لقواعد الدين الإسلامي مثل المقاهي والصالات والمطاعم التي تقدم الأطعمة الحلال والمشروبات غير الكحولية
ومثال على هذه السلع الأحذية والحقائب والملابس المصنوعة من الجلد الطبيعي والتي تعتبر حلالًا إذا كان الحيوان الذي اشتقت منه الجلود ليس من فصيلة الحيوانات المحرمة وجرى اصطياده وذبحه وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى مستحضرات التجميل الخالية من العناصر المشتقة من الخنزير.
أما السياحة الحلال فيقصد بها السفر والترفيه طبقًا لقواعد الدين الإسلامي مثل المقاهي والصالات والمطاعم التي تقدم الأطعمة الحلال والمشروبات غير الكحولية، بالإضافة إلى حمامات السباحة والمنتجعات الصحية والأنشطة الترفيهية المنفصلة للرجال والنساء والشواطئ المخصصة للعائلات حيث يمكن للنساء ارتداء زي السباحة الإسلامي.
صناعة الحلال في تركيا
مؤخرًا، أعلنت تركيا انطلاق فعاليات “القمة العالمية للحلال” والتي تعرض خلالها منتجات حلال بالمشاركة مع دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، إلى جانب مجموعة من الزعماء ورؤساء الدول، وهذا بالتعاون مع المركز الإسلامي لتنمية التجارة ومعهد الدول الإسلامية للمواصفات والمقاييس.
سوف تتم هذه الفعالية تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن المرجح أن يزور هذه الفعالية نحو 7 آلاف و500 شخص و200 من ممثلي العلامات التجارية والمؤسسات والمنظمات في 80 دولة، وذلك لتحديد الأهداف التجارية لقطاع المنتجات الحلال، وطرق تحقيق هذه الأهداف.
يرى وزير الاقتصاد التركي زيبكجي أن كلمة “حلال” تعبر عن مصطلح ديني ولكنها في نفس الوقت تشكل أحد المحركات الأساسية للتجارة الدولية، خاصة أن هناك ملياري مسلم يعتمدون على المنتجات الحلال وبالتحديد الأطعمة والمواد الغذائية التي يفضلها ملايين الأشخاص غير المسلمين لما تتميز به هذه السلع من نظافة وجودة ودقة في التصنيع.
قال زيبكجي: “رياح الصناعة التركية على وشك أن تصل إلى كل مكان”، وأضاف “سنقدم صناعاتنا وعلامتنا التجارية وإنجازاتنا في كل مكان وسوف نركز جهودنا على جعل أي مستهلك يشتري منتجًا في أي زاوية من زوايا العالم يرى عليه عبارة صنع في تركيا”
كما نوه زيبكجي إلى ضرورة مشاركة تركيا بشكل فعّال في هذه الصناعة بالمشاركة مع الدول الإسلامية الأخرى، لتحقيق نظام تجاري إسلامي معتمد على معايير مشتركة للمنتجات الحلال في قطاعات الغذاء والدواء والسفر، بسبب حالة الفوضى والعشوائية التي يعيشها السوق بدءًا من تعريف مفهوم “الحلال” ونهاية بنشر سمعة جيدة عن المنتجات التي تحمل شعار “حلال” حتى تبني جسرًا من الثقة والمصداقية مع المستهلكين وتزيل أي شكوك.
واستعدادًا لهذه الخطة التجارية، وافق البرلمان التركي على مشروع إنشاء وكالة اعتماد “الحلال” والتي ستكون المؤسسة الوحيدة التي لديها سلطة تقديم خدمات ومنتجات الحلال في تركيا.
من أبرز مهماتها منح رخص اعتماد للمؤسسات المطابقة لمعايير وشهادة الحلال داخل تركيا وخارجها، وهذه الشهادة تصديق بأن المنتجات مسموح بها بموجب الشريعة الإسلامية، أي أنها صالحة لاستخدام المسلمين وهذا بالتعاون مع مؤسسات أخرى حول العالم، كما سيكون لهذه المؤسسة ميزانية خاصة ومستقلة إداريًا وماليًا.
