نشر وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الارهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين شهادته أمام مركز “الأمن الأمريكي الجديد” بخصوص مواجهة التحديات الجديدة في تمويل الإرهاب.
وعرض كوهين عددا من “نجاحات” الاستخبارات الأمريكية في الحرب على الإرهاب وتقويض مصادر تمويله عبر العالم، حيث أكد أن تنظيم القاعدة اليوم هو أقل تمويلا بكثير مما كان عليه قبل عشر سنوات إلا أن الأمريكيين يواجهون تحديات جديدة في “تمويل الإرهاب”.
وعرض كوهين عدة وثائق اكتُشفت في مالي أثناء الحرب الفرنسية على الجهاديين في أفريقيا، وظهر من تلك الوثائق الفقر الذي يعيشه الجهاديون، حيث كان الجهاديون يحتفظون بكل “سنت” يتم إنفاقه، بما فيه الصابون المستخدم للغسيل وغيرها، كما أن الأرقام الواردة في تلك الوثائق تثبت رخص الثمن الذي يتكلفه الهجوم على الولايات المتحدة على سبيل المثال.
فمثلا ظهر على غلاف مجلة تصدرها القاعدة في جزيرة العرب الرقم “4200” مكتوبا على طائرة أمريكية، في إشارة إلى أن محاولة فاشلة لتدمير طائرة أمريكية في المجال الجوي للولايات المتحدة، حيث لم تكن العملية لتتكلف أكثر من 4200 دولار!
العمليات بشكل عام تتكلف أموالا أقل كثيرا مما كان يُعتقد، الهجوم على ماراثون بوسطن تكلف أقل من 500 دولار، أما الهجوم الأخير على المركز التجاري ويست غيت في نيروبي تكلف أقل من 5000 دولار رغم الخسارة الكبيرة التي ألحقها الجهاديون بالمصالح الغربية في تلك العملية وعدد المشاركين الكبير.
وقال كوهين أن ممولي التنظيمات المتطرفة لا يثقون بالنظام المالي العالمي، ويستخدمون طرق أقل فعالية في نقل الأموال والتعامل معها، فلا يتعاملون عادة مع البنوك الكبرى لكن شركات الصرافة وشركات نقل الأموال وتُعتبر أغلى في المعاملات من حيث التكلفة النهائية.
وأما من حيث المصادر فقد قال كوهين إن هناك عددا من الدول الداعمة للإرهاب، إيران هي الدولة الأكبر المهتمة بدعم عمليات ضد الولايات المتحدة. أما -وللأسف بحسب كوهين- الحليفة قطر فإنها بشكل علني مولت حركة المقاومة الإسلامية حماس، كما أن الحكومة القطرية الحالية تدعم الجماعات المتطرفة العاملة في سوريا، بالإضافة إلى دور المنظمات الخيرية القطرية.
وذكر كوهين قضية عبدالرحمن النعيمي القطري وعبدالوهاب الحميقاني اليمني، وكلاهما وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة ممولي الإرهاب – فيما يعتقد مراقبون أنه إجراء عقابي على تناول المنظمة الحقوقية التي يرأسها النعيمي والحميقاني قضية الطائرات بدون طيار في اليمن وإدانة الإدارة الأمريكية بشدة – حيث قالت الوزارة إن النعيمي مسؤول عن تقديم الدعم المالي لتنظيم القاعدة وفروعه في سوريا والعراق والصومال واليمن وجزيرة العرب.
قطر ليست الوحيدة، هناك أنصار للجهاديين في تركيا وباكستان والسعودية. لكن كوهين يقول إن الأخيرة حققت تقدما كبيرا في القضاء على مصادر تمويل القاعدة داخل حدودها.
وقال كوهين إن مصادر التمويل تلك ساعدت في تأجيج الصراع السوري وتحويله إلى أزمة إنسانية وخيمة. ورغم أن الكويت اتخذت عددا من الخطوات لتعزيز قدرتها على مكافحة التمويل غير المشروع، مثل سن قانون جديد يجرم تمويل الجماعات الإرهابية إلا أن هناك بعض المواقف غير المشجعة. فقد عينت الكويت نايف العجمي ليكون وزيرا للعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية وهو معروف بتاريخه لدعم “الجهاد” في سوريا وتمويل جبهة النصرة، وبعد تعيينه أعلنت وزارته عن سماحها للمنظمات غير الهادفة للربح بجمع تبرعات لسوريا في مساجد الكويت، وهو ما سيؤدي إلى فتح باب لجمع تبرعات للمنظمات الإرهابية بحسب كوهين.
وبالإضافة إلى تلك الطريقة من جمع التبرعات، إلا أن هناك طرقا أخرى أكثر نجاعة في الحصول على التمويل، وهو ما يسمى بـ”التمويل المولد ذاتيا”. حزب الله يهرب السجائر، طالبان تهرب المخدرات وجماعة حقاني تتصرف كالمافيا. القاعدة تجمع ملايين الدولارات سنويا من الفدى التي يطلبونها من الرهائن الذين يختطفونهم!
هناك جماعات أخرى تقوم بفرض ضرائب على السكان في المناطق التي يسيطرون عليها، ما زالت حركة الشباب الصومالية تفعل ذلك في المعاقل الباقية لها في جنوب الصومال ما يوفر لها مئات آلاف الدولارات شهريا. دولة العراق والشام (داعش في سوريا) تقوم ببيع النفط العراقي والسوري حتى لو كان للنظام السوري نفسه!
ويقول كوهين في تقريره إن مجموعات مثل حزب الله استفادت من غسيل الأموال الآتية من تجارة المخدرات وشراء منازل في لبنان أو سيارات مستعملة وتصديرها في غرب إفريقيا.
ولم يتجاهل كوهين دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد وكيف ساعدت “الإرهابيين” في جمع الأموال، خاصة مع ظهور العملات الافتراضية مثل بيت كوين، وهو ما ساعد على وضع تصور جديد للمعاملات المالية وآليات نقل القيمة من خلال ما يُعرف بالشبكة القاتمة أو الشبكة العميقة Dark Web, Deep Web.
وحصل ديفيد كوهين على منصبه بتعيين مباشر من باراك أوباما قبل أن يؤكد التعيين مجلس الشيوخ. ومكتب الإرهاب والاستخبارات المالية يُعد واحدا من بين ستة عشر وكالة استخباراتية في مجتمع الاستخبارات الأمريكي، وأُسس الفرع في مايو من العام 2004 من قبل إدارة جورج بوش الإبن في ذروة “الحرب على الإرهاب”.