وتعليقًا على هذا القرار قال زيبكجي: “رياح الصناعة التركية على وشك أن تصل إلى كل مكان”، وأضاف “سنقدم صناعاتنا وعلامتنا التجارية وإنجازاتنا في كل مكان وسوف نركز جهودنا على جعل أي مستهلك يشتري منتجًا في أي زاوية من زوايا العالم يرى عليه عبارة صنع في تركيا”.
ما مدى نجاح هذه التجارة؟
بحسب بيانات منظمة التعاون الإسلامي، فقد شهدت التجارة الحلال نموًا سريعًا عام 2015 محققة أكثر من 2.3 تريليون دولار، حيث تشكل صناعة الأغذية والمشروبات أكبر حصة من هذه التجارة بنسبة 67% من مجموع التجارة الحلال وهذا بقيمة 1.4 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على هذه المنتجات لتصل إلى 1.6 تريليون دولار في بداية عام 2020.
أما بالنسبة إلى السياحة والسفر الحلال، فتشير بيانات المنظمة إلى أن نحو 121 مليون مسلم سافروا في عام 2016، مقارنة مع 117 مليون عام 2015، وهو ما يمثل 10% من اقتصاد السفر إجمالًا، ومن المرجح أن يزيد العدد ليصل إلى 156 مليون مسافر عام 2020، إضافة إلى زيادة في حجم الإنفاق بمبلغ يصل إلى أكثر من 220 مليار دولار أمريكي، إذ تعتبر تركيا من أفضل الوجهات السياحية للمسلمين في عام 2017، وهذا وفقًا لبحوث سوق السفر الإسلامي العالمي التي يصدرها مؤشر ماستركارد العالمي للسفر الإسلامي.
تعتبر تركيا من أكثر الدول التي تتوفر فيها المنتجعات الساحلية
وفي تقرير نشره موقع فايننشال تايمز، يقول إن تركيا تجذب أعدادًا كبيرة من السياح القادمين من الشرق الأوسط وهذا حسب أرقام جمعية السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة التي كشفت أن عدد القادمين من الشرق الأوسط زاد من 2.1% عام 2011 إلى 3.7% عام 2015، كما أشارت إلى تزايد عدد الزوار التابعين لدول مجلس التعاون الخليجي في النصف الأول من عام 2017، إذ قدر عددهم بنحو 360 ألف سائح أي بزيادة 26% عن نفس الفترة الزمنية في عام 2016 وذلك بسبب ملاءمتها للمعايير الدينية.
كذلك تعتبر تركيا من أكثر الدول التي تتوفر فيها المنتجعات الساحلية، إذ يبين نفس التقرير أن السياح من السعودية هم الأكثر إنفاقًا على خدمات السياحة والسفر، ففي عام 2015 أنفقوا نحو 19 مليار دولار، أما زوار الإمارات فقد أنفقوا نحو 15 مليار دولار، وسياح قطر 12 مليار دولار وجاءت الكويت في المرتبة الرابعة بواقع 9 مليارات دولار.
وتفسيرًا لهذا الانجذاب الكبير نحو سواحل تركيا وخدماتها السياحية يقول مدير دينار ستاندرد رفيع الدين شيخون: “تركيا هي الوجهة الطبيعية، فالسوق والفرص هناك واحتياجات المسافرين المسلمين تعكس حاجات الآخرين بطرق أخرى، ويريدون السفر للأماكن نفسها والحصول على التجربة ذاتها، ولكن هناك ملامح خاصة متعلقة بالدين ويريدون الحصول عليها بسهولة مثل توفر الطعام الحلال الذي يمكن الحصول عليه بسهولة في دول مثل تركيا”.
وعلى الرغم من الخدمات الحلال التي تقدمها تركيا وفنادقها فقد لا تلقى إعجاب سياح آخرين من الدول الغربية بسبب عدم توافر الكحول ولحم الخنزير وغيرها من المظاهر التي يفضلها السياح الغربيين.
وهذه الجهود تأتي مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة والذي يسعى إلى دمج الهوية الدينية للشعب التركي مع حياته اليومية دون التعدي على الحريات التقليدية، ولكن بمنح المزيد من المساحة للمواطنين والأجانب الذين يفضلون هذا النوع من الالتزام الديني ويتطلعون للبقاء في تركيا دون غيرها من الدول، خاصة أنها دولة تجمع بين الطابع العلماني والإسلامي.